من كتاب التجربة على الجبل ... فوائد التجارب ++ البابا شنوده الثالث



من كتاب التجربة على الجبل ... فوائد التجارب ++  البابا شنوده الثالث

 التجربة شيء نافع بلا شك. ولولا منفعتها، ما كان الله الشفوق يسمح بها...

كثيرون يريدونن أن يكون طريق الملكوت سهلًا مفروشًا بالورود! ولكن هذا عكس التعليم الذي شرحه لنا الإنجيل المقدس، إذ قال لنا الرب فيه: "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه" (7: 14).

وقال "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 33). وقيل وفي الإنجيل أيضًا "بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 33).

هذه الضيقات نحتملها لكى نثبت أننا جادون في سيرنا إلى الملكوت.

ولكى ندخل إلى هذا الملكوت باستحقاق، لأننا بذلنا وتعبنا من أجله.. إن كان التلميذ يتعب ويكد يحصل على شهادة دراسية.. وإن كان كل صاحب عمل لابد أ، يتعب، لكى ينجح في عمله.. هكذا الطريق الروحى: ينبغى أن نتعب فيه لنستحق الملكوت... وصدق الرسول في قوله: "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (اكو3: 8).. والتعب قد نبذله بإرادتنا.

وهكذا تكون التجارب التي يحتملها المؤمنون من أجل الله والثبات في محبته.. وقد يكون يعضها في مصارعة النفس من الداخل. وبعضها في تحمل الضيقات من الخارج.

وهوذا القديس بولس الرسول يقول: "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير في شدائد، في ضرورات، في ضيقات في ضربات في سجون، في أضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام" (2كو 6: 4،5).

ومع ذلك يشرح كيف أنه لم يتضايق - هو وزملاؤه - بشئ من هذا، ولم يفقدوا سلامهم، ولم يفقدوا الرجاء بالله، فيقول: "مكتئبين في كل شئ.. لكن غير متضايقين، مضطهدين.. لكن غير متروكين" (2كو 4: 8، 9).. "كمائتين وها نحن نحيا، كحزانى ونحن دائما فرحون.. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شئ" (2كو 6: 9، 10).

فى الضيقات نشعر بالقوى السمائية الكثيرة المحيطة بنا فنتعزى.

منحن لسنا وحدنا مطلقًا في التجربة.. ولا في وقت الضيقة، بل تحيط بنا نعمة الرب ومحبته، وتحيط بنا قوات الملائكة القديسين التي قال عنها الله أنها تحيط بخائفيه وتنجيهم، وتحيط بنا أيضًا أرواح القديسين تشجعنا وتقوينا.. إنها خبرة روحية.

ومن فوائد الضيقات في العالم، أننا لا نتمسك بمحبة هذا العالم مشتاقين إلى السماء.

ولو كان النعيم في هذه الدنيا، ما كنا نشتاق إلى النعيم الأبدى، في الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، حيث "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله لمحبى إسمه القدوس".. ونحن كما قال الرسول: "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى لأن التي ترى وقتيه، أما التي لا ترى فأبدية" (2 كو 4: 18).

من أجل ذلك كان الآباء القديسون يشعرون أنهم على الأرض غرباء، يعيشون مشتاقين إلى الوطن السمائى.. ينظرون كل حين بالإيمان إلى "المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عب 11: 10).

ولولا الضيقات لتشبث الناس بالبقاء في غربة هذا العالم الزائل لذلك نحن نقول عن الشخص في يوم وفاته، أنه قد تنيح أي استراح.

استراح من هذا العالم الزائل وكل مافيه من شهوة الجسد والروح وتعظم المعيشة.. استراح من التعب الذي يبذله للثياب في روحياته، واستراح من الضيقات والشدائد والتجارب التي تختبر إرادته هنا في هذه الحياة الأرضية، واستراح مما في العالم من أمراض ومن تعب للجسد والنفس.

الإنسان الروحي لا يتعب من الضيقات.. وإنما يأخذ ما فيها من فائدة روحية.. ويفرح بالأكاليل التي ينالها بإحتمال التجارب. لا تهزه التجربة.. ويختبر كيف أن الله "يقوده في موكب نصرته" (2 كو 2: 14). إن الإنسان لا يكلل إلا إذا انتصر.. ولا ينتصر إلا إذا حارب.. ولا يحارب إلا إذا تعرض لضيقات تمتحن مدى روحانيته: حياته وثبات إرادته تابعة للمشيئة الإلهية.

وفى التجارب يتلامس المؤمن مع محبة الله العاملة في حياته.

إن الله إذ يرى محبة الإنسان له في وقت الضيقة، يكافئه بما يظهره له من حب.. وكم من قديسين تمتعوا بهذا الحب في وقت الضيقة.

فالقديس يوحنا الإنجيلى رأى تلك الرؤيا العجيبة وهو منفى في جزيرة بطمس من أجل الشهادة بكلمة الله (رؤ1)..

والقديس بطرس اختبر عناية الله به وهو في السجن أيضًا.

والقديس بطرس اختبر عناية الله به وهو في السجن (أع12) واختبر نفس العناية القديسان بولس وسيلا وهما في السجن أيضًا (أع 16). ما أجمل عبارات القديس يوحنا ذهبى الفم وهو يتأمل قول القديس بولس عن نفسه "أنا الأسير في الرب" (أف 4) حديث جميل عجيب عن الضيقات وبركاتها بودى أن أترجم لكم بعضًا منه وأنشره...

تحدث التجارب أحيانًا بحسد من الشياطين. وبخاصة في أيام الصوم والتناول والحرارة الروحية.

إن كان الإنسان يستعد في الصوم، لكى يسلك سلوكًا روحيًا، فإن الشيطان يستعد أيضًا لمقاتلته ومحاربته، ولكى يسقطه في الخطية أو في الفتور.. أعنى أن الإستعداد هنا متبادل: استعداد من جانب الإنسان للنمو في محبة الله، واستعداد من الشيطان لإسقاطه. إن الشيطان يحزن حينما يجد إنسانًا يسير في الطريق الله.

لذلك أن حلت بك التجارب في فترة الصوم، لا تحزن. فهذا دليل على أن صومك له مفعوله، وقد أزعج الشيطان..

بل إن بعدت عنك التجارب، يمكن أن تتساءل: لماذا يتركك الشيطان بدون تجارب؟! هل احتقر أو استصغر جهادك الروحى؟!

أعلموا أن ربنا يسوع يسوع نفسه، حاربه الشيطان بالتجارب في صومه الأربعينى.