من تأملات سفر نشيد الأناشيد ... أنا سوداء وجميلة (أ) (نش 1: 5) ++ البابا شنودة الثالث


من تأملات سفر نشيد الأناشيد ...  أنا سوداء وجميلة (أ) (نش 1: 5) ++ البابا شنودة الثالث

 هذه العبارة تقولها كنيسة الأمم.

التي تعتبر سوداء لأنها كانت غريبة عن رعوية شعب الله بلا ناموس, لا أباء ولا أنبياء, بلا وعود من الله, وبلا عهود منه, وبلا معرفة إيمانية به (أف 2: 12). فهي من هذه الناحية سوداء في نظر اليهود ولكنها تخاطبهم قائلة "أنا سوداء يا بنات أورشليم" من وجهة نظركم أنتم ولكني جميلة في عيني الرب.

 النفس البشرية الخاطئة, هي أيضا سوداء.

سوداء من جهة ضعفها وسقوطها ولكنها جميلة بدم المسيح الذي يطهرها من كل خطية (1 يو 1: 7) فهي تقول أنا سوداء في حالة الخطية ولكن جميلة في حالة التوبة, سوداء في حاضري وماضي ولكني جميلة في المستقبل, بالرجاء.. آنا سوداء وآنا بعيدة عن الله ولكني أؤمن بقوة الله الذي سينتشلني مما أنا فيه وهو الذي سوف يتوبني فأتوب (أر 31: 18) وأصبح جميلة, لأن الجمال هو طبيعتي التي خلقت بها كصورة الله على شبهة ومثالة (تك 1) باعتباري نفحة خرجت من فم الله, واستقرت في ترابي (تك 2).

 أنا جميلة -كصورة الله- أما الخطية فهي دخيلة على طبعي.

هذه الخطية زحفت إلي من سبب خارجي "لأن الشمس قد لوحتني" ولكني جميلة باعتبار أن نعمة الله لابد ستفتقدني في يوم ما, وسيعمل في روحه القدوس ولن يتركني إلي سوادي.

 لقد كنت سوداء بخطيتي الجدية المورثة.  ثم تجددت في المعمودية.

دخلت جرن المعمودية، حيث صُلِبَ إنساني العتيق (رو 6: 6) "ليبطل جسد الخطية".  وخرجت من جرن المعمودية بيضاء وجميلة.

ثم اسودَّت بشرتي، لأن الشمس قد لوَّحتني.  ولكني واثقة أنني سأدخل جرن التوبة، حيث يغسلني الرب فأبيض أكثر من الثلج (مز 50) وأصبح جميلة.

الله الحنون سوف ينضح عليَّ بزوفاه فأطهر.  سيخلق فيَّ قلبًا نقيًا.  وأيضًا سوف يجدد روحًا مستقيمًا في أحشائي (مز 50).  وبنعمته سوف يردني إلى رتبتي الأولى، الجميلة.

 أنا سوداء لأني في مرحلة من التخلي "طلبته فما وجدته".

ولكني واثقة بالرجاء أني لابد سأجدهُ ولو بعد حين. وحينئذ سيلقي على بره, فأصبح جميلة مرة أخرى.

 أنا سوداء يا بنات أورشليم البيض الجميلات.. ولكني أحذركن:

لا تشمتن بي، ولا تهزأن بسوادي كأنه عار.

فالرسول يمنعكن إذ يقول " أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم. واذكروا المذلين كأنكم انتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). كما يقول من هو قائم، فلينظر لئلا يسقط (رو 11)، كلكم معرضون أن تلوحكم الشمس مثلي.

 لقد كانت لي أخت سوداء وصارت جميلة. أنها الأرض!

قيل في اليوم الأول أن الأرض "كانت خربة وخاوية، وعلى وجه الغمر ظلمة" (تك 1: 2) تلك الظلمة تعني أنها سوداء.. "ثم قال الله: ليكن نور, فكان نور". وصارت الأرض الخربة جميلة، وامتلأت بالثمار والأزهار " ورأى الله ان ذلك حسن".

وأنا أيضًا أنتظر اليوم الذي يقول فيه الرب: ليكن نور.

فيكون نور. ويرى الله النور إنه حسن. وأصير جميلة.

إنني أعيش برجاء ذالك اليوم لست أعيش في ظلمتي الحاضرة, وألا خنقني اليأس!.. إنني بالرجاء انتظر النور الآتي. انتظر أن يغسلني الرب, فابيض أكثر من الثلج. أن عبارة "أبيض أكثر من الثلج" عبارة معزية مملوءة بالرجاء. سأعيش فيها.

 إن كنيسة الأمم عندما قالت أنا سوداء وجميلة, كانت في عمق الإيمان بالخلاص الأتى.

كانت مؤمنة بمجيء من يحمل خطايا العالم كله.

وعندما قالت أنا جميلة ذكرتني بقول المرتل في المزمور: " أرحمني فأني بار" (مز 86)، وفي قوله هذا، لم يتكلم عن بره الذاتي، إنما عن البر الأتي بالدم المسفوك، الذي سيطهره فيبيض أكثر من الثلج "متبررًا مجانا بالنعمة" (رو 3: 24) وبنفس الوضع تقول عذراء النشيد عن نفسها إنها جميلة فالرسول يقول " لان جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح (غل 3: 27) أي لبستم البر الذي له.

 لي أخت أخرى كانت سوداء وجميلة. هل تعرفنها يا بنات أورشليم؟ إنها أورشليم نفسها كما وصفها سفر حزقيال.

قال لها الرب وهي مطروحة بنجاستها على الأرض "مررت بك ووجدتك مدوسة بدمك. فقلت لك بدمك عيشي" (حز16). هكذا كانت حياتها وهي سوداء.. ثم يقول لها الرب بعد ذلك " فمررت بك ورأيتك وإذ زمنك زمن الحب. فبسطت ذيلي عليك وسطرت عورتك ودخلت معك في عهد, فصرت لي. فحممتك بماء. (أي المعمودية) وغسلت عنك دمائك (بمغفرة خطاياك), ومسحتك بزيت, (أي بزيت الميرون في المسحة المقدسة) وألبستك مطرزة. وكسوتك بزًا أي حرير (بسر التوبة) وحليتك بالحلي (بالفضائل) فتحليت, وجملت جدا فخرج لك أسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك" (حز 16).

هذه قصة السوداء التي صارت جميلة، إذ افتقدها الرب.

وكان ذلك في "زمن الحب" أي الزمن الذي رآه الرب مناسبا لإظهار حبة، وما أدق عبارة "جمالك كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليك" إنه جمال من الله وليس جمال من تلك النفس، إنه بر المسيح وليس برها الذاتي. إنه منحة الله للنفس، وليس عمل الذراع البشري.

 نفوس كثيرة كانت سوداء وصارت جميلة.

مثل نفوس التائبين جميعا, مثل موسى الأسود, وأغسطينوس، وبيلاجية، ومريم القبطية، وأريانوس والي أنصنا، واللص اليمين..

ولكن هذه النفوس لا تقول "أنا سوداء وصرت جميلة" وإنما تقول "أنا سوداء وجميلة" لأنها تعيش بالرجاء. فترى المستقبل كأنه قائم أمامها, إنها نفس واثقة, إنها غالية عند الرب, مهما سقطت!

 هناك نفوس أخرى ترونها أنتم سوداء ويراها الرب جميلة!

مثال ذلك شاو ل الطرسوسي المضطهد للكنيسة. كم كان أشد سواد هذه النفس في نظر المؤمنين, حينما كان يهجم ويقتاد رجالا ونساء إلي السجن. أما الرب فنظر إلي نفس شاول السوداء, بل التي كانت جميلة في غيرتها وإن كانت غيرة ليست حسب المعرفة وقال له " صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9).. إنني أغسلك وأنت ترفض الصابون والماء والليف! ومع ذلك سأظل أغسلك إلي أن تبيض أكثر من الثلج فيما تغسل خطاياك (أع 22: 16) وبعد ان تبيض سأريك كم ينبغي أن تتألم من أجلي, سيرجمونك, وسيضربونك بالسياط, ويسيل الدم على نفسك البيضاء.. وأغني لك أنشودتي " حبيبي أبيض وأحمر".

 أنا نفسي سوداء قد أكون مائتة مثل الابن الضال.
حسبما قيل عنه "ابني هذا كان ميتا فعاش" (لو 15: 24).
 وقد يقال عني "قد أنتن" مثل لعازر (يو 11: 39).
أنا واثقة من إني سأخرج من القبر, وسأرجع إلي بيت عنيا. وهناك سيزورني الرب ومعي مريم ومرثا..

 أنا نفسي ساقطة, ولكنني لست ضائعة..

سيمسك واحد من السارافيم جمرة من على المذبح, ويمسح بها شفتي, قائلًا: قد طهرت. قد كفر عن خطيئتك. لن تموت.. وسيأتي الرب بلقان, وسيأتي بمئزر ويغسل قدمي, لكي أصير طاهرا كلي، كباقي التلاميذ، وكباقي النفوس التي هي مثلي سوداء. ويقول "ها أنتم الآن طاهرون" (يو 13: 10).

 أنا سوداء وجميلة, والخطية تلطخني من الخارج فقط. أما قلبي فهو في داخلي يحب الله!

مثل بطرس الذي أنكر سيدة ثلاث مرات, وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 72) ومع ذلك قال للرب بعد القيامة: أنت يا رب تعرف كل شيء. أنت تعلم أني أحبك (يو 21: 17).

  الخطية غريبة عني, وأنا غريب عنها, أنها سقطة ضعف وليست خيانة!

إرادتي في الخارج سوداء, أما نفسي من الداخل فهي بيضاء, كل ما كان مني من إنكار هو نفسي الخارجية الضعيفة السوداء, أما الحب الذي في قلبي، فهو نفسي الحقيقية الجميلة , نفسي الخارجية يلطمها الشيطان فتسود، أما قلبي من الداخل فجميل، وهذا السواد الخارجي سوف أخلعة حتمًا, سأخلعة الآن. وسأخلعه عندما ألبس جسدًا نورانيًا روحانيًا لا يخطئ (1كو15: 44, 49) جسما لا يتصل بالمادة بعد.

 أنا سوداء وجميلة كخيام قيدار، كشقق سليمان. وكأنة قيل عني, كنت خلال ذلك أكافح، نفسي وأجاهد, حتى كأنني اثنان في واحد, هذا يدفعني, وذلك يمنعني.

هذه النفوس المجاهدة التي تحارب حروب الرب. فتسقط حينا، وتقوم حينا أخر، وقد يجرحها الشيطان وقد يشوه بعض أعضائها، هي على الرغم من سقوطها، سوداء وجميلة، مهما جرحت في الحرب، هي جميلة، لأنها لا تلقي سلاحها، ولم تستسلم نهائيا للعدو. ولم تفقد إخلاصها الداخلي للرب، مهما جرحت.

 كلما عاش الإنسان في حياة الاتضاع، يجد نفسه سوداء وفي نفس الوقت جميلة!

مثل نفس العشار الذي لم يجرؤ أن ينظر إلي فوق.. وإنما بانكسار قلب وبخجل, قال: ارحمني يا رب فأني خاطئ (لو 18: 13) حقا إنها نفس سوداء وجميلة, ما أعظم وأعمق هذه المقابلة:

العشار نفسه سوداء وجميلة, والفريسي لم يكن جميلا وهو أبيض.

نفس أخرى كانت سوداء وجميلة, هي نفس اللص اليمين على الصليب, كان لصا ومازلنا نسميه باللص, وهي كلمة ترمز لسواده، وكلمة اليمين ترمز لبره في المسيح.

راحاب الزانية -كذلك اللص- كانت سوداء وجميلة.

كانت امرأة مشهورة إنها خاطئة، ولكن الحبل القرمزي كان يقول إنها أكثر جمالًا من كل سكان أريحا (يش 6).

 كل نفس سوداء وجميلة تناديكم: لا تحكموا حسب الظاهر.

إن الظاهر لا يقدم الحقيقة مطلقا. لما رأى صموئيل النبي الابن البكر ليسى قال "هوذا أمام الرب مسيحة "، بينما قال الرب " أنا قد رفضتة" وقال لصموئيل: "لا تحكم حسب الظاهر "، بينما اختار الرب داود الذي كان يقول " صغيرا كنت في بيت أبي، ومحتقرا عند بني أمي". هذا الصغير الذي صار مسيحآ للرب وحل علية روح الرب (1 صم: 16).

 عبارة " أنا سوداء وجميلة " يمكن أن يقولها كل ضعيف اختاره الرب.

فالرب قد أختار تلك النفوس السوداء الجميلة "أختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء, وأختار الله ضعفاء العالم ليخزي الحكماء, وأختار أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود.. (1كو1: 27, 28) أختار مجموعة من الصيادين ليكونوا رسله، وأختار موسى الأغلف الشفتين ليكون كليمه، وأختار أرميا الصغير ليكون نبيا للشعوب.. واختار العشار متى بين لأثنى عشر، وتوما الشكاك أيضًا بينهم. إنها نفوس كانت تبدو للكثيرين سوداء في ضعف مكانتها، ولكنها كانت في نظر الله جميلة. نعم إنه الله الذي قيل عنة: الساكن في الأعالي، والناظر إلي المتواضعات.

المقيم المسكين من التراب والرافع البائس من المزبلة, لكي يجلس مع رؤساء شعبة. الذي يجعل العاقر ساكنة في بيت, أم أولاد فرحة (مز 113). نعم هذه النفس الخارجة من التراب ومن المزبلة تصلي إليه قائلة في شكر: أنا سوداء وجميلة.

 أنا ضعيفة أعمل بقوة الله،وجاهلة أتكلم بحكمة الله

أنا المزدري وغير الموجود, ولكن الله منحني وجودًا..

في إحدى المرات اختار الله حفنة تراب مدوسة في الأرض, ونفخ فيها نسمة حياة، فصارت نفسا حية (تك 2)، وجعلها الله على صورته ومثاله وإذ صارت كذلك، انطبقت عليها عبارة:

"أنا سوداء وجميلة".

ألست ترى معي أيها القارئ العزيز أن هذا الموضوع له بقية طويلة؟ نعم إنه لكذلك..

من روائع عظات مثلث الرحمات الانبا ميخائيل اسقف اسيوط المتنيح




 من روائع عظات مثلث الرحمات الانبا ميخائيل اسقف اسيوط المتنيح
† ايها الرب يسوع تفضل ، وأضرم روحك فى أعماقنا لكى ندرك نعمتك الغنية التى تعمل فينا بإسمك القدوس ، وكم نحن فى حاجة لان ترافقنا طوال حياتنا الارضية الى أن نتلاقى بك فى أمجادك السماوية . لك المجد يا مسيحنا لانك تعطف علينا دوماً ، وتشملنا بتعزياتك ورعايتك فلك المجد ، لك الشكر ، لك الخضوع منا كل حين آمين .
 
† روح الله الذى رفّ على وجه المياة قديماً حينما ابدئت الخليقة ( الكون والارض ) التى نعيش فيها ، استمر الروح يعمل ويبدع .. لكن بالنسبة للانسان المخلوق لم يكن فية الاستعداد الدائم ـ فى ذلك الحين ـ لكى يتحمل فى أعماقة هذة القوة اللانهائية التى تحيط بالكون ..
 
† صحيح أن السماء كانت تتعطف وترافق انسان العهد القديم .. ترى السماء مواقف معينة يقتضى الامر فيها أن تتدخل وتساند الانسان وتقف الى جانبة .. لكن لم يكن فى مقدرة انسان العهد القديم أن يتقبل هذة النعمة ( الروح القدس ) لان الضعف الكامن والخطية التى لازمتة لاتؤهلانة لإستقرار هذة النعمة ودوامها . فلايتفق أن يكون الانسان فى خطيتة الموروثة وخطيتة الفعلية مؤهلاً ومستعداً على الدوام لملازمة هذة القوة .. لذلك ينادى داود وهو يستعطف السماء ويقول : ” قلباً نقياً أخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جددة فى أحشائى”.
 
† ولعلنا نتساءل : ( طيب ) ماانسكب النعمة على داود الصغير حينما دخل صموئيل الى بيت يسى أبوه حاملاً قنينه الزيت وسكبها علية وأقامة ملكاً وأعدة ليكون مكان شاول الذى عصى وحاد عن الشريعة .. ونزُعت منة كل موهبة صالحة ، فأين الهبة السمائية والعطية التى أعطيت لك ياداود ؟! أعُطيت لكى تلازمك وتعدك لكى تكون مسئولاً عن الرعية .. أعطيت لك كملك ؟! ولكن حينما طاش ذهنك ، وأنحرف فكرك وجنحت بعيداً وتطلعت الى ( القليل المحدود ) وأنت تملك الكثير .. طمعت .. وأغتصبت زوجة قائد فى جيش المملكة خاضع لك .. ودبرت له المؤامرة لكى يكون فى المقدمة فى مرمى الاعداء .. وتمت المؤامرة الشريرة بنجاح .. سيطر على ذهنك أن يخلو لك الطريق فتصل الى أمتك ( دون لوم من أحد كما كنت تظن ) أستدعيت زوجها القائد البرئ من ساحة المعارك ليدخل الى بيتة ويهنأ مع زوجتة ولكن شرفة وأمانتة وأستقامتة دفعتة للاصرار على العودة للميدان ناصراً .. شعر القائد بالتكليف السماوى فلابد أن يكون فى الميدان مدافعاً عن شعب اللة .. وأستمر داود فى غفلتة .. لم يستيقظ ؟ اين النعمة التى أنسكبت علية عندما أقامة اللة ملكاً ؟ أين هى القوة التى تحرك ضميرة ، نام وأستنام وظن فى نفسة أن كل الحقوق مسموحة له .. لم يشعر ، ولم يتحرك ، بل أستمر وأغتنم تلك الزوجة ومرت الايام ..
 
† لكن اللة فى عطفه وحنانه ورحمتة الكامله الذى لايشاء موت الخاطئ بل أن يرجع الية ويحيا ، يبعث الية بنبيه ناثان والذى يخبرة بالقصة المعروفة قال :( هناك من يملك أغنام كثيرة .. أحتاج يوماً أن يذبح واحدة منها لضيف جاءه .. تغلب علية طمعة وجشعة فلم يرد أن يذبح من الاغنام التى يمتلكها .. نظر الى جاره يملك واحدة أخذها منه وذبحها ) ثم قال: (مارأيك ياجلاله الملك ) تنبة داود الملك القاضى العادل .. قال ناثان : (ما رأيك فى من فعل هذا ؟!) أصدر داود الحكم ( يجب أن يقتل ) فأسرع النبى بالقول : أنت هو الرجل ؟! روح الله حل على ناثان النبى وواجة الملك ولم يخشاة بل وبخه .. عاد الملك داود الى رشده .. أستيقظ من غفلته وصرخ أخطأت الى الرب .. وردد ناثان : صوت من السماء يقول لك والرب رفع عنك خطيتك .. هنا يتبدل الحال .. يغرق داود فى البكاء والندم .. أيقظ صوت النبى ضميرة تتفجر ينابيع العلاقة الحلوة مع اللة ..
 
† لسنا أذن نروى قصة مضت فصولها .. فليس الامر قاصراً على داود الملك .. كثيراً مانطمع .. كثيراً مايقاوم القوى الضعيف .. القوى قد يكون أنساناً متسلطاً أو غنياً يريد المزيد لا يراعى اللة ولا يشعر بتبكيت فى ضميرة .. لايعرف مقاييس العدالة أنما يحتمى بغناة وسطوتة .. بقوتة الارضية يفعل ما يريد ؟! لكن الله يقظ ومنتبه .. لايمكن لانسان أن يفلت من العدالة الالهية .. لكن رغم ذلك ( وفى ظل هذة الظروف ) لا يترك اللة الانسان وحيداً دون مرشد ينير له الطريق ..
 
† لذلك الله فى عطف .. مسيحنا المتجسد قال لتلاميذه : لما كنت أنا معاكم كنت بأرشدكم ، بأعلمكم ، وبأطوف فى مجامعكم وأرشدكم للطريق الصحيح بأقوالى وتعاليمى ومعجزاتى .. وحين أصعد للسماء لن أترككم أرشادى لكم سيتواصل .. قد تحدث النكسة كما حدث لبطرس أنكر وسب ، وكما حدث لشاول المفترى الذى كان يضطهد كنيسة المسيح بأفراط لكن بعد أن أستنار بالروح القدس وبالجاذبية السماوية التى أيقظتة وأنارت له ضميرة وعرفتة الحقيقة .. قال : فعلت بجهل .. يآة أنت يابولس المتعلم ، الحافظ للشرائع ، المتفوق فى جيلك ترجع وتقول : فعلت بجهل ؟! وتقول : أنا مثل ” السقط ” ظهر لى أخيراً .. يآة .. ( أنت مثل السقط ) ألم تكن مولوداً كاملاً .. قال : أنا فى جهلى وفى غبائى فعلت .. أننى غير مستحق .. كان على عيّنى وعلى بصيرتى غشاوة ، وحدثت فعلاً الغشاوة .. وأشرق له النور فى الطريق .. وسقط بولس على وجهه وأقاموه وهو لايرى .. أقتادوة وأدخلوه الى دمشق ، يرسل له الرب حنانيا ، فى الطرق يقول الرب : ( ياشاول .. أنت بتضطهدنى صعب عليك أن ترفس مناخس ) ، هل تستطيع أن تمسك حربة وتطعن بها نفسك ؟! عمل غير معقول .. شاول القوى المفترى يقودونه كأعمى .. يستقظ من غفلتة وتسقط القشور من عينية .. كلنا عندنا القشور دى .. علشان كده يقول الرب يسوع : يا مرائى أخرج أولاً الخشبة من عينيك .. عندئذ تستطيع أن تخرج القذى الذى فى عين أخيك .. تقول لاخوك .. أنت بتعمل كذا ، وكذا .. وأنت فى عينك خشبة كبيرة وعينيك عمياء بالعالم ، مطامع العالم ، وأهوائة و شهواته .. ( أخرج أولاً ) .. أنت شوف نفسك أولاً .. وطلّع الخشبة من عينيك وبكدة تقدر تقدم نصيحة حلوة لاخيك .. تجد عندة قذى صغيرة ( قشة صغيرة ) يمكن أخوك برئ .. أنظر أولاً لنفسك وقدم حساب عن نفسك ثم  أشفق على أخوك ..
 
† اليشع النبى تلميذ أيليا العظيم شعر أن معلمة قاربت أيامه على الانتهاء .. قارب أن يفارقه .. تنبة اليشع للموقف .. قال له معلمه : ماذا تطلب ؟! رد : أثنين من روحك ، الروح اللى عليك يا أبى قوية جداً أنا أريدها مضاعفة .. لاأريد شيئاً إلا روحك القوية .. مجابهتك للملوك رد شعبك لعبادة الله الحى .. وقفتك أمام أخاب الملك .. بل وبختة علانية علىأفعاله الرديئة ، ومطامعة الشريرة .. أغتال حقل الرجل المسكين ( نابوت اليزرعيلى ) أغتال الحقل ولا على بالة .. ظهر حزيناً ومكتئباً وزوجتة تسأل ( مالك حزين ومكتئب ) قال : الراجل اللى أسمة نابوت رفض يعطينى الارض .. يآه قطعة الارض البسيطة دى تطلع اية بجانب كل الاملاك ؟! .. لكن على رأى المثل ( الكعكة فى يد اليتيم عجبة ) .
 
† تماماً ينطبق هذا المثل على المستنقع المجاور لدير العذراء بجبل أسيوط على ( الطريق ) .. أحببنا أن نطلبها من وزارة الزراعة لتكون غابة شجرية موقع للصرف الصحى للدير فى المنطقة الجبلية لكى لاتكون مبعثاً للامراض والاوبئة وللحفاظ على البيئة .. والمستنقع دة لايمكن أزالة المياة منة بأى وسيلة .. لانة محصوراً مابين الجبل والطريق حوالى 12 فدان جبلية .. والقرارات تتكرر من المسئولين ( لازم يتشال كل الشجر ) .. طب نعمل أية فى التلوث فى مدخل الدير والهواء لايمكن أستنشاقة ؟! وتتكرر قصة نايوت ؟ وتتكرر أيضاً قصة داود ؟! هذة قوات أرضية لتعمل ماتشاء .. واما نحن فى يد الرب الذى يسطيع أن يخلصنا من جليات وأمثاله ..
 
† لنرجع الى ايليا وتلميذة اليشع .. أخذ أيليا رداؤه ولفه وضرب ماء الاردن فإنفلق وعبرا  وقال أيليا لاليشع أطلب ماذا أفعل لك ؟ فقال اليشع ليكن لى نصيب أثنين من روحك ياأبى .. فقال له صعبت السؤال .. أن رأيتنى اؤخذ منك يكون لك ماطلبت .. وفيما هما يسيران ويتكلمان .. مركبة نارية وخيل من نار ففصلت بينهما وصعد ايليا فى العاصفة .. واليشع لم يرى ايليا بعد .. ورفع رداء أيليا الذى سقط عنة ورجع ووقف عند الاردن .. وضرب الماء فإنفلق وعبر أليشع .. وعرف الانبياء أن روح أيليا أستقرت على أليشع وأخذ الضعفين من النعمة الالهيه .
 
† ده عمل اللة الكامل .. يأتى يوحنا المعمدان ويقال عنة هو المتقدم .. الصوت الصارخ اللى فى البرية اللى يتقدم أمام المسيح ليعلن مجيئة ورسالته ، ويتقدم أمامه بروح إيليا ..  يعمل إية ؟ يقول توبوا ، ويقول لهم : إنتوا ياأولادى الأفاعى ، إانتوا هتهربوا إزاى من الدينونة ، كان لسانه نارياً ، ولم يقف عند وعظ الشعب .. ونداءاتة بالتوبة .. ، وقف أمام هيرودس الملك .. وبقوة الروح النارى قال : لايحل لك أن تأخذ زوجة أخيك إمرأة لك ، لايحل لك .. وقطع رأسه بسبب الكلمة النارية .. وأحنا عندنا كنيسة فى الزاوية بسيطة للناس الفقراء .. ترجوها من السماء لسنين طويلة .. ” لازال المسئولين يضايقونا” ونقول لهم ” ياناس الحارة دى تعتبر مكان ملحق بالكنيسة .. ومعانا الاوراق من هنا وهناك لايوافقون .. كدة كفاية علشان نخلص ..
 
† يسوع يجئ لابروح يلازمنا لفترات لقضاء مصلحة أو معونة ..، قال: لأ لأ .. روحى يسكن فيكم .. يعنى إحنا أكثر إمتيازاً من العهد القديم ، يلازمنا .. ويقول لنا : لاتخافوا من الشيطان .. بكل حيله الردية .. إبليس الحية القديمة .. النبى الكذاب كل ده ماتخافش ..
 
 † طب وإن وقفتم قدام حكام أو ولاه ؟! .. قال: ماتفكروش فى الكلام فى اللى هاتقوله أبداً .. إقف وأنا هقولك إية الكلام اللى هاترد بيه .. وهكذا تم مع كل الرسل بشجاعة ، بقوة واجهوا كل المقاومات الرديئة .. حباً فى الملك المسيح ، وطاعة للروح السماوية ، لما يواجه بمفردة .. لايستطيع لانه المقاومة شديدة .. قال : أنت حى بالروح الإنسانية الضعيفة .. لكن أنا ها أعطيلك روحى أنا .. العذراء تتسائل لما جاء أليها الملاك تقول .. إزاى يتم الحبل وأنا غير متزوجة .. كيف يكون لى هذا ؟! إزاى يكون لى ولد .. الملاك يقول لها .. “الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلى تظللك لذلك القدوس المولود منك يدعى أبن ألله ” قوة ، قدرة خلاقة لاتستطيع القوة البشرية أن تحطمها .. كيف يحطموها؟ أنتوا شوفتوا الأنوار على قباب ومنارات كنيسة القديس مرقس الرسول .. رأيتم أشراقات النور  اللى أنسكبت على كنيستكم وديركم بجبل أسيوط ولا تزال تنسكب وتظهر فى صور متعددة من حمام وتجليات رائعة  .. شفناها على جدران المنازل المجاورة ، وسطعت على وجوه المصلين .. من إستطاع أن يمسك بها؟! .. من يستطيع أن يمسك بأهداب النور .. أشعة الشمس تقدر تمسكها .. ماتقدرش فما بال خالق هذة الانوار ..
 
† يظهر لك بقدرته ومجده ويملأ كيانك ويشعرك إنك أبن إنك تحيا لا بروحك الانسانية الضعيفة بل بروح الله .. يعنى روح الله فى أعماقك .. ساكن جواك .. قال يسوع :” ها أنا معكم فى الطريق ” .. دة أنا ساهديكم روحى .. بإسم الرب إلهنا والابن مسيحنا المتجسد الذى هو حى بروحه .. هو حى بروحه .. يقول لنا : روحى هاتبقى معاكم وتستقر فيكم أكثر من روح ايليا .. ووقف أمام أخاب بجسارة وحينما أراد أن يغتصب ارض نابوت أليزرعيلى .. قاله آآه .. إنت إغتصبت الآرض وأخذتها .. وعملت محاكمة وقوانين زائفة ودبرتها لك شريكة عُِِمرك (ايزابيل ) .. إيه رأيك المكان الذى لحست الكلاب فيه دم نابوت .. قال وأنت أيضاً سوف تلحس الكلاب دمك ، وصدقت النبوة وأخاب مات فى المعركة الحربية ، وسقط مضجراًً فى دمائه .. واتوا به وجّروه وصارت الكلاب تلحس دمه الذى سال فى المركبة بسبب المعركة ..
 
† كلمات يسوع فى الانجيل فى منتهى الدقة والقوة ، قال : ” لى النقمة أنا أجازى يقول الرب ” بس إنت إرفع قضيتك فى الأعالى ولا تخف وإطمئن دائماً إنك محروس بقوة سماوية .. روح الله الذى سُكب على التلاميذ فى يوم الخمسين .. يعمل أيضاً فى الكنيسة وفى المسيحيين الذين أعتمدوا على أسمه وصاروا أبناء الله .. مسيحيين ينتسبون للمسيح الإله .. قائم وعادل وسوف يستمر يرافق الكنيسة .. فى مسيرتها ومع قديسيها وشهدائها وماضيها وحاضرها ومستقبلها فهو القائم والدائم إلى الابد .. يقول ها أنا حى .. يسوع بيقول كدة .. قد كنت ميتاً فى هذا القبر وها أنا حى إلى ابد الأبدين .. ولى مفتاح الموت والهاوية ، “أين شوكتك ياموت أين غلبتك ياهاوية ” .. مسيحنا هو الإله الحى القدوس الذى لايموت .. ترافقنا نعمته ومحبته وها نحن نصلى إليه ” ابانا الذى فى السموات ……….” أمين .

من كتاب حياة التواضع والوداعة ... احترام الأبوة الروحية +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب حياة التواضع والوداعة ... احترام الأبوة الروحية +++ البابا شنودة الثالث

 احترام الأبوة الروحية

أما الأبوة الروحية فتشمل احترام رجال الكهنوت والمرشدين الروحيين.
 

 نحترم الكهنة في الكنيسة والآباء الأساقفة والمطارنة لأنهم آباء في الكنيسة، ولأجل كهنوتهم. ولأنهم وكلاء لله (تي1: 7) ووكلاء سرائر الله (1كو1: 4) ولأجل مركزهم، كما ورد في سفر ملاخي أن الكاهن رسول رب الجنود، ومن فمه يطلبون الشريعة، ونحترمهم أيضًا لأجل سنهم، وخدمتهم للأسرار الإلهية، وائتمان الرب لهم على خدمة التعليم (1تي5: 17). وكما يقول الكتاب "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا.." (عب13: 17).

إن احترام رجال الكهنوت يدخل ضمن احترام الرب نفسه، لأنهم رجال الله، وهم سفراؤه ووكلاؤه. وعنهم قال" من يكرمكم يكرمني".
أما عدم احترام الكهنوت والتطاول على كل رتبة، فيدل على كبرياء في القلب، وعلى أن من ينتقد هؤلاء، إنما "يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي" (رو12: 3). فقد يحدث أن فتى صغيرًا، أو خادمًا مبتدئًا، قد قرأ كتابًا أو كتابين، وربما لم يستطع أن يضمن مفهومها كما ينبغي، يبدأ في انتقاد بعض الآباء الكهنة، أو الآباء الأساقفة، كأنه يفهم ما لا يفهمون. ويقول هذا خطأ وهذا لا يجوز!! وليس في فكره فقط يسري هذا المفهوم، بل يشهر بهم علنًا أمام الناس!!

يظهر احترام الكهنوت أيضًا بعضهم لبعض.

كل رتبة تحترم الرتب التي تعلوها، أو التي هي أكبر منها سنًا، أو أقدم منها في السيامة. وسنضرب مثلًا لاحترام أحد الآباء الأساقفة للبابا البطريرك.

حدث في أيام محمد على الكبير حاكم مصر، أنه كان على ابنته (زهرة) شيطان يصرعها ويتعبها. و نصحه البعض أن يحولها على البابا البطريرك (وكان وقتذاك الأنبا بطرس الجاولي) لكي يصلي عليها ويشفيها. فلما أوصلوها إليه، قال في اتضاع ليست لي هذه الموهبة، وطلب من الأنبا صرابامون أبو طرحة أسقف المنوفية أن يصلي لها إذ له هذه الموهبة. وحاول القديس الأنبا صرابامون أن يعتفي من هذا الأمر فلم يستطع. فقال لقداسة البطريرك "أعطني صليبك يا سيدنا لكي أرشمها به وأنا أصلي، لكي تشفى" .. فعل ذلك حتى ينسب شفائها إلى صليب البابا، وليس إلى صلاته هو.. ما أعجب ذلك الاتضاع!

واحترام الكهنوت يعني أيضًا احترام المجامع المقدسة، وما أصدرته من قرارات.
تلك المجامع المسكونية والإقليمية والمكانية التي كان يجتمع فيها مجموعة من الآباء الأساقفة، ويصدرون قوانين تلتزم بها الكنيسة الجامعة. وبتلك القوانين أمكن تنظيم الكنيسة من الداخل. بل أمكن أيضًا وضع قواعد الإيمان السليم، وإرساء التقاليد الثابتة التي سارت عليها الكنيسة من جيل إلى جيل..

من كتاب الوسائط الروحية.. التامل ... البابا شنودة الثالث



من كتاب الوسائط الروحية.. التامل ... البابا شنودة الثالث

التامل


ما معنى التأمل؟ يتأمل إنسان شيئًا يعني أنه يمعن النظر فيه، يدقق، يفحص، يحلله، يرى ما أعماقه.


التأمل إذن هو الدخول إلى العمق، سواء في عمل الفكر، أو عمل الروح.
هو الوصول إلى لون من المعرفة، فوق المعرفة العادية بكثير، معرفة فوق الحس، معرفة جديدة عليك، ومُبهِجة لروحك. تجد فيها غذاء ومتعة روحية.
أو التأمل هو تفتُّح العقل والقلب والروح لاستقبال المعرفة الإلهية من فوق، أو من داخل الإنسان، من روح الله الساكن فيه..

والتأمل يناسبه السكون والهدوء، والبُعد عن الضوضاء التي تُشغِل الحواس، وبالتالي تشغل القلب وتبعده عن عمل الروح فيه. ويزداد التأمل عمقًا، كلما تتحرَّر الحواس من الشغب الخارجي، ويتحرر الإنسان من سيطرة فكره الخاص، لكي يستقبل ما تعطيه الروح. ويساعد على التأمل: الرغبة في الفهم، والتركيز في الإلهيات..
وللتأمل مجالات كثيرة..

فهناك تأمل في الكتاب المقدس، أو في الصلاة والتراتيل والألحان. أو التأمل في الخليقة والطبيعة، أو في السماء والملائكة. وفي الموت والدينونة وما بعدها. وهناك تأمل في الأحداث، وفي سير القديسين، وفي الفضيلة عمومًا وتفصيلًا، وفي وصايا الله. ونوع آخر وأسمى هو التأمل في صفات الله الجميلة.. ومنها التأمل في المطلق، وفي الحق، وفي الخير.. على أن موضوعات هذا التأمل قد تكون أكثر من أن نحصيها، بحيث يتأمل الإنسان الروحي في كل شيء، حتى الماديات: يحاول أن يستخرج منها روحيّات تفيده..

قاموس الكتاب المقدس ... دائرة المعارف الكتابية المسيحية ... شرح كلمة +++ سفر رؤيا يوحنا


 قاموس الكتاب المقدس ... دائرة المعارف الكتابية المسيحية
شرح كلمة +++ سفر رؤيا يوحنا

 اللغة الإنجليزية: Book of Revelation

 (وتسمى إعلانًا رؤ 1: 1) هي السفر الأخير من العهد الجديد. ويتضمن هذا السفر, حسب تعبير كاتبه, "إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليرى عبيده ما لابد أن يكون عن قريب". وقد أرسل المسيح هذا الإعلان لعبده يوحنا بيد ملاكه لينقله هو بدوره إلى الكنيسة ويشهد بكل ما رآه (رؤ 1: 1 و2).

وقد وجّه الحديث إلى سبع كنائس في آسيا (رؤ 1: 4 و11). وإذ يشير العدد 7 في الكتاب المقدس إلى الكمال, فلعل القصد من ذلك أن السفر يوجه إلى كل الكنيسة. أما الغاية الرئيسية من السفر فهي تعزية الكنيسة وتحذيرها وسط صراع العالم وإعدادها لمجيء الرب الثاني (ص 1: 7 و8 و22: 7 و10 و17 و20).

ولدى التأمل في السفر يتضح أنه بعد المقدمة (ص 1: 1-3) والتحية (ص 1: 4 - 8) ينقسم إلى سبعة أقسام رئيسية تنتهي في ص 22: 7 يعقبها الخاتمة (22: 8 - 21). وكل من هذه الأقسام يشمل رؤيا مستقلة أو سلسلة رؤى, وينقسم إلى سبعة أقسام فرعية.

أما السبعة أقسام فهي كما يلي:

 (1) رؤيا المسيح الممجد وسط كنيسته، ويتبعها سبع رسائل إلى السبع كنائس التي في آسيا (رؤ 1: 9-3: 22). والغاية هنا لتعليم الكنيسة في حالتها الحاضرة وتحذيرها وتشجيعها.

(2) رؤيا الله يسيطر على مصير المسكونة مسبحًا من كل الخليقة، ورؤيا حمل الله بيده السفر المختوم بسبعة ختوم والمتضمن الأوامر الإلهية (ص 4 و5)، ويتبع ذلك فتح الختوم في سبع رؤى تعلن قصد الله من خروج المسيح ليغلب إلى يوم الدينونة العظيمة (ص 6-8: 1). وبين الختم السادس والختم السابع نجد رؤيا تبين سلامة شعب الله وسط الضيقة العظيمة التي تحل بالعالم (ص 7).

(3) رؤيا السبعة ملائكة الذين أعطوا سبعة أبواق (ص 8: 2 - 11: 19) وتبدأ برؤيا ملاك يقدم لله صلوات القديسين (ص 8: 2 - 6) ويتبع كل بوق رؤيا خراب يحل بالعالم الشرير, وينتهي الكل بالدينونة الأخيرة. وبين البوق السادس والبوق السابع تتوسط رؤيا أخرى أيضًا تعلن حفظ الكنيسة الشاهدة (ص 10: 1 - 11: 14).

 (4) رؤيا الكنيسة ترمز إليها بامرأة تلد المسيح ويشهر عليها التنين (أي الشيطان) حربًا (ص 12) ويتبع ذلك رؤى الوحشين اللذين سيستخدمهما الشيطان لمعاونته (ص 13), ورؤيا الكنيسة المجاهدة (ص 14: 1-5) ورؤيا الخطوات المضطهدة لنصرة المسيح (الأعداد 6-20).

(5) رؤيا الجامات المحتوية الضربات الأخيرة (ص 15 و16) وتمثل الرؤيا الأولى نصرة القديسين, أما السبعة الجامات فتمثل ضربات الله السبع على العالم الشرير (ص 16).
(6) رؤيا المدينة الزانية, أي بابل (ص 17) ويتبعها نصرة المسيح عليها وعلى أعدائه المتحالفين معها, وتختم أيضًا بالدينونة الأخيرة (ص 18 و19 و20).

(7) رؤيا الكنيسة المثالية عروس المسيح, أو أورشليم الجديدة (ص 21: 1-8) ويتبعها وصف لأمجادها (ص 21: 9 - 22: 7).

والواضح من السفر أن كاتبه اسمه يوحنا (ص 1: 1 و4 و9 و22: 8). وبالرغم مما زعمه بعض الكتاب الأوائل أنه ليس هو يوحنا الإنجيلي إلا أن الكنيسة تكاد تجمع بأنه هو, مستندة في هذا إلى أدلة خارجية وداخلية سيما إلى شهادات يوستينوس الشهيد وبابياس اللذين عاشا في بداية القرن الثاني وإيرينيوس وترتوليانس وإكليمندس الإسكندري وأوريجانوس.

وقد كتب السفر في جزيرة بطمس إحدى جزر بحر اليونان, وهي تبعد نحو 24 ميلًا عن شاطيء آسيا الصغرى, وكان ذلك نحو سنة 95 م. قرب نهاية حكم دومتيانس الذي نفى عددًا من المسيحيين إلى أقاليم بعيدة.

باقة مختارة من اجمل اقوال الاباء القديسين جزء رقم 12



مجموعة مختارة من اقوال الاباء جزء رقم 12

كل واحد ميراثه فيه، وغذاؤه داخله +++ الشيخ الروحاني

كما أن النار لا تثبت في الماء هكذا معرفة الله لا تثبت في القلب المشتبك بشهوات العالم .ليس من رذل العالم بالكمال إلا ذاك الذي تتقد فيه نارك دائمًا يا رب ++ القديس يوحنا سابا

إن كان الإنسان بحبه لذاته يصير مفقودًا، فبالتأكيد بإنكاره ذاته يوجد...! لينسحب الإنسان من ذاته لا لأمور زمنية وإنما لكي يلتصق بالله ++  القديس اغسطينوس


طوبى للنفس التي جمعت نفسها من الطياشة الخارجة عنها، ودخلت داخلها ونظرت ربنا وهو متكئ على كرسيه الذي هو العقل، وقبلت منه وصية جديدة أعني الحب الروحي الذي هو كمال الناموس ++ القديس يوحنا سابا

 
بالصلاة يختلط العقل بالله، بها يفتح كنوز الله ويقسم ذخائره. بها يستحق نظر مجد الله، ويكون في غمام نور عظمته داخل بلدة الروحانيين. بها يكون الإنسان مسكنًا لله. بها تتحد النفس بالمسيح، وبها تنظر إشراق مجد عظمته. بها تتقد في النفس نار محبة المسيح ويحترق القلب بالشهوة في الله، تلك الشهوة التي تحرق جميع شهوات الأعضاء. بها تبتهج النفس بالحب وتخرج من رتبتها، وينقلع العالم من قلبها ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

 
الذين لم يجربوا لذة محبة الله هم مساكين وتعساء، فالله يعطي لمحبيه طيبًا، وبه يسكرهم ويلذذهم ++ القديس يوحنا سابا


الرياء أمر مكروه لدى الله، وممقوت من الناس، لا يجلب مكافأة، ولا يصلح قط في خلاص النفس بل بالحري يهلكها. إن كان أحد يهرب بالرياء لئلا يُكتشف أمره فإلى حين، لكنه لا يدم طويلًا إذ ينفضح الأمر ويجلب له عارًا، فيكون كالنساء قبيحات المنظر عندما تُنزع عنهن الزينة الخارجية القائمة على وسائل صناعية. الرياء إذن غريب عن القديسين! ليس شيء يُقال أو يُعمل يختفي عن عيني اللاهوت، إذ قيل: "ليس مكتوب لن يُستعلن ولا خفي لا يُعرف" (لو 12: 2). فإن كانت كلماتنا وأعمالنا تظهر في يوم الدينونة يكون الرياء تعبًا باطلًا. يليق بنا بالحري أن نتزكى كعابدين حقيقيين نخدم الله بملامح صادقة وصريحة  +++ القديس كيرلس الكبير

في سجن النبي ( يوحنا المعمدان ) وقتله إشارة إلى ما فعلته الأمة اليهودية إذ أرادت أن تكتم النبوات وتقيد عملها، وظنت أنها قادرة على منع تحقيقها بموت المسيا +++ العلامة أوريجينوس

الظلام يسبق النور، هكذا ينبغي أن نصبر على التجارب حتى تشرق في نفوسنا معرفة الحق  ++ القديس يوحنا سابا


اختار السيد المسيح سمعان تلميذًا له ودعاه بطرس أي "صخرة"، ويعقوب ويوحنا ابني زبدي "بوانرجس" أي "ابنيّ الرعد". أما علة تغييره أسماء بعض تلاميذه فكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ليظهر أنه هو الذي أعطى العهد القديم مغيرًا الأسماء، فدعى أبرام إبراهيم، وساراي سارة، ويعقوب إسرائيل كما حدد أسماء كثيرين منذ ميلادهم كإسحق وشمشون والمذكورين في إشعياء (8: 3) هوشع (1: 4، 6، 9) ++ ابونا تادرس يعقوب

أجر الثبات في الحروب (التجارب) أعظم من أجر الأعمال الفاضلة التي تكمل بالراحة +++ القديس يوحنا سابا

"في البحر طريقك" (مز 77: 19)، أي خلال الأمواج، خلال المياه المرة حيث يسكن التنين... أنت في السماء قد نزلت إلى الأرض... جاء ينبوع الحياة ليحوّل البحر المّر والميت إلى مياه حلوة ++ القديس جيروم

تأمل ما عانته الأسباط بسبب القسم بخصوص سبط بنيامين (قض 21: 5-10)، وما عاناه شاول بسبب قسمه (ا صم 14: 24)، فقد أضر شاول نفسه، أما هيرودس ففعل ما هو أشر من الأذية، إذ صار قاتلًا. تعلمون أيضًا ما حدث مع يشوع عندما أقسم بخصوص الجبعونيين (يش 9). بالحق أن القسم هو فخ الشيطان. لنفك حباله ولنتحرر منه، لنحل كل شراكه وننطلق من فخ الشيطان هذا +++ القديس يوحنا ذهبي الفم

 الحكيم يعرف كيف يكسب الناس. والذين قد كسبهم، يعرف كيف يحتفظ بهم أيضًا.. والمرأة الحكيمة لا تخسر زوجها، ولا تخسر أقارب زوجها أيضا: أمه وأخوته.. وحيث توجد الحكمة، يمكن أن تحل كل المشاكل الزوجية، وكل الخلافات العائلية.. وبالحكمة كل فريق يربح الآخر+++ البابا شنودة الثالث

من رآه ثم احتمل ألا يراه؟ من سمع صوته واحتمل أن يعيش بدون سماع صوته؟ من استنشق رائحته ولم يجيء حالًا ليتنعم به؟ ++ القديس يوحنا سابا

هناك طريقة تتخلص بها من عدوك وهي ان تحول العدو إلي صديق +++ القديس يوحنا الذهبي الفم


كل إنسان في الدنيا له أخطاؤه وله ضعفاته، وإن ظللت ترقب أخطاء الناس وتحاسبهم عليها، تكون النتيجة انك تخسر الناس وأن يخسروك.. احتمل الناس إذن +++  البابا شنودة الثالث

 جرب أن يسئ إليك إنسان فتكون أول من يسعى لإنقاذه حينما يقع في مشكلة.. جرب الأدب الجم في الرد علي إنسان متسيب في ألفاظه لاشك أنه يحتقر نفسه ويحترمك.. أما إن أردت أن تأخذ حقك من الناس بالقوة، فسوف تخسر الناس، وتخسر حقك وتخسر الله، وتخسر أبديتك+++ البابا شنودة الثالث

 
إن كان ملكوت الله داخلنا كما قال ربنا، فإن جهنم أيضًا داخل الملتصقين بالأوجاع (الشهوات) كل واحد ميراثه فيه، وغذاؤه داخله ++ القديس يوحنا سابا

شرح كلمة ... سبط ++ أسباط بني إسرائيل ++ الأسباط الاثنى عشر


قاموس الكتاب المقدس ... دائرة المعارف الكتابية المسيحية
شرح كلمة ... سبط ++ أسباط بني إسرائيل ++ الأسباط الاثنى عشر


اللغة الإنجليزية: Tribes of Israel.


اسم من كلمة عبرانية لفظها "شبط" ومعناها "عصا" أو "جماعة يقودها رئيس بعصا", وكانت تطلق عادة على كل من أفرايم ومنسى ابن يوسف. ولم يكن سبط لاوي محسوبًا من ضمن الأسباط, فكان عدد الأسباط اثني عشر سبطًا, لأن أفرايم ومنسى أُضيفا بدل يوسف (عدد 26: 28) وهكذا تقسمت أرض كنعان إلى اثني عشر قسمًا, أما سبط لاوي فقد تعين للخدمة في الهيكل, وكان باقي الأسباط يعولونهم.
وكان لكل سبط رئيس (عدد 1: 16 و1 أخبار 27: 22) كما كان لكل سبط استقلال ذاتي ولكنه كان يرتبط بمعاهدة مع باقي الأسباط. وكثيرًا ما حارب سبط مع سبط آخر أو على حدة (قضاة 1: 3 و1 أخبار 4: 42 و43 و5: 10 و18 - 22) كما كان بعض القضاة على سبط واحد أو على عدة أسباط.
وبقي الأسباط الاثنا عشر مرتبطين في مملكة واحدة حتى مات الملك سليمان, فحدثت بينهم مخاصمات ومشاحنات, وحدثت خصومة بين يهوذا وأفرايم (2 صموئيل 2: 4 - 9 و19: 41 - 43) انتهت إلى انقسام المملكة إلى قسمين: فانحاز يهوذا وبنيامين إلى رحبعام ابن الملك سليمان ودعوا مملكتهما باسم "مملكة يهوذا" أو "المملكة الجنوبية", وانحاز الأسباط العشرة الباقون إلى يربعام بن نباط, ودعوا أنفسهم "مملكة إسرائيل" أو "المملكة الشمالية".
وقد عيّن المسيح اثني عشرًا رسولًا بناءً على عدد الأسباط الاثني عشر. وفي سفر الرؤيا يقسم يوحنا المناظر السماوية التي رآها كالأختام والأبواب والأساسات إلى أثني عشر (رؤيا 7: 4-8 و21: 10-21).
وأسماء أسباط بني إسرائيل حسب الترتيب الأبجدي هي:
1- سبط أشير
2- سبط أفرايم
3- سبط بنيامين
4- سبط جاد
5- سبط دان
6- سبط رأوبين
7- سبط زبولون
8- سبط شمعون
9- سبط لاوي - تعيَّن للخدمة
10- سبط منسى
11- سبط نفتالي
12- سبط يساكر
13- سبط يهوذا

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف...من رؤساء الآباء .. يوسف الصديق جزء 1 +++ البابا شنوده الثالث


كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف...من رؤساء الآباء .. يوسف الصديق جزء 1 +++  البابا شنوده الثالث

 بإنجاب البنين استراح أبونا أبو الآباء من الصراع بين زوجتيه ليئة وراحيل ولكنه دخل في مرحلة صراع أخري في محيط الأبناء.

نلاحظ أنه كما أن يعقوب أحب راحيل أكثر من ليئة، كذلك أبني راحيل يوسف وبنيامين، أكثر من جميع أبناء ليئة. علي أن الله -تبارك اسمه- عوض ليئة عن هذا الأمر، فجعل السلطة كلها في نسل ليئة. إذ جعل الكهنوت في سبط لاوي وهو ابن ليئة، وجعل الملك في سبط يهوذا، وهو أيضًا ابن ليئة. بل أن السيد المسيح نفسه ولد من سبط يهوذا، أي من نسل ليئة كذلك. يوسف هو أول ابن ولد ليعقوب من راحيل. وبولادته بدأت مرحلة هامة في تاريخ هذه الأسرة، بحيث تحول تاريخها من أبينا يعقوب إلي أبنه يوسف.

وأصبح علينا أن نتحدث عن يوسف باعتباره عنصرًا أساسيًا، ثم نعود أخيرًا إلي أبينا يعقوب.

 شخصية يوسف

تميزت شخصية يوسف بعدة أمور منها:
1 كان إنسانًا محبوبًا.
2 كان ناجحًا وحسن التدبير. وكان الرب معه.
3 كان مثالًا في العفة.
4 كان رجل أحلام، كما كان مفسرًا للأحلام.
5 كان صبورًا، حتى حول الله الشر إلي خير.
6 كان بارًا بأبيه، وبأخوته الذين ظلموه.
7 كان أفضل (وزير تموين) عرفته مصر.

وسنتناول الآن الصفات واحدة فواحدة..

 يوسف الشخصية المحبوبة

1- كان يوسف هو الابن المحبوب لأبيه. فلماذا؟

· كان كما قلنا أنه ابن الزوجة المحبوبة راحيل.

· قد ولد بعد فترة طويلة من الانتظار، حينما فتح الله رحم راحيل فولدته، وقالت "قد نزع الله عاري. ودعت أسمه يوسف" (تك 30: 22- 24). ودائمًا يكون الابن محبوبًا، إذ ما ولد بعد طول اشتياق: مثل إسحق بالنسبة إلي إبراهيم (تك 22: 2)، ومثل صموئيل بالنسبة إلي حنة أمراه ألقانه (1صم 2: 1). ومثل يوحنا (المعمدان) بالنسبة إلي أبيه ذكريا (لو 1: 67: 69).

· وبالنسبة إلي أبينا يعقوب إسرائيل كان يوسف محبوبًا منه، لأنه ابن شيخوخته. وهكذا يقول الكتاب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر أبنائه، لأنه أبن شيخوخته (تك 37: 3).

وكان يوسف أيضًا جميلًا. قال عنه الكتاب إن كان "حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6). وهذا الجمال صفه خص بها الله بعض شخصيات الكتاب المشهورة: مثل موسي النبي (عب 11: 23) وداود النبي أيضًا (1صم 16: 18).

 2- وكما كان محبوبًا من أبيه كان محبوبًا في بيت فوطيفار.

· كان محبوبًا من فوطيفار "فوكله علي بيته، ودفع إلي يده كل ما كان له... فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل" (تك 39: 4، 6)

· وامرأة فوطيفار أيضًا، أحبت يوسف. ولكنها انحرفت له.. (تك 39: 7- 10).

 3- وحتى في السجن. كان يوسف محبوبًا كذلك.

"فدفع رئيس بيت السجن إلي يد يوسف جميع السري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا ألبته مما في يده" (تك 39: 22، 23). وفي السجن أيضا كان موضع محبة وثقة المسجونين. وهكذا وثق به رئيس سقاة فرعون ورئيس خبازيه، وقصًا عليه حلميهما لكي يفسرهما لهما..

 4- وكان يوسف محبوبًا من فرعون أيضًا:

" ومحسن كلام يوسف في عيني فرعون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا، رجلًا فيه روح الله "ثم قال فرعون ليوسف: انظر قد جعلتك علي كل أرض مصر. وخلع من يده وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، ووضع طوقًا من ذهب عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه أركعوا "وقال فرعون ليوسف: بدونك لا يرفع إنسان يده لا رجله في كل أرض مصر (تك 41: 37-44).

· وعن هذا الأمر قال يوسف لأخوته فيما بعد أن الله "جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا علي كل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8)..

 5- علي أن محبة يعقوب ليوسف، سبب له حسدًا في قلوب أخوته!

ذلك لأنه "صنع له قميصًا ملونًا. فلما رأي أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، ابغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 3، 4). وهنا نلمح خطأ في أبينا يعقوب: فكما أنه لم يعدل بين أبنائه. وكان لذلك أثره الذي تسبب في عداوة يوسف له، وصلت إلي محاولتهم قتله (تك 37: 18). وهكذا صار يعقوب عثرة لبنيه في تصرفه..

موضوع القميص الملون درس يقدمه لنا الكتاب:

درس في أن الأب يجب ألا يثير الأخوة بمعاملة واحد منهم أفضل من الباقين، حتى لا يحقدوا عليه. كذلك علي الأم أن تكون عادلة في معاملتها لأبنائها. فأن أنجبت أبنا جديدًا لا يصح أن تعطيه حنانًا مبالغًا فيه أمام الطفل الأكبر منه، بل تعطي الطفل الأكبر فرصة أن يحب الصغير، وكأنه لعبة جديدة أحضرها له والداه.

لا تظنوا أن الأطفال ملائكة لا يتأثرون ولا يغيرون؟

ما أكثر العراك الذي يقوم بين الأطفال من أجل لعبة يتميز بها أحدهم، أو بسبب ملابس، أو نوع من الحلوى، أو لون من التدليل أو المعاملة المفضلة.. لذلك أن كان لك طفلان، وأحضرت لهمًا لعبًا، اشتر من كل لعبة اثنتين متشابهين، لكل واحد منهما واحدة تشبه الأخرى. وأن قلت لواحد منهما كلمه مديح، قل مثلها أو ما يشبهها للأخر حتى لا تثير أحدهما الآخر..

تصوّروا، حتى رسل المسيح تعبوا من هذه النقطة ذاتها، وبلا سبب من جهة المسيح!!

 فلما أتت أم أبني زبدي إلي السيد المسيح وقالت له "قل أن يجلس ابناي هذان: واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك". ومع أن السيد لم يستجب لهذه الطلبة قال لها، "أما الجلوس عن يميني وعن يساري، فليس لي أن أعطية إلا للذين اعد لهم من أبي (مت 20: 21- 23).. إلا أنه علي الرغم من هذا يقول الإنجيل "فلما سمع العشرة (الرسل)، اغتاظوا من اجل الآخرين الأخوين" (مت 20: 24)..

فإن كان هذا قد حدث مع الرسل، فلماذا إذن عن باقي الناس! إن الإنسان الكامل هو الذي يحب الكل. أن الله يشرق علي الصالحين والطالحين، ويمطر علي الأبرار والشرار. أن أنجح مربي، هو الذي يشعر كل واحد أن له محبة خاصة في قلبه هو بالذات.. وهذا ما ينبغي أن يراعيه خدام التربية الكنسية سواء مع الأطفال أو مع الشبان.. لقد فرح يوسف بالقميص الملون، ولم يدر أنه سيكون سببًا لمشاكله. وأبوه يعقوب ظن أنه بهذا القميص يقدم خيرًا لإبنه، ولم يدر أنه سيقدم به التجارب والضيقات لهذا الابن الصغير المحبوب!

 خطأ في طفولة يوسف

لم يكن القميص الملون هو السبب الوحيد لتجارب يوسف..

إنما كان حديثه عن أحلامه هو سبب آخر..

ربما كان إنسانًا بسيطًا من النوع الذي يقال عنه "أن "الذي علي قلبه، هو علي لسانه" ولكن في الواقع إن أحاديثه عن أحلامه سبب حسدًا من أخوته له، بل أيضًا سببت لهم غيظًا له، وتقدمًا له عليهم!! وهكذا يقول الكتاب:

" وحلم يوسف حلمًا وأخبر أخوته، فازدادوا أيضًا بغضًا له (تك 37: 5).

قال حلمت "هنا نحن حازمون حزمًا في الحفل، وإذا حزمتي قامت وانتصبت. فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي "فماذا كان رد الفعل عند أخوته لما سمعوا حلمه هذا؟ لقد قالوا "له "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط؟ "وازدادوا أيضًا بغضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه" (تك 37: 6-8).

لم تكن حكمة منه أن يخبر أخوته بحلم يخضعهم فيه له.

والأسوار من هذا أنه حلم حلمًا أخر له نفس المغزى، وقصه علي أخوته أيضًا (تك 7: 9): قال إني قد حلمت حلمًا أيضًا. وإذا الشمس والقمر واحدًا عشر كوكبًا سأجده لي "فحسده أخوته. أما أبوه فحفظ الأمر في قلبه. غير أنه انتهر أمام أخوته، وقال له "ما هذا الحلم الذي حلمت؟!" هل نأتي أنا وأمك وأخوتك ونسجد لك؟!".

أحلام التمجيد يليق بها الإخفاء، حتى لا تثير حسًا.

بل من الصالح أن يخفيها الإنسان عن نفسه، أي لا يعود يتذكرها، حتى لا تسبب له ارتفاع القلب من الداخل. ربما أن يوسف لم يضع في قلبه مثل لك النتائج.. أو أنه لم يستطيع أن يحتمل إخفاء الحلم، دون أن يخبر به غيره وببساطه فعل، ولكنها بساطة غير حكيمة.. علي أن أمر هذه الأحلام لم يكن بسيطًا علي أخوته. فلما ذهب لكي يفتقدهم في المرعي. ورأوه من بعيد، واحتالوا أن يميتوه "قال يعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم" (تك 37: 18، 19).

 خطأ أخر وقع فيه يوسف، وهو توصيل النميمة.

كان ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعي الغنم مع أخوته أبناء امراتي أبيه (جاريتيه بلهفة وزلفة. يقول الكتاب "وأتي يوسف بنميمتهم الرديئة إلي أبيهم" (تك 37: 2). كان خطأ أن يفعل هذا، ولو أن الكتاب لم يذكر لنا النتائج السيئة لهذا الخطأ.. نقطة اخري في شخصية يوسف، وهي أنه:

 كان ناجحًا، وكان الرب معه

ينطبق عليه ما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار إنه "كل ما يعمله ينجح فيه (مز 1: 3). كان ناجحًا كغلام يرعي الغنم. وقد نجح في افتقاده لأخوته وطلب سلامتهم (تك 37: 12- 17). وكان يوسف ناجحًا في بيت فوطيفار. فقيل عنه "وكان الرب مع يوسف، فكان رجلًا ناجحًا. وكانت بركة الرب في بيت المصري.

وكان يوسف أنجح سجين، وأنجح وزير تموين.

قيل عنه "أن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 23). لذلك ترك رئيس بيت السجن كل شيء في يده. أما نجاحه كوزير تموين، فواضح من أنه أنقذ مصر من المجاعة، في حكمة مدي سبع سنين، وكذلك البلاد المجاورة.

 فضائل أخرى

1 كان أنسانًا مثالًا للعفة والطهارة الجسد. وهذا ما سوف نتحدث عنه، حينما نذكر قصته مع امرأة فوطيفار.

2 كان لا يكافئ الشر بالشر، ولا ينتقم لنفسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه في لقائه في مصر مع أخوته.

3 كان إنسانًا بارًا بأبيه. وهذا ما حدث حينما استضافه في مصر، وقدمه لفرعون، واعتني به طول فترة المجاعة. واهتم به وبإكرامه بعد موته.

4 كان إنسانًا حكيمًا حسن التدبير. وقد ظهر هذا في حسن تدبيره لبيت وأملاك فوطيفار، وأيضًا في حسن تدبيره لتموين مصر أثناء المجاعة. وقد شهد فرعون لحكمته، ولذلك قلده شئون مصر.

5 كان أمينًا من نحو الله، واسم الله علي لسانه في أرض غربته.

6 كان بارًا بأبيه وأسرته. ولم يستح -وهو في علو رتبته- من أن أباه وإخوته مجرد رعاة. وقدمهم هكذا لفرعون.

7 كان حساس المشاعر. وقد بكي تأثرًا وحبًا في مواقف متعددة كما نري في قصة حياته.

من كتاب التجربة على الجبل ... فوائد التجارب ++ البابا شنوده الثالث



من كتاب التجربة على الجبل ... فوائد التجارب ++  البابا شنوده الثالث

 التجربة شيء نافع بلا شك. ولولا منفعتها، ما كان الله الشفوق يسمح بها...

كثيرون يريدونن أن يكون طريق الملكوت سهلًا مفروشًا بالورود! ولكن هذا عكس التعليم الذي شرحه لنا الإنجيل المقدس، إذ قال لنا الرب فيه: "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه" (7: 14).

وقال "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 33). وقيل وفي الإنجيل أيضًا "بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 33).

هذه الضيقات نحتملها لكى نثبت أننا جادون في سيرنا إلى الملكوت.

ولكى ندخل إلى هذا الملكوت باستحقاق، لأننا بذلنا وتعبنا من أجله.. إن كان التلميذ يتعب ويكد يحصل على شهادة دراسية.. وإن كان كل صاحب عمل لابد أ، يتعب، لكى ينجح في عمله.. هكذا الطريق الروحى: ينبغى أن نتعب فيه لنستحق الملكوت... وصدق الرسول في قوله: "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (اكو3: 8).. والتعب قد نبذله بإرادتنا.

وهكذا تكون التجارب التي يحتملها المؤمنون من أجل الله والثبات في محبته.. وقد يكون يعضها في مصارعة النفس من الداخل. وبعضها في تحمل الضيقات من الخارج.

وهوذا القديس بولس الرسول يقول: "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير في شدائد، في ضرورات، في ضيقات في ضربات في سجون، في أضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام" (2كو 6: 4،5).

ومع ذلك يشرح كيف أنه لم يتضايق - هو وزملاؤه - بشئ من هذا، ولم يفقدوا سلامهم، ولم يفقدوا الرجاء بالله، فيقول: "مكتئبين في كل شئ.. لكن غير متضايقين، مضطهدين.. لكن غير متروكين" (2كو 4: 8، 9).. "كمائتين وها نحن نحيا، كحزانى ونحن دائما فرحون.. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شئ" (2كو 6: 9، 10).

فى الضيقات نشعر بالقوى السمائية الكثيرة المحيطة بنا فنتعزى.

منحن لسنا وحدنا مطلقًا في التجربة.. ولا في وقت الضيقة، بل تحيط بنا نعمة الرب ومحبته، وتحيط بنا قوات الملائكة القديسين التي قال عنها الله أنها تحيط بخائفيه وتنجيهم، وتحيط بنا أيضًا أرواح القديسين تشجعنا وتقوينا.. إنها خبرة روحية.

ومن فوائد الضيقات في العالم، أننا لا نتمسك بمحبة هذا العالم مشتاقين إلى السماء.

ولو كان النعيم في هذه الدنيا، ما كنا نشتاق إلى النعيم الأبدى، في الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، حيث "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله لمحبى إسمه القدوس".. ونحن كما قال الرسول: "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى لأن التي ترى وقتيه، أما التي لا ترى فأبدية" (2 كو 4: 18).

من أجل ذلك كان الآباء القديسون يشعرون أنهم على الأرض غرباء، يعيشون مشتاقين إلى الوطن السمائى.. ينظرون كل حين بالإيمان إلى "المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عب 11: 10).

ولولا الضيقات لتشبث الناس بالبقاء في غربة هذا العالم الزائل لذلك نحن نقول عن الشخص في يوم وفاته، أنه قد تنيح أي استراح.

استراح من هذا العالم الزائل وكل مافيه من شهوة الجسد والروح وتعظم المعيشة.. استراح من التعب الذي يبذله للثياب في روحياته، واستراح من الضيقات والشدائد والتجارب التي تختبر إرادته هنا في هذه الحياة الأرضية، واستراح مما في العالم من أمراض ومن تعب للجسد والنفس.

الإنسان الروحي لا يتعب من الضيقات.. وإنما يأخذ ما فيها من فائدة روحية.. ويفرح بالأكاليل التي ينالها بإحتمال التجارب. لا تهزه التجربة.. ويختبر كيف أن الله "يقوده في موكب نصرته" (2 كو 2: 14). إن الإنسان لا يكلل إلا إذا انتصر.. ولا ينتصر إلا إذا حارب.. ولا يحارب إلا إذا تعرض لضيقات تمتحن مدى روحانيته: حياته وثبات إرادته تابعة للمشيئة الإلهية.

وفى التجارب يتلامس المؤمن مع محبة الله العاملة في حياته.

إن الله إذ يرى محبة الإنسان له في وقت الضيقة، يكافئه بما يظهره له من حب.. وكم من قديسين تمتعوا بهذا الحب في وقت الضيقة.

فالقديس يوحنا الإنجيلى رأى تلك الرؤيا العجيبة وهو منفى في جزيرة بطمس من أجل الشهادة بكلمة الله (رؤ1)..

والقديس بطرس اختبر عناية الله به وهو في السجن أيضًا.

والقديس بطرس اختبر عناية الله به وهو في السجن (أع12) واختبر نفس العناية القديسان بولس وسيلا وهما في السجن أيضًا (أع 16). ما أجمل عبارات القديس يوحنا ذهبى الفم وهو يتأمل قول القديس بولس عن نفسه "أنا الأسير في الرب" (أف 4) حديث جميل عجيب عن الضيقات وبركاتها بودى أن أترجم لكم بعضًا منه وأنشره...

تحدث التجارب أحيانًا بحسد من الشياطين. وبخاصة في أيام الصوم والتناول والحرارة الروحية.

إن كان الإنسان يستعد في الصوم، لكى يسلك سلوكًا روحيًا، فإن الشيطان يستعد أيضًا لمقاتلته ومحاربته، ولكى يسقطه في الخطية أو في الفتور.. أعنى أن الإستعداد هنا متبادل: استعداد من جانب الإنسان للنمو في محبة الله، واستعداد من الشيطان لإسقاطه. إن الشيطان يحزن حينما يجد إنسانًا يسير في الطريق الله.

لذلك أن حلت بك التجارب في فترة الصوم، لا تحزن. فهذا دليل على أن صومك له مفعوله، وقد أزعج الشيطان..

بل إن بعدت عنك التجارب، يمكن أن تتساءل: لماذا يتركك الشيطان بدون تجارب؟! هل احتقر أو استصغر جهادك الروحى؟!

أعلموا أن ربنا يسوع يسوع نفسه، حاربه الشيطان بالتجارب في صومه الأربعينى.


من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد .. ذكريات المحبة مع الله +++ البابا شنودة الثالث




من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد ..  ذكريات المحبة مع الله +++  البابا شنودة الثالث

 تقول عذراء النشيد "حبيبي لي، وأنا له" (نش2: 16). وتقول طلبت من تحبه نفسي.. أرأيتم من تحبه نفسي" (نش3: 1، 2). ونود هنا أن نتكلم عن هذه المحبة وذكرياتها.

خبرات الحياة مع الله:

ما أجمل أن نري النفس البشرية هنا تسجل ذكرياتها الروحية مع الله، وتحكي خبراتها وعشرتها وتاريخها..

تمامًا كما فعل سليمان في سفر الجامعة، وحكي حياته مع الرب وعلاقته به، وكيف مرت به مشاعر متنوعة حتى وصل إلي الله.. إنه لون من الاعتراف..

 قصة النشيد، قصة نفس عاشت مع الله، واختبرت الحلو والمر، جربت المتعة في مذاقة الله، وجربت البعد عنه.

اختبرت جبل التجلي، كما اختبرت بستان جثسيماني، قالت في خبرتها "صوت حبيبي قارعًا افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني". واختبرت أيضًا التخلي والحرمان بقولها "حبيبي تحول وعبر" طلبته فما وجدته"..

اختبرت كيف تكون سوداء، وكيف تكون جميلة.. سمعت عبارة "أنت جميلة يا حبيبتي، عيناك حمامتان". وقالت في مقابلها "بنو أمي غضبوا علي، جعلوني ناطورة الكروم"..

مشت في طريق الرب الطويل، بهدوئه وبمشاكله، بما فيه من نجاح ومن فشل. ومازالت تقول لكم إن من أصدق أوصافه، قول الرب لنوح بعد الطوفان "مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل، لا تزال" (تك8: 22).

لن تعيشوا أيها الأحباء في نهار دائم، وفي حرارة دائمة ودفء دائم. لابد أن يكون في حياتكم أيضًا: ليل وبرد وشتاء..

ستختبرون هذا، مهما كنتم من أبناء النور، ومن أبناء النهار.. وهذه العروس تحكي فترات الحرمان والبعد، وبحثها عن الله دون أن تجده، وضرب الحراس لها، ونزع إزارها عنها.. ولكن كل ذلك لم يفقدها محبتها لله. وفي فترات الحرمان، كانت تقول "أرأيتم من تحبه نفسي..؟"

 لم تفقد حب الله إطلاقًا، وإن كانت قد فقدت عشرته أحيانًا. الحب في قلبها علي الدوام، مهما ضعف الجسد، ومهما بدا من الخارج أنها بعيدة، تطلب فلا تجد..

علاقتها بالله هي علاقة حب، وليست علاقة رسميات ولا علاقة واجبات ووصايا، ومجرد طقوس وناموس مما انتقده الرب في سفر إشعياء (أش1)، ولا هي علاقة خوف..

إنما هي علاقة حب، مبني علي أسس عميقة باستمرار..

 عندما تتكلم عن الله لا تقول "إلهي" إنما في كل مناسبة تقول عنه "حبيبي"، "الذي تحبه نفسي". كما أنه علمنا في الصلاة "يا أبانا" علامة علي الحب..

وهكذا تقول هذه النفس "حبيبي لي وأنا له" كالتفاح بين شجر الوعر،كذلك حبيبي بين "تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي.." (نش2: 3).

إياكم أن تنظروا إلي الله كمجرد جبار يحكم السماء، بل عليكم أن تحبوه من كل القلب. هكذا علمتنا المسيحية..

محبة الله هي الأساس، هي الوصية العظمي. وكل الفضائل، وكل الوصايا، وكل الممارسات الروحية، إنما تنبع من هذه المحبة. ولا توجد وصية منفصلة بذاتها. فكل الفضائل ما هي إلا تعبير عن حب الإنسان لله، ونتيجة لهذا الحب.. يقول الرب "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو15) أما حفظ الوصايا بدون حب، فليس هو عملًا روحيًا، وليس هو فضيلة مسيحية. هناك أناس يسلكون حسنًا بالمستوي الأخلاقي، والمستوي الاجتماعي، ولكنهم ليسوا روحيين. سمعتهم طيبة، ولكن سلوكهم الطيب ليس نابعًا عن محبتهم لله.

 أسباب محبة النفس لله:

حب العروس للرب في سفر النشيد، له أسباب عديدة منها:

1- أول كل شيء، هو أن حب الله متعتها ولذتها:

تقول له "حبك أطيب من الخمر"، محبة تسكر، تنتشي بها النفس. بل تقول أكثر من هذا "إنني مريضة حبًا، أي أن محبة الله دغدغت أعضاءها، فلم تعد تحتمل تلك الطاقة الجبارة من الحب الإلهي.

جسدها أضعف من طاقات الروح، فلم تعد طاقة الجسد تقدر علي احتمال الحب الروحي، فأصبحت مريضة حبًا..

إنسان ترتفع درجة حرارة جسده، إذ هو مريض جسديًا، وإنسان ترتفع بالحب حرارة روحه، فإذ هو مريض حبًا، "مدروخ" من الحب الإلهي. مثلما قيل لبولس "كثرة الكتب حولتك إلي الهذيان يا بولس" (أع 26: 24).

هذا الهذيان البولسي المقدس، نشتهي جميعًا أن نصاب به..

إنسان من فرط الحب الذي فيه، يتكلم كلامًا لا يفهمه الناس، ويشعر شعورًا لا يدركه الناس، فيحسبونه يهذي.. !

 مشكلتنا أن محبة العالم تتصارع مع محبة الله فينا. فالجسد يشتهي ضد الروح، نحن نحب الله، ونلتذ بالعالم، ويوجد فينا شيء من التضاد ومن التناقض ومن الصراع.

أما الإنسان الذي يحب الله حقًا، ومحبة الله لذاته، فليس فيه صراع ولا جهاد. ولا يتعب في تنفيذ الوصية، لأنها لذته.

يتغني بوصايا الله، كما تغني بها داود في مزاميره " وصاياك هي لهجي" (مز119)، هي لذته. سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي. وجدت كلامك كالشهد فأكلته". واسم الله أيضًا حلو في فمه، كما نقول "حلو اسمك ومبارك في أفواه قديسيك، وكما قال داود "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز119). وكما تقول عذراء النشيد "اسمك دهن مهراق"، ونترجمها في القداس "طيب مسكوب هو اسمك القدوس".

"طيب مسكوب هو اسمك، لذلك أحبتك العذارى".

العذارى هي النفوس التي لم تعط ذاتها لآخر، وأحبت الرب من كل القلب، سواء أكانت من البتوليين والمتزوجين. لذلك لقب الكتاب كل الذين يخلصون بخمس عذارى حكيمات.

 ثانيًا: العروس تحب الله، لأنها لا تجد له شبيهًا بين الآلهة.

كما نغني له في التسبحة " من في الآلهة يشبهك يا رب، أنت الإله الحقيقي صانع العجائب؟!". إن وضعنا الله وسط كل مشتهيات العالم، وكل آلهته، نجده يفوقها. لذلك تقول عذراء النشيد:

"حبيبي أبيض وأحمر، معلم بين ربوة" (نش5: 10).

الربوة هي 10000 أي إذا وضعت حبيبي بين عشرة آلاف، تجده مميزًا بينهم. متى إذن يتميز الرب في قلبك عن كل مشتهيات الدنيا، وكل سكانها، وتجده يفوقهم جميعًا.

 ثالثًا: العروس تحب الرب أيضًا، لأنه جميل:

"حلقه حلاوة وكله مشتهيات" (نش5: 16). هكذا تقول عروس النشيد للرب. ماذا تعني بعبارة (جمال الرب)؟ تعني أن إنسانًا يسير في طريق الرب فيجد الباب ضيقًا، والوصية ثقيلة، ولولا خوف الأبدية ما كان يستمر. فيقول للرب: من أول معرفتي بك، عرفت التجارب والضيقات، وعرفت الصليب وجثسيماني، وعرفت البكاء والدموع وهكذا لا يري الرب جميلًا..

ربنا هذا، هو شهوة نشتهيها، ولا نستبدل به شهوة العالم. وكما قال أحدهم "إن القداسة هي استبدال شهوة بشهوة، استبدال شهوة العالم بشهوة الله". نشتهي الله وكل ما يحيط به، ونجد فيه لذة وفرحًا. ومعه لا يعوزنا شيء.

ما أجمل التأمل في صفات الله. إنها تفرض محبته في القلب.. صدقوني لو أنكم لم تأخذوا من سفر النشيد سوي عبارة "كله مشتهيات" لكان هذا يكفي..

إن الله ليس ضريبة مفروضة عليكم، وليس نيرًا موضوعًا علي أعناقكم، وليس حاكمًا جبارًا، بل هو كل مشتهياتكم. كله مشتهيات.

لما أحب أوغسطينوس الله، صغر العالم في عينيه بكل شهواته، ولما أحب بولس الله قال "خسرت كل الأشياء، وأنا احسبها نفاية لكي أربح المسيح" (في3: 8). وأنت عندما تحب الله، ستموت محبة العالم في قلبك. قد تعتقد الآن أنه من الصعب التخلص من إحدى الخطايا، لأن محبة الله لم تملك عليك بعد. أما إن أحببته، فستجد أن الخطية فارقتك بكل سهولة..

 رابعًا: العروس أحبت الله، لأنه راعيها:

يهتم بها، يرعاها بين السوسن، في مواضع خضرة، عند مياه الراحة. يرعاها في الجنات، عند خمائل الطيب "حبيبي نزل إلي جنته، إلي خمائل الطيب، ليرعي في الجنات، ويجمع السوسن" (نش6: 2)، كلام موسيقي وجميل.. ولعلك تقول أين هذه الجنات والسوسن والطيب، ولسنا نجد سوي صوم ومطانيات وتجارب؟!

لو أحببت الله لأحببت كل هذا ووجدته خمائل من الطيب.

 خامسًا: والعروس أحبت الرب لأنه قوي، ويحرس ويسند، تشعر النفس في رعايته أنها محاطة بقوة عجيبة (نش6).. إله جبروته ليس ضد الإنسان، وإنما من أجل الإنسان، لحمايته ورعايته..

ما أكثر الصفات التي من أجلها نحب الله، لو أحصيناها واحدة فواحدة، ما كان العمر كله يكفي لسردها..

السجود أو "الميطانيات" في التدبير الروحي


السجود أو "الميطانيات" في التدبير الروحي

سؤال: نريد مدخل إلى المطانيات في التدبير الروحي
 الإجابة:

كلمة ميطانية prostration هي كلمة يونانية μετάνοια تعني التوبة أو تغيير النية ومراجعة الضمير.  سواء أكان ضميرنا من نحو الله أو من نحو الآخرين.  حيث تُقدَّم الميطانيه أمام الله على مستوى خاص، بينما تقدَّم للآخرين، وإنما على مستوى آخر.

في معناها الأول تأتي الميطانية كتعبير عن التذلل والانسحاق والخضوع التام والتعبير عن الندم والرغبة في نوال البركة والصفح، حيث تلامس الجبهة التراب، تتذكر أنها من تراب الأرض جُبِلَت، فتستجلب مراحم الله على ضعف الطبيعة البشرية.

ولكن الميطانية في أروع صورها هي الانسكاب عند قدمي المسيح، لتقديم كل ما يملكه الساجد من حب وعاطفة وامتنان أمامه.  لذلك فإن السجود يكون مبهجًا، تكتنفه عاطفة روحية جياشة من نحو الله..  فيقول مار إسحق: "كلما استنار الإنسان في الصلاة، كلما شعر بضرورة وأهمية عمل الميطانيات ويحلو له الثبات فيها، فكلما يرفع رأسه ينجذب من فرط حرارة قلبه للسجود؛ لأنه يحس بمعونة قوية في ذلك ويزداد فرحه وتنعمه".

الميطانية أيضًا هي حركة شخصية مختصرة للعبادة، وهي اعتراف عملي بسيادة الله وخضوعنا له؛ فإن عمل الميطانيات هو تدبير قائم بذاته كطقس عبادة لله، إذا توافر مع أدائها انسحاق القلب والشعور بالمهابة قدام الله أثناء السجود.  والميطانية هي الوسيلة التي نعبر بها عن طرحنا لهمومنا ومتاعبنا وأثقالنا، وذلك عند قدمي المسيح الذي قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (إنجيل متى 28:11).

وتمارَس الميطانية أيضًا للاستعطاف، وإطفاء لهيب الغضب، وامتصاص شحنة الكبرياء، وتهدئة المشاعر المضطربة، على أن تقدم الميطانية بصدق وعن قلب منسحق.  وعندما نصنع ميطانية أمام آخر يتغير فكرنا من نحوه، ونغير فكره من نحونا، ونبدد الخيالات من جهته ونطرد الأفكار المزعجة عنه.

وفي التدبير الرهباني، شاعت الميطانية -إلى جانب ما سبق- لتعبر عن أدب رهباني سليم..  كنوع من التوسل لتتميم أمر ما، أو في المقابلات كنوع من الوقار والخشوع والمحبة.

وبهذا فإن الميطانيه ليست حركة جسدية فحسب، ولكنها حركة قلب منسحق وضمير تائب وجسد يقدم نفسه ذبيحة حية لله، إما في هيكله المقدس أو لصورة الله في الآخرين، فهي تبدأ في الداخل..

 الميطانيات و الصحة الجسدية:

كذلك فإن الميطانيات مفيدة أيضًا للجسد، على أننا لا نمارسها كرياضة جسدية، ومع ذلك فهي مفيدة لاسيما في الصباح؛ حيث يحتاج الجسم أيضًا إلى نشاط وتحريك لدورته الدموية، وجعله مستعدًا لمزاولة نشاطه اليومي بشكل أفضل.

واليوم يقول أخصائيو العلاج الطبيعي أن الميطانيات التي يصنعها الرهبان وبعض من الذين في العالم، تقدم فائدة جسدية كبيرة للجسم؛ إذ تجعله في حالة لياقة بدنية مستمرة وتخلصه من الترهّل وتجنبه الكثير من أمراض العمود الفقري، إذا مورِسَت بطريقة سليمة.

 أنواع الميطانيات و ممارستها:

الميطانية ليست مجرد انحناء أو ركوع أو انطراح، ولكنها حركة من أعلى إلى أسفل تعقبها حركة مضادة: من أسفل إلى أعلى.  فعندما يحني الساجد ركبته فإنه يشعر في داخله أنه بالخطية تذلل وانحدر من أعلى، ويكرر ذلك بحسب العدد الذي ينصحه به أبوه الروحي، ومن هنا تمثل الميطانية حركة الحياة..  حركة الجهاد المستمر، بالتهاون نسقط وبالثقة في المسيح نقوم ونستقيم..

وللميطانية ثلاثة أشكال:

1- التطامن بالرأس: أو مجرد إحناء الرأس بينما الجسم يكون منتصبًا، مع ضم اليدين إلى الصدر، إما في شكل الصليب أو ضمّهما مستويين إحداهما على الأخرى، ووضعهما معًا على الصدر، وهو ما يحدث في القداس الإلهي عدة مرات، عندما ينادي الشماس على الشعب: "احنوا رؤوسكم للرب"، وذلك عدة مرات سواء عند قراءة التحاليل في نهاية رفع البخور، أو عندما يخضعون برؤوسهم عند تحليل الخدام..

2- الركوع: وتنتشر هذه الطريقة أكثر بين رهبان الغرب، حيث يطلق عليه Semi-prostration أي نصف ميطانية أو ميطانيه جزئية، وفيها يركع المصلي على ركبتيه، بينما ترتفع يداه لأعلى في شكل الابتهال.

3- السجود: أو الميطانية الكاملة Full Prostration، وهي السجود الكامل حيث تلامس الجبهة الأرض.  وتمارس الكنيسة هذا النوع من السجود الكامل عدة مرات في القداس الإلهي؛ فعند حلول الروح القدس على الأسرار في لحظات مهيبة يسجد الشعب..

ويفضل أن يركع المصلّي إلى أسفل أولًا، ومن ثم ينحني إلى الأمام، والقيام مرة أخرى على نفس النحو، حيث لا تؤثر كثرة الميطانيات على صحة الساجد، لاسيما عموده الفقري، مع ملاحظة أن تكون هناك وقفة قصيرة بين الميطانية والأخرى، حتى لا تتلاحق الأنفاس وينهك الجسد سريعًا.  وإنما تُصنَع المطانية برشاقة واتزان، مع فرد الجسد مستقيمًا تمامًا عند الوقوف.

يلاحَظ أيضًا عند السجود أن تضم قبضة اليد بحيث يؤلف إصبع الإبهام مع الثلث السفلي من إصبع السبابة: شكل الصليب.  ففي ذلك يكمن معنى الاستعداد والإرادة والقوة، والعبادة بنشاط.  كما أن عظام اليد لا تُرهَق بهذه الطريقة، ذلك بالمقارنة مع الطريقة الخاطئة في السجود بفرد الأصابع.

وإذا لاحَظ المصلي أن أصابع اليد قد بدأ يظهر فيها بعض التيبّس عند نهاية العقلات في ظهر اليد بصورة ملحوظة، يمكنه عندئذ التركيز في السجود على بطن اليد، مع الاحتفاظ بوضع اليد على النحو المذكور.

ولكن هناك شكل جديد من الميطانيات، أخذ في الانتشار في الآونة الأخيرة، وهو مؤسف ولا موضع له، لا في الكتاب المقدس، ولا في تراث الآباء؛ وهو مجرد الانحناء لتلامس أطراف أصابع اليد اليمنى الأرض، أمام الهيكل أو أجساد القديسين أو الآباء الأساقفة.  ويعلل البعض ذلك بضيق الوقت وزيادة الأعداد الراغبة في نوال بركة الآباء الأساقفة أو الاضطرار إلى عمل ذلك في الطرق مما لا يتناسب معه عمل الميطانية الكاملة.

ومن هنا يمكن أن يكون وضع الميطانية الكلمة وطقسيًا بالنسبة للآباء الأساقفة هو داخل الكنيسة، بينما يكتفي خارج الكنيسة بالانحناء بشكل لائق.  ولكن يجب ألا يكون ذلك -أي مجرد الانحناء- هو شكل الميطانية في المخدع.

 وشكل آخر من السجود يمارسه الإنسان عندما تكون نفسه مرة للغاية، كمن لم تعد له قوة على الوقوف أو الطلب والابتهال، وفي هذا تعبير عن عظم شوقه أو انكسار قلبه، ويخر على وجهه إلى الأرض..  ولهذا أمثلة في الكتاب المقدس (إنجيل مرقس 35:14؛ ملوك الأول 42:18؛ لوقا 12:5).

أنواع أخرى من الميطانيات:

تصنع المطانيات أيضًا أمام أجساد القديسين في أي وقت من النهار، حيث فيها التكريم لأصفياء الله..  فقد وُجد السجود بدافع التكريم في الكتاب المقدس..  كما نسجد أمام الآباء البطاركة والأساقفة للتبجيل والاحترام على النحو السابق، باعتبار أن الأسقف هو ممثل للسيد المسيح، ولذلك فإننا نحتفل بأجساد القديسين ونستقبلهم وكذلك الآباء الأساقفة، بألحان هي موجهة في الأصل إلى السيد المسيح نفسه؛ مثل لحن إبؤرو (لحن يا ملك السلام)، و لحن إك إزمارؤوت (لحن مبارك أنت)، و لحن إفلوجيمينوس (المبارك)..  وهي ألحان تخص الله وحده.

ويمكن السجود أمام الآخرين ممن نشعر أننا أسأنا إليهم، وهو الأمر الذي يرد كثيرًا في قصص الآباء، حيث ننسحق أمام الآخر ونطلب الصفح، تمامًا مثلما نسجد أمام الله لطلب الغفران..

ويستخدم كثير من المدبرين هذا التدبير أيضًا بخصوص الوقوع في بعض الخطايا الصعبة؛ إذ يربطون بين الحروب النجسة مثلًا والكبرياء، فينصحون الخاطئ بعمل عدد من الميطانيات لعدة أيام يصاحبها أصوام وصلوات، علّ باتضاع الجسد تتضع الروح وتخفّ الحرب..

ولكن على المدبرين الانتباه إلى أنه قد يتحول تدبير الميطانيات إلى عقوبة بالنسبة للبعض! مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، فتضيع حلاوتها وتصبح عبئًا يسعى في التخلص منه.

 عدد الميطانيات:

إن عمل الميطانيات على النحو الذي شرحناه (في السجود الكامل) يفسر لنا كيف كان الآباء يصنعون مئات الميطانيات بل آلافًا في بعض الأحيان في اليوم الواحد، دون إرهاق شديد للجسد أو إساءة إليه، فهو وزنة يجب علينا المحافظة عليها.

إن السجود المتواتر يصاحب الصلاة والسهر ويرتبط به جدًا في التدبير الروحي..  وهناك الكثير من الأمثلة من قصص القديسين وكتابات الآباء الأول حول عدد الميطانيات..

ولكن الأمر يحتاج إلى تدرّج، وليبدأ المصلي المبتدئ في عمل الميطانيات، باثنتي عشر ميطانية، بالاتفاق مع الأب الروحي.  فإذا كان أب الاعتراف ممن يشفقون على أولادهم من كثرة التعب، فعلى الشخص نفسه أن يعرض رغبته على أب اعترافه في اشتياقه إلى تذوق حلاوة الميطانيات، على ألا يزيد العدد المتفق عليه دون الرجوع إليه، وبعد مرور مدة لا تقل عن السنة من بداية ممارسة العدد الأول.

أو من الممكن أن يبدأ الإنسان بعمل عشر ميطانيات، يزيد عليها واحدة كل أسبوع أو أسبوعين حتى يصل إلى خمسين ميطانية مثلًا..   هذا المقال من موقع كنيسة الأنبا تكلا.

ويقول أحد الآباء المباركين أنه يمكن للمصلي أن يضرب ميطانية واحدة في بداية الصلاة، ثم بعد نهاية كل مزمور..  أو عند كل كلمة سجود ترد في الصلاة..  ولكن يحسن أن تكون الميطانيات مجتمعة، تضرب قبل البدء في الصلاة أو عقب الصلاة في شكل دفعة واحدة، إذ يشعر المجاهد معها بلذة روحية كبيرة.

ويعتبر العدد المتوسط والمناسب للشخص العادي، هو ثلاثين ميطانية أو ثلاثة وثلاثين، لا تزيد إلا مع استثناءات قليلة، ذلك بالنسبة للشخص الذي يحيا في العالم.  أما بالنسبة للراهب فإنها تزيد عن ذلك كثيرًا، وبالتدريج، كما أن الراهب يدخل في تدبير روحي مختلف.

ويمكن تقسيم الميطانيات (بالنسبة للمبتدئ) إلى عدة دفعات، ولتكن الدفعة الأولى للشكر والتسبيح، والثانية لأجل تقديم التوبة، والثالثة للصلاة عن الآخرين، وأما الرابعة فيمكن تخصيصها لأجل أمر ما بعينه.

 متى تنصع الميطانيات (أوقات ممارستها):

يُعَد الوقت المناسب للميطانيات هو الصباح الباكر، وقبل صلاة باكر، أو عقبها مباشرة، بحيث يعطي المصلي لله باكورة الجهد في اليوم (القوة الجسدية)، وقبل استخدام هذا الجهد في أي أعمال أو اهتمامات أخرى.  كما أن هذا الوقت مناسب كحركة جسدية أو نشاط جسدي مع بطن خالية من الطعام، ومع ذلك فلا مانع من توزيعها على فترات من النهار -لاسيما مع الأعداد الكبيرة- على ألا تُصنَع بعد الأكل مباشرة، وإنما بعد مرور ساعتين على الأقل.  ولكن، وبما أن الميطانية هي عمل نسكي، فمن المناسب جدًا أن تصنع مع الصوم المقرون بالصلاة.

 أوقات لا تجوز فيها الميطانيات:

أما الأوقات التي لا يجوز فيها عمل الميطانيات كسلوك نسكي وتعبير عن الانسحاق، فهي أيام السبوت والآحاد والأعياد السيدية.  وكذلك الفترة من عيد الميلاد وحتى عيد الختان، وأيضًا الفترة من عيد النيروز وحتى عيد الصليب، إضافة إلى الخمسين المقدسة عقب عيد القيامة.  فهي أيام فرح لا يناسبها التذلل والانسحاق.  وأما الأيام التي نتناول فيها من الأسرار المقدسة، فإنه لا تجوز فيها أيضًا الميطانيات، إلا إذا كان الشخص حريصًا وقام بعملها قبل بدء القداس الإلهي.  غير أن التناول أيضًا لا يمنع السجود أمام هيكل الله وكذلك في بداية الصلاة في المخدع.

كما يُعفى من الميطانيات كل من المريض ومن يعاني آلامًا في العمود الفقري والمتقدم في السن (إن كانت قوته الجسدية لا تسمح بذلك).

من كتاب خبرات في الحياة ... مرآة محطمة +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب خبرات في الحياة ... مرآة محطمة +++ البابا شنودة الثالث

إنني اعرفه منذ زمن بعيد. وهو طول عمره إنسان صريح صادق ومن طبعه انه لا يتملق أحدًا ولا يجامل أحدًا على حساب الحق...

قابلني. فسألته عن حاله، فقال لي: 

عيبي أنني مرآة تقدم لكل من يواجهها صورة حقيقية عن نفسه. والناس -للأسف الشديد- لا يحبون صورتهم الحقيقية...
وقد أرادوني أن أكون مكياجًا، لا مرآة...
وأنا لست كذلك. لذلك حطموني لأنني كلمتهم بالصدق والصراحة. شوهوا سمعتي. ووصفوني بأبشع الأوصاف... وهوذا أنا الآن، وقد أصبحت مرآة محطمة...
فقلت له: هل تعبت نفسيتك لما هاجموك؟ وهل غيرت أسلوبك؟

فنظر إلى نظرة عميقة، ثم قال: لقد وجدت اليوم ما عزاني: لي صديق مريض بحمى شديدة وأهله يريدون كل يوم أن تنخفض حرارته وهى لا تنخفض... وقد زرته اليوم. وأراد أخوه أن يطمئن على حرارته. ولكنه لما قرأ الترمومتر، وجده على العكس يشير إلى ارتفاع في الحرارة. فاستشاط غضبا. وامسك الترمومتر في غيظ ودق به الحائط، فحطمه...!
مسكين هذا الترمومتر الصريح الصادق. ما ذنبه؟!
إنه مثلى: مرآة محطمة...!

من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد ++ هوّذا تخت سليمان، حوله ستون جبارًا (نش 3: 7) ++ البابا شنودة الثالث


من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنودة الثالث
 هوّذا تخت سليمان، حوله ستون جبارًا (نش 3: 7)


هوذا تخت سليمان Solomon's couch حوله ستون جبارًا (نش 3: 7).

نود أن يكون تأملنا اليوم في قول الوحي في سفر النشيد: تخت سليمان حوله ستون جبارا من جبابرة إسرائيل. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل (نش 3: 7, 8).

سليمان رمز المسيح

لان كلمة (سليمان) معناه "رجل سلام". وقد قيل عن السيد المسيح انه "رئيس السلام" (أش 9: 6) وانه هو سلامنا (أف 2: 4) وهو الذي قال "سلامي اترك لكم. سلامي أنا أعطيكم" (يو 14: 27) وهو الذي صنع سلاما بين السماء والأرض، ونقض الحائط المتوسط أي العداوة (أف 2: 14،17)

وسليمان كان يمثل الحكمة والمسيح هو أقنوم الحكمة. هو "حكمة الله وقوة الله" (1كو1: 24). سليمان هو ابن داود الباني للهيكل والمسيح هو ابن داود، وهو ابن الله الذي بنى الكنيسة هيكل الله القوس (1كو3: 16)

عبارة " تخت سليمان " تعنى عرشه، ويرمز إلى عرش المسيح.
حوله ستون جبارًا من جبابرة إسرائيل. وكلمة (إسرائيل) هنا ترمز إلى الكنيسة المقدسة.

عرش الله إذن حوله الجبابرة، أي النفوس القوية.
التي حاربت حروب الرب، وانتصرت على العالم والجسد والشيطان.
أما النفوس الضعيفة التي لم تتثبت في حروبها الروحية، فليس لها نصيب حول عرش الله. الإنسان الضعيف الذي مجرد شهوة تحطم قلبه وإرادته وفكره. هذا لا يمكن أن يكون من الجبابرة المحيطين بعرش الله.

العجيب أيها الأخوة الأحباء أن سفر العدد الذي أمر الله فيه بعد خاصته، لم يدخل في ذلك التعداد والإحصاء جميع الناس.

إنما أمر الله بإحصاء النفوس القادرة على القتال، القادرة على حمل السلاح، أي "كل خارج للحرب" (عد1: 2, 3) هؤلاء هم الجبابرة. كلهم قابضون سيوفا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل. من هول الظلام، من هول الأخطار. من هول الشهوات ومحبة العالم.

فان حاربك في احد الأيام فكر من الأفكار، واستسلمت له، لا تكون حينئذ جبارًا متعلمًا الحروب. بل تكون إنسانًا قد ألقى سلاحه وانطرح أمام العدو على الأرض.

الإنسان المتعلم الحرب، هو إنسان خبير بالأفكار، خبير بحروب العدو، كما قال القديس بولس الرسول "نحن لا نجهل أفكاره" (2كو 2: 11).

بل نعرف خداع الشيطان، ونميز الأرواح (1كو 4: 1) هل هي من الله أم من العدو..

وهذه الحرب قد شرحها القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس فقال "إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم.. بل مع أجناد الشر الروحية" (أف 6: 12). مع الشياطين، مع الجسد، مع كل قوة العدو.

ما أجمل قول ملاك الرب لجدعون "الرب معك يا جبار البأس" (قض 6: 12)
حقًا إن السماء لا يصل إليها فيما بعد إلا جبابرة البأس الذين انتصروا في الحروب.
الذين يرتلون مع جموع الغالبين: شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته (2كو 2: 14)

سِتّون جبارًا:

لماذا اختار هذا الرقم (60)؟ والى أي شيء يرمز؟

ستون = 6 *10. والرقم 10 يرمز إلى الكمال، والى الوصايا.

والرقم 6 يرمز إلى تمام العمل. فالله قد أتم عمله في الخلق في ستة أيام. والسيد المسيح أتم عمله في الفداء في اليوم السادس. وفي الساعة السادسة. والإنسان يتمم كل عمله في ستة أيام، ويستريح في اليوم السابع حسب الوصية..

 فمادام الرقم 6 يرمز إلى أتمام العمل والرقم 10 يرمز إلى الكمال والوصايا

 إذن الرقم 60 يرمز إلى كل من تمموا عملهم في وصايا الرب في الكمال.

فان سالت وقلت: هل حول عرش الله ستون جبارا فقط؟

نجيب إنما هذا الرقم هو رقم رمزي، يرمز إلى كل جبابرة الروح الذين كملوا في الإيمان، الكاملين في قوتهم، الكاملين في جهادهم وفي انتصارهم.. لا نقصد الجبابرة في أجسادهم وفي قوتهم الجسدية، بل الجبابرة في أرواحهم، حتى لو كانوا صغارا.

داود النبي -أمام جليات- كان جبارًا وهو فتى صغير.

كل الجيش خاف. ولكنه كان الوحيد الذي لم يخف، وتقدم لمحاربة جليات في جبروت في الوقت الذي خاف فيه شاول الملك (1صم 17: 11) وكان اطول من جميع الشعب (1 صم 10: 23).

شاول الملك الذي كان جبارًا في جسده، لم يكن جبارا في روحه "فبغته روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 14) وكان يصرعه. والذي كان ينقذه من ذلك الروح الردئ كان داود الصغير أحد الجبابرة الذين حول العرش. كان داود جبار بأس وفصيحا ورجلا جميلا والرب معه (1صم 16: 15) وهذه العبارة الأخيرة كانت سر جبروته.

داود الجبار كانت تخافه الشياطين. يكفى ان يضرب على عوده ويصلى مزاميره، حتى لتهرب الشياطين مرتعبة..

جبار له سلطان على الشياطين!!

 نريد في الكنيسة مجموعة من هؤلاء الجبابرة الذين تخافهم الشياطين. ليتكم تستعرضون في تاريخ الكنيسة القديسين الذين كان لهم سلطان على الشياطين.. تذكروا قصة ذلك القديس الذي أتى شيطان لمحاربته، فربطه خارج القلاية.. تذكروا القديس ايسوذورس الذي قالت له الشياطين: أما يكفيك أننا لا نستطيع أن نمر على قلايتك، ولا على القلاية التي جوارك. وأخ واحد في البرية، جعلته بصلاتك يتعدى علينا النهار والليل؟!

وأنت يا أخي أن كنت تخاف الشياطين، أتستطيع أن تحسب نفسك من الجبابرة المحيطين بالعرش الذين لهم سلطان على كل قوة العدو؟! (لو 10: 19).

هل تكون جبارًا , أم أمتلك الشيطان إرادتك وكان يقدر أن يغريك بخطية ويستولى على نفسك؟! لا تظن أن الشيطان كريما في عطائه، يعطى بلا مقابل!! كلا فهو يعطيك ما تشتهيه في مقابل أن يأخذ كل ما عندك، وأسمى ما عندك: روحك وأبديتك.. !

الشيطان لا يقبل على نفسه أن يدخل في صفقة خاسرة. انه يأخذ دائمًا أكثر مما يعطى.
أرباحه أكثر من مصروفاته.. وهكذا يفعل مع الذين يلجأون إلى السحر مثلًا..

عجيبة هي صورة الملاك ميخائيل، وسيفه في يده، وهو يدوس على الشيطان بقدمه.. لاشك أنه أحد الجبابرة الذين حول العرش..

وأنت، أتريد أن تكون جبارًا في محاربة الشياطين؟
أنك تكون كذلك, أن لم تكن الشهوة يحاربك الشيطان بها.

إن الشيطان يتحسس حياتك الروحية، محاولًا أن يعرف نقط الضعف فيك لكي يحاربك بها. انه يختبر الأرض وصلابتها التي سيضرب فيها بمعوله. يرى أين توجد الأرض الرخوة واللينة التي يتخذها ميدانا لعمله فيشققها كما يشاء. أما الصلبة فلا يقترب منها.

هناك جبابرة وقفوا ضد الشيطان في قتالهم لأجل الفضائل.

خذوا فضيلة العفة مثلًا. وكيف كان من جبابرتها يوسف الصديق، وسوسنة العفيفة وأمثالهما.. دانيال النبي والثلاثة فتية كانوا في قصر الملك، ورفضوا أن يأكلوا من أطيابه ومن خمر مشروبه (دا 1: 8)، بل ورفضوا معبوداته. ولم يخف دانيال من أن يلقى في جب الأسود (دا 6: 16) ولا الثلاثة فتية خافوا من إلقائهم في أتون النار (دا 3: 17).

إنهم الجبابرة لا يعرفون الخوف. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب.

الشهداء القديسون أيضًا كانوا جبابرة لا يعرفون الخوف.

وقفوا أمام الأباطرة والملوك والولاة والحكام. وقفوا أمام الحرق والشنق والعصر والجلد والتمزيق والتعذيب وكل صنوف الاضطهاد، ولم يبالوا - كان إيمانهم وثباتهم أقوى من العذاب.

هناك جبابرة آخرون في عالم النسك: في الصلاة والسهر والوحدة،في العبادة وفي التجرد، مثل سكان البرية من المتوحدين والنسك والسواح..

أرسانيوس الجبار، كان يقف متجها للشرق، والشمس وراؤه وقت الغروب.

و يظل ساهرا طول الليل حتى تظهر الشمس أمامه في أول النهار.. انه جبار. بينما آخرون لا يستطيعون أن يصمدوا في السهر، وحالما يحاربهم النوم يتركون صلاتهم. أين هؤلاء من الجبابرة الذين حول العرش, الذين مثلهم: القديس مكاريوس الإسكندراني، الجبار في سهره. الذي تحدث عن حروبه من جهة السهر فقال: حوربت مرة بالنوم ونمت. فصممت أن أقاتل النوم. وبقيت 21 يومًا لا أبق جفنا على جفن, حتى شعرت أن مخي قد نشف.

جبابرة آخرون لم يسمحوا لأية قوة أن تفصلهم عن الرب.

مثل القديس بولس الرسول الذي قال "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟.. إنني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية،ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (رو 8: 25-29)

إن ملكوت السموات، لا يدخله إلا جبابرة الروح.

 ولكننا للأسف الشديد، كثيرًا ما نحاول أن نكون جبابرة على الناس، ولا نكون جبابرة في تعاملنا مع أنفسنا!!

بينما يقول الكتاب "مالك روحه خير ممن يملك مدينة" (أم 16: 32)

أنبا بولا كان جبارًا في الوحدة. قضى ثمانين سنة لا يرى فيها وجه إنسان، ولا يتعزى بكلام الناس، إنما عزاؤه بالله وحده.

 هناك أشخاص آخرون كانوا جبابرة في الصوم،منهم من عاش ثلاثين سنة لا تبصره الشمس آكلًا. ومنهم من عاش عمره كله نباتيا، لا يأكل لحمًا طول حياته ومنهم من كان يطوى الأيام لا يأكل شيئًا فيها ولا يشرب.

هكذا عاش جبابرة الصوم. أما في جيلنا هذا فما أكثر الكنائس التي خفضت الأصوام أو كادت تلغيها، بحجة الإشفاق على الناس!!

آباؤنا كانوا أيضا جبابرة في حفظ آيات الكتاب المقدس.

كانت الآيات تجرى على ألسنتهم بمنتهى السهولة. لدرجة أن احد العلماء قال: "لو ضاع الكتاب المقدس، لأمكن جمعه من كتابات الآباء"..

كانوا جبابرة في الصمود. لا يستطيع أحد أن يثيرهم …

يوجد أشخاص ضعفاء، يثارون بسرعة. تثيرهم أية كلمة يظنون أنها تجرح مشاعرهم. بل حتى كلمات المديح والإعجاب، فتحرك فيهم محبة المجد الباطل. يثيرهم أي منظر جنسي.. اقل شيء يعتبرونه عثرة!

مساكين هؤلاء – إنهم ليسو من النوع الذي يقف حول عرش الله.. ليسوا كالجبابرة الذين حول تخت سليمان.

إنني أريدكم يا أخوتي أن تكونوا جبابرة في حروب الرب.

لاشك أن الملائكة عندما تصف الكنيسة المقدسة، وما فيها من أبرار لم تهزهم مغريات العالم، ولم تتعبهم حروب الشياطين، يقف ميخائيل رئيس الملائكة، وفي يده قيثارة ذهبية وينشد مع ملائكته: "تخت سليمان حوله ستون جبارًا.."