من اقوال البابا شنودة الثالث عن الراعي الصالح


قال الرب في سفر حزقيال النبي (أنا أرعي غنمي وأربضها- يقول السيد الرب - وأطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير وأعصب الجريح..) (حز 34: 15، 16). بل أن الرب تكلم بشدة ضد الرعاة الذين يرعون أنفسهم وقد أهملوا غنمه وخرافة، فقال (هأنذا علي الرعاة، واطلب غنمي من يدهم، وأكفهم عن رعي الغنم، ولا يرعي الرعاة أنفسهم بعد، وأخلص غنمي من أفواههم، فلا تكون لهم مأكلًا) (حز 34: 10). +++ البابا شنودة الثالث

محبة الله للاطفال +++ البابا شنودة الثالث

من كتاب  المحبة قمة الفضائل +++ البابا شنوده الثالث

محبة الله للاطفال

ولنبدأ بمحبة الرب للأطفال واهتمامه بهم.
إن الله يحب الأطفال. يحب فيهم البراءة والبساطة وعدم التعقيد وعدم الرياء.. وهكذا يقول (الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات) (مت18:3). وفي ترجمة King James للإنجيل، يقول عن الأطفال (Little Children). وفي إنجيل معلمنا لوقا يقول (من لا يقبل ملكوت السموات مثل ولد (as a little child)، فلن يدخله) (لو18:17).

ويقول أيضًا من قبل ولدًا (Child) واحدًا مثل هذا، فقد قبلني) (مت18:5) (لو9:48).

وقد دافع الرب عن الأطفال.

فقال (من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي، ويغرق في لجة البحر) (مت18:5) (لو17:2) وقال إنه ليست مشيئة أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار (مت 18:14). ودافع الرب عن الأطفال يوم أحد الشعانين.

وقال للمحتجين عليهم (أما قرأتم قط إنه من أفواه الأطفال والرضعان هيأت تسبيحًا) (مت21:16) (مز8:2).

كان الرب يحب الأطفال ويحتضنهم (مر10:16).

ولما كانوا يمنعونهم عنه استصغارًا لهم، كان يقول (دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات) (مت19:14) (مر10:14). وكان الرب أيضًا يقول (انظروا، لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار).

وقد اختار الرب أطفالًا للنبوة والخدمة ولمسئوليات خطيرة:

اختار الطفل صموئيل، وناداه باسمه ثلاث مرات، وحمله رسالة يبكت بها عالي الكاهن في المرة الرابعة. نعم كلمة الرب وقت قيل عنه (وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام) (1صم3:1-14). وجميل أنه قيل عن صموئيل (وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي، متمنطق بأفود من كتان. وعملت له أمه جبه صغيرة) (1صم2:18،19).

وكما اختار الرب صموئيل الطفل. اختار الرب إرميا الطفل أيضًا.

وقال له (قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من البطن قدستك جعلتك نبيًا للشعوب) (أر1:5). ولما اعتذر إرميا الصغير يقوله (آه، يا سيد الرب. إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد)، شجعه الرب قائلًا (لا تقل إني ولد.. لا تخف من وجوههم، لأني أنا معك لنقذك.. ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر، قد وكلتك اليوم علي الشعوب وعلي الممالك، لتقلع وتهدم.. وتبني وتغرس) (أر1:7-10).

ويشجع الرب هذا الصبي الصغير، ويقول له (هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس، علي كل الأرض، لملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها ولشعب الأرض، فيحاربونك ولا يقدرون عليك. لني أنا معك - يقول الرب لأنقذك) (أر1:18،19).

حقًا ما أعجب محبة الرب للصغار، وتشجيعه لهم.

كل هذه المسئوليات والوعود يقدمها للصبي الصغير إرمياء، الذي عرف الرب قلبه قبل أن يولد.. حقًا، (سبحوا الرب أيها الفتيان، سبحوا الرب) (مز113).. الرب يرفع معنويات الصغار، ويعينهم في مسئوليات قد تبدو فوق مستواهم.
ولكنه إلي جوارها عبارة (لا تخف. أنا معك).

وإذا بالصغير - نتيجة لمحبة الله - يصبح أكبر من الكبار!!
يوسف الصديق كان أصغر اخوته. ولكن الله في محبته له أظهر هذه المحبة في أحلام، وفيها الدلالة علي أن أخوته سوف يأتون ويسجدون له.. (تك37:5-10). صار المتسلط علي كل مصر، بل جعله الله أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته (تك45:8).


ومثل يوسف الصغير الذي احبه الله وباركه، هكذا كان داود أصغر أخوته.

حدث أن يسى البيتلحملي قد أبناءه السبعة الكبار إلى صموئيل النبي، ليأخذ منهم من يختاره الرب. ولم يختر الرب واحدًا من كل هؤلاء. وقال يسى (بقي بعد الصغير. وهوذا يرعي الغنم) (1صم 16: 11). هذا الصغير الذي لم يعفه أبوه من رعي الغنم في ذلك اليوم، ليحضر معهم إلى الذبيحة ويري النبي العظيم، نعم هذا الصغير هو الذي أمر الرب نبيه أن يمسحه ملكًا (فمسحه وسط أخوته.. وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدًا) (1صم16: 13)

ولنذكر أيضًا في محبة الله للصغار: عنايته بالطفل موسى، وبالطفل يوحنا.

موسى الطفل الذي كلن معرضًا للموت مثل سائر الأطفال، وحسب أمر فرعون للقابلتين (خر1: 16).. يرسل له الله ابنة فرعون، فتراه في سفط علي جانب النهر فتحن عليه، وتأخذه إلى القصر الملكي وتتبناه، وتأتي بأمه لترضعه..

ويكبر موسى ويصير نبينًا.

كذلك يوحنا بن زكريا، كان معرضًا في طفولته أن يقتل مثل سائر أطفال بيت لحم.. كيف اعتني به الله فعاش، وصار أعظم من نبي، بل أعظم من ولدته النساء، وصار أيضًا الملاك الذي يهيئ الطريق قدام السيد المسيح (مت11: 9-11).. حقًا ما أعجب محبة الرب للأطفال..

من اقوال الاباء القديسين عن حكمة الحيات وبساطة الحمامة



من اقوال الاباء القديسين عن حكمة الحيات وبساطة الحمامة

ما هي حكمة الحيّات؟

أن المسيحي في وداعته يكون كالحمامة التي لا تحمل حِقدًا ولا تلقي فخاخًا لأحد، لكنّه يلتزم بحكمة الحيّات، فلا يعطي لأحد مجالًا أن يلقي له الفخاخ. إنه يقول: كن بسيطًا...

كحمامة فلا تلقي فخًا لأحد، وكن حكيمًا (بارعًا) كحيّة فلا تسمح لأحد أن يلقي بالفخ أمامك. المسيحي الذي يسمح للآخرين أن يخدعوه يكون مخطئًا تمامًا كمن يحاول أن يخدع الآخرين +++القديس جيروم

وُضعت الحكمة أولًا، حتى لا تُصاب عدم الأذيّة (التي للحمامة) بأذى++القديس أمبروسيوس

يقول القديس اغسطينوس

إنّني أحب في الحمامة عدم حِقدها، ولكني أخشى في الحيّة سمّها، غير أن الحيّة بها ما نكرهه، وبها أيضًا ما يلزمنا أن نتمثّل به:
أ. عندما يشعر الثعبان بشيخوخته، عندما يشعر بثقل السنوات الطويلة، يتقلّص ويُلزم نفسه على الدخول من ثقب صغير فينسلخ عنه جلده العتيق، فيخرج إلى حياة جديدة، يلزمك أن تتمثل به أيها المسيحي في ذلك. اسمع ما يقوله السيّد المسيح: "اُدخلوا من الباب الضيّق" (مت 7: 13)، ويحدّثنا الرسول بولس قائلًا: " إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد" (كو 3: 9). يلزمنا أن نتمثل بالثعبان: لنمت لا لأجل الإنسان القديم بل لأجل الحق

ب. تمثل بالثعبان أيضًا في هذا الأمر، وهو أن تحفظ رأسك في أمان، أي لتُحتفظ بالمسيح فيك. ألم تلاحظوا ما يحدث عند قتل الأفعوان، كيف يحفظ رأسه معرضًا كل جسمه للضربات! إنه يريد ألاّ يُضرب ذلك الجزء الذي يعلم أن فيه تكمن حياته. ونحن أيضًا حياتنا هو المسيح الذي قال بنفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6)، وكما يقول الرسول: "رأس كل رجل هو المسيح" (1 كو 11: 3). فمن يحتفظ بالمسيح في داخله إنّما يحتفظ برأسه الذي يحميه.


ما هي بساطة الحمامة؟
تمثل بالحمامة وأنت مطمئن. انظر كيف تبتهج الحمامة بوجودها وسط الجماعة. فالحمام يبقى دومًا كجماعات، أينما طاروا أو أكلوا، ولا يحبّون الانفراد. إنهم يبتهجون معًا في وحدة، يحتفظون بالمحبّة، فهديلهم ما هو إلا صرخات حب واضحة، وبقبلات ينجبون أطفالهم نعم، حتى عندما يتنازع الحمام على عشّه - كما نلاحظ ذلك غالبًا - إنّما يكون أشبه بنزاع سلمي. هل ينقسمون على أنفسهم أثناء نزاعهم؟ كلاّ، بل يطيرون معًا ويقتاتون معًا، ويبقى نزاعهم ودّيًا. تأمّل نزاع الحمام الذي يتحدّث عنه الرسول، قائلًا: "وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسِموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل" أي أقيموا المعركة، لكن فلتكن معركة حمام لا ذئاب، لهذا أردف يقول: "ولكن لا تحسبوه كعدوّ بل اِنذروه كأخ" (2 تس 3: 14-15) إن الحمامة تحب الآخرين ولو في نزاعها، أمّا الذئب فيبغض الآخرين ولو تلّطف ++ القديس اغسطينوس

اِسْتَعر من الحيّة حكمتها فقط، ولِيبق قلبك بسيطًا نقيًا غير فاسد. كن وديعًا ومتواضعًا كما أنا، ولا تسلّم نفسك للغضب والهياج، "لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله" (يع 1: 20) ++الأب يوحنا من كرونستادت


يقارن القديس أغسطينوس أيضًا بين الحمام والغربان، فالحمامة التي أرسلها نوح عادت إليه تحمل غصن الزيتون، أمّا الغراب فخرج بلا عودة يعيش على الجيف. الحمامة تطلب ما لنوح، أي ما للمسيح، أمّا الغراب فيطلب ما لذاته ولو كان نتانة وفسادًا. هذا والحمامة أيضًا في أكلها لا تمزّق ما هو قدّامها كما يفعل الغراب، لذا صارت الحمامة علامة السلام والبساطة، أمّا الغراب فعلامة الأنانيّة والتمزيق والانقسام.

أيضًا أن العصافير وهي طيور أصغر في الحجم من الحمام بكثير تقتل الذباب لتأكله أمّا الحمام فلا يفعل شيئًا من هذا القبيل، فإنها لا تعيش على قتل غيرها، ولا تشبع على حساب الآخرين.++ القديس اغسطينوس

الإنسان البسيط هو ذو النفس التي في نقاوتها الطبيعيّة التي خُلقت عليها والتي تشفع من أجل الجميع . الحقد هو فساد البساطة، طريق ماكر للتفكير تحت ستار مزيّف من البساطة، لكنّه يميّز بين البساطة بالفِطرة والبساطة المجاهدة، بقوله: عظيمة هي أيضًا البساطة التي يتّسم بها بعض الناس بالفِطرة نعم ومباركة، لكنها لا تعادل البساطة التي تكتسب بالعناء والتعب بعد التوبة عن الخطيّة، فالأولى محميّة ومحصّنة ضدّ الكثير من التصنّع والانفعال لكن الأخيرة تقود إلى أعلى درجات التواضع والوادعة. الأولى ليس لها مكافأة عظيمة، أمّا الثانية فمكافأتها لا نهائية بلا حدود ++ القديس يوحنا الدرجي

يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم : لماذا لم يعد هناك سجن ولا وقوف أمام مجامع وولاة؟ ويجيب بأن الله يسمح للإنسان بالتدريب على الصراع قدر طاقته وقامته، فالصغير يسمح له بالتدرّب على الصراع مع من يناسبه في عمره وهكذا. كأن الله لا يسمح لنا في حياتنا الروحيّة أو الرعوية بالتجارب إلا بقدر ما نحتمل.

إنه يسمح بالتجربة، مطالبًا إيّانا ألا نقلق ولا نهتم كيف نتصرّف ولا بماذا ننطق، إنّما روحه القدّوس هو الذي يعمل في المتضايقين معلنًا مجد المسيح، شاهدًا ببهائه فينا ككرازة وشهادة أمام الآخرين.


إنه يحرّركم من الخوف ويهبكم الحب الذي يشعل غيرتكم بالكرازة بي فتنبعث فيكم رائحة مجدي في العالم وتمتدحونه++ القديس اغسطينوس

ويتحدّث القديس جيروم عن عمل الله في هذه اللحظات الصعبة، قائلًا: ها أنتم ترون أنه ليس لدينا مخازن نخزن فيها، لكننا ننال فيضًا في اللحظة المطلوبة.

أن ما ننطق به ونجيب به (وقت الضيق) يوهب لنا في تلك الساعة من السماء التي تمدّنا، فلا نتكلّم نحن بل روح الله الذي لا يفارق من يعترفون به ولا ينفصل عنهم بل يتكلّم فيهم ويتوّج فيهم. وفي رسالة أخرى يقول:إن عمله هو أن نغلب، وننال بإخضاع العدوّ لرمز النصرة في الصراع العظيم. ++ القديس كبريانوس

كل ما للعدو أنه يتعبنا، لكن ماذا تكون متاعبه إن كان قلبنا ثابتًا في الرب ومؤسّسًا فيه؟++الآب يوحنا من كرونستادت

من اقوال الأب دوروثيؤس ++ الضمير




من اقوال الأب دوروثيؤس

 
حفظ الضمير نحو الله والقريب والخليقة غير العاقلة

يلزمنا أن نحفظ ضميرنا من جهة الله، ومن جهة القريب، ومن جهة الأشياء.

فبالنسبة لله، يُوجّه الإنسان إليه ضميره عندما لا يهمل وصاياه حتى بالنسبة لتلك التي لا يراها البشر، ولا يطالبنا بها أحد. هذه نوجه فيها ضمائرنا نحو الله خفية.

أما عن توجيه الضمير نحو القريب، فذلك يتطلب منا ألا نرتكب شيئًا -كلمة أو نظرة أو تعبيرًا (على ملامح الوجه)- نعرف أنه يسىء إلى القريب أو يضايقه.

أما عن توجيه الضمير نحو الأشياء فيعنى عدم إساءة استخدامها أو إفسادها أو إلقائها في غير موضعها.

في كل هذا يلزمنا أن نحفظ ضميرنا نقيًا بلا لوم، حتى لا يسقط الإنسان في ذلك الضيق الذي حذَّرنا منه الرب (مت 26:5).

من اقوال الاباء عن فاعلي الشر


يا إخوتي، مخيف هو الوقوع في يدي الرب. ومخيف هو وجه الرب ضد فاعلي الشر (مز 34: 16)... مخيفة هي أُذن الرب، وهي تسمع لصوت هابيل يتكلم خلال دمه الصامت. مخيفتان هما قدماه اللتان تتخطَّان صنع الشر. مخيف أيضًا ملؤه للمسكونة، حيث يستحيل أن يهرب موضع ما من عمل الله (إر 23: 24)، حتى بالطيران إلى السماء، أو الدخول في الجحيم، أو الهروب إلى الشرق الأقصى، أو باختفائنا في الأعماق، في نهاية البحار (مز 139: 7-8). ناحوم القوشي أمامي مرتعب عندما أعلن عن ثقل نينوى، فإن الله غيور، والرب منتقم في سخطه على مقاوميه +++ القديس غريغوريوس النزينزي

من كتاب الرحمة والترف، للقديس يوحنا ذهبي الفم ++ الرحمة


من كتاب الرحمة والترف، للقديس يوحنا ذهبي الفم ++ المقدس يوسف حبيب
 
إننا إلى الآن لا نبحث عن الأشياء التي هي بعد الزمن الحاضر فلا زلنا نشتاق إلى الأمور التي ترى -الزمنية- ولا نتوق إلى التي لا ترى -الأبدية-.. إلى مائدة الفقراء يكون المسيح جالسا، والى المائدة الأخرى أناس جلوس. الأولى لها السيد وللأخرى الخدام
 
وإذا ندع هذه الأمور الآن لنرى آية واحدة منها لها النصيب الأكثر من اللذة الحاضرة. أنه بالنسبة لهذا أيضا فالأولى لها قسط أعظم، لأن الجلوس مع الملك له بهجة أكثر من الجلوس مع خدامه. في الأولى له أن يسمع ويرى كل شيء بحرية وبارتياح وفرح في المحبة الروحية.. أما الآخرون فيتضايقون ويخافون ويخزون أمام الذين يجلسون معهم من الكبراء والعظماء. وكأنهم أمام سادة ويخشى بأسهم.
 
لكن يقول أحد أن الشرف لعظيم. كلا، بل الآخرون في شرف أكثر، لأن حياة الأولين الوضيعة تظهر بالأكثر، حتى وهم مشتركون في نفس المائدة أيضا، الكلمات أتى ينطقون بها كلمات عبيد، لأن العبد يظهر هكذا أكثر وضوحًا من أي وقت حينما يجلس مع سيده، لأنه في مكان لا يحب أن يكون فيه، وليس له أيضا من جراء هذه القربى كرامة كثيرة بقدر ما له من الذلة.. لأن الوضيع حينما يكون قريبا من المتعالي يظهر وضيعا أكثر لأن المقارنة تجعله كذلك ولن يظهر أعلى مما هو عليه.
 

نتبيَّن في هذين الأمرين إذن الأفضلية،الأفضلية في الحرية وفي الشرف الذي لا يعادله شيء، لأن لقمة يابسة مع الحرية أفضل من آلاف اللذات مع العبودية، والكتاب المقدس يقول: "أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة" أم 15: 17، لأنه مهما قال الكبير في هؤلاء يلزم على الحاضرين أن يمتدحوه، هم في درجة المتطفلين، أو بالحري منهم، لأن المتطفلين بالحقيقة هم في خزي ومهانة. 
 
أن كثرة الأطعمة الفاخرة تبيد بالاهتمام الذي يسبقها وقد يلحقنا بسببها التخمة وهذه تهدم أجسادنا وتتلفها.
ويضار الإنسان بالتخمة أكثر مما بالجوع، فالجوع يمكن أن نتحمله بسهولة أكثر من التخمة، نستطيع أن نتحمل الجوع لمدة طويلة، أما التخمة فلها آثار سيئة على أجسادنا. ونرى سكان الريف الذين يجاهدون بصفة مستمرة أصحاء لا يحتاجون إلى أطباء

الشرف خير من العار، والحرية خير من الخضوع، وثقة الرجل خير من الخوف. واذا كان التمتع بما هو كاف خير من الانغماس في تيار الترف، فلذلك تكون هذه المائدة أفضل من الأخرى.

نسمع في ولائم الأغنياء أصوات المزمار والقيثارات والأعواد، أما هنا فلا توجد أصوات غير لائقة، لكن تراتيل وترانيم ومزامير. هناك بالحقيقة يرتلون للشياطين، أما هنا فلسيد الكل، الله تعالى. ترى بأي عرفان للجميل تمتلئ الواحدة وبأي نكران وجحود تمتلئ الأخرى؟ نعم فحينما يكون الله قد غذاك بخيراته تقدم لجلاله الشكر وتقول: "مبارك أنت يا رب لأنك غذيتنى بخيراتك".

 
هناك مسرات الدنس والضحك الخليع والسكر والمجون والكلام القبيح، وأما هنا فيغلب حب الإنسانية والعطف والوداعة والتعفف.

هناك القساوة عن طريق الظلم والخطف وقد تنتهى إلى اختلال الوعى والهذر وسائر مخلفات المجد الباطل، أما هنا فيطيب تقديم الشكر والمجد لله.

أن الذي يرحم الفقراء ويجلسهم إلى مائدته ينجيه الرب من الشدائد والضيقات في هذا الدهر ويخلصه من العذاب الأبدي في الدهر الآتى حينما ياتى ليدين المسكونة بالعدل ويجازى كل واحد حسب أعماله. الأولون يدخلون إلى الفرح بعدما يسمعون أمام العالم أجمع، "لأنى جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني كنت غريبا فآويتموني"
متى 25: 35. أما الآخرون فيسمعون العكس، العبد الشرير الكسلان، وأيضا ويل لكم أيها "الْمُضْطَجِعُونَ عَلَى أَسِرَّةٍ مِنَ الْعَاجِ، وَالْمُتَمَدِّدُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ، وَالآكِلُونَ خِرَافًا مِنَ الْغَنَمِ، وَعُجُولًا مِنْ وَسَطِ الصِّيَرةِ، الْهَاذِرُونَ مَعَ صَوْتِ الرَّبَابِ، الْمُخْتَرِعُونَ لأَنْفُسِهِمْ آلاَتِ الْغِنَاءِ كَدَاوُدَ، الشَّارِبُونَ مِنْ كُؤُوسِ الْخَمْرِ، وَالَّذِينَ يَدَّهِنُونَ بِأَفْضَلِ الأَدْهَانِ وَلاَ يَغْتَمُّونَ عَلَى انْسِحَاقِ يُوسُفَ" (سفر عاموس 6: 4-6).

 
وقد يقول قائل أنى أريد أن أتخذ بعض الأصدقاء لكن مثل هذا الإنسان فأنه ليس أتفه من الرجال الذين يصيرون أصدقاء عن طريق المائدة والتخمة.. أما موائد الفقراء فلا توثق عرى الصداقة مع الناس بل مع الله. أنها صداقة متينة، فأهتم أن توطدها.

لنحيا إذن لمجد الله، ونعمل الأمور التي ترضيه لكي نحسب مستحقين للخيرات المنتظرة، ليتنا ننالها جميعا، بالنعمة ومحبة البشر التي للمسيح يسوع ربنا، الذي له المجد إلى الأبد آمين

من اقوال القديس يوحنا ذهبي الفم 1

من اقوال القديس يوحنا ذهبي الفم

إن ذكرتم الجمال، فإنه يذبل مع المرض، ويضيع من الزمن.

إن ذكرتم السلطان، فغالبًا ما لا يكون موثوقًا فيه.

إن ذكرتم الثروة أو أي شيء من الغنى والشهوة في الحياة الحاضرة، فإن هذه إما أنها تفارق الناس وهم أحياء أو يصير الميت عاريًا ومجردًا من كل شيء.

ثمر البرّ على العكس تمامًا، لن يفسده الزمن، ولا يُحَطِّمه الموت، بل يصير أكثر أمانًا، خاصة عندما يصل إلى النقطة التي فيها يبلغ إلى الميناء ويصير محميًا من العواصف.

البشارة بالتجسد الالهي

البشارة بالتجسد الالهي

"وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود إسمه يوسف واسم العذراء مريم.." (لو 1 : 26، 27).

أولا : منذ خمسة أشهر سبق فبشر الملاك زكريا الكاهن، والآن مع بداية الشهر السادس جاء يبشر القديسة مريم، لكن شتان بين البشارتين، البشارة الأولى لزكريا الكاهن تمت داخل الهيكل أثناء العبادة الجماعية، وبطريقة شعر بها الكهنة والشعب الذي كان واقفا يصلى بالخارج، كانت بشارة بميلاد أعظم المواليد من النساء؛ يوحنا المعمدان!!


أما البشارة الثانية فتمت في بيت مجهول في قرية فقيرة بطريقة سرية لم يلمسها حتى صاحب البيت نفسه.. يوسف النجار.. وقد كانت بشارة بتجسد الكلمة نفسه!!

لقد أخلى الإبن ذاته حتى في البشارة به، لم تتم بين الكهنة ولا في داخل الهيكل ولا على مستوى الجماعة، إنما تمت مع فتاة فقيرة في مكان بسيط..


ثانيا : أرسل الملاك إلى "عذراء مخطوبة لرجل"... لماذا لم يرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟

إن وجود الخاطب أو رجل لمريم ينزع كل شك من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها..

لقد وصفها الكتاب المقدس بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء، فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلا -سواء قبل أو بعد ولادة السيد المسيح- وزوجة حتى تكون في نظر الناس بلا شائبة من جهة عفتها وطهارتها.

كانت الخطبة في التقليد اليهودى تعادل الزواج بالمفهوم السائد الآن ما خلا العلاقات الجسدية...

لهذا دعيت القديسة مريم "إمرأة يوسف".

إن وجود القديس يوسف في حياة العذراء مريم يشكك الشيطان في أمر المولود ويربكه من جهة التجسد الإلهى، لقد سبق للسيد المسيح أن أوصى تلاميذه ألا يقولوا لأحد أنه المسيح (مت 16 : 22).. كما منع الذين شفاهم من إظهار أسمه، وأمر الشياطين ألا تتكلم عن إبن الله (لو 4 : 35).


ثالثا : كرر الأنجيلى كلمة "عذراء" وكأنه أراد تأكيد عذراويتها ليعلن أن السيد المسيح ليس من زرع بشر.

رابعا : جاءت تحية الملاك : "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء " لو 1 : 28

لم تكن بالتحية العادية وإنما جاءت تحية فريدة حملت كل معنى الفرح، إنه فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم، وكأن القديسة مريم العذراء قد نالت بأسم الكنيسة كلها التي هي عضو فيها فرحا فائقا خلال تجسد الله الكلمة وحلوله فيها.


انفردت العذراء بدعوتها " الممتلئة نعمة "، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنها أحد غيرها، إذ أمتلأت بمواهب النعمة.

التحفت بالنعمة الإلهية كثوب..

وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية..

فى القلب تنعمت بالزيجة مع الله..

وتسلمت الله في أحشائها.

حديث الملاك للعذراء

" فلما رأته إضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية.. فقال لها الملاك : لا تخافى يا مريم، لأنك وجدت نعمة عند الله " (لو 1 : 29، 30).

لقد اضطربت العذراء ولم تستطع أن تجاوبه إذ لم يسبق لها أن قدمت تحية لرجل من قبل، لكنها إذ عرفته من هو أجابته، هذه هي التي كانت تخاف الحديث مع رجل صارت تتحدث مع ملاك بلا خوف.
 
لا نستطيع أن ننكر أن ما اتسمت به العذراء من حياء شديد وتكريس كامل لحساب الرب، وعدم رغبتها في الزواج كما يظهر من قولها للملاك : ( كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلا ) لكنها كانت الإنسانة الفعالة في الجماعة المقدسة، فعالة بصلواتها وتقواها، وفعالة أيضا بقبولها عطية الله الفائقة (تجسد الكلمة في أحشائها)، وفعالة في الخدمة ففي أول معجزة للسيد المسيح طلبت منه " ليس لهم خمر " يو 2 : 3، ورافقت السيد المسيح حتى الصليب وبعد الصعود كانت مع التلاميذ تسندهم، فالبتولية لا تعنى السلبية إنما إيجابية الحب الباذل المعلن خلال العبادة والعمل في حدود مواهب الإنسان التي يتسلمها من الرب نفسه، لذلك يقول القديس أغسطينوس : لا تكرم البتولية من أجل ذاتها وإنما لإنتسابها لله..

جاء الوعد الإلهى للقديسة مريم على لسان الملاك : " وها أنت ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " (لو 1 : 32).

إذ سمعت القديسة مريم الوعد الإلهى بروح الأتضاع وفي إيمان دهشت إذ كان الوعد فريدا لم تسمع في الكتب المقدسة إنسانا ناله لهذا تساءلت : " كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟! فأجاب الملاك وقال لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى إبن الله " (لو 1 : 34، 35).

يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتولية، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا ؛ بل تقول " متى يكون هذا؟! "..... منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج، لقد وضعت في قلبها أن تكون بتولا للرب فحل البتول فيها ليقدس فيها بتولية الكنيسة الروحية.. وكما يقول القديس أغسطينوس :  اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولى... فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم، فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما.

أمام هذا الأعلان أحنت رأسها بالطاعة لتقول : " هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك " (لو 1 : 38).

زكريا الكاهن شك في إنجاب زوجته، ولكن العذراء سمت بإيمانها على الكاهن ؛ فالكاهن أخطأ وتوارى والعذراء قامت بإصلاح الخطأ .

العذراء تصف نفسها أمة للرب مع أنها إختيرت أما له، فإن الوعد الذي تحقق لم يسقطها في الكبرياء.

من اقوال القديس اغسطينوس عن علامات الملكوت

من اقوال القديس اغسطينوس عن علامات الملكوت

طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات.

هكذا يقول الرب ليعلم المسيحي بالاسم أي الذي يبحث عن ملذات هذا العالم وغني هذه الأمور إن سعادتنا داخلية كما قيل عن الكنيسة بلسان النبي (مجد ابنه الملك في خدرها) مز13:45". فقد وعد الرب بالتعيير الخارجي والطرد والاحتقار إلا أن لهذه الأشياء جزاء عظيم في السموات يشعر بها الذين يحتملونها هاتفين مع الرسول (نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أن الضيق ينشىء صبرًا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا) "رو5، 3:5". واحتمال هذه الأتعاب من أجل المسيح لا يكون بفكر هادئ فحسب بل وبفرح أيضًا.

الأنبا بيشوي +++ الباب الضيق


من كتاب المسيح مشتهى الأجيال++منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع)

 الأنبا بيشوي +++ الباب الضيق
 
أكمل السيد المسيح تعليمه على الجبل فقال: "ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدى إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه" (مت7: 13، 14).

هناك أناس يُطَمئِنون أنفسهم بمن حولهم. يقولون طالما أن كثير من معارفنا يسلكون بهذا الأسلوب فليس من المعقول أن يهلك كل هؤلاء الذين يمثلون غالبية من نعرفهم.

ولكن السيد المسيح حذّر من البداية من الاطمئنان إلى سلوك الغالبية ومحاكاتهم. لأن تنفيذ الوصية هو الذي يحدد مصير الإنسان، وليس مقدار من لا يلتزمون بها، وليس عذرًا على الإطلاق أن نقول للرب أن غالبية الناس لم يلتزموا بتنفيذ وصاياك. بل إن السيد المسيح قال: "الذى عنده وصاياى ويحفظها فهو الذي يحبنى، والذي يحبنى يحبه أبى، وأنا أحبه وأظهر له ذاتى" (يو14: 21).

وبالرغم من أن تنفيذ الوصية يستدعى الدخول من الباب الضيق، إلا أن الباب الضيق يمنحنا شرف الاشتراك مع المسيح في آلامه، كما أنه يؤهلنا لاختبار حضور المسيح في حياتنا.

من أراد أن يرى الرب وعمله فعليه أن يختار الباب الضيق والطريق الكرب وهناك يختبر عمل الله ومعونته.

فمثلًا من يحرص على الصلاة والسهر ويتعب فيهما، يحصد ثمر صلاته وسهره وينال نعمة من عند الرب.

ومن يجاهد بالصوم والصلاة والميطانيات، يحصد ثمرة جهاده في اقتناء الفضائل الروحية ويمتلئ من الروح القدس.

ومن يحرص على قراءة الأسفار المقدسة بروح الخشوع والتضرع والاستماع إلى صوت الرب. يفتح الرب ذهنه ليفهم الكتب والمقاصد الإلهية ويمتلئ من الحكمة بفعل الروح القدس.

ومن يواظب على الحضور إلى الكنيسة ويشارك في التسابيح والصلوات والقداسات ويتقرب من الأسرار المقدسة، يحصد ثمرة تعبه بالثبات في المسيح والامتلاء من الروح القدس.

ومن يذلل نفسه في التوبة وممارسة سر الاعتراف بروح الانسحاق والندم على الخطية والرغبة الصادقة في حياة القداسة، يؤهل للتناول من الأسرار المقدسة وينال غفران خطاياه ويحصل على السلام القلبى بالمصالحة مع الله.

لهذا يقول المرنم: "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج. سيرًا كانوا يسيرون وهم باكون حاملين بذارهم، ويعودون بالفرح حاملين أغمارهم" (مز125: 5، 6).

الذين يتعبون في الخدمة ويبذلون أنفسهم من أجل الآخرين بروح المحبة الصادقة، يكافئهم الرب بالمواهب الروحية، ويمنحهم الآب كرامة سمائية، ويأخذون جزاءً حسنًا في ملكوت السماوات،لأن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه.

 إنه لشرف عظيم أن يشترك الإنسان في خدمة ملكوت الله وهو يشعر أنه غير مستحق لهذه الخدمة ولهذه الكرامة. وهكذا أيضًا الشهداء والمعترفين قد استحقوا كرامة عظيمة بعد الآلام التي احتملوها وصار لأسمائهم قوة للشفاء ولإخراج الشياطين. وبنيت الكنائس والأديرة على أسمائهم واستحقوا الأكاليل السمائية.

تاملات متي 14 ++ الملك المشبع


من تاملات ابونا القمص تادرس يعقوب ++ متي 14 ++ الملك المشبع

أمضت الجماهير النهار كلّه مع السيّد تسمع صوته، وتتقبّل أعمال محبّته ورعايته. "ولما صار المساء، تقدّم إليه تلاميذه، قائلين: الموضع خلاء والوقت قد مضى، اصرف الجموع إلى القرى، ويبتاعوا لهم طعامًا"

لقد رأى التلاميذ بأعينهم أعمال السيّد العجيبة، ومع هذا عندما جاء المساء ارتبكوا طالبين صرف الجموع إلى القُرى لشراء طعام يكفيهم. حقًا كثيرًا ما نرتبك في أمور الخدمة والمخدومين بحسابات بشريّة، مع أن الرب الحالّ في وسطنا قادر أن يعطي ويهب فوق كل حدود الطبيعة. فإن كنّا في موضع قفر والوقت مساء، لكن الرب الحالّ فينا قادر أن يُشبع.
 وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: بالرغم من أن الموضع قفر، إلا أن الذي يعول العالم موجود فيه. وإن كان الزمن قد أزفْ، لكن الذي لا يخضع للزمن يتحدّث معهم.

لقد ركّز الإنجيلي في عرضه لإشباع الجموع أن الوقت كان مساءً وأن الموضع قفر، ليقدّم لنا صورة للواقع الذي نعيشه الآن، فقد جاء السيّد المسيح إلى العالم كما في وقت الساعة الحادية عشر، وفي المساء. وكما يقول القدّيس يوحنا: "أنها الساعة الأخيرة" (1 يو 2: 18). فقد انتهت الأيام وجاء ملء الزمان حيث توقَّفت النبوّات مئات من السنوات، وصار العالم في حالة قفر روحي شديد، ليس لهم طعام يأكلونه، حتى يئس التلاميذ، وأرادوا صرف الجموع جائعين، لكن الرب الحالّ فيهم جاء ليقدّم لهم ذاته طعامًا جديدًا يُشبع النفوس الجائعة.

نعود إلى المعجزة لنجد السيّد المسيح يجيب التلاميذ: "لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: ليس عندنا ههنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان. فقال: اِئْتوني بها إلى هنا" (16-18).

لماذا طلب السيّد من التلاميذ أن يعطوا الجموع لتأكل؟

أولًا: ربّما أراد السيّد في محبّته للتلاميذ الذين عاشوا معه زمانًا، وسمعوا كلماته ولمسوا أعماله الفائقة، أن يقوموا هم بهذا العمل. كان يشتاق أن يكون لهم الإيمان لإشباع الجماهير، خاصة وإن واهب البركة حالّ في وسطهم.


ثانيًا: بسؤاله هذا أراد أن يكشف عن إمكانيّاتهم، لكي يضرموا مواهبهم، ويقدّموا ما لديهم مهما بدا قليل الشأن وعاجز عن الإشباع. فإن كان هو الذي يعول شعبه، لكنّه يطلب من الشعب أن يقدّم ما لديهم، حتى وإن كان ما لديهم هو سمكتين وخمس خبزات. إنه يطلب منّا ألا نبخل بالقليل الذي لدينا، إنّما نقدّمه فيَشبع به الكثيرين، ويفيض منه أكثر ممّا نقدّمه؛ يفيض اثنني عشر قُفّة مملوءة.


ثالثًا: كان التلاميذ يُمثِّلون الكنيسة التي يستخدمها الله لإشباع أولاده، مهما بدت فقيرة ومحتاجة .
الله هو الذي يُعطي، وهو الذي يُبارك، وهو الذي يُقدّس، لكنه يعمل خلال جسده المقدّس أي الكنيسة. على سبيل المثال، في سرّ المعموديّة تقدّم الكنيسة المياه والزيت والصليب مع الصلوات وكأنها سمكتان وخمس خبزات، يتقبّلها العريس ليهب طالبي العماد البنوّة لله والعضويّة في جسده المقدّس، وينعم عليهم بالإنسان الجديد الذي على صورته. وهكذا في كل الأسرار وفي كل الليتورجيّات يتقبّل الله من الكنيسة أمورًا بسيطة جدًا خلالها يهب عطاياه المجّانيّة التي لا تقدَّر.


رابعًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد أراد من تلاميذه أن يقدّموا له القليل لينالوا من يديه ما يقدّموه للشعب، فيشهدون بأيديهم عن عمل بركته.


بين معجزتيّ إشباع الجموع

يروي لنا الإنجيلي معجزتين لإشباع الجموع، واحدة هي التي بين أيدينا والأخرى وردت في الأصحاح الخامس عشر (32-33). ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد المسيح الذي صنع معجزات بلا حصر، لم يُشبع الجموع إلا مرتين، قائلًا: لم يفعل هذه المعجزة على الدوام، وإنما مرتين فقط لكي يتعلّموا ألا يكونوا عبيدًا لبطونهم، وإنما يلزمهم أن يلتصقوا دومًا بالروحيّات. هكذا نلتصق نحن أيضًا بالروحيّات فنطلب الخبز السماوي، وبهذا نطرد عنّا كل اهتمام زمني. إن كان هؤلاء قد تركوا بيوتهم ومدنهم وأقرباءهم، تركوا الكل وقطنوا في الخلاء، فإنه إذ ضغط عليهم الجوع لم يتراجعوا، هكذا يليق بنا نحن أيضًا أن نظهر ضبطًا للنفس (تركًا) بصورة أعظم لنقترب إلى مثل هذه المائدة، مهتمّين بالروحيّات، وحاسبين الأمور الملموسة أمورًا ثانوية بالنسبة لها.

حقًا لم يكرّر السيّد هذه المعجزة كثيرًا حتى لا يربط علاقتنا به خلال الأمور الجسديّة، ولكي لا نطلب في حياتنا معه أن يشبع احتياجاتنا الجسديّة بطريقة معجزيّة. لهذا رأيناه يترك تلاميذه الجائعين أن يقطفوا سنابل حنطة يوم السبت ويأكلون (مت 12: 1) دون أن يشبعهم بطريقة معجزيّة، بل وسمح لرسوله بولس أن يجتاز فترات جوع وعطش وعُري (2 كو11 : 22) ليشاركه آلامه، هذا الذي كان المرضى يأخذون الأقمطة من جسده المريض ليلمسوها فيُشفوا. إنه يريدنا أن نجري وراءه من أجل شخصه، لا من أجل العطايا الماديّة أو البركات الزمنيّة.

لماذا لم يكتفي السيّد بمعجزة واحدة؟

لقد أشبع الجموع مرتين، إنّما ليُعلن أنه جاء ليُشبع المؤمنين من الأصل اليهودي، كما الذين هم من أصل أممي. فالمعجزة التي بين أيدينا تُشير إلى اهتمامه باليهود، أمّا الأخرى (15: 32-38) فتُشير إلى اهتمامه بالأمم، يظهر ذلك خلال التفسير الرمزي لملامح وأحداث كل معجزة، منها:
أولًا: المادة التي استخدمها السيّد هنا سمكتان وخمس خبزات، أمّا في المعجزة التالية فاستخدم سبع خبزات وقليل من صغار السمك (مت 15: 34). فإن كان الطعام المُشبع هو شخص المسيح نفسه، فقد قدّم نفسه لليهود خلال الخمس خبزات أيضًا خلال أسفار موسى الخمسة التي تحوي الناموس الذي غايته المسيح (رو 10: 4).


 ويرى العلامة أوريجينوس أن الخمس خبزات تُشير إلى الحواس، فقد قدّم الله الكلمة نفسه لليهود بتجسّده كواحد منهم يمكنهم أن يلتقوا به خلال الحواس، ليتعرّفوا فيه على ما هو فوق الحواس. لقد رأوه وسمعوه ولمسوه وتذوّقوا حلاوته وتنسّموا رائحته الذكيّة، لكي يلتقوا به "ابن الله الوحيد الجنس" الذي يُشبع نفوسهم ويرويها!

عِوض الخمس خبزات نجد في المعجزة التالية سبع خبزات، فإن الأمم لم ينعموا بأسفار موسى الخمس، ولا رأوا السيّد المسيح بالجسد في وسطهم يلمسونه خلال حواسهم الخمس، وإنما تمتّعوا به خلال الكرازة بالروح القدس الذي يُعلن إشعياء النبي عن عطاياه السبع: "روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوّة، روح المعرفة ومخافة الرب" (إش 11: 2). الروح القدس هو الذي يقدّم للأمم "مسيحنا" المُشبع لنا.

أما بالنسبة للسمك، ففي المعجزة الأولى استخدم الرب سمكتين، وهما كما يقول الآب مكسيموس أسقف تورينو من رجال القرن الخامس أنهما يُشيران إلى العهد القديم وكرازة يوحنا المعمدان، فقد جاء يوحنا يكرز بوضوح عن المسيّا مشيرًا إليه، هذا الذي سبق فأعلن عنه العهد القديم بناموسه ونبوّاته وأحداثه كاشفًا عن شخصه وأعماله الخلاصيّة. أمّا بالنسبة لنا فأظن أن السمكتين اللتين تُشبعا جموع الكنيسة المقدّسة هما العهدان القديم والجديد، إذ ننعم بالسيّد المسيح خلالهما... أمّا بالنسبة للأمم فقدّم لهم شبعًا خلال قليل من صغار السمك، إذ ليس لهما العهد القديم ولا كرازة يوحنا المعمدان، إنّما قدّم الكرازة خلال التلاميذ البسطاء، القطيع الصغير. لقد أشبعهم هؤلاء الصغار بالمسيح موضوع كرازتهم.


ثانيًا: في المعجزة الأولى "فضَل من الكِسَر اثنتا عشر قُفّة مملوءة" ، أما في المعجزة التالية فقد "رفعوا ما فضل من الكِسَر سبعة سلال مملوءة" (مت 15: 26).


إن كانت كنيسة العهد القديم قد أشير إليها برقم 12، حيث كان عدد أسباطها اثني عشر، فإن السيّد أشبع جميع الأسباط، حيث ملأ الكل بالروح القدس. وقد رفع التلاميذ هذه السلال، إشارة إلى رفع اليهود الذين قبلوا الإيمان بالمسيح عن الفكر المادي الأرضي، ليختبروا الحياة السماويّة، كقول الرسولبولس: "أجلسنا معه في السماويات"..

ويرى القديس جيروم أن الاثنتي عشرة قُفّة تُشير إلى الاثني عشر تلميذًا الذين احتلوا مركز الأسباط الاثتى عشر، إذ يقول: أطعم شعبه بخبزه وما تبقى جمعه في اثنتي عشرة قفة، أي في الاثني عشر رسولًا، حتى أن ما فُقد في الاثني عشر سبطًا يَخلُص في الاثني عشر رسولًا.

أما كنيسة الأمم المرفوعة بأيدي التلاميذ، فيُشار إليها بسبعة سلال، فقد أعلن سفر الرؤيا عنها أنها كنائس سبع (رؤ 1: 4، 20) يرمز إليها بسبع منائر، إشارة إلى عمل الروح فيها ليُنيرها ويجعلها نورًا للعالم.

ثالثًا: في هذه المعجزة "أمر الجموع أن يتّكِئوا على العشب". بينما في المعجزة التالية "أمر الجموع أن يتّكِئوا على الأرض" (مت 15: 35). فإذ عاش اليهود زمانًا يتّكلون على الجسد مثل الختان والانتساب لإبراهيم والتطهيرات الجسديّة... ما كان يمكنهم أن ينعموا بالبركة الخاصة بالحياة الإنجيليّة، أو ما كان يمكنهم أن يقبلوا السيّد المسيح طعامًا روحيًا مشبعًا، ما لم يضعوا هذه الأمور تحتهم، أي يتّكئوا عليها، كما على العشب، لأن العشب يُشير إلى الجسد (إش 40: 6، رو 8: 6). ونحن أيضًا لا يمكننا أن نلتقي بالسيّد المسيح ولا نتقبّل عطيّة إلهيّة خلال التلاميذ أي الكنيسة، مادمنا نعيش حسب الجسد، لنُخضع الجسد لنفوسنا بالروح القدس ونتكئ عليه، فيكون خادمًا مطيعًا، يعمل في انسجام مع الروح، لا في مقاومة لها، عندئذ ننعم بالروحيّات.

أما بالنسبة للأمم فقد اتّكأوا على الأرض، إذ صار الأمم كالأرض، عبدوا الآلهة الباطلة فصاروا باطلين. انحطَّت حياتهم وأفكارهم إلى الأرض، لذا لن ينعموا بالطعام السماوي، إن لم يتّكئوا على الأرض ليجعلوها تحتهم لا أن يُستعبدوا هم لها.

رابعًا: في هذه المعجزة شبع نحو 5000 رجلًا ما عدا النساء والأطفال، وفي المعجزة التالية نحو 4000 رجلًا ما عدا النساء والأطفال. وقد سبق في دراستنا لسفر العدد أن رأينا في شيء من التوسُّع أن الله لم يحصِ النساء والأطفال إنّما الرجال وحدهم، ليس احتقارا للمرأة والطفل، وإنما رمزًا لرفض النفس المدلّلة كالمرأة وغير الناضجة كطفل. إنه يريد أن يكون كل مؤمن ناضجًا ومجاهدًا بالروح، يحارب الخطيّة لحساب مملكة النور.
نكتفي هنا أن نقتطف عبارات من كلمات القديس أغسطينوس: لم يشمل العدد الأطفال والنساء... فإن المدلّلين (المخنثين) الذين بلا فهم هم خارج العدد. لقد سُمِح لهم أن يأكلوا... ليأكل الأطفال لعلّهم ينمون فلا يعودوا بعد أطفالًا، وليأكل المدلّلون حتى يُصلح أمرهم ويتقدّسوا. إننا نوزِّع عليهم الطعام، وبسرورٍ نخدمهم.

أما من جهة الأرقام فإن المعجزة الأولى أشبعت 5000 رجلًا، إشارة إلى أسفار موسى الخمسة (5) وقد دخلت إلى مفهوم روحي سماوي (1000)، أي أشبعت الذين عاشوا في الناموس، لكنهم تحرّروا من الحرف، وانطلقوا إلى الروح أو الفكر السماوي. هذا ورقم 5000 يُشير إلى الإنسان المسيحي الذي يشبع من الطعام الروحي، إذ تتقدّس حواسه الخمس لتحمل طبيعة سماويّة (1000).

أما في المعجزة الثانية فقد أشبع 4000 رجلًا إشارة إلى شبع العالم في جهاته الأربع، وقد حمل الطبيعة السماويّة (4× 1000). ويمكننا أن نلمس ذلك في حياتنا، إذ خلال الطعام الروحي يتقدّس جسدنا الترابي (رمزه رقم 4) ليحمل أيضًا فيه فكرًا سماويًا (1000).

في اختصار نقول أن السيّد المسيح هو سرّ شبعنا يمسك بالسمكتين والخمس خبزات ليُشبع اليهود، أو بالقليل من السمك والسبع خبزات ليُشبع الأمم. إنه يُشبع الجميع خلال تلاميذه ولا يترك إنسانًا قادمًا إليه يرجع جائعًا! إنه وحده الذي يقدر أن يهبنا شبعًا خلال كنيسته (التلاميذ) بواسطة الناموس الروحي (5 خبزات) والكشف عن أسرار العهدين (السمكتين)، وكلمة الكرازة (قليل من السمك)، وعمل الروح القدس (السبع خبزات)... إنه يُشبع الفكر والقلب، ويقدّس المواهب ويضرمها فينا، ويقود الجسد والروح والنفس معًا بروح واحد نحو السماويات.

حلقه حلاوة، وكلّه مشتهيات. هذا حبيبي، وهذا خليلي يا بنات أورشليم


تأملات في سفر نشيد الأنشاد +++ الأنبا يوأنس

حلقه حلاوة، وكلّه مشتهيات. هذا حبيبي، وهذا خليلي يا بنات أورشليم


" حلقة حلاوة وكله مشتهيات. هذا حبيبي، وهذا خليلي يا بنات أورشليم" (5: 16)


هذا الوصف هو العاشر في صفات العريس، وهو يشبه ما جاء في (نش 2: 3) " تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي".. يقول المرتل " إن كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي" (مز 119: 103).. الحلق هو الذي يخرج الكلمات.. وكلمات الرب روح وحياة " من أكلني عاد إليّ جائعًا، ومن شربني ازداد بي عطشًا" (ابن سيراخ)..

إن من أحب الرب وأحب كلامه يشتاق إلى الجلوس تحت قدميه على نحو ما فعلت مريم أخت مرثا ولعازر ولسان حاله يقول " لكل كمال رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا" (119 ف 12).


أخيرًا إذ تشعر العروس بعجز لغتها عن وصف عريسها قالت "كله مشتهيات"

أقوال اباء الكنيسة الارثوذوكسية عن الفرح والسلام

أقوال اباء الكنيسة الارثوذوكسية  عن الفرح والسلام

أقوال القديس أوغسطينوس عن موهبة الفرح الدائم
من المعلوم يا أخوتي أن كل منا يطلب راحته وسروره إلا أنه لا يطلب ذلك كما يجب ولا حيثما يوجد فالأمر يتوقف على تمييز السرور الحقيقي من السرور الكاذب وبالعكس فإننا غالبًا ما نخدع بخيالات السرور الباطل والخير الكاذب.
فالبخيل والمتجبر والشره والشهواني وكل منهم يطلب السرور إلا أن هذا يضع سروره في جمع غنى وافر وذاك في شرف الرتب والكرامات وهذا المأكل والمشارب اللذيذة وذاك في أن إشباع شهواته النجسة ليس منهم من يطلب سروره كما يجب ولا حيثما يوجد من ثم لا يجده أحد منهم رغم أن الكل يشتهونه.
فكل ما هو في العالم لا يقدر أن يشبع النفس ويخول لها سرورًا حقيقيًا فلماذا إذًا تتعب أيها الإنسان الغبي وطوف باطلًا في أماكن كثيرة متوقعًا أن تجد خيرات تملأ بها نفسك وترضي بها جسدك ؟!! أحبب خيرًا واحدًا يحوي جميع الخيرات ففيه وحده تجد الكفاية.

+
استرح إلي الخير الواحد العظيم العام ففيه الكفاية عن كل شيء. وأما أنت يا نفسي فباركي الرب الذي يشبع بالخيرات عمرك (مز5، 2:103) .
+ (
حبل وجعًا وولد إثمًا) "مز15:7". إنك لا تزال متعبًا قلقًا إن أحببت شيئًا أخر غير الذي لا يستطيع أحد أن ينزعه منك.

+
من طلب فرحة في ذاته يجد حزنًا فإن جعلت سرورك في أن تباشر تلك الوظيفة وتسكن في ذلك المكان وما يشبه ذلك فإن سرورك هذا يمكن لرئيسك أن ينزعه عنك وبالنتيجة لا تكون مسرورًا قط. وإن جعلت سرورك في بعض الأشياء التي توافق هواك الآن أوفي أشياء أخري زمنية فإنها سريعة التغير وإن لم تتغير هي فأنت قابل للتغيير فما تسر به اليوم يمكن أن تكرهه غدًا. كيف لا ونحن نري الشعب الإسرائيلي (الشرير) كره المن الذي كان يجد فيه كل ما يحتاج إليه ويشتهيه ولما نجا من عبودية فرعون ضجر من الحرية واشتاق إلي العبودية وأشتهي بصل مصر!!! فلن تستطيع أن تفوز بالسرور قط ما دمت تجعله في ما يمكن أن يشوبه التغيير. فإن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا إلتصق بالله السرمدي ذاك الذي لا يعتريه تغيير بل يستمر ثابتًا على حال واحد إلي الأبد.

+
إنك يا إلهي جعلت (النفس البشرية) قادرة على أن تسع جلالك غير الحدود لئلا يكون شيء أخر يقدر أن يملأها سواك. إلهي إنك صنعتنا لأجلك ولذلك لا يزال قلبنا مضطربًا قلقًا. عديم الراحة على الدوام حتى يستريح فيك.

أقوال القديس أوغسطينوس عن السلام الفائق العقل

فإذ تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح) "رو1:5".
هذا هو عمل الروح القدس أن يقود الإنسان باستحقاقات الصليب ونعم الفداء في طريق الشركة العميق فيعود إليه السلام الإلهي بربنا يسوع المسيح مهما بلغت مضايقات الطريق وأتعابه وأحزانه لنه في حضن الثالوث الأقدس يستريح الإنسان ويطمئن....
بالروح القدس يتمزق حجاب الآثام هذا الذي حجب بيننا وبين إلهنا فحرمنا من الصدر الحنون الذي علية نتكئ مطمئنين ونزع عنا سلامنا الحقيقي وصار لنا هذه التوبيخات القاسية (لا سلام قال الرب للأشرار) "أش22:48".
ليس سلام لأحد من البشر) "أر12:12".وإذ يقوم الروح القدس بغفران خطايانا على الدوام فإننا ننعم بتلك البركة الرسولية (نعمة لكم وسلام) "رو7:1". "1كو3:1 " "2كو2:1". غل3:1"...
بالروح القدس تجتمع الكنيسة الحقيقية في إيمان واحد سلم لنا مرة من القديسين تجتمع باسم الرب يسوع فيكون الرب في وسطها عندئذ (الرب يبارك شعبة بالسلام) "مز11:29". قائلًا (سلامًا أترك لكم سلامي أنا أعطيكم) .
(لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام) "1كو33:14".

أقوال القديس أوغسطينوس عن: سلام حقيقي
هذا هو لا سلام الحقيقي الذي يمنحه الرب لنا لا كشيء خارجي زمني يتأثر بالظروف ويتغير بعوامل الزمن ويفني وينتهي بل يقدم لنا ذاته (سلامًا) ويكون هو العاطى والعطية في نفس الوقت فهو (واهب السلام) ، (وسلامنا) في نفس الوقت لن نقبل عنه بديلًا ولن نستريح ونطمئن إلا به وفيه.. وكما يقول (قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام) "يو33:16".

ويقول القديس أغسطينوس (السلام هو الميراث الذي وعد به السيد تلاميذه قبيل صلبه... قائلًا (سلامًا أترك لكم سلامي أنا أعطيكم) . فمن أراد أن يكون وارثًا للسيد المسيح فليملك على سلام المسيح ويسكن فيه.
هذا السلام الحقيقي متى ملأ القلب فاض على كل النفس فتشعر بالسلام في داخلها ومع كل من هم حولها مهما كانت مضايقاتهم ومتاعبهم...
لذلك فمن لم ينل سلام المسيح الحقيقي لا يقدر أن يسالم جميع الناس وخاصة مضايقيه.
+ وبالعكس أيضًا من لا يجاهد في صنع السلام واحتماله مضايقيه لن يتمتع بالسلام الإلهي... لأنه إن لم نغفر لا يغفر لنا... وبالكيل الذي به نكيل يكال لنا...
فسلامنا مع الله والناس.. لا ينفصلان بل هما متلازمان وهما عطية من نعمة الرب وثمرة من ثمار الروح وموضوع جهادنا دومًا.
+ السلام هو رزانة العقل، هدوء النفس، بساطة القلب، رباط الحب، رفيق المحبة.
إنه هو الذي ينزع العداوات، ويوقف الحروب، ويصد الغضب، ويكسر الكبرياء، ويحب المتضعين، ويهدأ المتخاصمين، ويصالح المتعادين، وهو مبهج ومقبول بالنسبة للمجتمع..
السلام لا تطلب ما هو للغير، لا تري في شيء أنه ملكك (فلا تعطي للآخرين) .
+ السلام يعلم المحبة، فلا تبغض قط..
+ السلام يعرف الإنسان كيف يعلو ذاته ولا ينتفخ...
+ السلام علامة القداسة..
+ يلزم على كل إنسان أن يحرص على السلام أيها الأخوة لأن من يعيش في سلام مقدس يحيا دومًا في الله ويون شريكًا مع القديسين في صحبة الله.

أقوال القديس أوغسطينوس عن صنع السلام

+ دعا السيد المسيح صانعي السلام طوباويين وأبناء الله،
لأنه لا يوجد فيهم شيء يقاوم إرادة الله ويضادها،
بل يطابقونها في كل شيء.
كأبناء صالحين مجتهدين في أن يتشبهوا بأبيهم في كل ما يمكنهم،
جاعلين سرورهم وإرادتهم في إرادة أبيهم وسروره.

أقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا عن الشركة مع الثالوث والفرح الدائم
"وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام "غلا22:5 "
إن كان سر فرح آدم هو لقاءه بالله خالقه المعتني به الذي يحبه والخطية قد أفسدت هذا اللقاء غذ صارت خطايانا حاجبا يفصلنا عن الله القدوس فإنه بالروح القدس لم يصر لنا اللقاء مع الله فقط بل ما هو أكثر أننا قد صرنا هياكل لله وروح الله ساكن فينا صار لقاؤنا بالثالوث الأقدس لقاء دائمًا في القلب لمن يريد. إن الله الذي هو مصدر الفرح لم يعد خارجًا عنا بل في داخلنا ساكنًا فينا... وصارت طلبتنا هي أن يكشف عن عيوننا الداخلية لنعاينه قلبيًا (طوبى للانقياء القلب لأنهم يعاينون الله) "مت8:5".

+
بالروح القدس صار لنا "روح التبني " الذي به نصرخ يا أبانا الأب " رو15:8". مهما بلغت دالة آدم على الله فإنها علاقة مخلوق مع خالق محب عبد صالح مع سيد مرحوم مترفق أما الآن فقد صار لنا بحسب اختيار الأب في استحقاق دم المسيح روح النبوة الذي به نحدث الأب كأب لنا )أبانا الذي في السموات)
أقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا عن صنع السلام
طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون.
صنع السلام وحد الذي أعطي هذا الجزاء العظيم أن ندعي )أولاد الله( ولكن ما هو صنع السلام؟ هل هو مجرد مصالحة الإخوة وأفراد العائلة الواحدة أو الزملاء في العمل؟! كثيرا ما نخطئ فهم (صنع السلام) فنحاول بغيرة بشرية أو بطرق بشرية أن نصنع سلاماَ فمثلا نذهب إلى الزوج لنصلحه مع عروسه فنجده يشكى كثيراَ حتى نحكم على عروسه بالخطأ وإذ نلتقي بالزوجة ونسمع لها نحكم على عريسها بالخطأ ونحاول أن نصلح وعبثا يصطلحان وإن اصطلحا فإلى حين مجاملة لمن يظن كصانع للسلام أو خشبة حديث الناس أو.......... لكن هل تريد معرفة كيف تكون صانعا للسلام أو ابنا لله؟! تشبه به. لقد كشف لنا يسوع السلام ذاته كيف صنع سلاماَ في صلاته الوداعية إذ تحدث عن ثلاث وحدات:-

(1)
وحده أولي مثالية بين الأب والابن كما أنك أيها الأب في وأنا فيك. (يو 21:18 وحدة في الجوهر والذات فرغم استقلال الأب عن الابن لكنهها غير منفصلين قط لهما جوهر واحد لهوت واحد أمر لا يدركه إلا الله ومن أعطاهم أن يدركوه تعجز اللغات البشرية التعبير عن هذه الوحدة.

(2)
وحدة بين البشر والله وهذه تعتمد على الأولي فلو لم يكن الأب والابن واحداَ ما قبلت ذبيحة الابن وما استطاع أن يوحدنا مع أبيه وما أمكنه أن يقوم بالمصالحة!! فباستحقاق دمه صار لنا الاتحاد مع الله وصرنا هيكل الله. لكن ما أبعد هذه الوحدة عن وحدة الجوهر واللاهوت.

(3)
الوحدة بين الأعضاء وبعضهم البعض...... أي صنع السلام بين بعضهم البعض وهذا ما كان يمكن أن يوجد بدون الوحدتين السابقتين كيف نصنع سلاماَ بين قلبين مضطربين؟! ليكونوا هم واحد فينا
يو21:18

لذلك هل تريد أن تتشبه بيسوع وتصنع سلاماَ بين المتخاصمين؟! قدم يسوع لكل منهم فيشعر كل طرف من الأطراف بالسلام وحبه للسلام........ ويشعر بخطيته وعندئذ تجد في المثال السابق يقول الزوج أخطأت وهكذا متى حل يسوع السلام الحقيقي فيهما تصالحاَ.

+
من يصنع صلحاَ بين المتخاصمين يدعي ابن الله ومن يدس ويعكر ويوصل كلاماَ شريرا من شخص إلى أخر فهو رسول الشيطان وهذا تهلكه النار.

+
من يغير كلمات شريرة بصالحة ويزرع الصلح بين إخوته يربح حياة لنفسه.