تامل من ارميا 10 + الخروج عن الارضيات + القمص تادرس يعقوب



من تاملات ارميا 10 +++ القمص تادرس يعقوب
الخروج عن الأرضيات

للرجوع إلى الله لا يكفي ترك الوثنية، وإنما يتطلب انتزاع محبة الأرضيات من قلوبهم. الارتباط بالأرض يحوّل الإنسان بكليته إلى أرضٍ وترابٍ.

"اجمعي من الأرض حزمك أيتها الساكنة في الحصار"

هنا تصوير للأمر الذي يصدر للأسرى أن يحمل كل منهم الضروريات جدًا في حزمة ليضعها على رأسه، ويسير الكل مقيدين إلى السبي. هكذا يخرج الكل كعبيدٍ يحملون من أمتعتهم القليل في مذلة، بينما يستولى الجيش الغالب على أفخر ممتلكاتهم وأثمنها!

هكذا الإنسان الذي قبل بإرادته أن يكون أسيرًا لمحبة العالم، يخرج كما من العالم في مذلةٍ، لا يحمل من كل ما اقتناه وتعبَّد له إلا القلة القليلة أو العدم ليخرج من العالم كأسير في مذلةٍ وعارٍ!

كأنه يقول: إن كنتِ تشعرين أنكِ في حصار مرّ، وتحت التأديب، فالحل بين يديك. فُكِ أوتادك من الأرض، اقطعي ربطكِ منها، لكي يرتفع القلب مع الله في سمواته.

"لأنه هكذا قال الرب:

هأنذا رامٍ من مقلاع سكان الأرض هذه المرة (في هذا الوقت عينه)، وأضيق عليهم لكي يشعروا"

لقد انتهي وقت الإنذارات المتكررة، وجاء وقت التأديب، لهذا يلقي الله بشعبه في السبي كمن ُيلقى بحجر من مقلاع، كأنه بلا قيمة، ويذهب بلا رجعة!

هذا هو حال كل نفسٍ ترتبط بالأرض لا بخالقها، يحملها الخالق كما بمقلاع ليلقى بها خارج الأرض التي أوجدها لأجلها! من يتعبد للأرضيات عوض تقديم الشكر لواهبها يفقد حتى هذه الأرضيات!

تعاتب مملكة يهوذا المنهارة بنيها الذين حطموها وهربوا، ورعاتها الذين صاروا في بلادة، قائلة:

"خيمتي خربت وكل أطنابي ُقطعت،بنيَّ خرجوا عني وليسوا.ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم ُشققي"

أخشى أن ينطبق علينا قول إرميا النبي ، بعدما نصير في الرب خيمة مقدسة نعود فنخربها، ونقطع ُربطها، فيتحول البنون العاملون لحساب الخيمة إلى طاقات للهدم.

خراب الخيمة يشير إلى هلاك الجسد الذي خلقه الله صالحًا ليكون مع النفس مسكنًا لروحه القدوس.

هو انحراف الإنسان ككل عن الحياة السماوية اللائقة به إلى حياة أرضية. لذا يقول الرسول بولس: "ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رو 12: 2).

من اقوال الاب أفراهات ++ عن التعاظم


كل من يتعاظم ينحدر. تعاظم قايين على أخيه هابيل فقتله، فلُعن وصار هاربًا متشردًا في الأرض. أيضًا تعاظم أهل سدوم على لوط فأنزل الله عليهم نارًا من السماء وأحرقهم وانقلبت المدينة عليهم. تعاظم أيضًا عيسو على يعقوب واضطهده، ونال يعقوب بكوريته وبركته. تعاظم أولاد يعقوب على يوسف، ثم عادوا فسجدوا أمامه في مصر. تعاظم فرعون على موسى وشعبه، فغرق فرعون وجنوده في البحر +++ الاب أفراهات

من اقوال الشهيد كبريانو عن اهتمام الله




يَعد الله أولئك الذين يطلبون ملكوته وبره أن هذه كلها تزاد لهم. حيث أن كل شيء هو ملك الله فلا يعتاز من يملك الله شيئًا، ما دام لا يفتقر إلى الله نفسه. لقد وُهب دانيال طعامًا إلهيًا حين أُلقي في الجب بأمر الملك؛ بينما كانت الوحوش الضارية جائعة ولم تأكله إذا برجل الله يشبع. وهكذا إيليا في هروبه أطعمته الغربان، وخدمته في وحدته؛ فقدمت له الطيور طعامًا حين كان مضطهدًا +++ الشهيد كبريانو

عن سفر نشيد الانشاد +++ البابا شنودة الثالث




تامل من سفر نشيد الانشاد +++ البابا شنودة الثالث

إن التفسير الحرفي لسفر النشيد بمفهوم جسداني هو تفسير مُنَفِّر ولا يتفق مع روح الوحي، ولا مع مدلول الالفاظ.
وهذ السفر لا يصلح إلا للمتعمقين في الروح، الذين لهم عمق في التأمل، والذين لا يأخذون الألفاظ بفهم سطحي. إنه ليس للمبتدئين، بل للناضجين. وقديما لم يكن أحد يقرأه الإ بإذن وبأشراف أبيه الروحي.

عبارة "جميلة كالقمر" لا يمكن أن تتمشي مع عبارة" أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم" (نش 5: 1).
فكيف تكون سوداء "كخيام قيدار"، وفي نفس الوقت جميلة كالقمر؟!، والقمر في جماله ليس فيه سواد.
ولكن السوداء – في المفهوم الرمزي – هي كنيسة الامم.
التي لم تكن تنتمي الي الآباء والأنبياء، وكانت غريبة عن رعوية الله وعن العهود والمواعيد والشريعة. وبلا رجاء (أف2: 12). ولكنها صارت جميلة كالقمر، بالبر الذي نالته في المسيح، وصار جمالها كاملًا ببهائه الذي جعله عليها (حز 14: 16) وبذمه الذي محا خطاياها.
فهي تخاطب مؤمني العهد القديم "بنات اورشليم" وتقول لهن "أنا سوداء وجميلة يا بنات اورشليم".. سوداء في اصلي وماضي، وجميلة في حاضري

مريح التعابى والثقيلي الأحمال +++ البابا شنودة الثالث



تامل من كتاب حياة الرجاء +++ البابا شنوده الثالث
مريح التعابى والثقيلي الأحمال

كل إنسان في الدنيا له متاعبه الخاصة، سواء كانت متاعب ظاهرة للآخرين، أو مكتومة في القلب، سواء كانت متاعب روحية، أو متاعب نفسية، أو متاعب جسدية، أو متاعب عائلية اجتماعية.

والسيد المسيح قد جاء من أجلي التعابى.

جاء "يطلب ويخلص ما قد هلك" (متي 18: 11). جاء ليخلص العالم من خطيئته كما قال إشعياء النبي "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (اش 53: 6) وأيضًا جاء المسيح ليخلص العالم من آلامه ومتاعبه، ولذا قال نفس النبي "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها (اش 53: 4). وهو أيضًا قال "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متي 11: 28).

لماذا قال "يا ثقيلي الأحمال؟" ربما لأن الذي حمله خفيف يحتمل ويسكت. أما الذي حمله ثقيل، فليس أمامه إلا أن يقول: يا رب..

المفروض أن نلجأ إلي الرب، سواء كان الحمل ثقيلًا أو خفيفًا. ولكن علي الأقل إذا كان الإنسان مضغوطًا جدًا من ثقل أحماله، فلن يجد أمامه سوي وعد الرب بأن يريحه.

تعالوا.. وأنا أريحكم. إنها دعوة ووعد.

دعوة من الله، ووعد إلي عالم تعبان، مثقل بمشاكل من كل نوع: مشاكل الانشقاقات والحروب، ومشاكل الإسكان والتموين، ومشاكل الزواج والطلاق، ومشاكل التطرف والإرهاب، ومشاكل الفساد والإدمان. وفي كل هذه المشاكل، يقول الرب تعالوا إلي يا جميع المتعبين.. وأنا أريحكم.

وهنا نجد صفة جميلة من صفات الرب، وهو أنه مريح.

مريح التعابى والثقيلي الأحمال، كثيرون في متاعبهم يجلسون مع آخرين فيزيدونهم تعبًا علي تعبهم. وقد يلجأون إلي البعض، فلا يجدون منهم سوي الإهمال واللامبالاة. لكن المسيح المريح، كل من يلجأ إليه تستريح. إنه دائمًا يعطي. يعطي الناس راحة وهدوًا وعزاءًا، وسلامًا وطمأنينة في الداخل. ويرفع عن الناس أثقالهم، ويحملها بدلًا عنهم ويريحهم. وهكذا يفعل من لهم صورة الله..

قال الرب: أدعني في يوم الضيق، أنقذك فتمجدني (مز 50: 15).

البعض إذا أصابته ضيقة، يظل يغلي بالألم والحزن داخل نفسه. أفكاره تتعبه، ونفسيته تتعبه، وربما اليأس يتعبه. وربما لا يجد أمامه سوي الشكوى أو التذمر أو البكاء. وفي كل ذلك لا يفكر أن يلجأ إلي الله، ولا أن يضع أمامه قول المزمور:

"القي علي الرب همك. وهو يعولك" (مز 55: 252).

تعال إذن وكلم الرب عن متاعبك بكل صراحة، سواء كانت تتعبك معاملة الآخرين أو ضغوطهم. أو ظلمهم أو قسوتهم.. أو كانت تتعبك شكوك أو أفكار، أو خطايا، أو عادات مسيطرة عليك، وتأكد أن الرب يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها أنت ويريد أن يخلصك منها جميعًا. فاطلبه في رجاء وثقة، واضعًا أمامك قول المزمور:

"يستجيب لك الرب في يوم شدتك. ينصرك اسم إله يعقوب" (مز 20: 1)

وثق أن الكنيسة أيضًا تصلي من أجلك، حينما تقول في آخر صلاة الشكر "كل حسد وكل تجربة، وكل فعل الشيطان، ومؤامرة الناس الأشرار، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين انزعها عنا وعن سائر شعبك".. كذلك تذكر كل متاعبك في صلوات القداس الإلهي.

تأكد أيضا أن الضيقات ليست لونًا من التخلي.

فالله سمح أن رسله وقديسيه تصيبهم الشدائد، ولكنه كان واقفًا إلي جوارهم يريحهم.. وهكذا قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة "مكتئبين في كل شي، لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين.." (2 كو 8، 9).

نعم، ما أكثر متاعب الناس.. والمسيح مستعد أن يريحهم جميعًا.

هناك شخص يتعبه الآخرون. وهناك من تتعبه نفسه. كإنسان مغلوب من شهواته، أو مغلوب من طباعه، أو من عاداته. أو تعبان من أفكاره وضغطها عليه ويريد أن ينتصر علي نفسه ولا تستطيع.. هذا يستند علي قول الرب "تعالوا إلي يا جميع المتعبين.. وأنا أريحكم".

وهناك إنسان تتعبه الخطية ولا يستطيع فكاكًا منها..

كلما يتوب، يرجع فيخطئ مرة أخري. ومهما اعترف بخطية، يعود إليها ويكرر اعترافاته. يضع لنفسه تداريب روحية، ولكنه لا يثبت فيها. يحاول أن يغصب نفسه علي حياة البر، ومع ذلك فلا يزال يحيا في الخطية. خطيته هي هي منذ سنوات، وطبعه الرديء هو هو، ولا تحسن! إنه مغلوب وساقط. تكاد الخطية أن تصبح طبيعة له. وقد لجأ إلي الآباء والمرشدين الروحيين، وإلي القراءات وأقوال الآباء القديسين وسيرهم، ولا فائدة. هذا الإنسان ليس أمامه سوي قول الرب: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم".

مقتطفات من حياة البابا أثناسيوس البابا العشرين ++ القمص تادرس يعقوب



مقتطفات من حياة البابا أثناسيوس البابا العشرين ++ القمص تادرس يعقوب

اتسم القديس أثناسيوس بالشجاعة مع الحكمة وسرعة البديهة، نذكر بعض لقطات تكشف عن شخصيته.

1. إذ حاول الوالي الأريوسي قتله هرب القديس في قاربٍ إلى الصعيد. انطلق الجند وراءه في سفينة الوالي التي كانت بلا شك أسرع من الأولى. وإذ اقترب الجند نحو البابا اضطرب رئيس النوتية. لكن البابا في شجاعة وقف على حافة القارب ونظر إلى الجند، وقال لهم: من تطلبون؟" أجابوه: "أثناسيوس". بكل صدق قال لهم: "أثناسيوس قريب منكم جدًا". فظنوا أنه في سفينة أخرى قريبة منهم فأسرعوا نحو الصعيد جنوب مصر، وعاد هو إلى مدينة خلف منفيس إلى حين، ثم صار يتنقل بين الأديرة في منطقة طيبة.

2. جاء الأريوسيون بسيدة تشهد في المجمع أنه ارتكب معها الخطيئة وأنها أنجبت منه طفلًا. لم ينطق البابا بكلمة، لكنه أشار إلى تلميذه الذي وقف يسألها: "هل ارتكبت أنا معكِ الخطيئة؟" أجابته: "نعم أنت يا أثناسيوس". سألها أن تتأكد من شخصه، فأكدت أنه هو الذي ارتكب معها الخطية فشعر الأريوسيون بالخجل إذ انكشف خداعهم وتبرأ البابا أمام المجمع.

بدا كأن الجسد قابل للفساد، لكنه لم يبقَ هكذا بطبيعته، فإنه إذ لبسه الكلمة بقي بلا فساد. إذ جاء في جسدنا وتشبه بحالنا، لذا نحن نقبله ونشترك في الخلود الصادر عنه . ++ البابا أثناسيوس الرسولي

تامل من اشعياء 32 + بركات مملكة المسيح ++ القمص تادرس يعقوب




من تاملات اشعياء 32 +++ القمص تادرس يعقوب
بركات مملكة المسيح

الحديث هنا خاص بمملكة مزدهرة، يرى بعض الدارسين أنها مملكة حزقيا التي بدأت بالاصلاح الروحي والاجتماعي وإن كان كثيرون لم يصلحوا إلاَّ الشكل الخارجي؛ ويرون آخرون أن الحديث هنا عن السيد المسيح لأن البركات المذكورة هنا لم تتحقق في أيام حزقيا؛ غير أن فريقًا ثالث يرى أنه حديث عن الملك حزقيا أو غيره من الملوك كظل للسيد المسيح.

ماذا يُقدم لنا المسيح الملك؟

أ. دستور العدل والحق: "هوذا العدل يملك ملك، ورؤساء بالحق يترأسون" . إن كان الرب قد ملك على خشبة أي خلال الصليب، وقد دفع ثمن خطايانا تحقيقًا للعدالة، فأنه يقيم تلاميذه ومؤمنيه كرؤساء نمارس سلطاننا الروحي لا على الآخرين وإنما على نفوسنا وأحاسيسنا ومشاعرنا وطاقاتنا لا بكبتها أو تحطيمها وإنما "بالحق"، أي بتقديسها بالمسيح الحق.

ب. عوض المتاعب والضيقات يصير هذا الملك "كمخبأ من الريح"، يحمي المؤمنين من رياح التجارب والضغطات المُرّة؛ "وستارة من السيل" أي كمظلة أو غطاء تحميهم من المياه الجارفة، "وكسواقي (أنهار) ماء في مكان يابس"، أي يروى النفوس العطشى في البرية القاحلة، "كظل صخرة عظيمة في أرض معيبة" يختفون في المسيح الصخرة فلا يصيبهم ضررًا.

هكذا يُقدم أربعة تشبيهات لعمل السيد المسيح في حياة مؤمنيه: مخبأ، غطاء، أنهار مياه، صخرة عظيمة.

خلال هذه التشبيهات يرانا النبي أشبه بإنسان مسافر يجد في السيد المسيح كل احتياجاته، متى هبت عليه العواصف العنيفة وجد فيه الملجأ الأمين، وإن لحقته سيول جارفة يجده غطاءً واقيًا، وإن عانى من الظمأ يصير له الرب أنهار مياه حية، وإن هاج العالم كله يستظل فيه كصخرة صلدة قادرة أن تخفيه وتحميه حتى من الموت.

بمعنى الله المخلص يُقدم ذاته كل شيء لمؤمنيه حتى لا يعوزهم شيئًا. لقد قدم ذاته خلال أسماء كثيرة لكي ندرك أنه سّر شبعنا الحقيقي، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

لماذا دُعي الطريق؟ لكي نفهم أننا بواسطته نلتقي بالآب
لماذا دُعي الصخرة؟ لكي نفهم أنه حافظ الإيمان ومثبته.
لماذا دُعي الينبوع؟ لكي نفهم أنه مصدر كل شيء.
لماذا دُعي الأصل؟ لكي نفهم أن فيه قوة النمو.
لماذا دُعي الراعي؟ لأنه يرعانا.
لماذا دُعي الحمل؟ لأنه قُدم فدية عنا وصار تقدمة.
لماذا دُعي الحياة؟ لأنه أقامنا ونحن أموات.
لماذا دُعي النور؟ لأنه أنقذنا من الظلمة.
لماذا دُعي الذراع؟ لأنه مع الآب جوهر واحد.
لماذا دُعي الكلمة؟ لأنه مولود من الآب، فكما أن كلمتي هي مولودة مني، هكذا أيضًا الابن مولود من الآب.
لماذا دُعي ثوبنا؟ لأنني التحفت به عندما اعتمدت.
لماذا دُعي المائدة؟ لأنني اغتذي عليه عندما اشترك في الأسرار.
لماذا دُعي المنزل؟ لأنني أقطن فيه.
لماذا دُعي العريس؟ لأنه قبلني كعروس له.
لماذا دُعي بلا دنس؟ لأنه أخذني كعذراء.
لماذا دُعي السيد؟ لأنني عبد له.
إن سمعت هذه الأمور أرجو إلاَّ تفهمها بمعنى مادي، بل حلق بفكرك عاليًا،
لأنها لا تؤخذ بمعنى جسدي.

طوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل حاجاته. أنت هو أكله وشربه! أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر! أنت هو شمسه ونهاره، بنورك يرى الخفيات. أنت هو الآب والده! أنت أعطيته روح ابنك في قلبه! ++ الشيخ الروحاني

ج. يُقدم السيد المسيح لمؤمنيه البصيرة الروحية لترى الأمور غير المنظورة ولا تظلم عيناه الداخليتين: "لا تحسر (تعتم) عيون الناظرين" . كما يهبنا القدرة على الاستماع لوصيته والإنصات إلى كلماته بفرح: "وآذان السامعين تصغي" . يُقدم حكمة مع فهم وعلم: "وقلوب المتسرعين تفهم علمًا" . يهب اللسان الكلام اللائق الفعّال: "وألسنة العييّن (المتلعثمين) تُبادر إلى التكلم فصيحًا". وأخيرًا يعطينا نعمة التمييز فلا نحسب اللئيم كريمًا ولا الماكر نبيلًا .

في اختصار يهب: البصيرة الداخلية، الاستماع مع الطاعة، الحكمة مع فهم وعلم، القدرة على الكلام البنّاء، نعمة التمييز. هذا كله يتحقق بالمخلص الذي ينتزع الخطية المسببة للعمى والعصيان والغباوة والعجز عن النطق بالحق وعدم التمييز.

إلهي... أنت نوري! افتح عينيّ فتُعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثر في فخاخ العدو...

أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يُضيئ لأولادك حتى لا يتعثروا!

أما الذين هم خارج عنك، فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه...!

نعم خارج ضيائك تهرب الحقيقة منيّ، ويقترب الخطأ إليّ، يملأني الزهو، وتهرب الحقيقة مني! أصير في ارتباك بدلًا من التمييز، يصير ليّ الجهل عوض المعرفة، العمى عوض التبصر، لا يعود ليّ طريق موصل إلى الحياة. +++ القديس اغسطينوس

د. يميز الله بين اللئيم والكريم، إذ هو فاحص القلوب، ومدرك للخفيات.

من اسئلة الناس وجواب من البابا شنودة الثالث




سؤال لواحد من الناس
والبابا شنودة الثالث يرد علي السؤال

كلما تقربت إلي الله، ازدادت علي التجارب و المتاعب و الضيقات، حتي سئمت الحياة ومللتها، ولم أجد مخرجًا إلا بالابتعاد عن الله لكي استريح مثل سائر البشر المبتعدين..! فما معني أن يأخذ مني الله هذا الموقف؟

الإجابة:
حينما تسيرين في طريق الله وتنمو حياتك الروحية، حينئذ تحسدك الشياطين، وتحاول أن تبعدك عن طريق الله، بأمثال هذه المتاعب التي تصادفينها.
فإن ابتعدت عن الله، وتركت الطريق الروحي، تكونين قد حققت للشيطان رغبته، ويكون قد غلبك في المعركة.
اسمعي قول الرسول "لا يغلبنك الشر ظن بل اغلب الشر بالخير".
إن قامت إليك المتاعب أتت بنتيجة عكسية، فيتركك و يبحث عن وسيلة أخري. وثقي أن النعمة ستقف إلي جوارك وتسندك وتعطيك الغلبة. وهكذا ييأس الشيطان منك بدلًا من أن تيأسي أنت من مراحم الله. إن صبر الله وعدم تدخله لإنقاذك من بدء المتاعب، إنما لاختبار قلبك ومدي تمسكه بالله.

في داخلهم يتعبهم ولا يستريحو . وفي البداية سيعيشون في تعب دائم وعلي الأرض أيضًا الخطية تؤدي إلي متاعب كثيرة. وإن كانت هناك راحة فهي راحة زائفة .

وثقي أن كل تعب من أجل الرب له أجره؛ هنا علي الأرض، وهناك في السماء. حيث يأخذ كل واحد أجرته بحسب تعبه (1 كو 3).

إن قصة الغني و لعازر المسكين تعطينا صورة واضحة عن هذا الموضوع. والسيد المسيح قال لنا " في العالم سيكون لكم ضيق". ولكنه وعدنا بأنه حتى شعور رؤوسنا محصاة. ووعدنا بتعزياته الكثيرة، وبأنه سيقودنا في موكب نصرته. ثم عليك أن تتفهمي جيدًا أن ليست من الله، وإنما من الشيطان الذي يحسدك. ومعلمنا يعقوب الرسول يقول " لا تقل احد إذا جرب، أني أجرب من قبل الله" (يع 1: 13).

فهل تتركين الله الذي لم يتعبك، وتتضمن للشيطان الذي أتعبك؟ وتكونين كمن يعادي أصدقاءه، ويصادق أعداءه؟

لذلك احتملي، وخذي بركة التعب وإكليله، وثقي أن الله سيريحك، لأنه قال "تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الحمال، وأنا أريحكم".. وقولي لنفسك: ما هي متاعبي إلي جوار تعب القديسين و الشهداء من اجل الرب؟!

تامل بقرات باشان الظالمة + عاموس 4 ++ ابونا تادرس يعقوب



تامل من عاموس 4 ++ ابونا تادرس يعقوب

بقرات باشان الظالمة

"اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة، الظالمة المساكين، الساحقة البائسين، القائلة لسادتها: هات لنشرب"

"باشان" اسم عبري يعني "أرض مستوية أو ممهَّدة"، كان يشير إلى نصف سبط منسَّى (تث 3: 13)، تقع في أرض كنعان شرقي الأردن بين جبل حرمود وجلعاد (عد 21: 33)، تربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. ذُكرت في الكتاب المقدَّس حوالي 60 مرَّة. عُرفت بقطيعها (مز 22: 12، حز 39: 18)، الذي اتَّسم بالشحم الكثير (تث 32: 14)، واشتهرت بغابات البلُّوط الدائمة الخُضرة (إش 2: 13، حز 27: 6، زك 11: 2) حتى يومنا هذا.

هنا يشبِّه الرب شعب بني إسرائيل ببقرات باشان السمينة والقويَّة، التي ترعى في مراع دسمة، وقد اتَّسمت بظلمها للمساكين وسحْقها للبائسين. لقد رعى أغنياء الشعب وأشرافه وسط غنى فاحش، مغتصبين كل شيء لحسابهم. وعِوض أن يغيثوا البائسين والمظلومين يستغلُّون فقرهم وبؤسهم وعجزهم ليسحقوهم بالأكثر بالظلم والاستبداد، فيزداد الغني في غناه، والفقير في فقره وبؤسه.

هؤلاء الأغنياء يذهبون إلى السادة الظالمين مثلهم ويقولون: "هات لنشرب"، أي لنسكر معكم في ولائكم وننعم بالملذَّات والشهوات وسط سحق البائسين ودموع المظلومين، وكأنهم لا يجدون لذَّة في السكر إلاَّ بمزجها بالدموع وخلطها بالظلم. وكما يقول الحكيم: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس، فهوذا دموع المظلومين ولا مُعزّ لهم، ومن يد ظالميهم قهر" (جا 1: 4).

ويرى البعض أن بقرات باشان هنا ليست إلاَّ النساء الإسرائيليَّات اللواتي صِرن سمينات من كثرة الولائم، وحياة الترف الزائد وعنيفات، هؤلاء اللواتي يسكُنَّ في السامرة يطلبن من رجالهن، أي من سادتهن أو "بعولهن" أن يحقَّقوا لهُنَّ ما يطلبه البعل الأعظم. فإن كانت عبادة البعل تقوم أساسًا على السكر بصورة صارخة، لهذا فهؤلاء "البعول" يقدِّمن الشرب لنسائهن. وكأن بقرات باشان هن مسئولات بصورة رئيسيَّة عن الظلم الذي يقع على الفقراء والبائسين بسبب تحريضهن بعولهن على ذلك لتحقيق ملذَّاتهن الزائلة، خاصة السكر الدائم بغير انقطاع!

ماذا يفعل الله بهؤلاء البقرات الظالمات؟

قد أقسم السيِّد الرب بقدسه: "هوذا أيام تأتي عليكن يأخذونكن بخزائم (صنَّارة أو كلاّب) وذُرِّيتكن بشصوص السمك، ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن (القصر، هرمون) يقول الرب"

أولًا: يقسم الرب بقدسه أنه يتدَّخل من أجل ما فعلته بقرات باشان بأولاده البائسين المحتاجين، لتحقيق شربهن وملذَّاتهن، فإنه يأخذهن بخزائم، وكما يقول الرب لسنحاريب ملك أشور على لسان إشعياء: "لأن هيجانك عليّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذنيّ، أضع خزامتي في أنفك وشكيمتي في شفتيك وأرُدَّك في الطريق الذي جئت فيه" (إش 37: 29، 2 مل 19: 28).

يبدو أن الخُزامة كانت توضع في أنف الحيوان العنيف لسحبه في مذلَّة، وخاصة الحيوانات المفترسة كالأسود، لذلك استخدمت في سحب المسبيِّين خاصة الملوك لإذلالهم، كما فعل ملك أشور بمنسى (2 أي 33: 11).

فإن كانت بقرات باشان قد هاجت على المساكين لأجل ملذَّاتهن، فإن الله يسحبهن كأسيرات، يمسك بهن ويضع خزائم في أنوفهن ليصرن مسبيَّات بلا كرامة ولا سلطان أو قوَّة.!

العالم في ملذَّاته يلهو بالإنسان فيجعله كحيوان مفترس، ظانًا أنه ليس من يهرب من بين يديه وأنيابه، لكنه سرعان ما يجد نفسه مقتادًا في مذلَّة إلى حيث يذوق ثمرة ظلمه.

ثانيًا: لا يقف التأديب عند البقرات، وإنما يصطاد أولادهن كالسمك بالصنَّارة! فالإنسان في لهوه يهيِّئ الخسارة بل والهلاك حتى لأولاده.

إن كان بنو إسرائيل يمثِّلون النفس البشريَّة، فإن نساءهم أي بقرات باشان يُشرن إلى الجسد الذي يسقط في مذلَّة مع النفس ويتحطَّم، أمَّا الأولاد فيُشيرون إلى مواهب الإنسان التي تهوى مع الخطيَّة ليفقد الإنسان روحه وجسده وكل مواهبه وطاقاته بسبب الخطيَّة. على العكس فإن الصدِّيق تفرح نفسه ويتقدَّس جسده وتنمو مواهبه، وكما يقول المرتِّل: "اِمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك، هكذا يبارَك الرجل المتَّقي الرب" (مز 128: 3-4)، يتبارك هو وامرأته وأولاده، أي نفسه وجسده وكل مواهبه!

ثالثًا: تخرج كل بقرة من الشقوق على وجهها لتندفع إلى الحصن، أو إلى القصر أو إلى هرمون (حسب النص اليوناني). لعلَّ الشقوق قد حدثت في الأسوار، إذ رفضت بقرات باشان بظلمها ونجاساتها أن تبقى داخل أسوار الوصيَّة الإلهيَّة، فهربت من الشقوق لكي لا تلتقي بالوصيَّة، وانطلقت إلى القصر الذي صنعته لنفسها أو الحصن الذي هو من عمل يديها، لعلَّه يقدر أن يحميها، كما فعل الإنسان قديمًا حين حاول بناء برج بابل ليختفي فيه من وجه الله عند الطوفان!

إن كان النص اليُّوناني ذكر "حرمون" عِوض الحصن، فلعلَّ الشقوق هنا تعني أن بقرات باشان اللواتي صنعن ظلمًا ضد البائسين تسقطن تحت السبي عندما تتشقَّق أسوار السامرة وتنهدم، فلا تجدن مهربًا بل يؤخذن للسبي كما للذبح، وينطلق بهن العدوّ إلى هرمون حيث السبي، أو إلى القصر أو الحصن ليبقين هناك مسبيَّات ذليلات.

من أقوال القديس الشهيد كيبريانوس



من أقوال القديس الشهيد كيبريانوس

لا تتسرع في الرد كعلاج للغضب

الصمت هو لغة السمائيين أما اللغات البشرية فهي لغة العالم لذلك قيل كثرة الكلام لا تخلو من معصية لهذا يعلمنا ابن سيراخ ألا نتسرع في الإجابة على الآخرين قائلا. قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم (سيراخ 21: 29) بمعني أن الجهلاء يجعلون قلوبهم خاضعة لألسنتهم فيرضي بكل ما يتسرع به اللسان أما الحكيم فما يتكلم علي لسانه إلا ما يقبله قلبه.

والطبيعة نفسها علمتنا عدم التكلم إلا بعد استشارة القلب فجعلت للسان بابين هما الأسنان والشفاه بعكس الأذن إذ هي مفتوحة دائما. إذا يا أخوتي الأحباء ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب (يع 1: 19)

كما أن الرجل العفيف ما يأكله إلى معدته إلا بعد مضغه في فمه هكذا الإنسان الحكيم المفرز فإنه لا يخرج كلمة من فيه إلا بعدما ينتقدها في قلبه لن الخصومات من شأنها في غالب الأوقات أن تبرز من الكلام غير الموزون وغير المنتقد (في الداخل)

المحبة تتأنى وترفق ++ القمص تادرس يعقوب




تامل من كورنثوس الاولى 13 ++ القمص تادرس يعقوب

المحبة تتأنى وترفق

طويل الأناة على الآخرين يتعلم كيف يحب الله والناس عمليًا. فإنه من أجل محبة الله لا يبالي بإهانات الآخرين أو تصرفاتهم ضده، وبهذا يسلك طريق الكمال، طريق الحب المقدس.

"المحبة تتأنى وترفق" (1 كو 4:13)

تأمل من أي نقطة بدأ الرسول، وماذا قال كأول مسبب لعظمة المحبة: "إنها طول الأناة". وطول الأناة أصل كل إنكارٍ للذات. وكما قال أحد الحكماء: "الإنسان الطويل الأناة له فهم عظيم، أما المتهور فعظيم في غبائه".

وإذا قارنا طول الأناة بمدينة حصينة وجدناها أكثر حصانة منها. فهي سلاح ماضٍ وقلعة حصينة، يمكن بسهولة أن تقف ضد كل المضايقات. وكما أن الشرارة البسيطة إذا ما سقطت في جب لا تؤذي بل تنطفئ سريعًا. هكذا كل ما يسقط على النفس الطويلة الأناة سرعان ما يتلاشى، وأما النفس فلا تضطرب. لأنه بالحق ليس هناك أقوى من طول الأناة.

قد تتكلم عن الجيوش والأموال والخيول والحصون والأسلحة أو أي شيء يمكن أن يوجد، هذا كله يمكن للغضب أن يهزمه. ذلك لكن ليس مثل التأني. لأن من ينشغل بهذه الأمور غالبًا ما يغلبه الغضب، ويصير مكتئبًا كطفلٍ تافه، ويمتلئ بالارتباك والهياج، أما المتأني فإنه كمن في ميناء، يتمتع بهدوء مملوء تعقلًا. فإن أحاطت به الخسارة، يكون كالصخرة لا يتحرك، وإن شُتم يكون كالقلعة لا يهتز، وإن ضرب بالعصا فلن يُجرح لأنه أصلب من الماس.

+ أما بولس فلم يقف عند هذا الحد، بل أضاف أيضًا إحدى خصائص المحبة قائلًا "تترفق". لأن هناك من يمارسون طول الأناة، ليس إنكارًا لذواتهم، وإنما لمعاقبة من أثاروهم لكي يفجّروا فيهم الغضب، لهذا يقول بأن المحبة لا تقبل هذا الانحطاط،لذلك أضاف "المحبة تترفق". فهو لا يقصد بطول الأناة إشعال النار فيمن أثاروا الغضب بمعاملتنا لهم بطول الأناة، بل بقصد إخماد الغضب وإبادته. فلسنا نعالج الألم ونشفي جراحات الغضب باحتمالنا الآخرين بنبلٍ، بل احتمالنا لهم بلطف وتعزية ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

+ كيف يقدر أن ينال كمال نقاوة القلب من لا ينفذ الوصايا التي يظهرها الرسول: "احملوا بعضكم أثقال بعضٍ، وهكذا تّمموا ناموس المسيح" (غل 2:6)، ومن ليس لديه فضيلة المحبة التي هي: "لا تُقبِح... ولا تحتدُّ... ولا تظنُّ السوءَ... وتحتمل كلَّ شيءٍ... وتصبر على كل شيءٍ" (1 كو 4:13-7)؟! لأن "الصدّيق يراعي نفسه بهيمتهِ، أما مراحم الأشرار فقاسية" (أم 10:12) ++ الأب شيريمون

+ حيث أن الحب الحقيقي هو أن نحب الكل، فإن عرف أحد أنه يبغض لو شخصًا واحدًا يلزمه أن يسرع ويتقيأ هذه اللقمة المرة حتى يتهيأ لقبول عذوبة الحب نفسه. ++ الأب قيصريوس أسقف آرل

+ سأل أخ شيخًا: إني أريد أن أستشهد من أجل الله. فأجابه: "من احتمل أخاه في وقت الشدة، فذاك أصبح داخل أتون الثلاثة فتية".++ القديس بالاديوس

+ من احتمل ظلمًا من أجل الرب يعتبر شهيدًا. ++ القديس الأنبا موسى الأسود

+ إن طول الروح هو صبر، والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو الله. البئر عميقة ولكن ماؤها طيب عذب. الباب ضيق كرب، ولكن المدينة مملوءة فرحًا وسرورًا. البرج شامخ حصين ولكن داخله كنوزًا جليلة. ++القديس مقاريوس الكبير

+ إن كان الشخص يغضب بكونه إنسانًا، فإنه يضع حدًا للغضب بكونه مسيحيًا. ++ القديس إيرونيموس

+ أتى أخوة إلى القديس أنطونيوس وقالوا له "يا أبانا قل لنا كيف نخلص؟"

فقال لهم: "هل سمعتم ما يقوله الرب... من لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر؟"
فقالوا له: "ما نطيق ذلك".
فقال لهم: "إن لم تطيقوا ذلك فاصبروا على اللطمة الأولى".
قالوا له: "ولا هذه نستطيع".
فقال لهم: "إن لم تستطيعوا فكافئوا من يظلمكم".
فقالوا له: "ولا هذا نستطيع".
فما كان من القديس إلا أن دعا تلميذه وقال له "اصلح لهم مائدة واصرفهم لأنهم مرضى. إن هذا لا يطيقون، وذاك لا يستطيعون، ووصايا الرب لا يريدون. فماذا أفعل لهم؟!" ++ القديس بالاديوس

من اقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا




من اقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا
في العالم الخارجي لا يوجد لها شبيه وفي العالم الداخلي من يعلم بها!! في عالمنا لا يوجد له أشباه وفي عالم الروحانيين من يقدر أن يأتي بمثال؟!

لا أعرف كيف أهدئ لهيب قلبي الذي يغلي ويحترق.. بالكلام لا ينطق بها وبالإشارة لا تصور وبحركات الضمير لا تسمع! قهرت منها قهرًا عظيمًا غلبت منها كمن لا يعرفها سكت عنها مثل من لا يحسن بها غفلت عنها مثل مالا توصف سكت عنها مثل من هو ليس بكفء لها! كما أنا حزين جدًا إذ لم أعرف كيف أصورها أو أشبهها! وإن كانت لا تشبه أطلبوها يا خلاني أطلبوها لكي تمتزج بكم. طوبي نعيمها أرفع من كل تطويب ليس للذتها مثيل! هذا هو تفسيرها إذ قيل أنت يا أبي في وأنا فيك وأيضًا ليكونوا هم فينا واحدًا .طوبى لمن ذاق هذه الطوبي!

من روائع كلمات البابا شنودة الثالث




قال هل تحضر يا صاحب عرسى...........فإعتذرت فأعاد القول فى رفق وعطف.............فضجرت ....... فتولى بعد أن قال انتظرنى ..........ما انتظرت ..... لم تكن فى القلب أشواق لكى أحضر عرسا. ++++ البابا شنودة الثالث


الألم اقوى واعمق من البهجة،وأكثر صدقا...

وفيه يقف الإنسان أمام حقيقة الحياة،وأمام حقيقة نفسه.

ويدرك أن كل مباهج الدنيا ضئيلة،وتافهة. +++ البابا شنودة الثالث

العطاء ++++ البابا شنودة الثالث




من كتاب المحبة قمة الفضائل +++ البابا شنوده الثالث

العطاء مثلًا، يوزن بمقدار الحب الذي فيه.

ليس بكثرة المقدار، وإنما بكثرة الحب. والعطاء المادي الذي تقمه، يجب أن تقدم فيه حب، يظهر في مشاعر قلبك.

وفي ملامح وجهك، لأن المعطي المسرور يحبه الرب (2كو 9: 7).

لأنة من الجائز أن إنسانًا يعطي بدون رغبة، وهو متضايق، أو وهو محرج أو مضطر أو مضغوط علية، أو وهو غير مقتنع بأن يدفع. فهو يعطي وهو متذمر في قلبه.؟ ليس مثل هذا العطاء مقبولًا عند الله.

هناك فرق بين إنسان يعطي المساكين، وإنسان يحب المساكين فيعطيهم هذا الذي يحبهم هو الأفضل، حتى لو لم يكن له ما يعطيه.. لأن الله ينظر إلى القلب قبل اليد.

أن أجمل ما في العطاء، أن تشعر بلذة وأنت تعطي، لا تقل عن فرح الذي تعطيه. إن الأم تشعر بفرح حينما يرضع طفلها منها. فهي تعطيه حبًا قبل أن تعطيه لبنًا، أو هي تعطيه الأمرين معًا.. كذلك من يعطي المحتاج عن حب، وبحب، ويفرح بإعطائه.

وهنا يبدو الفارق بين الثراء الذي يعطي، والمحبة التي تعطي.

أنك حينما تعطف علي شخص، أنما تشعر بلذة في العطف عليه، ربما أكثر من اللذة التي يشعر بها ذلك الشخص الذي نال العطف منك. فأنت تأخذ حينما تعطي، كما يأخذ الذي تعطيه. قال أحد الأدباء "سقيت شجيرة كوبًا من الماء.

فلم تقدم لي عبارة شكر واحدة. ولكنها انتعشت فانتعشت".

أنا وحدي +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب كلمة منفعة +++ 
 البابا شنودة الثالث
أنا وحدي

ظن إيليا النبي في وقت ما، أنه الوحيد الذي يعبد الرب، وقال له " وبقيت أنا وحدى لأعبدك"، فرد عليه الرب أنه توجد سبعة آلاف ركبة لم تنحن للبعل.

ما أخطر الشعور، بأننا الوحيدون الذين يعبدون الرب، والوحيدون أصحاب المبادئ!!

وننسى أن هناك 7000 ركبة (و هى مضاعفات عدد كامل) تعبد الرب، ونحن لا نعرف.

هناك من يدينون الجيل كله، ويحكمون على كل الشعب بالضياع والفساد!! وينسون هناك مختارين للرب، قد لا يعرفونهم، ولكن الله يعرفهم.

كان الكتبة والفريسيون يظنون أنهم هم وحدهم، حفظة للناموس، وهم وحدهم المدققون فى أمور الشريعة، لذلك أصيبوا بالكبرياء وعجرفة القلب والتعالي على الآخرين، وصاروا يدينون غيرهم ويصفونهم بأنهم خطاة حتى السيد المسيح نفسه، اتهموه بأنه كاسر السبت، وناقض الناموس، وانتقدوه لأنه كان في اتضاع يجلس مع العشارين والخطاة.

لما حورب الأنبا أنطونيوس بالبر الذاتي، وظن أنه وحده الراهب، أرسله الله إلى حيث القديس الأنبا بولا السائح، ليريه أن هناك من هو أفضل منه، وإن كان من الـ7000 ركبة غير الظاهرين.

ولما حورب القديس مكاريوس الكبير بنفس الحرب، أرسله الله إلى امرأتين متزوجتين في الإسكندرية، قال له إنهما في نفس درجته الروحية، أى أنه ليس وحده.. وهاتان كانتا من الـ7000 ركبة المخفية.

ما أصعب هذه الخطية، أن يظن إنسانًا أنه هو وحده الخادم الأمين، هو وحده الذي يصلح للقيادة والرئاسة، وليس غيره!

إن المحب يفرح بوجود كثيرين مثله، وحتى أفضل منه.

كما قال موسى "يا ليت جميع شعب الله أنبياء".. أما محب ذاته (فى أنانية) فإن هذا الأمر يتعبه، وعلى الأقل لا يفرحه..! يظنها منافسه له، لأنه لا يهتم بما لله، بل بما لنفسه..!

صفات الملتزم +++ البابا شنودة الثالث




من كتاب معالم الطريق الروحي +++ البابا شنودة الثالث

صفات الملتزم

إن الملتزم يحترم نفسه، ويحترم كلمته، ويحترم وعوده، ويحترم علاقاته مع الناس. والتزامه يولد الثقة فيه وفي عمله وتصرفاته...

إنه موضع تقدير من الكل. يدركون جميعًا أنه يمكنهم الاعتماد عليه، ويمكنهم الثقة بكلمته، والتعاون معه. لأنه من النوع الذي يصمد أمام العوائق، وينتصر على العقبات، ولو أدي الأمر أن يضغط على نفسه ويحتمل، لكي ينفذ ما ألتزم به. وهو لا يلتزم بالعمل فقط، وإنما أيضًا بنوعيه ممتازة في أدائه.

لذلك فالملتزم دائمًا يحالفه ويشعر أن عمله وحسن أدائه ونجاحه فيه، كل هذا جزء من ضميره، وجزء من شرفه، ومن احترامه لنفسه.

وهو يهتم حرجًا له ولكل المتعاونين والمتضامنين معه... فيجنبه كل ذلك في وفائه بالتزامه. وهو خارج محيط العمل مع الناس، يسلك بالتزام في حياته الخاصة وفي كل ما يمس روحياته.

إنه يكون ملتزمًا في كل نظام يصنعه لنفسه، أو يضعه له أب اعترافه. وهو ملتزم بكل التداريب الروحية التي يسلك فيها.

هو ملتزم أيضًا في نظام صلواته وأصوامه " ومطانياته " وقراءاته الروحية، لا يحيد عنها. ولا ينقص منها، ولا يضع أعذارًا لتبرير التقصير فيها. ولا يجد في الظروف الخارجية منفذًا يخرج منه إلى عدم الالتزام.

لذلك فالملتزم يكون باستمرار قدوة ودرسًا لغيره يتعلمون من حياته الجدية.

بعكس غير الملتزم الذي يصبح قدوة سيئة تعثر الآخرين. وقد ينتج عنها أن يقلده غيره في عدم إلتزامه، فترتبك الأمور. ويتعلم أولئك تبرير تقصيرهم!.

والملتزم يحرص على كل طاقاته، لكي يستطيع الوفاء بالتزاماته... فهو يحرص كل الحرص على وقته، لأنه ملتزم بخدمة أو بمواعيد ليس من عادته أن يقصر فيها... أو إنه يحرص على هذا الوقت لكي يستغله في اتقان عمل عهد به إليه. إنه لا يضيع جهده وقوته ووقته في تفاهات تعرض له أو في تسليات. لأنه إن سلك في هذا الطريق لا يمكنه أن يفي بما التزم به.

والملتزم يذكر نفسه دائمًا، حتى لا ينسى شيئًا من التزامه. إنه لا يعترف بالنسيان حجة تعذره إذا قصر. لذلك فهو يسجل في مفكرته ما عليه من مسئوليات، ويتابع قراءتها لكي لا ينسى.

وهو في خدمته أيضًا يسلك بروح الالتزام الذي يجب أن يتصف به كل خادم روحي ناجح.

إنه يلتزم بمواعيد الخدمة، فلا يتأخر عنها ولا ينساها. وهو يلتزم بالمنهج، فلا يخرج عنه ولا يخترع له منهجًا خاصًا. وهو يلتزم أيضًا بتحضير درسه حتى يكون دسمًا مشبعًا لسامعيه، ولا يقصر في ذلك بحجة سابق معرفته ويلتزم كذلك باجتماع الخدام وبنظام الخدمة من كل ناحية.

والخادم الروحي يلتزم بالوقت الحاضرين ومواعيد الخاصة. كما يلتزم بموضوع العظة، فلا يضيع الوقت في أمور جانبية لا علاقة لها به وهكذا فإن الخادم الملتزم بموضوع دقيقًا في كل شئ: في الوقت وفي مادة الموضوع.

والالتزام هو أيضًا عنصر أساسي في حياة الرعاة والكهنة. فيكونون ملتزمين بأداء كل واجبات عملهم الكنسي، من خدمات طقسية، وافتقاد للشعب كل الشعب، ومواعيد للاعتراف، ولزيارة المستشفيات والمرضي والحزانى. وهم أيضًا ملتزمون بواجباتهم نحو الفقراء والمحتاجين. وملتزمون بأن يقدموا أنفسهم مثالًا لكل فضيلة.

معجزة تحويل الماء الي خمر +++ القمص تادرس يعقوب



من تاملات يوحنا 2 +++ القمص تادرس يعقوب
معجزة تحويل الماء الي خمر

"ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له:ليس لهم خمر".

لم يذكر الإنجيلي أن القديسة مريم قد دُعيت للعرس، بل دُعي يسوع وتلاميذه الخمسة (حتى ذلك الحين)، لكنها كانت حاضرة غالبًا بكونها أحد أفراد العائلة.

إذ يُدعى السيد المسيح للحضور بالصلاة، يحل ومعه قديسيه (تلاميذه) ليحول الفرح إلى الكنيسة مقدسة، ويفيض على العروسين وكل الحاضرين من ينابيع فرحه السماوي.

ربما يتساءل البعض: مادام السيد المسيح لم يفعل قبلًا معجزات، فكيف عرفت القديسة مريم أنه قادر أن يقدم للعرس خمرًا بطريقةٍ معجزية؟

لم يكن قد صنع السيد المسيح عملًا معجزيًا علانية من قبل، غير أن القديسة مريم وقد عرفت إمكانياته الإلهية وصلاحه وترفقه بالغير توقعت أنه حتمًا يفعل شيئًا لكي لا يوجد نقص في العرس. إنها تدرك أنه لابد من تدخله عند الضرورة لسد الاحتياجات.

يليق هنا التساؤل من أين جاء في ذهن أمه أن تتصور في ابنها أمرًا عظيمًا، إذ لم يكن بعد قد صنع أية معجزة، حيث يقول الإنجيلي: هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل" .. الحبل به نفسه والظروف المحيطة به قد أوحى لها بفكر عظيم للغاية من جهة الطفل، إذ قال لوقا: "إذ سمعت كل الأقوال عن الطفل كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها” (راجع لو 2: 51) ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"ليس لهم خمر" : هذا هو حال إسرائيل إذ زالت عنهم بهجة الخلاص. وكما يقول يوئيل النبي: "اصحوا أيها السكارى وابكوا وولولوا يا جميع شاربي الخمر علي العصير، لأنه قد انقطع عن أفواهكم" (يؤ 1: 5). لقد اكتشفت أم يسوع، ابنة إسرائيل، ما حل بكل شعبها، فصرخت إلي العريس السماوي الذي وحده قادر أن يفيض حياض المعاصر خمرًا وزيتًا (يؤ 2: 24). باسم البشرية كلها رددت قول أبيها داود النبي: "رد لي بهجة خلاصك" (مز 51).

ما أعلنته القديسة مريم إنما خلال خبرتها بالعرس الروحي الجديد الذي تحققت منه حين أحنت رأسها، وقبلت تجسد الكلمة في أحشائها، فصارت أعماقها حفل عرس لا يُعبر عنه، إذ ترنمت قائلة: "تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1 : 46). هذا هو خمر الله الذي يبهج الروح، ويرد المجد والبهاء، ليحيا المؤمنون في عرس لا ينقطع. "كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك" (إش 6: 5).

تصرف القديسة مريم يكشف عن أمومة المؤمن واهتمامه بسد احتياجات الغير وليس احتياجاته هو، وأنه يلجأ أولًا إلى الينبوع لينال منه بفيضٍ بما يفوق الطبيعة. وأن يقدم الطلب بروح التواضع حيث يعرض الإنسان الموقف دون أن يضع الحَلْ لله كما لو كان أكثر منه حكمة أو حبًا للآخرين.

اللَّه السخي جدًا لا يحتقرنا نحن الذين نجاهد جائعين إلى خيراته ++ القديس كيرلس الكبير

"قال لها يسوع:ما لي ولك يا امرأة؟
لم تأتِ ساعتي بعد".

لم يلقِ السيد المسيح باللوم على العروسين أو أهلهما لأنهم لم يعدوا خمرًا كافيًا، ولم يلم والدته لأنها تدخلت في الأمر، إنما أوضح لها أن لكل عمل وقته أو ساعته المناسبة.

يتعجب البعض كيف يدعو يسوع أمه "يا امرأة" لكن هذه الدهشة تزول حين نراه علي الصليب يكرر: "يا امرأة هوذا ابنك"، فهو يتحدث معها في بدء خدمة الآيات التي تمثل إشارة لبدء حمل الصليب، حيث يُستعلن شخصه فتثور قوى الظلمة ضده لتخطط لموته.

فهو لا يتحدث معها بكونها أمه، لأنه ليس من حقها أن تحدد ساعة الصليب، إنما هذا حق الآب الذي أرسله. فقد جاء يتمم مشيئة الآب ببذل ذاته من أجل خلاص العالم.

حقا لقد رافقته القديسة مريم في أول معجزة وهي لا تدري إنها بدء ساعة الصليب، وبقيت معه حتى لحظات الصليب بكونها ممثلة للكنيسة، حواء الجديدة المرافقة لآدم الثاني في طريق آلامه، حتى يسكب بهاء مجده عليها. لقد قيل لها بعد الحبل بالسيد المسيح: "يجوز في قلبك سيف"، وقد بدأ يخترق قلبها في عرس قانا الجليل ليحمل جراحات الحب!

لم يقل "يا أماه" بل "يا امرأة"، لأن ما يمارسه بخصوص تحويل الماء خمرًا لا يصدر بكونه إنسانًا أخذ جسدًا منها، وإنما بعمل لاهوته. حقًا ليس انفصال بين لاهوته وناسوته، وما يمارسه السيد المسيح هو بكونه كلمة الله المتجسد، لكن بعض الأعمال هي خاصة به كابن الله الوحيد، والبعض بكونه ابن الإنسان.

لماذا قال "لم تأتِ ساعتي بعد" وقد قام في نفس الساعة بعمل المعجزة؟ لقد أوضح لها أن ساعته للقيام بآيات علنية ومعجزات عامة أمام الجميع لم تأتِ بعد، لكنه يعمل دومًا. وقد تمم الآية في هدوء بعد أن قدم الخدام الأجران حتى أن رئيس المتكأ والعريس لم يعرفا ذلك وإنما الخدام وحدهم .

لكي تتأكد من احترامه العظيم لأمه استمع إلى لوقا كيف يروي أنه كان "خاضعًا لوالديه" (لو 2: 51)، ويعلن إنجيلينا (يوحنا) كيف كان يدبر أمرها في لحظات الصلب عينها. فإنه حيث لا يسبب الوالدان أية إعاقة في الأمور الخاصة بالله فإننا ملتزمون أن نمهد لهما الطريق، ويكون الخطر عظيمًا إن لم نفعل ذلك. أما إذا طلبا شيئا غير معقول، وسببا عائقًا في أي أمر روحي فمن الخطر أن نطيع! ولهذا فقد أجاب هكذا في هذا الموضع، وأيضًا في موضع آخر يقول: "من هي أمي؟ ومن هم اخوتي؟" (مت 12: 48)، إذ لم يفكروا بعد فيه كما يجب. وهي إذ ولدته أرادت كعادة بقية الأمهات أن توجهه في كل شيء، بينما كان يلزمها أن تكرمه وتسجد له، هذا هو السبب الذي لأجله أجاب هكذا في مثل هذه المناسبة.

لقد اهتم بالغير واستخدم كل وسيلة ليغرس فيهم الرأي السديد الخاص به، فكم بالأكثر كان يليق به أن يفعل ذلك مع أمه.++القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح كان يود أن يأتي الطلب من الذين كانوا في حاجة إلى ذلك وليس من أمه. لأنه إن كان ما يفعله يقوم علي طلب صديق له فمع كونه أمرًا عظيمًا لكن قد يتشكك البعض في الأمر، أما إذا سأل المحتاجون ذلك فلا يحوم الشك حول المعجزة، ويكون النفع أعظم. يشبه القديس الذهبي الفم السيد المسيح بطبيبٍ ماهرٍ متى دخل منزلًا به مرضى كثيرون فإنه إن تحدث مع أمه ولم يتحدث مع أحد المرضى أو مع أقربائهم يتشككون فيه ويتضايق المرضى.

أراد أن يظهر أنه يعمل كل الأشياء في وقتها المناسب، ولا يفعل كل شيء في الحال... إنه ليس ملتزمًا بالضرورة للأزمنة، لكنه هو الذي وضع نظام الفصول، إذ هو خالقها. لذلك يقول: "ساعتي لم تأتِ بعد". وهو يعني بهذا أنه لم يكن قد أعلن بعد لكثيرين، ولم يعد بعد له خورس تلاميذه.

علاوة على هذا فإنني يجب أن أُخبر بذلك ليس منكِ، أنتِ أمي، فسيُشك في المعجزة. يليق بالذين يريدون الخمر أن يأتوا ويطلبوا مني ليس لأني محتاج إلى ذلك، ولكن لكي بإجماعهم الكامل يقبلون المعجزة.

فإن الذي يعرف أنه في عوز يصير شاكرًا عندما ينال عونًا، أما الذي ليس لديه الإحساس بالاحتياج لن يكون لديه إحساس واضح بالمنفعة التي نالها"

فمع كونه حريصًا علي تكريم أمه، إلا أنه كان بالأكثر مهتمًا بخلاص نفسها، ويصنع ما هو صالح للكثيرين، الأمر الذي لأجله أخذ لنفسه جسدًا. كلماته إذن لم تكن صادرة عن من يتكلم بجفاءٍ مع أمه، بل بمن هو حكيم في تدبيره، فيدخل بها إلي الفكر السليم، ولكي يجعل معجزاته تُقبل بالكرامة اللائقة بها ++القديس يوحنا الذهبي الفم

لا يريد أن يتسرع في القيام بشيءٍ، لأنه لا يريد أن يظهر كصانع المعجزات للذي لا يطلبه، بل ينتظر حتى يدعوه المحتاجون لا الفضوليون، فهو يعطي النعمة لمن يحتاج، وليس لمن يريد أن يتمتع بالمشاهدة. +++ القديس كيرلس الكبير

لم يكن رب الملائكة خاضعًا للساعة، إذ هو الذي خلق فيما خلق الساعات والأزمنة. لكن لأن العذراء الأم رغبت في أن يصنع معجزة عندما فرغت الخمر، لذلك للحال أجابها بوضوح كما لو قال: "إني أستطيع أن أفعل معجزة تأتي من عند أبي لا من عند أمي". فإن ذاك الذي في ذات طبيعة أبيه صنع عجائب جاءت من أمه، وهو أنه يستطيع أن يموت. وذلك عندما كان على الصليب يموت. لقد عرف أمه التي عهد بها لتلميذه قائلًا: "هذه أمك" (يو19: 27). إذن بقوله: "ما ليّ ولك يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد" تعني "المعجزة التي ليست من طبيعتك لست أعرفك فيها. عندما تأتي ساعة الموت سأعرف أنكِ أمي إذ قبلت ذلك فيك أنني أستطيع أن أموت. ++ البابا غريغوريوس (الكبير)

وقد تبنى Bede ذات التفسير بقوله إن ما قاله السيد هو ليس شيئًا مشتركًا بين لاهوتي الذي ليّ دومًا من الآب وبين جسدك الذي أخذت منه جسدًا. لم تأتِ بعد ساعتي حيث بالموت أثبت الضعف البشري الذي أخذته منكِ. أولًا يليق بيّ أن أبرز قوة لاهوتي السرمدي بممارسة قوتي. لكن تأتي الساعة التي فيها يظهر ما هو عام بينه وبين أمه عندما يموت على الصليب ويهتم بأنه يوصي التلميذ البتول بالعذراء. عندما يتحمل الضعف البشري يتعرف على أمه الذي تسلم ذلك منها، ولكن حين يمارس الإلهيات يبدو كمن لا يعرفها، إذ يعرف إنها ليست مصدر ميلاده اللاهوتي.

"قالت أمه للخدام:مهما قال لكم فافعلوه".

لم تعاتب ابنها علي كلماته، لأنها أدركت السرّ علي الأقل جزئيًا. شعرت أيضًا بعلامات الرضى، فطلبت من الخدام الطاعة بما يوصيهم به السيد المسيح.

استخدم الإنجيلي الكلمة اليونانية "ذياكونيس" لتكشف أنهم خدام أسرار الله الذين يعمل بهم السيد المسيح لخدمة وبهجة شعبه. وكنيسة العهد الجديد تدعو الشمامسة: "ذياكونيين" الذين يقومون بخدمة المذبح مع خدمة الموائد (الاهتمام باحتياجات الفقراء والمرضي..).

في ثقةٍ بحب السيد المسيح للخدمة وحنوه تأكدت أنه حتمًا سيتصرف ويشبع كل نقص. لقد طلبت من الخدام أن يوجهوا أنظارهم إليه ويسمعوا له. هذا هو دور القديسة مريم وكل القديسين ألا وهو توجيه أنظارنا إلى مسيحنا والطاعة الكاملة له.

بدأت تعمل بأن هيّأت الخدم لكي يجتمعوا لإطاعة ما يأمر به دائمًا. ++ القديس كيرلس الكبير

لأنها عرفت أن استعفاءه من ذلك لم يكن عن نقصٍ في القوة لكن لتواضعه، وحتى لا يُظن أنه يفرض ذاته عليهم باختياره، متسرعًا في عمل المعجزة، لذلك قدمت الخدام إليه ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في تصرف القديسة مريم درسًا عمليًا في المثابرة تقدمه لنا. فمع ما قاله لها ابنها يسوع لم تكف عن العمل بمثابرة، فقدمت له الخدام، وسألتهم الطاعة له.

وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود،يسع كل واحدٍ مطرين أو ثلاثة".

كانت تُستخدم ستة أجران حسب أيام الأسبوع من الأحد حتى الجمعة، كل جرن يخصص ليومٍ معينٍ للتطهير، أما السبت يوم العبادة والراحة فلا يمارس فيه الشخص عملًا يحتاج إلي تطهير.

ليس عجيبًا أن يحول السيد المسيح الماء إلى خمرٍ، فهو الذي يخرج من الأرض خمرًا (مز ١٠٩: ١٤-١٥)، حيث يهب الأرض أن تنتج كرومًا يُعصر عنبها ويتحول إلى خمر.

بدأ موسى معجزاته في الضربات العشر بتحويل الماء إلى دمٍ فيه مرارة وموت، لأن الكل كسروا الناموس، وصاروا تحت اللعنة والموت. أما السيد المسيح فحول الماء إلى خمر، حيث قدم رسالة الخلاص المبهجة. جاء المسيح لا ليدين العالم بل ليخلص، ويهب شبعًا وبهجة ومجدًا داخليًا. دعوته الإنجيلية هي: تعالوا إلى الماء واشتروا خمرًا (إش ٥٥: ١).

كانت هذه الأجران تُستخدم للتطهير، إذ لم يكن يجوز لليهودي أن يأكل ما لم يغتسل أولًا (مر ٧: ٣). كما كان هذا الماء يُستخدم في بعض الطقوس الأخرى الخاصة بالتطهير. وكان المثل السائد بين اليهود: "من يستخدم ماء أكثر في الاغتسال ينال صحة أوفر في هذا العالم".

كانت هذه الأجران للماء فقط لا يوضع فيها خمر، وكانت من الحجارة، حتى إذا وضع فيها خمر قبلًا لا يبقى له أثر، على عكس الفخار الذي قد يتشرب من السوائل القديمة وينضح على الجديدة. كانت الأجران من الحجارة، فقد رأى زكريا الحجر الموضوع أمام وجه يسوع عليه سبعة أعين (زك3: 9)، أي له معرفة روحية في المسيح يسوع. ورآه القديس بطرس الرسول حجرًا حيًا يُقام منه هيكل الرب (1بط4:2، 5).

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم إن الإنجيلي يؤكد إنها "حسب تطهير اليهود" ليدرك الكل أنه لم يوضع فيها خمر قط بل ماء للتطهير. كما يقول أن فلسطين بلد تُعرف بقلة المياه، فلا توجد القنوات والينابيع في كل موضع لهذا كانوا يملأون الأجران بالماء، حتى لا يسرعوا إلي الأنهار متى تدنسوا في أي وقت، بل يجدون وسائل التطهير بين أيديهم .

يرى البعض الأجران الستة تشير إلى أزمنة العالم الستة التي مرّت بالإنسانية حتى مجيء الرب في الزمن السابع (في الختم السابع في سفر الرؤيا)، وكأنها تشير إلى المؤمنين عبر كل الأجيال الذين يتطهرون من خطاياهم ويشربون خمر الروح المفرح. هذه العصور كما يقول القديس أغسطينوس هي

1. من آدم إلى نوح.

2. من نوح إلى إبراهيم.

3. من إبراهيم إلى داود.

4. داود إلى السبي البابلي.

5. من السبي البابلي إلى يوحنا المعمدان.

6. من يوحنا المعمدان إلى نهاية العالم.

يعود فيقول القديس أغسطينوس: أضف إلى هذا أن اللَّه خلق الإنسان على صورته في اليوم السادس، لأنه في العصر السادس أُعلن تجديد ذهننا بالإنجيل ليصير على صورة خالقه، وتحول الماء إلى خمرٍ، لنتذوق المسيح. هذا أُعلنه في الناموس والأنبياء. لهذا وجد ستة أجران وأمر أن تُملأ ماءً. الآن هذه الأجران الستة تعني العصور الستة التي لم تكن بدون نبوات. وهذه الفترات الست انقسمت وانفصلت كما بمفاصل، تبقى فارغة ما لم يملأها المسيح... يلزم أن يُفهم المسيح في كل النبوة.

ماذا يعني بقوله: "يسع كل واحدٍ مطرين أو ثلاثة" ؟ يقول القديس أغسطينوس أن كلمة مطر في اليونانيةmetrou هو قياس معين، وأن رقم اثنين يشير إلى الآب والابن، والثلاثة يشير إلى الثالوث القدوس. فإنه لم يقل بعض الأجران تسع اثنين والبعض ثلاثة أمطار، بل قال إن كل واحدٍ يسع مطرين أو ثلاثة. حيث جاءت النبوات في أسفار العهد القديم تتحدث عن الآب والابن (السيد المسيح)، وحملت ضمنًا الحديث عن الروح القدس بكونه روح الآب وروح الابن في نفس الوقت. ويرى القديس أغسطينوس إن الروح القدس هو روح الحب الذي يربط الآب والابن معًا. عندما يقول اثنين يفهم الثالوث القدوس دون أن يُعبر عنه، وأما القول ثلاثة فيفهم منه الثالوث القدوس ويُعبر عنه.

قلنا أن هذه الأجران الستة تشير إلى الست حقبات التي تتنبأت عن عرس السيد المسيح مع الكنيسة التي من كل الأمم.

1. الجرن الأول يبدأ بآدم الذي يحمل اتحادًا مع حواء وصارا جسدًا واحدًا (تك 2: 24) كاتحاد المسيح بكنيسة (أف 3: 31)، وهما والدان لكل البشرية، وليسا للشعب اليهودي وحده.

2. الجرن الثاني يبدأ بنوح الممثل للسيد المسيح، وقد ضم في فلكه حيوانات وطيور من كل العالم.

3. الجرن الثالث يشير إلى إبراهيم الذي بنسله تتبارك كل الأمم.

4. الجرن الرابع داود المرتل: "قم يا اللَّه دنْ الأرض، لأنك أنت تمتلك كل الأمم" (مز 82: 8)، وقد وضع نغماته آساف المرتل.

5. الجرن الخامس حيث السبي البابلي، فيه رأى دانيال النبي السيد المسيح كحجرٍ صغيرٍ مقطوع بغير أيدِ بشرية وقد ملأ الأرض كلها (دا 2: 34).

6. الجرن السادس ينتمي ليوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء، الذي قيل عنه أنه أعظم من نبي (مت11: 11)، وقد تنبأ عن المسيح أنه مرسل لكل الأمم، إذ يقول "إن اللَّه قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم" (مت 3: 9). هكذا يرى القديس أغسطينوس أن الجرن السادس قد شهد لعرس السيد المسيح مع الكنيسة المجتمعة من الأمم. [لأنه من هذه الأمم نحن نأتي، ولكن ما كان يمكننا أن نأتي منها لو لم يقم اللَّه من الحجارة أبناء لإبراهيم. نحن صرنا أبناء إبراهيم بامتثالنا بإيمانه، وليس بميلادنا منه حسب الجسد.

"قال لهم يسوع:املأوا الأجران ماء،فملأوها إلى فوق".

كان يمكن أن يخلق الخمر من العدم، لكنه حول الماء خمرًا ليؤكد أنه ما جاء ليتجاهل الناموس أو يبطله، بل ليكمله، فجاء الإنجيل امتدادًا روحيًا للناموس في غير حرفية. ولكي يجعل الذين استقوا الماء بأنفسهم شهودًا على الأعجوبة الكائنة، ويشهدون أن الأعجوبة لم تكن خيالًا.

يرى القديس أغسطينوس أن الماء هنا يشير إلى العهد القديم "الناموس والأنبياء والمزامير"، العهد القديم كله الذي كان له مذاق الماء لمن لم يدركه روحيًا ويكتشف فيه سرّ المسيح. وقد جاء السيد ليحول الماء إلى خمر مفرح، له مذاق جديد وفاعلية جديدة.
كيف حوّل الماء خمرً؟ عندما فتح فهمهم وشرح لهم الكتب المقدسة، مبتدأ من موسى وكل الأنبياء، فسكروا وقالوا: "ألم تكن قلوبنا ملتهبة فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!" (لو 24: 32). فقد فهموا المسيح في هذه الكتب، الذي لم يعرفوه من قبل. هكذا حوّل ربنا يسوع الماء إلى خمر، وصار له الآن مذاقًا لم يكن له من قبل، صار الآن يُسكر، الأمر الذي لم يكن له من قبل... لقد أظهر لنا أن الكتاب القديم هو من عنده، إذ بأمره امتلأت أجران الماء. إنها من الرب حقًا، كانت كتب العهد القديم أيضًا، لكن لم يكن لها مذاق ما لم يُفهم المسيح فيها.

في طاعة لوصية الرب ملأ الخدام الأجران إلي الملء، إلي الحافة العليا. هكذا لا يليق بالخادم أن يستريح حتى يتمم الوصية بأن يتلمس في خدمته عمل السيد المسيح "الملء الذي يملأ الكل في الكل" (أف 1: 23). لأنه ليس بكيل يعطي الروح" (يو 3: 34). ليس ما يشغل رجل الله إلا تمتع كل نفسٍ بغنى مجد المسيح الذي لا يُستقصي، فيترنم: "من ملئه نحن جميعًا أخذنا، ونعمة فوق نعمة" (يو 1: 16).

الذي حول الماء خمرا، والذي يبعث الأمطار إلينا كان قادرًا أن يملأ الأجران ماء، ثم يحوله إلي خمر. لكنه في حبه للبشرية لا يتجاهل التزامنا بالعمل معه. فمادام في استطاعتنا أن نملأ الأجران ماء نعمل ما في وسعنا، ويعمل هو ما يستحيل علينا عمله. هكذا في كثير من الأعمال يهبنا كرامة العمل معه ولحساب ملكوته فينا، فيطلب من الحاضرين أن يرفعوا الحجر عن القبر، ويأمر لعازر أن يخرج. هو يهب الحياة والقيامة، ويطلب من التلاميذ أن يحلوا الميت من الأربطة. بهذا نترنم مع الرسول متهللين: "العاملان مع الله"!

"ثم قال لهم:

استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ،فقدموا".

لم نسمع أنه استدعى اسم الله أو صلى على الماء، لكنه أصدر أمرًا بملء الأجران، وفي الحال طلب تقديم ما بالأجران. لم يطلب حتى أن يقدموا له لكي يذوق ما بها.

لم يصنع المعجزة لكي يظهر ذاته علانية، بل لكي يشبع احتياجاتهم. وقد أمر الخدام أن يقدموه في الحال. فإنه لا يهب الوزنة لكي ندفنها، بل كي نعمل دومًا، منتهزين كل فرصة للخدمة.

لم يكن السيد المسيح "رئيس المتكأ" بل كان صديقًا للعروسين، وخادمًا للكل. هذا هو كرسي الرئاسة الحقيقية، أن يبذل الإنسان نفسه بالحب وبروح التواضع من أجل الآخرين.

"فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرًا،ولم يكن يعلم من أين هي،لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا،دعا رئيس المتكأ العريس".

جاءت الكلمة اليونانية المترجمة "استقوا" هي نفس الكلمة العربية الدارجة "نطل"، وتعني السحب من مصدر عميق. فالأجران ضخمة جدًا وأفواهها متسعة، ولا يمكن سكب الخمر منها إلا بسحبها بكوز يده طويلة. إذ يليق بخادم السرّ والكارز بالإنجيل أن يمد يده إلي الأعماق، ويسحب من فيض عطية الله العظمى كمن يسحب من ينبوع إلهي لا ينضب.

"وقال له:

كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولًا،ومتى سكروا فحينئذ الدون،أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن".

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه لكي لا يقول أحد أن الشهادة قد صدرت عن أناس سكرى لا يدرون الفارق بين الخمر والماء، جاءت الشهادة من رئيس المتكأ. وحتمًا كان رئيس المتكأ يحرص ألا يسكر، إذ يلتزم بتدبير أمر العرس بوقارٍ وحكمةٍ.

حرص الإنجيلي أن يقول عن رئيس المتكأ: "ولما ذاق"، أي لم يكن بعد قد شرب حتى من هذا الخمر، إنما ذاقه.

في قانا الجليل حول السيد المسيح الماء خمرًا فبعث بالفرح الروحي في كل المحفل، وفي كنيسة العهد الجديد يحول السيد المسيح بروحه القدوس الخمر إلى دمه المبذول عنا، فيبعث بالفرح السماوي في حياة متناوليه.

لم يحول المسيح الماء خمرًا فحسب، لكنه صيَّره خمرًا فائق الجودة، لأن عجائب المسيح لها هذه الخاصية، وهي أن تصير أبهى حسنًا وأفضل من الأصناف المتكونة في الطبيعة بكثير، فمن هذه الجهة متى أصلح في الناس عضوًا أعرج من جسمهم، أظهر ذلك العضو أفضل من الأعضاء الصحيحة. والبرهان على أن الماء الصائر خمرًا كان خمرًا فائق الجودة، شهد به ليس الخدام وحدهم، بل ومعهم رئيس متكأ العرس. ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

من تاملات يوحنا 2 ++ العريس مفرح النفوس ++ القمص تادرس يعقوب


من تاملات يوحنا 2 +++ القمص تادرس يعقوب

العريس مفرح النفوس
عرس قانا الجليل

بدأ يسوع بالعمل في العرس، لكي يعلن حبه للبشرية، فيحملها إلى السماء كما إلى حجالٍ للعريس. نتمتع بالفرح السماوي، ونحمل انعكاس بهاء مجده علينا.إنه يؤكد أنه جاء إلى العالم ليحول حياتنا إلى عرسٍ مفرحٍ. تحويل ماء حياتنا إلى خمر يشير إلى الفرح الروحي الأبدي (إش 55 :1؛ أف 18:5-20).

لقد نزل كلمة اللَّه من السماء، لكي يصير عريسًا للطبيعة الإنسانية، فأخذها مسكنًا له، لكي يخطبها ويقودها إليه فتلد ثمار الحكمة الروحية. +++القديس كيرلس الكبير

الذي صنع خمرًا في يوم الاحتفال بالزواج في الستة أجران للمياه هو نفسه الذي يفعل ذات الشيء كل عام في الكروم... لقد فقدت سمة العجب بسبب تكرارها المستمر.

أي عجب إن كان قد جاء إلى ذاك البيت إلى عرسٍ، وقد جاء إلى هذا العالم لعرسٍ؟ حقًا إن كان يأتي إلى عرس فإنه لابد أن يجد هنا عروسًا. ولكن ماذا يقول الرسول؟ "لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 3)... هكذا له عروس هنا قد فداها بدمه، وأعطاها الروح القدس كعربونٍ. حررها من قيود الشيطان؛ مات من أجل خطاياها، وقام لأجل تبريرها (رو 4: 25). من يقدم لعروسه مثل هذه الأمور؟

العريس الذي قيل له: "قد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن" يمثل شخص الرب. لأن الخمر الجيدة - أعني الإنجيل - حفظه المسيح حتى الآن +++ القديس اغسطينوس

حول ماء التطهير إلى خمر، فبدء عمله هو أن ينقلنا من حرفية الناموس حيثُ التطهيرات إلي فرح الروح، لنعيش في عصرٍ جديدٍ ببداية جديدة. بدأ العمل مع العروسين الشابين ليؤكد السيد المسيح اهتمامه بالشباب، وطلب صداقتهم ليهبهم بهجة لا تنقطع.

إذ يدخل بنا إلى عرسه الأبدي، إنما يقيمه في هيكل قدسه، لذا قام بتطهير الهيكل. لقد طلب اليهود آية، أما هو فقدم آية موته وقيامته ، التي لم يفهمها أعداؤه بل وحاولوا تشويهها، أما أصدقاؤه فأدركوها بعد قيامته (مت61:26؛ 40:27، يو 18:10).انتقل الإنجيلي بنا من العروس إلي عيد الفصح لنرى مسيحنا يطهر الهيكل من الباعة والصيارفة. ويؤكد إقامة هيكل جديد في ثلاثة أيام محولًا أنظارنا من الهيكل الحجري إلى هيكل النفس الداخلية حيث يقيم الله ملكوته في داخلنا. هكذا صار لنا في العصر الجديد هيكل جديد لا يقدُم ولا يشيخ.

"في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل،وكانت أم يسوع هناك".

"في اليوم الثالث"، هكذا أراد الإنجيلي أن يوضح أنه في كل يوم جديد كان السيد المسيح يقوم بعملٍ جديدٍ وخدمةٍ جديدةٍ. لم يعبر يوم من أيام حياته على الأرض دون عمل. هكذا من يرتبط بالسيد المسيح تصير أيام حياته كلها أيام عمل، ليس من بينها يوم مفقود.

قوله "في اليوم الثالث" لا يخلو من معنى رمزي، فقد جاء يسوع المسيح بنفسه إلى كنيسته في المرحلة الثالثة ليقيم عرسه معها. العصر الأول هو عصر الآباء ما قبل الناموس، والثاني عصر الأنبياء في ظل الناموس، والثالث عهد النعمة حيث أشرق النور الحقيقي على العالم ليبدد ظلمته.

يحتفل بالزفاف في اليوم الثالث، أي في العصر الأخير من العالم. فالعدد الثلاثي يشير إلينا بالبداية والوسط والنهاية.

تم الزواج في اليوم الثالث، أي في نهاية (ملء) الدهور، لأن رقم ثلاثة هو البداية والوسط والنهاية. وهذه الثلاثة هي أبعاد الزمن كله. وينسجم تمامًا مع ما قاله أحد الأنبياء: "لقد ضُرب وسيعصبنا، بعد يومين يحيينا، وفي اليوم الثالث يقيمنا... لنحيا قدامه" (هو 1:6-3).++القديس كيرلس الكبير

بقوله "قانا الجليل" يميزها عن قانا الأخرى التابعة لافرايم في منطقة السامرة (يش ١٦: ٨؛ ١٧: ٩).

بدأت خدمته في قانا الجليل حيث سبط أشير (يش ١٩: ٢٨). وقد تنبأ يعقوب أثناء تقديم البركة للأسباط قائلًا: "أشير خبزه سمين، وهو يعطي لذات ملوك" (تك ٤٩: ٢٠). هكذا يقدم السيد المسيح في منطقة أشور خبز النفس السمين ويقدم ملذات روحية للملوك الروحيين. بدأ السيد عمله في ركنٍ ناءٍ من الدولة، منعزلٍ عن العاصمة "أورشليم" ليعلن أنه جاء ليخدم، لا ليطلب مجدًا من الناس. جاء يخدم البسطاء الذين لا يقاومون كالكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة وغيرهم من القيادات الدينية.

يرى Bede أن "قانا الجليل" تعني "غيرة الهجرة". وكأن العرس الروحي يتحقق مع أولئك الذين لهم غيرة في المباراة نحو الهجرة من الرذائل إلى الفضائل، ومن الأرضيات إلى السماويات، وذلك بالرجاء والحب.

يلاحظ المستمع المدقق أن الاحتفال (يو 2) لم يتم في أورشليم بل خارج اليهودية (يو 3)، فكان التجمع للاحتفال في مدينة للأمم (مت 4: 15). فمن الواضح جدًا أن مجمع اليهود رفض العريس السماوي، ولكن كنيسة الأمم قبلته بقلب متهلل. +++ القديس كيرلس الكبير

هذا هو أول زواج مسيحي تم في العالم، كان حسب مشيئة الله، وإلا ما كان أصحاب العرس قد دعوا يسوع وتلاميذه. أما حضور القديسة مريم العذراء واهتمامها بالعرس، فإنها كانت مثالًا حيًا للعروس الطاهرة التي تفتح قلبها بالحب لكل إنسان.

كانت أم يسوع هناك" غالبًا ليس كأحد المدعوين وإنما كأحد أفراد الأسرة، لهذا أدركت أن الخمر قد فرغت الأمر الذي لا يدركه المدعوون بل أصحاب العرس. هذا لم يكن بلا معنى، فإن كان هذا العرس هو أول آية صنعها يسوع ليربط بين العهد القديم والعهد الجديد، فإن أم يسوع وهي من سبط يهوذا أحد أفراد عائلة العهد القديم تتوسط لدى ابنها ليعلن بهجة الخلاص المفقودة، فقد فرغ خمر الفرح، وانقطع الأنبياء إلي فترة طويلة، وساد الحزن والمرارة علي الشعب.

"ودُعي أيضًا يسوع وتلاميذه إلى العرس".

عدم مفارقة السيد المسيح وتلاميذه للعرس يكشف عن روح العروسين وأهلهما وأصدقائهما. كان الجميع يسلكون كما يليق في الرب، فلا يدعون يسوع إلى حين ليستأذن فيتحول العرس إلى حياة خليعة غير لائقة.

الذي ذهب مرة واحدة فقط إلى الزواج يعلمنا ألا تتزوج المرأة إلا مرة واحدة (مادام رجلها حيًّا)، لكن هذه الحقيقة يمكن أن تكون ضد البتولية إن فشلنا في إعطاء الزواج وضعه اللائق... الهراطقة وحدهم هم الذين يحتقرون الزواج فيطأون وصية اللَّه بأقدامهم، أما نحن فنصغي بكل بهجة إلى الكلمة التي قالها ربنا في مديحه للزواج. فإن الكنيسة لا تشجب الزواج، وإنما فقط تخضعه ++ القديس جيروم

لم يأتِ لكي يشترك في العرس بل بالأكثر ليحقق معجزته، ويقدس بدء الميلاد البشري الذي يتعلق بالجسد. كان لائقًا بذاك الذي جاء لتجديد طبيعة الإنسان نفسها وتقديمها بكاملها إلى حالٍ أفضلٍ أن يقدم بركته ليس فقط لمن ولدوا بالفعل وإنما أيضًا يعد بالبركة للذين يولدون فيما بعد، مقدسًا مجيئهم في هذا العالم... بتقديس الزواج، لقد أزال الحزن القديم على الولادة.

جاء (إلى العرس) لكي يقدس بداية ميلاده، أعني ميلاده حسب الجسد... أن يهيئ نعمة، مقدمًا إياها للذين سيولدون، ويجعل مجيئهم مقدسًا.

قيل للمرأة من قبل اللَّه: "بالحزن سوف تحبلين" (تك 16:3). ألم تكن الحاجة بالأكثر إلى القضاء على هذا اللعنة أيضًا، وإلا كيف يمكننا أن نتفادي زواجًا مدانًا؟ لكن لأن المخلص هو محب البشر فإنه هو الذي يرفع هذه اللعنة، إذ هو فرح الكل وسعادتهم. لقد أكرم الزواج بحضوره لكي يزيل العار القديم الخاص بالحبل. لأنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء القديمة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 17:5).

لم يأتِ المخلص إلى العرس بإرادته وحده، بل بدعوةٍ، أي برجاء وإلحاح أصوات القديسين، ولكن الخمر فرغت ولم يعد لدى المحتفلين منها أي شيء، لأن الناموس لم يكمل شيئًا، ولم تعطِ الوصايا الموسوية الفرح، ولم يستطع الناموس الطبيعي المغروس فينا أن يخلصنا. ++القديس كيرلس الكبير

كما قلت سابقًا أنه كان معروفًا في الجليل، لهذا دعوه في العرس، وقد لبى الدعوة، لأنه لم ينظر إلى كرامته، لكنه نظر إلى إحسانه إلينا، لأن من لم يستنكف من أن يأخذ صورة عبد (في 2: 7)، فأولى به وأليق ألا يترفع عن أن يحضر في عرس عبيده. ومن اتكأ مع عشارين وخطاة (مت 9 :13) فأليق به ألا يمتنع عن أن يتكئ في العرس.

والذين دعوا المسيح لم يمتلكوا التمييز الواجب من أجله، ولا دعوه على أنه شخص عظيم، لكنهم دعوه كشخصٍ بسيطٍ كواحد من الكثيرين على أنه معروف عندهم. هذا المعنى ذكره البشير مستورًا إذ قال: وكانت أم يسوع هناك"، فعلى نحو ما دعوها وكذلك دعوا يسوع أيضًا +++ القديس يوحنا الذهبي الفم

الحاجة الي الله ++++ القمص تادرس يعقوب



من تاملات ملاخي 1 +++ القمص تادرس يعقوب

الحاجة الي الله
وَحْيُ كَلِمَةِ الرَّبِّ لإِسْرَائِيلَ عَنْ يَدِ مَلاَخِي

يترجم البعض كلمة "وحي" هنا أنها "ثقل"، فقد كانت كلمة الرب بالنسبة لإسرائيل في شره لا تمثل بهجة وفرحًا وعذوبة، لأنها تكشف عن جراحاتهم بغير مداهنة. لذلك حسبوها ثقلًا عليهم، تحزنهم حتى كانوا غير قادرين على سماعها. إنها عبء بالنسبة لمن لا يطلب خلاص نفسه، أما الجادون في خلاص أنفسهم فيجدونها نيرًا هينًا وحلوًا (مت 11: 30).

أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَا أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوب،َ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ .

إذ يكشف هذا السفر عن دعوة كل الأمم والشعوب بقبول الإيمان، يبدأ بتأكيد حب الله لشعبه مجانًا وبدون استحقاق من جانبهم. لكنهم استخفوا بمحبته، واحتقروا اسمه ونجسوا التقدمات والذبائح. لهذا لم يعد يُسر الله بهم ماداموا يسلكون هكذا، ويفتح الباب لكل الأمم من مشرق الشمس إلى مغربها ليتمجد اسمه في كل الأرض.

بدأ يفتح جراحات شعبه لتنظيفها ومعالجتها، مؤكدًا لهم أنه يفعل هذا لا عن كراهية أو بغضة، بل عن حبٍ وحنوٍ، لهذا تبدأ رسالة الله لهم بالقول: "أحببتكم". هذا ما أكده الله على الدوام عن لسان أنبيائه: "محبة أبدية أحببتك، ومن أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (إر 31: 3). "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته" (هو 11: 1)، "لأن الرب يُسٌر بكِ" (إش 4: 62).

هكذا يبدأ حديثه بإعلان حبه، ليؤكد أنه وإن وبخ إنما لأنه أب: "إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه" (رؤ 3: 19)، كما يوبخهم، لأنهم لم يردوا له الحب بالحب.

يحتاج الإنسان إلى من يحبه ومن يتقبل حبه، لهذا كثيرًا ما يؤكد الله لأولاده: "أحببتكم". لكن إذ تمُر بالإنسان ظروف تبدو في عينيه قاسية ومُرة، يتساءل في داخله: "أين هي محبة الله لي؟"

لقد تشككوا في محبته لهم، واستهانوا بها، "وقلتم: بِمَ أحببتنا؟" بقولهم هذا يستخفون بحب الله وعنايته بهم.

"أليس عيسو أخًا ليعقوب، يقول الرب، وأحببت يعقوب". كثيرًا ما يظن اليهود أن الله ملتزم بالحب نحوهم بكونهم أبناء إبراهيم، وأنه يرد لهم الحب كمن هو مدين لأبيهم. لهذا يقول لهم: لو أنني أحبكم ردًا لحب إبراهيم ليّ لكان الأولى أن يتمتع عيسو بحبي أكثر من يعقوب، لأنه البكر، ومع هذا فإن يعقوب اغتصب بالإيمان العملي حب الله، بينما سقط عيسو بقسوة قلبه تحت الغضب. لا تقوم محبة الله على المحاباة، ولا على القرابات الجسدية المجردة، فقد كان عيسو ويعقوب أخوين توأمين في رحمٍ واحدٍ، فتمتع يعقوب بالدخول في عهد مع الله، وحُرم عيسو نفسه من العطية.

هذه العطية التي نالها يعقوب مجانية، ليس له فضل فيها، إنما هي حسب مسرة الله، ولكن ليست إلزامًا أو قهرًا، إنما خلال تجاوب الإنسان مع النعمة الإلهية المجانية.

يسبق الله فيعرف الناس الخطاة وهم في رحم أمهاتهم (تك 25: 23).

+ "زاغ الأشرار من الرحم، ضلوا من البطن، متكلمين كذبًا" (مز 58: 3). ما هذا؟ لنبحث في أكثر اهتمام، فإنه ربما يقول هذا لأن الله سبق فعرف البشر الذين هم خطاة وهم في رحم أمهاتهم. لذلك عندما كانت رفقة لا تزال حاملًا، وقد حملت توأمين، قيل: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (مل 1: 2، رو 9: 13). فقد قيل: "الأكبر يخدم الأصغر". كان حكم الله مخفيًا في ذلك الوقت، ولكن من الرحم، من الأصل ذاته يزوغ الخطاة. من أين يزوغون؟ من الحق. من أين يزوغون؟ من المدينة الطوباوية، من الحياة المطٌوبة .++ القديس اغسطينوس

+ احتقر قايين أخاه، كما احتقر الله. كيف احتقره؟ بإجابته الوقحة على الله: "أحارس أنا لأخي؟" (تك 4: 9). احتقر عيسو أخاه، وهو أيضًا احتقر الله. لذلك قال الله: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (رو 9: 13، مل 1: 2-3). ++ القديس يوحنا ذهبي الفم

+ إننا نفكر بالصواب بقولنا إن "الله يُحب العدل، ويبغض الاختلاس بالظلم". وهذا لا يعني بأن له ميل تجاه الواحد أو تجاه الآخر، ويقبل ما هو مضاد، لدرجة أنه يفضل هذا ولا يفضل ذاك. فهذه هي سمة المخلوقات، بل يعني أنه كقاضٍ يحب الأبرار ويعينهم، ويعزف عن الأشرار . ++ القديس أثناسيوس الرسولي

أعلن الله حبه لإسرائيل قائلًا: "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هو 11: 1)، فقد دعاه غلامًا وابنه. في غير محاباة، إذ أصر شعب إسرائيل على شرورهم يدعوهم نبيه القديس يوحنا المعمدان: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟!" (مت 3: 7). هكذا ليس لدى الله محاباة!

+ إنها ثمرة غباوتهم وتفكيرهم الطفولي أن يعانوا من هذه العقوبة. لقد دعوتهم من مصر، وحررتهم من العبودية القاسية، لكنهم أظهروا جحودًا ليّ، واختاروا عبادة الأوثان. أنا الذي علَّمتهم المشي، وشفيتهم من سلوكهم البشع، وأظهرت لهم حنوًا أبويًا، واستخدمت معهم كل أنواع العلاج، رفضوا أن يعرفوني، مع أنني حفظتهم من دمارٍ مضاعفٍ بيد الغازين. أنهم كمن نشبوا بأظافرهم فيّ، وأنا أحبهم كما لو كان ذلك قيدًا . ++ ثيؤدورت أسقف قورش 

+ دُعي إسرائيل رمزيًا ابنًا منذ كان في مصر (مت 2: 15)، لكنه فقد بنوته بتعبده للبعل وتقديم بخور للأوثان، فأعطاهم يوحنا اسمًا لائقًا بهم "أولاد الأفاعي" (مت 3: 7). إذ فقدوا لقب البنوة الذي انسكب عليهم خلال النعمة في أيام موسى، نالوا من يوحنا اسمًا متطابقًا مع أفعالهم . ++ القديس مار أفرام السرياني

وَأَبْغَضْتُ عِيسُو،َ وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا، وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الْبَرِّيَّةِ؟

تحدى أدوم (عيسو) إله إسرائيل ولم يبالِ بإرادته الإلهية، فسقط في خرابٍ أبديٍ في الوقت المناسب. بينما نال إسرائيل الذي كان تحت التأديب بركة إعلان مجد الله في تخومه. هذا العمل قائم على الدوام روحيًا، فإن تحدى اليهودي أو الأممي إله القوات يصير كأنه أدوم الروحي، ويطيل الله عليه أناته، وإذ يمتلئ كأسه بالشر يسقط في الهلاك الأبدي. بينما كثير من الأمم الذين كانوا أدوم الروحي المعاند، إذ يرجعون إلى الرب يصيرون إسرائيل الجديد الممتلئ بأمجاد إلهيةٍ.

كان عيسو عنيفًا مع أخيه ووالده ووالدته، فتزوج من بنات حثِ زوجتين، "فكانتا مرارة نفس لإسحق ورفقة" (تك 26: 35). شرب من الكأس الذي ملأه لوالديه وأخيه، فحلٌ الخراب بقلبه، وارتد هذا الخراب حتى على جبال سعير التي كانت "ميراثه". إذ قام جيش الكلدانيين بتخريبها، حتى أصبحت مسكنًا لذئاب البرية، إذ صارت مقفرة جدًا.

شرب بنو عيسو أو بنو أدوم الشامتون في خراب أورشليم (مز 137: 7) من ذات كأس الترنح الذي ملأوه لغيرهم.

لقد كان الله طويل الأناة جدًا على أدوم، فتركها جيلًا بعد جيل، حتى ظن البعض كأن تهديدات الله لهم لم تكن إلاَّ كلامًا بلا فعلٍ، وأخيرًا سقطت في خرابٍ دائمٍ، فلم تقم بعد مملكة لأدوم.

حملت رفقة الاثنين، يعقوب وعيسو. الزرع واحد، لكن اللذين حُمل بهما مختلفان. الرحم واحد، واللذان حملت بهما مختلفان. أليست المرأة الحرة حملت عيسو؟ لقد تصارعا في رحم والدتهما، هناك تشاجرا، وقيل لرفقة: "في رحمك شعبان" رجلان، شعبان، لكنهما تصارعا في الرحم. كم من أشرار يوجدون في الكنيسة! رحم واحد يُحبل بهم حتى ينفصلوا في النهاية، والأشرار يصرخون ضد الصالحين وكلاهما يصارعان في أحشاء أمهما الواحدة .

+ من هو غبي شرير فيقول إن الله غير قادر على تغيير الإرادة الشريرة للناس، كيفما يشاء، وحينما يشاء، وأينما يشاء، فيجعلها صالحة؟ لكنه إذ يعمل، إنما يعمل خلال الرحمة؛ وعندما لا يعمل إنما خلال العدل. إذ "هو يرحم من يشاء، ويقسي من يشاء" (رو 9: 18). الآن عندما قال الرسول هذا، يمتدح النعمة، هذه التي تحدث عنها عندما ربطها بتوأمي رحم رفقة. "لأنه وهما لم يُولدا بعد، ولا فعلا خيرًا أو شرًا، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها أن الكبير يُستعبد للصغير" (رو 9: 11-12). بالتبعية يُشير إلى شهادة نبوية أخري، حيث كتب: "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (مل 1: 2-3). وإذ تحقق كيف أن ما قاله قد يُسبب اضطرابًا لأولئك الذين لم يستطع فهمهم أن يدخلوا إلى هذا العمق للنعمة، أضاف: "فماذا نقول: ألعل عند الله ظلمًا؟ حاشا!" (رو 9: 14). ومع هذا يبدو أنه في ظلم، دون أي استحقاق عن أعمالٍ صالحةٍ أو شريرة، يحب الله أحدًا ويبغض الآخر. الآن لو كان الرسول أراد منا أن نفهم وجود أعمال صالحة مستقبله للآخر- هذه التي حتمًا قد سبق فعرفها الله - لما قال: "ليس من الأعمال" (رو 9: 11) بل قال: "عن أعمال في المستقبل". هكذا أراد أن يحل المعضلة؛ أو بالحري أراد ألاَّ يترك معضلة لكي تحل. إذ أضاف للحال: "حاشا!" (ليظهر أنه لا يوجد ظلم في الله). "لأنه يقول لموسى: إني أرحم من أرحم، وأتراءف على من أتراءف" (رو 9: 15). الآن من هو سوى الغبي ذاك الذي يظن في الله ظلمًا سواء عندما يوقع جزاء على من يستحق، أو يظهر رحمة على غير المستحق؟ أخيرًا يختم الرسول بالقول: "فإذًا ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل لله الذي يرحم" (رو 9: 16) . ++ القديس اغسطينوس

+ منذ بداية العالم، من بين الابنين اللذين ولدا لآدم، هابيل الأصغر مختار، بينما قايين الأكبر - بكونه رمزًا لليهود غير المؤمنين - قد دُين. بعد ذلك في وقت إبراهيم، تحقق ذات الرمز في سارة وهاجر. كانت سارة عاقرًا إلى وقت طويل كرمز للكنيسة، بينما هاجر كرمزٍ للمجمع اليهودي حملت ابنًا للحال. هنا الابن الأصغر - اسحق - قبل في الميراث، وأما إسماعيل الأكبر فحُرم منه. تبدو هذه الحقيقة إنها تحققت في الاثنين: يعقوب الأصغر أحبه الله، بينما عيسو رُفض كما هو مكتوب: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (مل 1: 2-3). هذا الرمز أيضًا معروف أنه يتحقق في أختين اتخذهما يعقوب زوجتين: راحيل الصغرى، أحبها يعقوب أكثر من ليئة، الكبرى. في الواقع من الأولى ولد يوسف الذي بيع في مصر كرمزٍ لربنا ومخلصنا. هكذا كانت ليئة ضعيفة البصر، بينما كانت راحيل جميلة الملامح، هذا أيضًا له معنى: تُفهم ليئة بكونها مجمع اليهود، وراحيل تُشير إلى الكنيسة. الإنسان الذي تُصاب عيناه الجسديتان بالتهاب لا يقدر أن يتطلع إلى بهاء الشمس. هكذا كان المجمع، الذي كان له عيون قلبه مملوءة حسدًا وحقدًا ضد ربنا ومخلصنا كما بفيضانٍ مملوء سمًا، لا تقدر أن تتطلع إلى سمو المسيح، الذي هو شمس العدل (مل 4: 2) . ++ الأب قيصريوس أسقف أرل

لأَنَّ أدوم قَالَ: قَدْ هُدِمْنَا فَنَعُودُ وَنَبْنِي الْخِرَبَ. هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ. وَيَدْعُونَهُمْ تُخُومَ الشَّرِّ، وَالشَّعْبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ الرَّبُّ إِلَى الأَبَدِ.

ظن أدوم أنه قادر بذاته أن يقوم من هذا الخراب الذي حٌل به دون إصلاح القلب وطرد الذئاب الداخلية. لقد سقط أدوم في آمالٍ باطلةٍ، فظنوا أنهم يستطيعون القيام ببناء الخرب، كما حدث مع أورشليم .

بقولهم: "نعود فنبني الخرب" يرون أن الأمر في أيديهم ويعتمد على إمكانياتهم العسكرية وتخطيطهم، سواء أراد الله ذلك أو لم يرد. لذلك "هكذا قال رب الجنود: هم يبنون، وأنا أهدم". إذ لا يستطيعون الوقوف في تحدٍ أمام الله.

بتحديهم يصيرون مثلًا وعبرة للنفوس المتشامخة على الله. "ويدعونهم تخوم الشر، والشعب الذي غضب عليه الرب إلى الأبد" . يدرك الكل كلمات أيوب: "من تصلب عليه فَسلِمَ" (أي 9: 4).

إذ رفض اليهود السيد المسيح، وقاوموا إنجيله وكنيسته صاروا أدوميين، وتمت فيهم هذه العبارة، لأنهم لما حاولوا إعادة بناء الهيكل في أورشليم أيام الإمبراطور أدريان هدم الله ما بنوه، بحدوث زلزلة وخروج ألسنة نارية، فاضطروا إلى التوقف عن البناء .

+ إن نطق الله ألف كلمة متهمًا إيانا، لن نستطيع أن نقاوم كلمةً واحدةً. ماذا يقول النبي: "لن يتبرر في عينيك إنسان" (مز 143: 2) . ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

+  "أعترف لك بخطيتي يا إلهي، وأنت رفعت إثم قلبي" (راجع مز 32: 5) لست أُجادل معك في الحكم، يا أيها الحق، فإني لا أُريد أن أخدع نفسي، لئلا يقف إثمي ضدي . القديس اغسطينوس

فَتَرَى أَعْيُنُكُمْ وَتَقُولُونَ: لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ مِنْ عَُِنْدِ تُخُمِ إِسْرَائِيلَ.

إذ صار قلب أدوم قفرًا، ليس فيه أثر للحب، بل حمل خبث الذئاب، تحولت جباله إلى خرابٍ، وصار ميراثه ملكًا لذئاب البرية. الآن إذ يطلب إسرائيل وهو تحت التأديب التدخل الإلهي، يتمجد الله في تخومه كما يتمجد في أعماقه الداخلية. هذه هي مسرة الله أن يصير العالم كله إسرائيل الجديد الروحي الحامل لمجد الله في الداخل والخارج.

جاء كلمة الله لكي ينقلنا خلال المعمودية من البنوة لعدو الخير إلى البنوة لله، ويحولنا من أدوم الحاملة للقلب الذئبي القفر إلى إسرائيل الجديد الحامل للمجد الإلهي.

بك أدخل إلى مدينتك المحبوبة! +++ القمص تادرس يعقوب





بك أدخل إلى مدينتك المحبوبة! +++ القمص تادرس يعقوب

من وحي مزمور 87

نزلت إلى أرضنا، لكي تعلن حبك العجيب لنا.حملتنا فيك، لندخل إلى كنيستك السماوية.

أنت هو الطريق الذي يحملنا إليه،وأنت هو الباب الذي يدخل بنا إلى أمجادها.وأنت هو سرّ مجدها وبهائها!

أمجاد عجيبة قيلت عن مدينتك.فيها تحققت نبوات الأنبياء.وفيها كُشفت أسرار سماوية.

يُسمع فيها صوت تهليل لا ينقطع.ويتجلى فيها الحق الإلهي والتعاليم المبهجة.

تُرى متى تأتي على السحاب،فأحمل قيثارة الروح الرائعة،وأنضم إلى كل الذين عن يمينك.كل كياني يعزف سيمفونية حب خالدة.تفرح بنا الطغمات السماوية،وتعزف معنا، أو نعزف نحن معهم.

يا لها من كنيسة سماوية مجيدة!

حبيبي ليَّ، وأنا له +++ الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح




من تأملات سفر نشيد الأنشاد +++ الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح

حبيبي ليَّ، وأنا له

"حبيبى لى وأنا له الراعى بين السوسن. إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال أرجع وأشبه يا حبيبى الظبي أو غفر الأيائل على الجبال المشبعة"(2: 16, 17).


بالتجسد الإلهى نزل ابن الله الكلمة إلى النفس البشرية ليخطبها لذاته.. وبقيامته المقدسة دعاها للقيام معه وبه وبلا خوف من سلطان الخطية, لكنه طلب إليها أن تحذر الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم.. استجابت العروس لدعوة العريس "قومى.. وتعالى"، وهكذا دخلت وليمة عرس الصليب والقيامة لتنعم بالاتحاد معه، فأخذت تناجيه قائلة "حبيبى لى وأنا له".

فى الكنيسة القبطية يسمى سر الزواج "عقد إملاك وزواج". أما السبب، فلأن في هذا السر يقدم كل منهما نفسه ليصير ملكًا للأخر كقول الرسول "ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل، وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة" (1كو 7: 4). ومن هنا فلا يطلب أحدهما ما لنفسه بل ما هو للأخر، متخليًا عن الكثير من رغباته من أجل الطرف الآخر. وفى نفس الوقت يقدم كلا منهما ما يملك للأخر.

هذا السر تراه النفس البشرية والكنيسة في أكمل صورة على الصليب حيث قدم الرب دمه مهرًا لها ليدخل كلا منهما في ملكية الآخر.. وهكذا تقول العروس "حبيبى لى وأنا له"..

رأته على الصليب معلقًا فأدركت بحق مفهوم العرس السماوى، فقد اشتراها بحبه الكامل، وقدم حياته فدية لحياتها. لهذا فهى أيضًا تلتزم بتقديم حياتها له بفرح حتى أنها في الحياة الأبدية في السماء تتغنى وتقول "لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة" (رؤ 5: 9) .

ة هي الحقيقة يعلنها الرسل فيقول بطرس "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة وبذهب.. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح"(1بط1:18،19). ويقول بولس "قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس إنكم لستم لأنفسكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو 7: 23 ؛6: 19،20).. ويؤكد على هذه الحقيقة يوحنا في سفر الرؤيا على نحو ما أعلنت له "هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب، هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة لله وللخروف"(رؤ 14: 4).

"
حبيبى لى وأنا له"

اختبر القديس أغسطينوس هذة الحياة فيقول في مناجاته لله:

"
إلهى. إننى إذ أتأمل ضميرى، أراك ناظرًا نحوى دائمًا، ومنتبها إلى نهارًا وليلًا بجهد عظيم ، حتى كأنه لا يوجد في السماء ولا على الأرض خليقة غيرى. تسهر على وكأنك قد نسيت الخليقة كلها! تهبنى عطاياك، كأنى وحدى موضوع حبك!" ويقول أيضا.. "أتوسل إليك أخبرنى أين أنت؟! أشتهى الموت لكى أراك. إننى لا أريد العيش بعد لكى أحيا بك. امتلكنى بكليتى فألتصق بك تماما"!!