مَنْ يصبر إلى المُنتهى ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب بدعة الخلاص في لحظة ++ البابا شنودة الثالث

مَنْ يصبر إلى المُنتهى

مادام موضوع الخلاص هو قصة العمر كله، إذن علينا أن نجاهد باستمرار، ونصبر على حروب العدو وهجماته.. وما هي حدود هذا الصبر؟ يقول السيد الرب:

(من يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص) (مت 10: 22)

وعبارة الصبر إلى المنتهى لكي يخلص الإنسان، تعنى أن الخلاص لا يتم في لحظة. وتعنى أن الصبر ليس له مدى محدود، وإنما إلى المنتهى، أي إلى (نهاية سيرتهم) لأنه يحدث أحيانا أن تبرد محبة الكثيرين (مت 24: 12) ولا نستطيع أن نحصى عدد الذين يتركون محبتهم الأولى (رؤ 2: 4)، ويحتاجون إلى توبة.

إن الإكليل لم يأت موعده بعد، ففترة اختبارنا لا تزال قائمة وسنظل في هذا الاختبار مدى الحياة. وقد قال الرب: (كن أمينًا إلى الموت، فسأعطيك (إكليل الحياة) (رؤ 2: 10) وعبارة (إلى الموت) لا تنطبق عليها كلمة لحظة. وهذه الأمانة (إلى الموت) شرط لنوال إكليل الحياة.

وقد وعد بمنح الأكاليل لمن يغلب. والغلبة لا تحدد الآن. فطالما نحن في حرب، لا تستطيع أن تقول إنك خلصت. وإنما (لما تنتهي الحرب نكلل)، كما يقال في الترتيلة. ومتى تنتهي الحرب؟ بانتهاء الحياة على الأرض.

لا تحكم قبل الوقت. ولا تحكم باللحظات، فاللحظات تتغير.

ربما ما تناله في لحظة، تفقده في لحظة أخرى! وما أخطر التغير الذي شرحه الوحي الإلهي بقوله: (مدة كل أيام الأرض.. برد وحر، صيف وشتاء، نهار وليل، لا تزال) (تك 8: 22) ليتك إذن تصلى لكي لا يكون هربك في شتاء (مت 24: 20)

لا تقل إذن: "إني خلصت في اليوم الفلاني"، مُحَدِدًا الساعة والدقيقة! بل الأفضل أن تصلي، لكي يديم الله عليك خلاصه حتى المنتهى، إلى نهاية سيرتك.

لا يكفى أن تبدأ، إنما يجب أن تثبت وتستمر:

فالرسول يقول: (وأما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف، وإلا فأنت أيضًا ستقطع) (رو 11: 22) وهذا الثبات الذي يطلبه الرسول، لا تحكم عليه لحظة، إنما هو قصة الحياة كلها.

أنت تبت في لحظة (فرضًا)؟! هذا حسن جدًا. ولكنك لن تخلص، إلا إذا ثبت في التوبة. والزمن يحكم على هذا الثبات..

حياتك تغيرت في لحظة؟! حسن جدًا، ولكنك لن تخلص إلا إذا احتفظت بهذا التغير إلى أفضل، حتى المنتهى.

مرت عليك لحظات مصيرية، عرفت فيها الله، أدركت فيها فناء العالم هذا حسن ورائع، وإنما المهم أن تثبت. واللحظات لا يمكن أن تحكم على ثباتك..!

أتراك تحولت من خاطئ إلى قديس؟! حسن جدًا.. ولكن الخلاص هو أن تثبت في هذه القداسة طول حياتك.

وتسلك كما يليق بالدعوة التي دعيت إليها، حسبما نصح الرسول قديسي أفسس (أف 4: 1 3) وحتى إن كنت قد نلت خلاصًا بعمل الرب معك، وبجهاد طويل وليس في لحظة، وبممارسة أسرار الكنيسة وكل وسائط النعمة.. أنصت إلى قول الرسول: (تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12).

إن هذا الخلاص هو قصة العمر كله.

يعقوب يبارك أفرايم ومنسي ++ القمص تادرس يعقوب



تامل من سفر التكوين 48 ++ القمص تادرس يعقوب

يعقوب يبارك أفرايم ومنسي

إن كان يعقوب يعترف ببركات الله عليه حينما يتقدم ليبارك بنيه وأحفاده، فإن يوسف ابنه كأبيه يعترف أن أبنيه هما عطية الله له.

طلب يعقوب من يوسف أن يقدم له أبنيه، وإذ قربهما إليه قبّلهما واحتضنهما أما هما فسجدا مع أبيهما يوسف أمام يعقوب. مدّ يعقوب يده اليمنى على أفرايم الأصغر الذي أوقفه يوسف عن يسار يعقوب، ومدّ يساره ليضعها على رأس الأكبر منسي الواقف عن يمينه، وصار يباركهما ببركة الله إله أبويه إبراهيم وإسحق، وقد طلب في البركة الآتي:

أولًا: أن تحل بركة الله على يوسف خلال أبنيه (الغلامين)، فحُسبت البركة ليوسف مع أن يديه ممتدتين على أفرايم ومنسي. وكأن كل بركة إلهية تمتد في حياة أفرايم (الثمر المتكاثر) ومنسي (نسيان العالم). تظهر بركة الله في حياة النمو المستمر والثمر المتزايد كما تظهر في نسياننا لمحبة العالم، أي تتجلى في الجانب الإيجابي كما السلبي.

ثانيًا: أن تحل عليهما بركة الملاك الذي خلصه من الشر وقت الضيقة... فإن الله يعلن بالأكثر رعايته وسط الآلام. لا ينزع الضيقات من أولاده إنما يسندهم وينجيهم.

ثالثًا: أن يُدعى عليهما اسم يعقوب واسما إبراهيم وإسحق، وقد تحقق ذلك إذ صار كل منهما سبطًا منسوبًا ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم.

رابعًا: طلب لهما أن يكثرا كثيرًا في الأرض .

إن كان يوسف قد تهلل جدًا بالبركة التي تقبلها من أبيه في شخص ابنيه لكن الأمر ساء في عينيه، وقد أمسك بيدي أبيه ليحول يمينه إلى منسي الأكبر ويساره إلى أفرايم وكان يظن أنه يصحح وضعًا لا يفطن له أبوه، أما الأخير فأبى أن يغير مؤكدًا لابنه أن الله كشف له عن سر عظمة الأصغر بقوله: "علمت يا ابني علمت. هو أيضًا يكون شعبًا، وهو أيضًا يصير كبيرًا ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه ونسله يكون جمهورًا عظيمًا". ماذا يعني يعقوب بهذا؟

أ. لقد علم يعقوب أن أفرايم الصغير يكون أعظم من منسي، إذ يكون نسله جمهورًا عظيمًا، وقد تحقق هذا في أول إحصاء عُمِلَ في أيام موسى حيث كان عدد المجندين من أفرايم ٤٠٥٠٠ نسمة بينما من منسي ٢٢٢٠٠ نسمة (عد ١: ٣٢، ٣٥). هذا وقد عاش منسي منقسمًا نصفه شرقي الأردن والآخر غربه وكان ذلك علة تفككه وضعفه، كما أن اختلاط الجزء الساكن في شرقي الأردن بالشعوب الوثنية عرضة لعبادة الأوثان أكثر من غيره (٢ أي ١٥: ٩؛ ٣٠: ١). أما أفرايم فكان قويًا حتى أنه كثيرًا ما دعيت المملكة الشمالية (إسرائيل) باسم "أفرايم". من هذا السبط خرج يشوع بن نون (عد ١٣: ٨)، وكان لهم نشاط ملحوظ في عصر القضاة في أيام دبورة النبيه وجدعون ويفتاح، وجاء صموئيل النبي منهم (قض ٥، ٨، ١٢؛ 1 صم ١)...

وكانت شيلوه من مدنهم موضعًا مقدسًا لخيمة الاجتماع لفترة طويلة من الزمن الخ...

ب. في وضع يعقوب يديه كان يضع صليبًا على رأسيهما، وكأن سرّ البركة الحقيقية هو "ذبيحة الصليب".

ج. تفضيل الأصغر عن الأكبر كما رأينا في كثير من المواقف إنما كان يشير إلى مجيء آدم الثاني الذي يحتل البكورية بينما يفقد آدم الأول بكوريته، فالله لا يهمه بكورة الجسد إنما يطلب عمل الروح... هكذا قبل الله ذبيحة هابيل الابن الأصغر ورفض تقدمة الابن الأكبر قايين (تك ٤)، وتمتع يعقوب نفسه بالبكورية وبركة أبيه إسحق في الرب وحرم منها أخوه البكر عيسو، وبنفس الفكر تمتع أبوه إسحق بالبركة أما إسماعيل الأكبر جسديًا فلم يرث معه... وفي دراستنا لإنجيل متى البشير رأينا السيد المسيح يأتي من نسل أغلبهم لا يحملون بكورية جسدية.

يقول القديس أغسطينوس: بأن يعقوب صنع هذا مقدمًا بركة خفية للأصغر، بها صار الأول أخيرًا والأخير أولًا نبوة عما حدث عند مجيء السيد المسيح. لقد فُضل هابيل عن أخيه الأكبر قايين، وإسحق عن إسماعيل، ويعقوب عن عيسو، وداود عن إخوته الأكبر منه، والمسيحيون عن اليهود السابقين لهم .

كما يقول أيضًا: كما استخدم أبنا إسحق أي عيسو ويعقوب كرمزين لشعبي اليهود والمسيحيين... هكذا حدث ذات الأمر بالنسبة لابني يوسف. فكان الأكبر رمزًا لليهود والأصغر للمسيحيين.

لقد تبارك منسي بكونه يمثل كنيسة العهد القديم وقد صار كبيرًا في عيني الله إذ عاش بالإيمان يتقبل الناموس والنبوات والمواعيد الإلهية في وقت كان العالم ملقى في أحضان الوثنية ورجاساتها. لكن جاء أفرايم الحقيقي أي الكنيسة العهد الجديد التي صارت أكبر وتضم جمهورًا من الأمم والشعوب.

ختم يعقوب بركته لهما بقوله: "بك يبارك إسرائيل قائلًا: يجعلك الله كأفرايم وكمنسي" .. وكأن الله يبارك البشرية خلال كنيستي العهد الجديد والقديم، اللتين هما في الحقيقة كنيسة واحدة مجتمعة معًا في المسيح يسوع المصلوب تحت ذراعي يعقوب (على شكل صليب).

تامل من سفر هوشع 12 + الله راعينا ++ القمص تادرس يعقوب



تامل من سفر هوشع 12 +++ القمص تادرس يعقوب

الله راعينا

1. تركهم الراعي الصالح
في عتاب مُرّ يقول: "إفرايم راعي الريح وتابع الريح الشرقية، كل يوم يكثر الكذب والاغتصاب ويقطعون مع آشور عهدًا والزيت إلى مصر يُجلب"

لقد ترك إفرايم راعيه الصالح واهب الخيرات الحقة وخرج يرعى الريح ، ليقتني لا شيء. مسكين إفرايم لأنه يتعب في رعايته لريح بلا نفع... وليتها أيّ ريح، وإنما هي "الريح الشرقية".

وكما يقول القديس هيبوليتس الروماني أن الريح الشرقية تشير إلى "ضد المسيح" الذي يظهر في الشرق مقاومًا للسيد المسيح في كنيسته .
ما هي الريح الحارقة القادمة من الشرق إلاَّ ضد المسيح الذي يحطم ويجفف مجاري المياه وثمار الأشجار في أيامه (هو 13: 15)، إذ يضع البشر قلوبهم على أعماله؟! إنه يحطمهم بسبب الحق، وهم بقساوتهم يخدمونه.

هكذا تحول إفرايم من مملكة المسيح إلى ضد المسيح، وقد حمل سمات سيده "الكذب والاغتصاب وقطع عهود مع العالم بدلًا من الله...".

2. الحاجة إلى جدية الرجوع إليه

إذ يعتز الشعب بأبيهم "يعقوب" قدّمه لهم مثلًا في الجهاد مع الناس والله، مقتنيًا بجهاده اللقاء مع الله الذي يحب المجاهدين. "في البطن قبض بعقب أخيه" (ع3)، وهو بعد في بطن أمه لم يخرج إلى العالم كان مجاهدًا فأمسك بعقب أخيه ليسحبه إلى الوراء مغتصبًا منه البكورة والبركة.

" وبقوته جاهد مع الله، جاهد مع الملاك وغلب، بكى واسترحمه" (ع3-4). يمثل عينة رائعة للجهاد مع الله فقد بذل كل طاقته مجاهدًا مع الله الذي صارع معه حتى الفجر ليعلمه الجهاد وروح الغلبة، وإذ أدرك يعقوب أن الغلبة هبه من عند الله وليس بذراعيه "بكى" فرحمه الله معلنًا ذاته له: "وجده في بيت إيل، وهناك تكلم معنا. والرب إله الجنود يهوه اسمه".

3. ترك المعايير الخاطئة

لم يحمل الشعب روح التمييز، الذي به يعرف الراعي الحقيقي واهب الخيرات من الرعاة المخادعين ، لذلك يطالبه الرب بترك هذه المعايير متأملًا رعاية الله الصادقة.

"مثل كنعاني في يده موازين الغش يجب أن يظلم"(ع7)، فقد طبيعته كابن لله وصار كأممي بلا حكمة، محبًا للظلم، يفتري على الله، بل وعلى نفسه. أما علامة موازينه الغاشة فهي أنه ظن في نفسه غنيًا وليس في حاجة إلى الله: "فقال إفرايم إني صرت غنيًا، وجدت لنفسي ثروة، جميع أتعابي لا يجدون لي فيها ذنبًا هو خطية" (ع8). لقد نسى أن الله هو الذي أطلقه من العبودية وأرسل له الأنبياء وحدثه بكل طريقة ويدربه: "وأنا الرب إلهك من أرض مصر حتى أسكنك الخيام كأيام الموسم، وكلمت الأنبياء، وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالًا" (ع10).

4. جهاد يعقوب لأجل امرأته

إن كان يعقوب أبوهم قضى سنوات طويلة في صحراء آرام يخدم ويرعى لأجل امرأة، ألا يليق بأولاده أن يخدما في البرية هذا العالم من أجل راعيهم عريس نفوسهم؟! يقول: "وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم إسرائيل لأجل امرأة رعي" (ع12).

مناداة يونان +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
مناداة يونان

لم يسجل لنا الكتاب الخطاب العميق الذي قاد 120.000 نسمة إلى التوبة، بهذا الانسحاق العجيب. ليته كان قد زودنا بهذا الجانب الهائل الذي تتركز فيه عظمة يونان النبي..

كل ما سجله الكتاب لنا في هذا المجال لا يزيد عن عبارة واحدة فقط، ذكر فيها أن يونان دخل المدينة ونادى وقال: "بعد أربعين يوما تنقلب نينوى" (3: 4).

هل حقا أن يونان لم يقل سوى هذه العبارة وحدها؟ وهل كانت كافية لخلاص المدينة وإحداث هذا التأثير الهائل؟

لقد قال لوط عن سدوم "آن الرب مهلك المدينة" (تك 19: 14)، ومع ذلك لم يتأثر أحد ولم يتب أحد. وسمع الناس عن الطوفان الذي سيهلك الأرض كلها ,، ورأوا الفلك يبني أمامهم، ومع ذلك لم يتب أحد، وهلكوا جميعا… وكم من مرة فشلت الإنذارات بالموت. أدم نفسه سمع إنذارا " موتا تموت"، فلم يمنعه هذا الإنذار عن الخطأ.

فما هو السر الذي يختفي وراء توبة نينوى وخلاصها؟

هل الآمر يرجع إلى مناداة التي نادى بها يونان وعمق تأثيرها في النفوس؟ أم أن السبب يرجع إلى قوة الاستعداد الداخلي في القلوب، بحيث أن كل كلمة إلهية لابد أن تحدث أثرا، لآن القلب مستعد للسماع، والإرادة مستعد للتنفيذ، والأرض جيدة للزرع؟… أنا في داخلي أميل إلى هذا الرأي الثاني…

أميل إلى الاعتقاد أن توبة نينوى كان مرجعها الأساسي هو الاستعداد القلبي عند أهل نينوى.

ولعل هذا الاستعداد هو الذي دعا الله إلى إرسال نبيه إليهم. وكما يقول الرسول "الذي سبق فعرفهم، سبق فعينهم" (رو 8: 29)...أن استعداد القلب له مكانة كبيرة في عمل التوبة….

الشاب الغني خاطبه الرب نفسه، بكل ما في كلام الرب من قوة وتأثير.

ومع ذلك مضى حزينا لآن القلب من الداخل لم يكن مستعدا،كالأرض المحجرة لا تخرج نباتا مهما كانت البذار جيدة، ومهما كان الزارع خبيرا.. أما قلب الشاب انطونيوس، المستعد للكلمة فلما سمع في الكبيسة نفس العبارة التي قيلت للشاب الغنى، تركت هذه العبارة فيه أثرا عميقا، ونفذها بحب… هكذا نينوى أيضا.

ويؤيد هذا الرأي عندي أن يونان عندما قال أن المدينة ستنقلب، قالها وهو مؤمن في أعماقه أنها سوف لا تنقلب، وأن كلمته سوف لا تنفذ .

نادى بهذه المناداة مضطرا، طاعة لآمر صدر إليه، وهو غير واثق مما يقول. ولو كان مؤمنا بما قاله، لكان كلامه أعمق تأثيرا.

ومع ذلك تابت نينوى بمناداة يونان،لآن القلب كان مستعدا لآية كلمة تخرج من فم الله.. وهكذا كانت لهذه التوبة قوتها، صادره من الداخل لا من الخارج…

ولهذا أمتدح الرب آهل نينوى وتوبتهم، وقال أنهم سيقومون في يوم الدين، ويدينون ذلك الجيل...

ومما يزيد هذه التوبة قوة وجمالا، أنها كانت توبة عامة… الكل تابوا. الكل رجعوا إلى الله. الكل آمنوا به.

أكثر من 120 ألفًا دخلوا إلى حظيرة الرب دفعة واحدة أن كان يصير فرح في السماء تخاطي واحد يتوب، فماذا نقول عن الفرح بأكثر من اثنتي عشرة ربوة كانوا من قبل لا يعرفون يمينهم من شمالهن؟!

وهكذا نجح الهدف الثاني من خطة الله. فخاص أهل نينوى، كما خلص أهل السفينة من قبل.

عظمة نينوى في توبتها +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
عظمة نينوى في توبتها

عندما وصف الله نينوى بأنها مدينة عظيمة، لم يكن ينظر إلى جهلها وخطيئتها، أنما كان ينظر في فرح شديد إلى عمق توبتها.

كانت نينوى سريعة في استجابتها لكلمة الرب :

إن أهل سدوم عندما أنذرهم لوط بغضب الرب، استهزءوا به " وكان كمازح في وسط أصهاره" (تك 19: 14). أما أهل نينوى فأخذوا يونان بجدية فائقة الحد، واستجابوا للكلمة بسرعة. على الرغم من مهلة الأربعين يوما التي كان يمكن أن تستغل للتراخي والتهاون.. لقد كانت كلمة الرب فيهم سريعة وحية وفعالة وأمضى من سيف ذي حدين.

وكان أهل نينوى في هذه الاستجابة السريعة أعظم من اليهود الذين عاصروا السيد المسيح الذي هو أعظم من يونان بما لا يقاس ورأوا معجزاته العديدة، وشاهدوا روحانيته التي لا تحد، ومع ذلك لم يتوبوا، فوبخهم الرب بأهل نينوى (متى12: 14).

كانت كلمة الرب لآهل نينوى كلمة مثمرة، أتت بثمر كثير عجيب:

أول ثمرة لها هي الإيمان " فآمن أهل نينوى بالله".

وثاني ثمرة لآهل نينوى كانت انسحاق القلب الصادق، المتذلل أمام الله. وهكذا " لبسوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم". والمسموح ملابس خشنة من شعر الماعز…، دليل على التذلل وعلى الزهد ورفض مغريات العالم.. حتى ملك نينوى نفسه: خلع رداءه الملكي، وتغطى بالمسوح، وقام عن عرشه، وجلس على الرماد…

ونظر الله إلى هذه المدينة المتضعة، وتنسم منها رائحة الرضى. " فالذبيحة لله هي روح منسحق. القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله " "مز 50 ".. حقا ما أعجب هذا المنظر الفريد في نوعه… أن نرى مدينة بأسرها منسحقة في التراب والرماد، متذللة في المسوح، من الملك إلى الطفل الصغير.. حتى البهائم، تغطت أيضا بالمسوح..!

وكان من ثمار كلمة الله فيها أيضا : الصوم والصلاة.. نادت المدينة بصوم عام للكل .. فلم يذق الناس شيئا.. وحتى البهائم والبقر والغنم، لم ترع ولم تشرب ماء. لم يرد الناس أن ينشغلوا بإطعام بهائمهم حتى يتفرغوا للعبادة وللتضرع إلى الله.. وهكذا مزجوا صومهم بالصلاة و " صرخوا إلى الله بشدة"..

على أن أهم ثمرة لأهل نينوى كانت هي التوبة… التوبة قادتهم إلى الإيمان، إذ كانت الخطية هي الحائل بينهم وبين الله. ومن ثمار التوبة فيهم كان التذلل والصوم ولبس المسوح والصراخ إلى الله. كانت توبة صادقة بكل معنى الكلمة، توبة جادة بكل مشاعر القلب، فيها " رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم".

وبهذه التوبة استحقوا رحمة الله، فعفا عنهم جميعا وسامحهم، وقبلهم أليه وضمهم إلى خاصته. وفي هذا يقول الكتاب " فلما رأى الله أعمالهم، أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه""3: 10".

لم يقل الكتاب " لما رأى الرب صومهم وصلاتهم وتذللهم " بل قال " لما رأى أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة". كانت التوبة إذن هي سبب رحمة الرب لهم. وكان صومهم وصلاتهم وتذللهم مجرد ثمار للتوبة…

أود في هذه المناسبة أن أقف قليلا عنده عبارة هامة قيلت في توبة نينوى وهي أنها "تابت بمناداة يونان"

نينوي ... نينوى المدينة العظيمة +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
نينوي ... نينوى المدينة العظيمة

يونان يذهب إلى نينوى، ولكن.

أصدر الله ليونان نفس الآمر القديم " قم اذهب إلى نينوى..". وفي هذه المرة لم يهرب من وجه الرب، بل "قام وذهب إلى نينوى حسبأمر الرب".

وتم الآمر في هدوء: الله لم يعاتب، ويونان لم يعارض.. ولعل هذا الآمر يحتاج منا إلى وقفة تأمل...

الله لم يغضب من موقف يونان، بحيث يحرمه من الخدمة، أو يسقطه من درجة النبوة إلى درجة المؤمن العادي أو يبحث عن غيرة ليرسله…

والله أيضا لم يعاتبه، يكفيه ما حدث له. كان درسا عمليا، لا يحتاج إلى مزيد من الكلام الذي يجرح النفس في تبكيت وتعنيف وتعيير بالخطأ السابق. كلا إن هذه ليست طريقة الله، بل الله يحافظ على احساسات أولاده. يتركهم ليشعروا بأخطائهم دون أن يعيرهم بها..

أما يونان فقد تلقى درسا، فأطاع... ولكن أتراها كانت طاعة عن اقتناع ورضى أم هي مجرد خضوع؟

هو ذا أنت ذاهب يا يونان إلى نينوى.. فماذا عن العوائق السابقة التي كانت تمنعك في المرة الأولى؟ ماذا عن كرامتك؟ وماذا عن كلمتك التي ستقولها ثم لا ينفذها الرب، إذ تتوب المدينة ويرجع الرب عن تهديده لها؟ هل فكرت في كل ذلك، وهل مات الوحش التي في أحشائك، وحش الكرامة والاعتزاز بالكلمة؟

في هذه المرة كان يونان سيطيع، وكفى. كان سيطيع من الخارج، أما من الداخل فما تزال كرامته لها أهمية عنده.
سيضغط على نفسه من أجل الطاعة. وسينتظر ماذا سيفعل الرب. في هذه المرة تقابل مع الله في منتصف الطريق.

كانت محبة الكرامة ما تزال تتعبه، ولكنه أطاع خوفا من التأديب، وليس عن أيمان وتواضع.

كان ينفذ أمر الله، بالخوف، مع تذمر في القلب من الداخل سيظهر في حينه. كان يسير بالعصا وليس بالنعمة. وقد قبل منه الله هذا الوضع كمجرد تدرج، ريثما سيواصله إلى الطاعة الصادرة عن اقتناع، المؤمنة بحكمة الله وحسن تدبيره.

نينوى، المدينة العظيمة

عجيب هذا اللقب "المدينة العظيمة" الذي أطلقه الرب على نينوى!! قاله الرب مرتين ليونان "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة" (1 : 2، 3 :2 ). وهذا التعبير " المدينة العظيمة " كرره الوحي للمرة الثالثة بقوله "وأما نينوى فكانت مدينة عظيمة للرب مسيرة ثلاث أيام" (3:3). وتكرر هذا اللقب للمرة الرابعة في آخر السفر عندما قال الرب "فلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة" (4 : 11).

ما أعجب هذا، أن يلقبها الرب أربع مرات بالمدينة العظيمة، بينما كانت مدينة أممية، جاهلة لا يعرف أهلها يمينهم من شمالهم، تستحق أن ينادى النبي عليها بالهلاك، وهى خاطئة قد صعد شرها أمام الرب، وليس فيها من جهة المقياس الروحي أي مظهر من مظاهر العظمة!!

أكان هذا تنازلا من الرب في استخدام الأسلوب البشرى، فسماها عظيمة، على اعتبار أنها عاصمة لدولة، وتضم أكثر من 120 ألف من السكان؟

أم أن الله رآها باعتبار ما سوف تصير إليه في توبتها وفي عظمتها المقبلة، كأممية توبخ اليهود، كما قال عنها الرب "إن رجال نينوى سيقومون في يوم الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهو ذا أعظم من يونان ههنا" (متى12 : 41).

أن تسمية الرب لنينوى بالمدينة العظيمة درس نافع للذين يسلكون بالحرف، ويدققون في استخدام الألفاظ تدقيقا يعقدون به كل الأمور ويخضعون به الروح لفقه الكلمات!!

أمر الله يونان النبي أن ينادي على نينوى بالهلاك، ولكنه كان في نفس الوقت يدبر لأهلها الخلاص.

كان يحبهم ويعمل على إنقاذهم دون أن يطلبوا منه هذا.

أن سفر يونان يعطينا فكرة عميقة عن كراهية الله للخطية ولكنه في نفس الوقت يشفق على الخطاة ويسعى لخلاصهم.

وإنقاذ الله لنينوى فكرة عن اهتمام الله بالأمم، إذ كان اليهود يظنون أن الله لهم وحدهم، وأنهم وحدهم الذين يتبعونه ويعبدونه، وهم شعبه وغنم رعيته، فأراهم الله في قصة نينوى أن له خرافا أخر ليست من تلك الحظيرة. وكما وبخ عبده يونان بإيمان البحارة الأمميين، وكذلك وبخ اليهود بإيمان أهل نينوى وتوبتهم، تلك التوبة التي كانت عظيمة حقا في عمقها وفاعليتها.

يونان في بطن الحوت +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
يونان في بطن الحوت

القي يونان في البحر، ولكنه لم يلق للموت… كانت الإرادة الإلهية ما تزال ممسكة به، والله ما يزال عند خطته أن يرسل يونان إلى مدينة نينوى لإنقاذها …

وهل ما يزال هذا الإنسان يا رب يصلح لهذه الخدمة الكبيرة بعد كل ما صدر منه؟

نعم، إن يونان هذا ابني وحبيبي، ونبيي أيضا وسأرسله إلى نينوى. إن كان قد أخطأ فأني سأصلحه، وأجعله صالحا للخدمة، وأنقذ نفسه، وأنقذ المدينة به...هذا الحجر غير المصقول سأتعهده بالنحت، حتى أجعله صالحا للبناء..

حقا أن الله عجيب في طول أناته لا يغضب ولا يتخلى بسرعة عن خدامه الذين يخطئون.

لقد قبل بطرس بعد إنكاره وثبته في رسوليته. ولكننا نحن البشر نتميز بسرعة في الغضب، وسرعة في العقوبة، وسرعة في القطع أما الله فليس كذلك.

لقد استبقى يونان في خدمته، وحفظه سليما ليتم عمله .
وعندما ألقى يونان في البحر، استقبله إله البحر، ليحفظه من كل سوء.

عندما ألقى يونان في البحر، تلقفته الأيدي الإلهية وحملته في رفق لكي لا يهلك ولكي لا يغرق، أخذه الله ووضعه في جوف حوت، ليحفظه آمنا هناك.

كان الله قد " أعد حوتا عظيما ليبتلع يونان"" 1 : 17". لم يعده للإهلاك، وأنما للحفظ.. لم يكن الحوت عقوبة وأنما كان صونا.

كان يونان في بطن الحوت أكثر أمنا وراحة مما لو ظل في البحر يكافح الأمواج، ويكافح البحر،ويكافح التعب والبرد والريح.

كان هذا الحوت مرسلا من الله، لينقذ الإرادة الإلهية التي كلف بها.

لم يكن له سلطان أن يأكله، أو يفرز عليه عصارات ويحلله ويمتصه.كلا، بل ابتلعه ليدخله إلى أحضانه الداخلية، ويحفظه حتى يصل إلى قرب هدفه. كان وسيلة مواصلات مجانية يصل بها يونان إلى مكان قريب من محطة النزول.

كأن يونان كان في غواصة حصينة تمخر به البحر وهو في جوفها تحت الماء كان هذا الحوت مرسلا لإنقاذ يونان من البحر وأهواله، انه كالتجارب يبدو مخيفا من الخارج بينما تكمن فيه كل المنفعة… كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام سليما لا يقوى عليه الحوت، كما كان المسيح في القبر ثلاثة أيام سليما لا يقوى عليه الموت.

هكذا أنت أيها الأخ المبارك، أن أعد لك الله حوتا عظيما ليبتلعك، فلا تخف ولا تتضايق ولا تحزن، بل بارك الرب داخله كما فعل يونان.

ثق أن الحوت قد يبتلعك، ولكنه لا يستطيع أن يؤذيك. أنه لا يستطيع أن يفعل بك شيئا بدون أذن الله وسماحه… ولا بد سيأتي الوقت الذي يأمره فيه الرب أن يقذفك إلى البر كما كنت. أليس الله هو خالق الحوت، وبيده حياته وتوجيهه؟! أن كنت يا أخي في ضيقة، فاذكر حوت يونان. فتطمئن.. إذ تعرف أن الرب هو الذي هيأ هذا الحوت لك ليمنحك فضيلة معينة أو نعمة خاصة...

حاذر من أن تشكو كلما ابتلعك حوت، فالحيتان في بحر هذا العالم كثيرة….

لا تقل: لماذا هذه المعاملة منك يا رب؟ لماذا تعد هذا الحوت العظيم فيبتلعني؟ وأين كنت يا رب عندما ابتلعني؟ ولماذا لم تنقذني منه؟

اعرف أن إجابة الله هي واحدة : ل تخف، يكفيك أنك معي. حتى أن كنت في بطن الحوت، فأنا معك. لا أهملك ولا أتركك. لا تخف يا أخي آذن. تذكر قول البار الأنبا بولا " من يهرب من الضيقة فقد هرب من الله.."

كان ذلك الحوت ضخما جدا، كان حوتا عظيما... توجد حيتان كبيرة، كل واحد منها كأنه حجرة واسعة، يستطيع أن يبلع قاربا بمن فيه... وعندما ابتلع الحوت يونان، نظر وإذا به في صالة فسيحة، أو في بركة ماء. فماذا يعمل؟ رجع إلى عقله، ورجع وصلى في جوف الحوت.. ونظر إليه الرب وأبتهج :

آه يا يونان، أنني أريد منك هذه الصلاة من بداية القصة. كل ما حدث كان القصد منه أن أجعلك تركع، ولو في جوف الحوت، لنتفاهم…

منذ زمن وأنا أريد أن أكلمك وأتفاهم معك، ولكنك غضبت وهربت ورفضت أن تتفاهم، أما الآن فإنها فرصة مناسبة لنصطلح..

وركع يونان وصلى للرب، ورجع مرة أخرى إلى طقسه النبوى. أخذ صورته الأولى كإنسان مطيع محب لله، مؤمن جدا بوعوده. رجع كما كان يثق بالله ويشكره.

لقد تأثرت جدا من صلاة يونان التي صلاة وهو في جوف الحوت، والتي تتسم بروح النبوة وبالأيمان العجيب " والإيقان بأمور لا ترى".

أنها من أعظم الصلوات التي قرأتها في حياتي.. ليته كان قد قدمها، أو قدم صلاة من نوعها قبل أن يفكر في الهروب من الرب.. حقا أن الضيقات هي مدرسة للصلاة... لقد تأثرت كثيرا لقوله " دعوت من ضيقي الرب فاستجابي". وقلت في نفسي : ما هذا يا يونان؟ كيف أستجابك وأنت ما تزال في جوف الحوت؟! أما كان الأقدر أن تقول " دعوتك يا رب في ضيقي فأستجبني". فتطلب هذه الاستجابة لا أن تعلنها؟!

ولكن يونان يرى بعين الأيمان ما سوف يعطيه له الرب. يراه كأنه قائم أمامه، وليس كأنه سيأخذه فيما بعد، فيفرح قائلا " دعوت.. فاستجابني".

ويستمر يونان في صلاة يونان العجيبة فيقول للرب " صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي..جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك"… بهذا الأيمان رأى يونان نفسه خارج الحوت، ينظر إلى هيكل الرب.

وبهذا الأيمان استطاع أن يحول صلاته من طلب إلى شكر، وهو ما يزال بعد في جوف الحوت العظيم. فختم صلاته بقوله " أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك، وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص " "2 : 9".

كيف تأكدت أيها النبي القديس من أن الرب قد سمع صوتك، وقد أستجابك. وقد سمح أن تخرج من بطن الحوت، وتعود مرة أخرى تنظر إلى هيكله؟؟ أين منك هذا الهيكل وهو بعيد في أورشليم، بينما أنت في جوف الحوت، في مكان ما من البحر لا تستطيع تحديده؟! ولكن النبي يجيب :

أنا واثق تماما أنني سأخرج من بطن الحوت، وأكمل رسالتي، لآن كلمة الله لا تسقط ولا ترجع فارغة.

ما دام أمر أن أذهب إلى نينوى فسأذهب إلى هناك، وأنفذ مشيئته المقدسة، وأقوم بعملي الكرازى. ثم أرجع إلى هيكل الله وأسجد فيه وأذبح للرب، وأقدم نذوري.. هذا كله، أراه أمام عيني واضحا جدا لا يقبل الشك. لا يؤثر عليه مطلقا وضعي الحالي المؤقت في الحوت وفي البحر.

عجيب جدا هذا الرجل في أيمانه. انه حقا رجل الأيمان العميق الذي اختاره الرب.. لا ننكر أن ضبابا قد اكتنفه فأخطأ إلى الله، ولكن عنصره ما يزال طيبا.

انه يرى المستقبل المليْ بالرجاء قائما كأنه الحاضر. ويشكر الرب على خلاص لم ينله بعد من جهة الزمن، ولكنه قد ناله فعلا من جهة الكشف الخاص بموهبة النبوة، الخاص بالرجل المفتوح العينين، الذي يرى رؤى الرب كأنها في كتاب مفتوح، ويتمتع بمواعيده قبل أن تأتى.

وإذ وصل أيمان يونان إلى هذا الحد العجيب، أمر الرب الحوت فقذفه إلى البر….

كان سير هذا الحوت بأحكام عظيم، وفق خطة ألهية مدبرة تدعو إلى الاطمئنان. ظهر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب لكي يحمل يونان في داخله كما لو كان هذا النبي يتنقل من سفينة مكشوفة يمكن للأمواج أن تغطيها وتغرقها، إلى سفينة مغلقة محصنة لا تقوى عليها المياه ولا الأمواج. وفي الوقت المناسب قذف يونان إلى البر في المكان الذي حدده الرب لنزوله. ثم جاز مقابله بع أن أدى واجبه نحوه على أكمل وجه.

هنيئا لك يا يونان هذه الغواصة البديعة، التي عشت في أحضانها فترة. أعادتك إلى طقسك وإلى رسالتك.

نقلب هذه الصفحة من قصة يونان،كأنها لم تحدث، وكأن هذين الإصحاحين الأولين من السفر قد نسيهما الرب، فعاد يقول ليونان مرة أخرى " قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد عليها المناداة التي أنا مكلمك بها.

معاني اسماء تلاميذ السيد المسيح



معاني اسماء تلاميذ السيد المسيح

أ. "سمعان" معناها: "السميع" أو "المُطيع"، وقد دعاه السيِّد المسيح "بطرس" وتعني "صخرة"، بكونه أول من أعلن الإيمان بالسيِّد المسيح ابن الله.

ب. "أندراوس" معناها: "الجاد" أو "القوي" أو "البسالة".

ج. "يعقوب" معناها: "المتعقِّب" أو "المُجاهد".

د. "يوحنا" معناها: "الله يتحنَّن" أو "الله ينعِم".

ه. "فيلبس" معناها: "محب الفرس" أو "فم المصباح".

و. "برثلماوس" معناها: "ابن الحارث".

ز. "متَّى" يعني "هبة" أو "عطيّة".

ح. "توما" يعني "التوأم".

ط. "يهوذا" يعني "يحمد" أو "يعترف".

فضائل أهل السفينة .. من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث

فضائل أهل السفينة

أول صفة جميلة في بحارة هذه السفينة أنهم كانوا رجال صلاة.

لما صدمتهم الرياح الشديدة وكادت تكسر السفينة، يقول الكتاب " فخاف الملاحون، وصرخوا كل واحد إلى إلهه. وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم" (1 :5). نلاحظ هنا أنهم لجأوا إلى الله قبل تنفيذهم ما تتطلبه الحكمة البشرية لإنقاذ الموقف. صلوا أولا ثم ألقوا الأمتعة ليخففوا عن السفينة.. هم آذن يضعون الصلاة في مرتبة أعلى من مهارتهم البحرية، ويعتمدون عليها بالأكثر.

وعندما أيقظوا يونان، لم يقولوا له "قم ساعدنا في التخفيف عن السفينة". وأنما قالوا له " قم اصرخ إلى ألهك".

كان كل بحارة السفينة وركابها يصلون. والوحيد الذي كان لم يصلى في ذلك الوقت هو نبي الله يونان!!

وحتى بعد أن أيقظوه، لم يقل الكتاب انه قام وصلى!

انه موقف مخجل حقا..! كان يونان " قد نزل إلى جوف السفينة وأضطجع، ونام نوما ثقيلا "… عجيب أن يكون النبي العظيم نائما في الوقت الذي كان فيه الأمميون يصلون! شيْ مخجل.. ومما يزيد الخجل فيه أن يأتي إليه أنسان أممي ليبكته قائلا "مالك نائما".. ما هذا الكسل والتراخي واللامبالاة؟! ألا تقوم وتصلي كباقي الناس؟ " قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك"…

هل أنت حقا يا يونان تهتم بكرامتك الشخصية؟ أين هي هذه الكرامة، بينما أنت الوحيد النائم الأمميون حولك يصلون، ويوبخونك على نومك؟!

عجيب حقا هو الرب إذ يبكت أحد أنبيائه برجل أممي : لو أن الله أرسل له ملاكا ليبكته أو حتى نبيا مثله لبدا الآمر معقولا، فأن لم يبكته ملاك أو نبي، فليكن تبكيته على يد مؤمن عادى. أما أن يبكته رجل أممي، وثنى، لا يعرف الله فهذا هو منتهى الإذلال. انه أشعار له بضآلته وعمق خطيته.

على آيه الحالات فأن الله إذ يعرف أن التبكيت نافع حتى للأنبياء، لم يحرم نبيه من نعمة التبكيت، وشاء آن تكون من أممي لتكون أعمق أثرا.

ولكن هذه هي طريقة الله في التبكيت:

عندما أراد الله أن يبكت شعبه، أرسل إليهم الأمم فسبقوهم إلى الأيمان وبكتوهم. وقال لهم الرب " يأتون من المشارق والمغارب ويتكئون في حضن إبراهيم. أما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية " متى8 :11" .

بكتهم بالمرأة الكنعانية التى هي من شعب ملعون، وبالسامري الصالح الذي هو من جنس منحرف في الأيمان والعقيدة والتقاليد. ومع ذلك صار هذا السامري أفضل من الكاهن ومن اللاوي خدام الله.

بكت الفريسي اكثر الناس افتخارا بالعشار المحتقر في خطاياه، وبالمرأة الزانية التي بللت قدمي الرب بدموعها، وكانت أكثر فضيلة وحيا من الفريسي..

وبنفس الطريقة بكت الرب يونان النبي العظيم، بأهل السفينة الأمميين الذين وبخوه لكي يقوم ويصلى مثلهم…

عجيب أن يونان كان في ذلك الوقت نائما نوما ثقيلا... من عمق نومه، لم تستطع أن توقظه الرياح الشديدة، والنوء العظيم، واهتزاز السفينة التي كادت تنكسر!!

كيف خالف الله، وكسر وصيته وهرب منه، و استطاع أن ينام نوما ثقيلا؟! لابد أن ضميره كان قد نام أيضا، نوما ثقيلا، مثله…

هناك من يعصى الله ويخاف ويضطرب أو يقلق ويأرق وتظل خطيئته تطارده وتتبعه… أما يونان فهرب من الله ولم يبال. وبكل أعصاب مستريحة وفكر هاديْ أمكنه أن ينام نوما ثقيلا! يخيل إلى أن وراء هذا النوم سببا. لا شك أن يونان على الرغم مما فعله كان يبرر ذاته من الداخل، ويبري ذاته. وهكذا لم يشعر بالآثم ولم يقلق، فنام..

صفة جميلة ثانية نجدها في أهل السفينة انهم يبحثون عن الله.

لم يقولوا ليونان في تعصب لديانتهم " قم أصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك "… وهذا يدل على

أنهم كانوا يبحثون عن الله، ولا يعرفون أين يوجد.. كانوا مضطرين في وسط عقائد كثيرة، لا يعرفون أين الإله

الحقيقي ولكنهم يحبون ويؤمنون به دون آن يدركوه.. لذلك كشف الله لهم ذاته في قصة يونان.

صفة جميلة ثالثة وهى أنهم كانوا رجال بساطة وأيمان. لم يكتفوا بالصلاة، وانما أيضا ألقوا قرعا. كانوا يؤمنون أن الله سيكشف لهم الحقيقة بتلك الطريقة، وقد كان.. ألقوا القرعة ليعرفوا " بسبب من حدثت تلك البلية "…

إذ أنهم في تقواهم كانوا يشمئزون من بشاعة الخطية ويشعرون أنها سبب البلايا التي تحيق بالإنسان. هم كبحارة مهرة لم

يقولوا أن هذا النوم العظيم حدث بسبب البحر وطبيعة المياه وتقلبات الرياح، وإنما أيقنوا أن ذلك بسبب خطية أرتكبها أحدهم، ويطالب بها العدل الإلهي. فبحثوا " بسبب من تلك البلية".

ووقعت القرعة على يونان... حقا أن الله صالح وحنون.. حتى لو صلى إليه أناس امميون، بضمير مستقيم، طالبين إرشاده، فأنه يسمع لهم ويستجيب.. ووقوع القرعة على يونان، كشف صفة أخرى جميلة في نوتيه تلك سفينة الأتقياء.

كانوا أيضا أشخاصا عادلين لا يحكمون على أحد بسرعة. بل إتصفوا بطول الاناة، وبالفحص وإرضاء الضمير.

كان يمكنهم بعد وقوع القرعة على يونان، أن يتخلصوا منه في الحال، وبخاصة انه كان يبدو غريبا.. كان نائما والكل يصلون

وكان غريبا لا يعرفون له أصلا. وقد كشفته القرعة اذ وقعت عليه بعد صلوات صرخوا بها جميعهم إلى الله.

الا أنهم أرادوا أن يريحوا ضميرهم، فحققوا معه. قالوا له : أخبرنا من أنت؟ وما هو عملك؟ ومن أين أتيت؟ وما هي أرضك؟ ومن أي شعب أنت؟ وبسبب من هذه المصيبة التي حلت علينا؟.. أسئلة كثيرة..

حقا أنه من فضائل هؤلاء الناس طول الأناة العجيبة..

أنني متعجب من عدلهم ومن حساسية ضميرهم. السفينة موشكة على الغرق، والبحر هائج، وبين لحظة وأخرى يمكن أن يهلكوا...

ومع ذلك يصرون على التحقيق مع يونان، لكي يريحوا ضميرهم ولا يظلموا الرجل... وهم يفعلون ذلك على الرغم من كل الآدلة التي تحت أيديهم. ولكنهم مؤمنون أنه لا يليق بهم أن يحكموا على إنسان دون أن يعطوه فرصةلكي يتكلم عن نفسه..

أما يونان فأعترف لهم وقال " أنا عبراني، وأنا خائف من الرب اله السماء الذي صنع البحر والبر، وبمجرد سماعهم ذلك الكلام خافوا خوفا عظيما...

أنهم قوم بسطاء لا يكذبون غيرهم.

هل ألهك يا يونان هو اله البحر والبر؟.. نحن الآن في البحر، إذن فنحن في يد ألهك أنت. ونحن نريد الوصول إلي البر،ألهك هو اله البر أيضا، كما هو اله البحر، أذن فنحن في يديه. لذلك خافوا ووبخوه قائلين " لماذا فعلت هذا؟!". وللمرة الثانية يتبكت النبي العظيم من الأمميين. حسنا أوجده الله في هذه السفينة التي يوبخه ركابها، دون أن يستحوا منه كنبي.

وكما كان ركاب السفينة عادلين، كانوا أيضا في منتهى الرحمة والشفقة :

فبعد ثبات التهمة على يونان، واعترافه أمامهم بذنبه وبأنه هارب من الرب، وتأكدهم أن كل المصيبة التي حلت عليهم كانت بسببه لم يشاءوا أن يتخلصوا منه على الرغم من أن " البحر كان يزداد اضطرابا". بل فكروا في حل لإنقاذ هذا الإنسان الذي تسبب في أتعابهم

كانوا يوقنون أنه مذنب ويستحق الموت. ومع ذلك لم يكن سهلا على هؤلاء القوم الرحماء، أن يميتوا أنسانا حتى لو كان هو السبب في ضياع متاعهم وأملاكهم وتهديد حياتهم بالخطر.

لم يكن سهلا عليهم أن يضحوا به بسهولة أو بسرعة. فقالوا له "ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا؟"… أبحث معنا عن حل، لآن اضطراب البحر كان يزداد بطريقة مقلقة.... فقال لهم يونان " خذوني واطرحوني في البحر، فيسكن البحر عنكم لآني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم "… القوني في البحر فليس هناك حل للمشكلة غير هذا.. ولكن مع كل هذا. لم يكن ضميرهم مستريحا لالقائه.

إني متعجب من شدة رحمة هؤلاء الناس الأبرار. لقد عرفوا سبب مشكلتهم، وعرفوا علاجه، ولكن ضميرهم لم يساعدهم على التنفيذ. كيف نقتل الرجل، حتى لو كان دمه حلالا لنا؟! وحتى لو كان خاطئا يستحق الموت.. وهكذا جذفوا بكل قوتهم ليرجعوا السفينة إلى البر فلم يستطيعوا لآن البحر كان يزداد اضطرابا عليهم.

لقد بذلوا كل جهدهم لإنقاذ الرجل الخاطىْ من الموت، ولكن دون جدوى، كانت مشيئة الرب أن يلقى يونان في البحر.. وهكذا أسقط في أيديهم. ولكن لكي يريحوا ضمائرهم، صرخوا إلى الرب وقالوا " أه يا رب فعلت كما شئت ". وإذ تحققوا أن هذه هي مشيئة الله، وأنهم لا يستطيعوا أن يقفوا ضد مشيئة، "أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه"…

من كل ما سبق يتضح أن هؤلاء البحارة كان لهم ضمير حساس نقى، وأنهم أرادوا بكل حرص أن يقفوا أمام ضميرهم بلا لوم.

لم يكن سهلا عليهم أن يرتكبوا خطية، مهما كانت العوامل الخارجية ضاغطة، ومهما كانت هناك أسباب تبرر الموقف. وقد كان موقفهم من يونان نبيلا جدا، ورحيما جدا وموافقا لإرادة الله فيه.

وكانت لهؤلاء الناس قلوب مستعدة لعمل الله فيها : كانوا يتلمسون إرادة الله لتنفيذها. ولما وقف هيجان البحر بإلقاء يونان فيه، تأكدوا من وجود الله في الآمر، فآمنوا بالرب وذبحوا له ذبيحة، ونذروا له نذورا.... وفي أيمانهم بالرب لم يؤمنوا فقط أنه هو الله، وأنما بتقديمهم للذبيحة أعلنوا أيضا إيمانهم بالدم والكفارة.

وهكذا كسب الله المعركة الأولى، وتمم خلاص أهل السفينة بعصيان يونان. بقيت في خطة الله للخلاص مسألتان هامتان أخريان: وهما خلاص أهل نينوى، وخلاص يونان.

البحارة أُمَميّون كانوا أفضل من نبي ++ +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث

البحارة أُمَميّون كانوا أفضل من نبي

ما أعجب أهل هذه السفينة التي ركبها يونان.. حقا كانوا أممين، ومع ذلك كانت لهم فضائل عجيبة فاقوا بها النبي العظيم. وفيهم تحقق قول الرب " ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن أتى بتلك أيضا فتسمع صوتي. وتكون رعية واحدة وراع واحد" (10 : 16).

يذكرني أهل هذه السفينة بكرنيليوس قائد المائة، الذي كان في مظهره رجلا تقيا خائفا الله هو وجميع بيته. وكان أيضا رحوما كثير الصدقة وكان " يصلى إلى الله في كل حين". وأستحق أن يظهر له ملاك في رؤيا ويقول له " صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام الله". وأستحق أيضا أن يحل عليه الروح القدس هو وكل الذين معه أثناء كلام بطرس معه" " أع 10 ".

هناك كثيرون غير معروفين للناس في عالم القداسة، ولكنهم معروفون عند الله بأسمائهم. ومن هؤلاء كان أهل تلك السفينة… كانت فيهم كل الصفات الجميلة، وأذ كان ينقصهم الأيمان عن جهل رأى الله أن يمنحهم الأيمان .

لعله تدبير إلهي أن ينزل يونان في هذه السفينة بالذات، من أجله ومن أجل هذه السفينة.. لم يشأ الله أن يمضى إلى كوره بعيدة"…. العجيب أن الله أعد له المكان الذي يهرب أليه من وجه الرب، المكان الذي يناسبه، والذي يسمع فيه كلمة منفعة، والذي يقف فيه أمام وجه الرب مرة أخرى، لكيما يرجعه أليه.. أعد له الله البيئة المقدسة التي تبكته على هروبه. ووجد نفسه وسط أناس أفضل منه في كل شيْ، ما عدا وظيفة النبوة..!

طاعة غير العاقلين .. من تاملات يونان النبي ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
طاعة غير العاقلين

لقد أخجل الرب يونان النبي بطاعة أهل نينوى، وببر أهل السفينة وأيمانهم، وأيضا بطاعة الجمادات والمخلوقات غير العاقلة. ومن الجميل أن نرى كل هؤلاء في إرساليات إلهية وفي مهمات رسمية أدوها على أكمل وجه وأفضله.

فما هي هذه الكائنات غير العاقلة التي كانت عناصر نافعة في إتمام المشيئة الإلهية؟

عندما ركب يونان السفينة، يقول لنا الوحي الإلهي " فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر" (1 : 4).

لقد أدت الريح واجبها، وكانت رسولا من الرب، قادت الناس إلى الصلاة. فصرخ كل واحد إلى إلهه. دخل النبي إلى السفينة، ولم يهتم إلى أن يدعو الناس إلى الصلاة. أما هذه الريح العاصفة، فقد نجحت ما فشل فيه هذا النبي.. وتحقق فيها قول داود في المزمور " الريح العاصفة الصانعة كلمته" " مز 148 : 8 ". ونحن نتغنى بهذا الوصف الجميل مرتلين به كل يوم في التسبحة في الهوس الرابع متأملين في هذه الريح "الصانعة كلمته"!!

وكما أدت هذه الريح الشديدة مهمتها في أول القصة أدت مهمة أخرى في أخر القصة، إذ يقول الكتاب " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحا شرقية حارة. فضربت الشمس على رأس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت.." (4 : 8) . وهكذا دخل مع الله في تفاهم انتهى إلى المصالحة مع الله، بسبب هذه الريح " الصانعة كلمته". أليس من الجميل أن تأخذ هذه الريح نفس الوصف تقريبا الذي أطلق على ملائكة الله المقتدرين قوة "الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" " مز 103 :20 "!!

وكما أستخدم الله الريح، أستخدم الحوت أيضا لتنفيذ مشيئته : وفي ذلك يقول الكتاب أولا "وأما الرب فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال" " 1 : 17 ". ثم يعود فيقول " وأمر الرب الحوت، فقذف يونان إلى البر " "2 :10". وهكذا كان الحوت ينفذ أوامر إلهية تصدر إليه، وينفذها بدقة وحرص حسب مشيئة الرب.

وكما أستخدم الله الريح والحوت، أستخدم الشمس والدودة واليقطينة.

ويقول الكتاب " فأعد الرب الإله يقطينة فارتفعت فوق يونان.." " 4: 6" ويقوا "ثم أعد الله دودة عند طلوع الفجر في الغد، فضربت واليقطينة فيبست " "4 : 7 " وأيضا " أن الله أعد ريحا شرقية حارة فضربت الشمس على رأس يونان " "4 : 8 ".

إن كل الكائنات في يد الرب، يستخدمها وفق مشيئته حسبما يريد، وهى في يده مطواعة خاضعة…يقول لها "أذهبي يا ريح،أذهبي يا شمس.. أذهبي يا موجة،اذهبي يا دودة.." فيتم كل شيْ دون نقاش..كلهم رسل أوفياء وهكذا استخدم الله الجماد ليقنع الإنسان، واستخدم غير العاقل ليقنع العاقلين..

في سفر يونان كانت كل هذه الكائنات مطيعة للرب، الوحيد الذي لم يكن مطيعا،هو الإنسان العاقل، يمنان…الذي منحه الله حرية إرادة يمكنه بها أن يخالفه!

حقا أن الإنسان كثيرا ما يستخدم عقله وحريته استخداما رديئا. وكثيرا ما يثق الإنسان بحكمته وثوقا يصطدم فيه بمشيئة الله. لذلك نصحنا الكتاب بقوله "وعلى فهمك لا تعتمد ""أم 3 : 5 ". وعلل ذلك بهذه العبارة الحكيمة التي وردت مرتين في سفر الأمثال " هناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت " " أم 14 : 12 ".

"أم 16 :25 "الإنسان مغرور دائما في حكمته وفي حسن تصرفه. ولذلك يقول الكتاب "كل طرق الإنسان مستقيمة في عينية "أم 21 : 2 " حتى الجاهل أيضا " أم 12 :15 ".

هكذا الإنسان أما باقي الكائنات فلا تعرف غير الطاعة. على أنه لم يكن كل أنسان غير مطيع في سفر يونان، بل كل الناس أطاعوا، ما عدا يونان النبي!

ولعل أهم طاعة يطلبها منا الرب هي الطاعة في الإرساليات المتعِبة، وقد أعطانا مثالا بطاعة باقي الكائنات.

لعلنا نسر ونبتهج عندما يرسلنا الله برسالة مفرحة، وينطبق علينا قول الكتاب " ما أجمل أقدام المبشرين بسلام المبشرين بالخيرات " "رو10 : 15". نفرح بهذه الإرساليات لما سيصادفنا فيها من مجد باطل نتيجة لمدح الناس وشكرهم إما الرسالة المتعبة فهي صعبة وعندما ننفذها إنما نفعل هذا من أجل الله وحده.

ما اصعب رسالة يطلب فيها الله من أحد أولاده أن ينادي على مدينة بالهلاك. إبراهيم أبو الآباء تشفع من أجل سدوم طالبا عدم إهلاكها مع أنه لم يكن هو المكلف بالمناداة بإهلاكها ولكنه لم يحتمل سماع الآمر ولو من بعيد…

على أن يونان لم يهرب من المهمة إشفاقا على نينوى، من الهلاك، بل على العكس هرب خوفا من أن تبقى المدينة ولا تهلك… لم يقل كلمة إشفاق، ولم يشفع فيها كإبراهيم عندما تشفع في سدوم. بل أنه حزن واغتاظ واغتم غما شديدا ورأى أن الموت هو أفضل لنفسه من الحياة، كل ذلك لآن الله لم يتتم إنذاره وهلك المدينة.. هل كان في قلب يونان شيْ من القسوة أو الغلظة؟ أم أن اعتزازه بكلمته طغى على كل شيْ.. حتى على الحب والإشفاق؟ لست أدرى.

أما الكائنات الأخرى في سفر يونان فنفذت كل ما أمر به الرب، سواء كان مفرحا في ظاهره أو متعبا، يكفى أنه آمر قد صدر من فم الله.

أمر الله الريح أن تصدم السفينة بشدة حتى كادت تنكسر، ففعلت كما أمر، وكان كذلك. لم تقل ما ذنب هؤلاء البحارة البررة الآمنين، ولماذا نسبب لهم نوءا عظيما في البحر؟ كلا أننا لسنا أحن من الله وقد أثبت الله فعل إن ذلك كان تدبيرا حكيما منه. يقود بها بحار السفينة وركابها إلى الإيمان.

أراد الله للبحر أن يهيج فهاج، وأراد له أن يهدأ بعد إلقاء يونان فيه، فهدأ.. ما أعجب الطبيعة المطيعة التي لا تعصى لله أمرا، كالإنسان.

وأمر الله الحوت أن يبتلع يونان فأبتلعه، دون أن يؤذيه لآته لم يأخذ أمرا من الله بأن يأكله. ثم أمر الله الحوت أن يقذف يونان إلى البر، فقذفه إلى حيث أراد الله.

آني أقف أحيانا في عجب، أتأمل كيف كانت هذه الكائنات تتلقى أوامرها من الله، كيف كانت تتفهمها وتنفذها. أنها لا تعي ولا تدرك. ولكن الآمر يرجع إلى مشيئة الله العاملة فيها.

وكما أمر الحوت الضخم الكبير لكي ينفذ جزءا من الخطة الإلهية، كذلك أمر الدودة البسيطة، أمرها أن تضرب اليقطينة فيبست.. ما أعجب هذا أن نرى حتى الدودة جزءا في العمل الإلهي المقدس الكامل.. حقا ما أجمل قول الكتاب " انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار " " متى 18 :10".

أنها مشيئة الله منفذه كما يطلبها هو، لا كما تقترح الخليقة في جهالتها. وحكيم هو الذي يستسلم لمشيئة الله أيا كانت صورتها.

يأمر الله اليقطينة لكي ترتفع ويكون ظلا على رأس يونان " لكي يخلصه من غمه" فتنفذ اليقطينة هذا الآمر العطوف. ويكلف الله الشمس أن تضرب على رأس يونان فيذبل ويشتهي الموت، فتفعل كما يأمر الرب.. أنها ليست احن منه على يونان. لابد أن في ضربة الشمس فائدة ليونان وآلا ما كان الله قد أمر بها.. وكان كذلك.

حقا أن الطبيعة وكل الكائنات غير العاقلة، مثلها مثل الكائنات السمائية، من حيث إنها لا تعرف في علاقتها مع الله سوى عبارة "لتكن مشيئتك "…

ليتنا نأخذ درسا من كل هؤلاء، وندرك نحن أيضا عمق عبارة "لتكن مشيئتك " في حياتنا وحياة الناس. هذه العبارة التي فشل يونان في ممارستها، ولم يستطع أن يصل إليها آلا بعد تجارب كثيرة وصراع مع الله، وعقوبات، واقناعات.. أخيرا استطاع الله أن يقنعه بخيرية المشيئة الإلهية، مهما كانت مخالفة لمشيئته الذاتية.

لقد خلق الله العقل نعمة للإنسان. ولكن هذا العقل كثيرا ما يقف حائلا بين الإنسان وحياة التسليم!

يحدث هذا إذا انفرد العقل بذاته، بعيدا عن الاستنارة بالروح القدس، وبعيدا عن الاتضاع الذي ينحني به العقل خاضعا لمشيئة الله.. أمسك أحدهم برأسه بين يديه، وقال "هذه هي "تفاحة أدم" التي يتحدث عنها البعض"، يقصد أن عقله هو سبب كل سقطاته وتجاربه..

وليس العقل وحده هو الذي يقف ضد مشيئة الله، عندما يقتنع بأشياء أخرى تخالف ما يأمر به الرب، أو عندما يضع أوامر الرب في بوتقة الفحص والتحليل.. أنما هناك أيضا العاطفة التي قد تشتهى أمورا يمنعها الرب عنها، فتقف هذه العاطفة أو هذه الشهوة ضد مشيئة الله...

ولذلك عندما يكون عقل الإنسان وعاطفته في يد الله، عندئذ تتفق مشيئة الإنسان مع مشيئة الله. وتكون طاعة الإنسان عن رضى واقتناع ومحبة لوصايا الله. وتكون طاعة الإنسان فرحة بوصايا الله وأوامره كمن وجد غنائم كثيرة كما كان يفعل داود... أما إذا تعارضت مشيئة الإنسان مع مشيئة الله، فلابد أن يكون هناك خلل في الإنسان، إما في طريقة تفكيره، وإما في شهوات قلبه.

وفي حالة تعارض المشيئتين هذه، يكون أمام الإنسان أحد طريقين للطاعة: أما أن يتضع الإنسان، ويلوم ذاته شاعرا بخطئه، محاولا أن يصلح داخله لكي يتقبل مشيئة الرب بفرح. وأما أن يغصب الإنسان نفسه على الطاعة سواء فهم إرادة الرب أم لم يفهمها، رضى بها في داخله أم لم يرضى. المهم أنه لا يخالف... وأن يقول للرب في كل أمر " لتكن مشيئتك ".

على أن يونان لم يستطع أن يقول للرب " لتكن مشيئتك ". لم يستطع أن يتواضع أمام الرب، ولم يستطع أن يغضب ذاته على الطاعة. فاضطر الرب أن يتدخل بنفسه.

الله يستخدم الكل ... من تاملات يونان النبي ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
الله يستخدم الكل
لقد عصى يونان أمر الرب، وهرب راكبا السفينة، ولكن الله الذي "يخرج من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة" " قض 14 : 14 "

الله الذي يستطيع أن يحول الشر إلى خير، أتستطاع أيضا أن يفيد من عصيان يونان...

إن كان بسبب طاعة يونان سيخلص أهل نينوى، فانه بعصيان يونان يمكن أن يخلص أهل السفينة..

في عصيان يونان نزل إلى السفينة، وكان للرب شعب في تلك السفينة. كان له أناس فيها يحبهم الرب ويبحث عن خلاصهم عن طريق عصيان يونان. آن يونان أداة في يد الرب، يكسب بطاعتها وبعصيانها.. وكأن الله يقول له : هل تظن يا يونان أنك قد هربت مني؟ كلا. أنا سأرسلك إلى ركاب السفينة، ليس كنبي، ولا كمبشر، ولا كصوت صارخ يدعو الناس إلى التوبة، وأنما كمذنب وخاطىْ وسبب إشكال وتعب للآخرين، وبهذه الصورة سأخلصهم بواسطتك.

وهكذا تكون بركة في ذهابك، وبركه في هروبك. تكون بركة وأنت مهاب كنبي أمام أهل نينوى، وبركه وأنت ملقى في البحر كمذنب أمام أهل نينوى، وبركه وأنت ملقى في البحر كمذنب أمام أهل السفينة.. بك سأنقذ مشيئتي في أية صورة كنت، حتى وآنت في بطن الحوت، لا مع أهل نينوى ولا مع أهل السفينة... وأنت وحدك في بطن الحوت سأجعلك رمزا لموتي وقيامتي، فيذكر الناس قيامتي ويتعلمون.

هل ركبت البحر في هروبك يا يونان؟ إذا فقد دخلت في دائرة مشيئتي أيضا. لأنني أملك البحر كما أملك البر. كلاهما في صنع يدي. وأمواج البحر ومياهه وحيتانه تطيعني أكثر منك كما سترى.

حقا أن الله صانع الخيرات يمكنه أن يصنع خيرا من كل شيْ. يمكنه أن يستفيد من جبن بيلاطس ومن خيانة يهوذا، فيعملان على غير قصدهما في قضية الخلاص!! كل شيْ يدخل في يد الله، لابد آن يخرج منه خير. والله "يربح على كل حال قوما " وكما قال الرسول " كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله". " رو 8 : 28 ".

لذلك يا أخي حاول أن تستفيد من كل الأحداث التي تمر بك، ومن كل الضيقات. استفد من خيانة الصديق، ومن عصيان الابن. أستفد من المرض كما من الصحة. كن مثل الله الذي يُخرِج من الجافي حلاوة....

نلاحظ أيضا في سفر يونان، أنه كما أستخدم الله من أجل تنفيذ مشيئته عصيان يونان وطاعته، كذلك أستخدم الكائنات غير العاقلة، فكانت في طاعته أكثر من النبي.

سقطات في هروب يونان +++ البابا شنودة الثالث




من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث

سقطات في هروب يونان

سنرى بعضا من ضعف يونان في موقفه من دعوة الرب. يقول الكتاب " وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي. فقام يونان ليخرج إلى تر شيش من وجه الرب".

وهنا نرى يونان النبي وقد سقط في عدة أخطاء.
وكانت السقطة الأولى له هي المخالفة والعصيان.

لم يستطع أن يطيع الرب في هذا الأمر، وهو النبي الذي ليس له عمل سوى أن يدعو الناس إلي طاعة الرب. عندما نقع في المخالفة، يجدر بنا أن نشفق على المخالفين، واضعين أمامنا قول الرسول " اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون أيضا مثلهم.." " عب 13 : 3 ". إن كان الله القدوس الذي بلا خطية وحده يشفق على الساقطين، فالأجدر بنا أن نشفق عليهم نحن الذين نسقط مثلهم. ومع ذلك فأن يونان سقط، ولكنه مع ذلك لم يشفق…!

على إن سقطة المخالفة التي وقع فيها يونان، كانت تخفى وراءها سقطة أخرى أصعب وأشد هي الكبرياء ممثلة في الاعتزاز بكلمته، وترفعه عن أن يقول كلمة وتسقط إلى الأرض ولا تنفذ..

كان اعتزازه بكلمته هو السبب الذي دفعه إلى العصيان، وحقا أن خطية يمكن أن تقود إلى خطية أخرى، في سلسلة متلاحمة الحلقات.

كان يونان يعلم أن الله رحيم ورؤوف، وأنه لابد سيعفو عن هذه المدينة إذا تابت وهنا سبب المشكلة!

وماذا يضيرك يا يونان في أن يكون الله رحيما ويعفو؟

يضيرني الشيء الكثير: سأقول للناس كلمة، وكلمتي ستنزل إلى الأرض. سأنادى بهلاك المدينة بسبب خطاياها، ثم لا تهلك المدينة، وتسقط كلمتي، وتضيع كرامتي وهيبتي. هذا الرب لا أستطيع السير معه على طول الخط. لو كان يثبت على تهديده، كنت أثبت معه! لكنى سأنادى بهلاك المدينة، فتتوب المدينة، ويعود الرب فيشفق. ولا تهلك المدينة. وتسقط كلمتي. فالأفضل أنى لا أذهب حرصا على كرامتي الشخصية، وحرصا على سمعتي، وعلى هيبة النبوة!!

إلى هذا الحد كان يونان متمركزا حول ذاته! لم يستطع أن ينكر ذاته في سبيل خلاص الناس. كانت هيبته وكرامته وكلمته، أهم عنده من خلاص مدينة بأكملها.

كان لا مانع عنده من أن يشتغل مع الرب، على شرط أن يحافظ له الرب على كرامته وعلى هيبة كلمته.

من أجل هذا هرب من وجه الرب، ولم يقبل القيام بتلك المهمة التي تهز كبرياءه.

وكان صريحا مع الرب في كشف داخليته له إذ قال له فيما بعد عندما عاتبه " أه يا رب، أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرض، لذلك بادرت إلى الهرب إلى تر شيش، لأني علمت إنك إله رؤوف ورحيم بطيْ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر " "4 :2".

وكان هرب يونان من وجه الرب يحمل في ثناياه خطية أخرى هي الجهل وعدم الأيمان...

هذا الذي يهرب من الرب، إلى أين يهرب، والرب موجود في كل مكان؟! إن الله موجود في السفينة التي ستركبها، وفي البحر الذي سيحمل السفينة، وفي ترشيش الذي تهرب إليها. فأين تريد آن تختفي من وجه الرب؟!

صدق داود النبي حينما قال للرب " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. أن أخذت جظحى الصبح وسكنت في أقاصي البحر، فهناك أيضا تهديني يدك وتمسكني يمينك "

" مز 139 : 7 –10 "

أما يونان فكان مثل جده أدم الذي ظن أن يختفي من وجه الرب وراء الشجر...

أكان يونان يظن أن الله غير موجود في السفينة أو في البحر، وأنه يمكنه أن يفلت من يده؟! أليس في هذا منتهى الجهل وعدم الأيمان بقدرة الله غير المحدودة؟! أم تراه عملا طفو ليا لجا إليه أنسان حائر لا يعرف كيف يتصرف؟! وما درى أن أمر الله سيلاحقه في كل موضع..! حقا أن الخطية تطفي في الإنسان نور المعرفة، وتنسيه حتى البديهيات!

وجد يونان في يافا سفينة ذاهبة إلى تر شيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها...

والعجيب أن الخطية كلفته مالا وجهدا. دفع أجرة للسفينة ليكمل خطيته...

أما النعمة فننالها مجانا... عجيب أن نتعب فيها يضرنا، ونبذل وننفق. لعلها كانت بركة ليونان لو أنه لم يكن يملك دراهم في ذلك الوقت نساعده على السفر والعصيان..

عندما دفع يونان أجرة السفينة خسر مزدوجة: خسر ماله، وخسر أيضا طاعته ونقاوته...

هذه فكرة عن أخطاء يونان في هروبه وعصيانه، فماذا كان موقف الله من ذلك؟

العجيب أن الله أستخدم عصيان يونان للخير. حقا آن الله يمكنه أن يستخدم كل شيْ لمجد أسمه.

مشكلة يونان ++ تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر يونان النبي +++ البابا شنودة الثالث
مشكلة يونان

في سفر يونان النبي، يريد أن يعرفنا حقيقة هامة هي إن الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبيعتنا. بل هم أشخاص " تحت الآلام مثلنا" (يع 5 : 17)، لهم ضعفاتهم، ولهم نقائصهم وعيوبهم، ومن الممكن أن يسقطوا كما نسقط. كل ما في الأمر أن نعمة الله عملت فيهم، وأعطتهم قوة ليست هي قوتهم وانما هي قوة الروح القدس العامل في ضعفهم، لكي يكون فضل القوة لله وليس لنا كما يقول الرسول (2 كو 4 : 7).

وقد كان يونان النبي من" ضعفاء العالم " الذين اختارهم الرب ليخزى بهم الأقوياء " 1 كو 1 : 27 ". كانت له عيوبه، وكانت له فضائله. وقد اختاره الرب على الرغم من عيوبه، وعمل به، وعمل فيه، وعمل معه وأقامه نبيا قديسا عظيما لا نستحق التراب الذي يدوسه بقدميه، لكي يرينا بهذا أيضا انه يمكن آن يعمل معنا ويستخدم ضعفنا. كما عمل مع يونان من قبل.

شفاء مريض بيت حسدا ++ القمص تادرس يعقوب



من تاملات انجيل يوحنا اصحاح 5 ++ القمص تادرس يعقوب
شفاء مريض بيت حسدا ...الطبيب الإلهي

"وبعد هذا كان عيد لليهود، فصعد يسوع إلى أورشليم".

يرى كثير من آباء الكنيسة والدارسين المعاصرين أن الظروف الواردة في هذا الأصحاح تكشف أنه كان عيد الفصح. هذا وقد جاء اهتمام الإنجيليون الثلاثة الآخرون بخدمة السيد المسيح في اليهودية مقتضبًا جدًا ولم يشيروا إلى أعياد الفصح التي حلت منذ عماد السيد إلى صلبه، بينما أشار القديس يوحنا إلى جميع هذه الأعياد: الأول في ٢: ١٣، والثاني هنا ٢: ١، والثالث ٦: ٤، والرابع ١٣: ١. وإن كان لم يذكر صراحة هنا أنه عيد الفصح بل "عيد لليهود".

إذ حلَّ العيد، فمع إقامة السيد المسيح في الجليل إلاَّ أنه صعد إلى أورشليم. لقد أوصى في الناموس بصعود الرجال إلى أورشليم في العيد، فلم يرد أن يستثني نفسه مادام قد قبل أن يصير ابن الإنسان الخاضع للناموس. وهو في هذا يقدم لنا نفسه مثالًا للاهتمام بالعبادة الجماعية، حتى وإن مارسها الكثيرون في شكلية بلا روح.

إن كانت الحكمة تنادي في الأماكن العامة (أم ١: ٢١) فقد صعد الحكمة إلى أورشليم حيث جاء كثير من اليهود من كل بقاع العالم وأيضا من الدخلاء، فيعلن لهم عن الحق، خاصة وأنهم جاءوا للعبادة، وقد تهيأت نفوسهم لقبول الحق والتعرف عليه.

إذ وردت كلمة "عيد" هنا بدون أداة التعريف لهذا رأى بعض الدارسين أنه لم يكن عيد الفصح بل عيد الخمسين، حيث تذكار استلام الناموس ويعتقد كل من القديسين كيرلس الكبير ويوحنا الذهبي الفم بذلك. ويعلل البعض أنه عيد الخمسين أن السيد المسيح قدم حديثه عن مفهوم السبت واتهمهم بأنهم لا يصدقون موسى وإلا كانوا قد صدقوه، لأن الناموس يشهد له.

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم علي صعود السيد المسيح إلي أورشليم قائلًا
غالبا ما كان يذهب إلى المدينة، فمن جانب لكي يظهر معهم في العيد، من جانب آخر لكي يجتذب الجمهور الذين هم بلا خبث، ففي مثل هذه الأيام يجتمع البسطاء معًا أكثر من الأوقات الأخرى.

يبدو أن السيد المسيح صعد إلى أورشليم وحده، ولم يكن معه التلاميذ، حتى يدخل كمن هو متخفي. هذا واضح من عدم معرفة المفلوج لشخصه، لأنه ما أن شفاه حتى اعتزل عن الجمع.

"وفي أورشليم عند باب الضان بركة، يُقال لها بالعبرانية بيت حسدا، لها خمسةأروقة".

يتحدث عن البركة والخمسة أروقة بكونها كانت قائمة في أثناء كتابة السفر. ويرى البعض أن البركة وأروقتها لم تُدمر بتدمير الهيكل في أورشليم والخراب الذي حلَّ بأورشليم. ويرى البعض أنه في نسخ كثيرة يُستشف من الحديث أنها لم تكن قائمة.اُكتشفتالبركة حديثًا، وهي بجوار كنيسة القديسة حنة. أظهرت الحفريات أن البركة مطوّقة بمستطيل به أربعة أروقة مع مجرى خامس عبر البركة يقسمها إلى قسمين.

"بيت حسدا" Bethesda وليست بيت صيدا Bethsaida كما جاءت في بعض النسخ. الكلمة العبرية Bethchasdah وتعني "بيت الرحمة". ربما أخذت اسمها من مراحم الله التي ظهرت بشفاء الذين ينزلون فيها.

"باب الضأن": الأرجح أن هذا الباب سُمى كذلك، لأن الكهنة كانوا يغسلون غنم الذبائح ويأتون بها إلى الهيكل.

تشير البركة إلى المعمودية حيث يتمتع المؤمنون بالولادة الجديدة والشفاء من الخطية.

تشير الأروقة الخمسة إلى الناموس الذي سُجل خلال أسفار موسى الخمسة؛ يدخل منها المرضى إلي البركة، ليدرك الداخلون أنهم مرضي وفي حاجة إلى الطبيب السماوي.

الملاك النازل من السماء يشير إلى كلمة الله المتجسد، الطبيب السماوي.

شفاء شخص واحد يشير إلى الكنيسة الواحدة التي تتمتع بالشفاء من الخطية.

تحريك الماء يشير آلام المسيح حيث ثارت الجموع عليه. كما يحمل تحريك الماء معنى أن مياه البركة تصير أشبه بمياه جارية حية، كمياه المعمودية التي يعمل الروح فيها فيولد الإنسان ميلادًا روحيًا كما أعلن السيد المسيح لنيقوديموس (يو 3). وتشير إلى عطية السيد المسيح كقول السيد للسامرية، أن من يشرب من هذا الماء لا يعطش.

كان هذا الماء هو الشعب اليهودي، والخمسة أروقة هي الناموس، لأن موسى كتب خمسة كتب. لذلك كان الماء مطوقًا بخمسة أروقة كما كان هذا الشعب مُحكمًا بالناموس. اضطراب الماء هو آلام الرب الذي حلَّ بين الشعب. الشخص الذي كان ينزل ويُشفى وهو شخص واحد، لأن هذه هي الوحدة.

الذين يرفضون آلام المسيح هم متكبرون. إنهم لا ينزلون، فلا يُشفون. إنهم يقولون: "هل أؤمن بأن الله تجسد، أن الله ولد من امرأة، وأن الله صُلب وجُلد ومات وجُرح ودُفن؟ حاشا لي أن أؤمن بأن هذه من الله، إنها لا تليق بالله. دعْ القلب يتكلم لا الرقبة. فإنه بالنسبة للمتكبرين يبدو لهم تواضع الرب إنه غير لائق به. لهذا فالتمتع بالصحة أمر بعيد عنهم. لا تتكبر، إن أردت أن تُشفى فلتنزل.

انتبهوا أيها الأحباء، فإن الناموس قد أُعطي لهذه الغاية، أن يكشف عن الأمراض لا أن ينزعها. هكذا فإن هذا القطيع المريض الذي كان يمكن أن يكون مرضى في بيوتهم في سرية عظيمة لو لم توجد هذه الأروقة الخمسة. بدخولهم الأروقة الخمسة صاروا معروفين في أعين كل البشر لكن هذه الأروقة لا تشفيهم.

إذن فالناموس نافع في كشف الخطايا، لأن ذلك الإنسان يصير بالأكثر مذنبًا جدًا بتعديه للناموس، فيمكن أن يلجم كبرياءه، ويتلمس معونة ذاك الذي يتحنن. أنصت إلى الرسول: "دخل الناموس لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية تزداد النعمة جدًا" (رو ٥: ٢٠)... وفي موضع آخر: "حيث لا ناموس ليس هناك تعدِ" (رو ٤: ١٥). يمكن أن يُدعى الإنسان خاطئًا قبل الناموس، لكن لا يمكن أن يدعى متعديًا. ولكنه إذ أخطأ تسلم بعد ذلك الناموس، فوُجد ليس فقد خاطئًا بل ومتعديًا. فإذ أضيف التعدي على الخطية لذلك "كثرت الخطية". وعندما كثرت الخطية تعلم الكبرياء البشري في النهاية أن يخضع وأن يعترف لله ويقول: "أنا ضعيف"++ القديس اغسطينوس

كان قد اقترب وقت تسليم المعمودية، وهي تحمل قوة كثيرة، وأعظم البركات. تظهر كما في صورة بواسطة البركة والظروف الأخرى الملازمة...إذ يرغب الله أن يقترب بنا إلي الإيمان بالمعمودية، فإنها ليس فقط تشفى الرجاسات بل والأمراض أيضًا ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"في هذه كان مضطجعًا جمهور كثير، من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقعون تحريك الماء".

ذكر من بين المرضى فقط ثلاث فئات، وهي العمي والعرج العسم، وهي الفئات العاجزة عن النزول إلى الماء، لذلك تجمع منهم عدد كبير حول البركة في الأروقة الخمسة.

"لأن ملاكًا كان ينزلأحيانًا في البركة، ويحرك الماء، فمن نزلأولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ منأي مرض اعتراه".

يرى البعض أن هذا الملاك لم يكن ينزل في البركة يوميًا، وإنما في مواسمٍ معينة، خاصة في الأعياد الثلاثة الكبرى. وأن هذا العمل من قبل الله ليؤكد للشعب أنهم وإن كانوا قد حُرموا من الأنبياء وعمل المعجزات فإن الله لن ينساهم، وهو مهتم بهم.

يرى البعض أن هذا الأمر بدأ بعد أن بنى رئيس الكهنة اليشاب Eliashib حائطًا نحو أورشليم وقدسه بالصلاة، فشهد الله بقبوله ذلك خلال هذا العمل المعجزي للبركة. وآخرون يرون أن ذلك بدأ بميلاد السيد المسيح، وآخرون بعماده. ويرى د. لايتفوت Dr. Lightfoot أنه جاء في يوسيفوس المؤرخ أنه في السنة السابعة من هيرودس، أي الثلاثين قبل السيد المسيح حدث زلزال عظيم. وحيث أن نزول الملائكة تصحبه أحيانًا زلازل، فربما كانت هذه هي السنة الأولى لبداية نزول ملاك على البركة. ويرى البعض أن هذا الأمر توقف بموت السيد المسيح.

بقوله "كان ينزل" Katebainen في الماضي يوضح أن هذا الأمر كان قد توقف عند كتابة السفر، بينما يتحدث عن البركة إنها كانت قائمة في أيامه.

عدم الإشارة الصريحة إليها في كتابات يوسيفوس وفيلون وغيرهما من الكتاب اليهود يشير إلى أن هذا العمل لم يبقَ إلى زمنٍ طويلٍ، أو لم يكن قائمًا أثناء كتابتهم.

الاستحمام، خاصة في مكان عام بإلقاء الشخص بسرعة في الماء غالبًا ما قد يصيبه ضررًا، لكن هنا كان المريض، أيًا كان مرضه، يبرأ إن نزل أولًا إلى الماء.

"لأن ملاكا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء"، ويهب معه قوة شفاء، حتى يتعلم اليهود أن رب الملائكة يقدر بالأكثر أن يشفي أمراض النفس.

وكما أن طبيعة المياه لم تكن تشفي هنا على بسيط ذات الشفاء، لأنها لو كانت هي الشافية لكان هذا الشفاء يحدث كل حين، لكنها كانت تشفي بفعل الملاك، هكذا الحال في تطهيرنا، ليس بفعل الماء على بسيط فعله، لكنه يقوم بتطهيرنا إذا قبل نعمة الروح، حينئذ يحل خطايانا كله ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

كان واحد فقط يُشفى إشارة إلى الوحدة، من يأتي بعد ذلك لم يكن يُشفى، لأنه لا يُشفى أحد خارج الوحدة ++ القديس اغسطينوس

"وكان هناكإنسان به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة".

قضى المريض أكثر من نصف عمره عند البركة يعاني من الفالج، ولا يقدر أن يمارس حياته اليومية. الصحة وزنة يلزمنا أن نستخدمها مادامت فيأيدينا، ونقدم ذبيحة شكر لله عليها.

ربما يتساءل البعض: لماذا لم يُشفِ كل المرضى الذين في بيت حسدا بكلمة من فمه؟ هو طبيب النفوس والأجساد، لكن ما يشغله بالأكثر الشفاء الأبدي، حيث تتمجد النفوس ومعها الأجساد. فشفاء هذا المريض، وغالبًا ما كان أكثرهم عند البركة، وقد عرفه كل الحاضرين من المرضى وأقربائهم وأصدقائهم، وربما المدينة كلها. لهذا إذ يشفيه يفتح عيون الكل لينظروا شخص المسيا، ويتمتع الكل بالإيمان لكي يتمجدوا أبديًا. شفاء هذا المريض كان ولا يزال وراء شفاء نفوس كثيرة محطمة ويائسة. فلو أن السيد شفى الجميع بكلمة لبدا في ذلك استعراضًا لعملٍ إلهيٍ معجزي، لكن ما يشغل قلب السيد المسيح هو إيمان الكل، وتمتعهم بالشفاء الروحي أولًا.

دخل موضعًا حيث يضطجع عدد ضخم من القطيع المريض من عمي وعرج وعسم، وبكونه طبيب النفوس والأجساد وقد جاء ليشفي نفوس كل الذين يؤمنون اختار من بين هذا القطيع واحدًا ليشفيه لكي يعني الوحدة... مع أنه كان قادرًا بكلمة أن يقيم الكل.

هذه البركة وتلك المياه تبدو لي أنها تشير إلى الشعب اليهودي (رؤ 17: 15)... تلك المياه، أعني الشعب، قد أُغلق عليه في أسفار موسى الخمسة، أي الخمسة أروقة. لكن هذه الأسفار تحضر المرضى ولا تشفيهم. لأن الناموس يدين الخطاة ولا يبرئهم. لذلك فإن الحرف بدون النعمة يجعل الناس مذنبين، هؤلاء الذين إذ يعترفون يخلصون.

هذا ما يقوله الرسول: "لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس" (غلا 3: 21). ويكمل قائلًا: "لكن الكتاب اغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون" (غلا 3: 22). أي شهادة أكثر من هذه؟ أليست هذه الكلمات قد شرحت الخمسة أروقة وجمهور قطيع المرضى؟

في رقم ٤٠ إشارة إلى إتمام البرّ، حيث نعيش هنا في جهاد وتعب وضبط للنفس وأصوام وضيقات. هذا هو ممارسة البرّ، وهو أن تحتمل وأن تصوم عن هذا العالم لا عن طعام الجسم، الأمر الذي نفعله لكن نادرًا، أما الصوم عن محبة العالم فيلزم أن نمارسه دومًا. إذن ينفذ الناموس من يمتنع عن هذا العالم. إذ لا يستطيع أن يحب ما هو أبدي ما لم يكف عن محبة ما هو زمني.. لتهتم بمحبة الإنسان ولتحسبها كما لو كانت يد النفس. متى أمسكت بشيء لا تقدر أن تمسك بشيء آخر. ولكي ما تقدر أن تمسك بما يُعطى لها يلزمها أن تترك ما تمسك به فعلًا.

كمال البرّ (حسب الناموس) يظهر بالعدد ٤٠. ما هو الذي يكمل الرقم ٤٠؟ أن يضبط الإنسان نفسه عن محبة هذا العالم. يضبطها عن الأمور الزمنية حتى لا تحب لأجل تدميرنا... لهذا السبب فإن الرب صام أربعين يومًا وموسى وإيليا. الذي أعطى خادميه السلطان أن يصوما ٤٠ يومًا ألم يكن قادرًا أن يصوم ٨٠ يومًا أو مائة يوم؟ إذن لماذا لم يرد أن يصوم أكثر مما أعطى خادميه أن يفعلا إلاَّ لأنه في هذا العدد ٤٠ سرّ الصوم والزهد في العالم...؟ ماذا يقول الرسول: "قد صُلب العالم، وأنا للعالم" (غلا ٦: ١٤). لقد أكمل إذن رقم ٤٠.

لماذا في رقم ٤٠ كمال البرّ؟

قيل في المزامير: "يا الله أرنم لك ترنيمة جديدة على قيثارة ذات عشر أوتار أرنم لك" (مز ١٤٤: ٩)، والتي تشير إلى الوصايا العشرة التي للناموس، التي جاء الرب لا لينقضها بل ليكملها. والناموس نفسه خلال العالم كله واضح أن له أربع جهات شرق وغرب وجنوب وشمال، كما يقول الكتاب... لذلك فرقم ٤٠ هو الزهد عن العالم، هو تنفيذ الناموس. الآن فإن المحبة هي تكميل الناموس (رو ١٣: ١٠؛ غلا ٥: ١٤). لكن وصية المحبة مزدوجة: "حب الرب إلهك من كل قلبك... والأخرى مثلها حب قريبك كنفسك" فمن لديه تقصير في الاثنين يكون له عجز الرقم ٣٨.

رقم 40 يجذب انتباهنا كرقمٍ مقدس بنوع من الكمال. ما افترضه هو معروف لكم تمامًا أيها الأحباء. فكثيرًا ما يشهد الكتاب المقدس لهذه الحقيقة. يتكرس الصوم بهذا الرقم كما تعرفون حسنًا. موسى صام أربعين يومًا، وإيليا وكثيرون، وربنا ومخلصنا يسوع المسيح نفسه تمم هذا الرقم في الصوم .
موسى يعني الناموس، وإيليا الأنبياء، والرب الإنجيل. ولهذا السبب ظهر الثلاثة على ذلك الجبل حيث أظهر (الرب) ذاته لتلاميذه في بهاء ملامحه وثيابه، فقد ظهر في الوسط بين موسى وإيليا، إذ شهد الناموس والأنبياء للإنجيل.

صبر هذا المخلع مذهل، لأنه ظل ثمان وثلاثين سنة منتظرًا كل سنة أن يتخلص من مرضه، فثبت وما برح عن ذلك الموضع. انظر هذا الرجل الذي ظل مخلعًا منذ ثمان وثلاثين سنة وهو يبصر في كل سنة أناسًا آخرين معافين من مرضهم ويرى ذاته مربوطًا بمرضه ولم ييأس. ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

ماذا يعلن الملاك في هذا الرمز إلا نزول الروح القدس الذي يجتاز في أيامنا ويقدس المياه عندما يُستدعى بصلوات الكاهن؟ هذا الملاك كان سفير الروح القدس، حيث أنه بنعمة الروح يعمل الدواء في ضعفات النفس والعقل. هكذا للروح أيضًا ذات الخدام كما للَّه الآب والمسيح. إنه يملأ الكل، كل الأشياء، يعمل الكل في الكل بنفس الطريقة مثل اللَّه الآب والابن العاملين ++ القديس أمبروسيوس

يرىBede أن رقم 38 هو محصلة رقم 40 ناقص 2. فإن كان رقم 40 يشير إلى كمال الفضائل وهي محصلة ضرب 10× 4 أي تكميل الناموس (10) والأناجيل الأربعة (4)، فإن غياب الرقمين الخاصين بوصيتي الحب لله والقريب يظهر الإنسان في حقيقة كشخصٍ مريض طال زمان مرضه. إنهم يقدرون أن يقَّوموا من رذائلهم خلال عطية الروح القدس عندما يهز بلادتهم، ليسرعوا فيحملوا حمل الحب الأخوي لكي يروا خالقهم.

"هذا رآه يسوع مضطجعًا، وعلم أن له زمانًا كثيرًا، فقال له:أتريد أن تبرا؟"

إذ جاء السيد المسيح إلى أورشليم لم يزر قصور الأغنياء بل المستشفيات، ليقدم حبًا وحنوًا نحو المرضى. فقد جاء إلى العالم من أجل المحتاجين والمرضي. ولعل السيد ركز عينيه على ذلك المريض، لأنه كان أقدمهم، عانى أكثر من غيره من المرض والحرمان، إذ يجد السيد مسرته في العمل لحساب الذين بلا رجاء ولا معين.

"أتريد أن تبرا؟"بهذا السؤال أراد أن يثير فيه الإيمان والرجاء والرغبة الشديدة نحو الشفاء. يوجه السيد المسيح هذا السؤال نحو كل نفسٍ لعلها تشتاق إلى شفائها خلال طبيب النفوس السماوي.

لم يسأل المسيح للمخلع أتريد أن أشفيك؟ لأنه لم يكن بعد قد تصور في المسيح تصورًا عظيمًا، لكنه قال له: "أتريد أن تبرأ؟"

سأله لا لكي يعرف (أنه يريد الشفاء) فإنه لم يكن السيد محتاجًا إلى ذلك، وإنما أراد إبراز مثابرة الرجل، وأنه بسبب هذا ترك الآخرين وجاء إليه.

مثابرة المفلوج مذهلة، له ثمانية وثلاثين عامًا وهو يرجو في كل عام أن يشفي من مرضه. لقد استمر راقدًا ولم ينسحب من البركة...

لنخجل أيها الأحباء، لنخجل ونتنهد على شدة تراخينا.

ثمانية وثلاثون عامًا وهو ينتظر دون أن ينال ما يترجاه ومع هذا لم ينسحب. لم يفشل بسبب إهمال من جانبه، وإنما خلال ضغط الآخرين وعنفهم ومتاعبهم. هذا كله لم يجعله متبلدًا. بينما نحن إن ثابرنا في الصلاة لمدة عشرة أيام من أجل أمر ما ولم ننله تهبط غيرتنا ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"أجابه المريض:
يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ، ينزل قدام يآخر".

في حديثه عن المفلوجين (مت 9: 2) اللذين شفاهما السيد المسيح يبرز القديس يوحنا الذهبي الفم وداعة هذا المفلوج، فإنه إذ يلقي إنسان علي فراشه كل هذه السنوات غالبًا ما يكون ثائرا، يعاني من متاعب نفسية وعصبية. ومع هذا فإنه سمع سؤال السيد المسيح لم يثر قائلا: "ألا تراني هنا أترقب نزول الملاك ليحرك الماء، فكيف تسألني إن كنت أريد أن أبرأ؟ " لكن في وداعة عجيبة أجاب السيد المسيح.

اشتكى المريض من عدم وجود أصدقاء يساعدونه، فإنه حتى الذين نالوا الشفاء اعتادوا بشفائهم ولقائهم مع أقربائهم وأصدقائهم، ولم يوجد واحد من بينهم يهتم بهذا المسكين. كما اشتكى من عجزه في منافسة الآخرين لكي يلقي بنفسه أولًا في البركة إذ كانوا كثيرون يسبقونه.

قديمًا إذ تحولت الأنظار إلي البشر عوض النظر إلي المسيا كطبيب ودواء للشفاء قيل: "أليس بلسان في جلعاد؟ أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟" (إر 8: 22). هذه هي شكوى المفلوج إذ لم يجد من يشفيه ولا من يهبه الدواء. الآن هوذا البلسان نفسه، والطبيب بعينه واقف أمامه يهبه ذاته سرّ شفاء.

كان المفلوج يبحث عن إنسانٍ يلقيه في البركة عند نزول الملاك، فينال الشفاء. وها هو الآب نفسه يطلب إنسانًا ينزل إلي العالم يقدر أن يعمل بالعدل وطلب الحق ليغفر للعالم خطاياه فلم يوجد سوى كلمته المتجسد. يقول الرب: "طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب بالحق فأصفح عنها" (إر 5: 1). كما قال: "فرأى أنه ليس إنسان، وتحير من أنه ليس شفيع" (إش 59: 16).

اسمع كلام هذا المخلع واعرف جسامة حزنه، فمن يكون أحق بالرثاء من الناطق بهذه الأقوال؟ أرأيت قلبًا مطحونًا بسبب مرض طويل؟ أعرفت كيف يلهبه منقبضًا؟ لأنه لم ينطق بتجديف نظير ما يقوله أكثر الناس في مصائبهم، ولا لعن يومه ولا استصعب السؤال، ولا قال للمسيح إنك جئت بي مستهزأ إذ تسألني أتريد أن تبرأ؟ لكنه قال بوداعة كثيرة: "يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة" على الرغم من أنه لم يعرف من هو سائله ولا شعر أنه اعتزم أن يشفيه، لكنه وصف أحواله كلها بدعةٍ وما طلب شيئًا أكثر، فكان حاله حال من يخاطب طبيبه مريدًا أن يصف له مرضه فقط.

الآن ليس ملاك يحرك الماء، بل رب الملائكة يعمل كل شيء. لا يقدر المريض أن يقول:"ليس لي إنسان"، لا يستطيع القول: "بينما أنا آت ينزل قدامي آخر"، فمع أنه يلزم أن يأتي إلى العالم كله، غير أن النعمة لا تستهلك، والقوى لا تبطل، بل تبقي عظيمة كما كانت. وكما أن أشعة الشمس تعطي ضوء كل يوم مع هذا لا تُستنزف، ولا يقل الضوء بما يقدمه من فيض، هكذا بالأكثر قوة الروح لن تقل بأية طريقة خلال تمتع الكثيرين بها ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

لكن من الذي يشفي المرضى؟ ذاك الذي ينزل في البركة. ومتى ينزل المريض في البركة؟ عندما يعطي الملاك العلامة بتحريك الماء. فإنه هكذا كانت تلك البركة تتقدس، حيث ينزل الملاك ويحرك الماء. كان الناس يرون الماء يتحرك، ومن حركة المياه المضطربة يدركون حضور الملاك. فإذا ما نزل أحد عندئذ يُشفى. لماذا إذن لم يُشف هذا المريض؟ لنعطي اعتبارًا لكلماته نفسها، يقول: "ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أناآتٍ ينزل قدامي آخر".
ألم تستطع بعد ذلك أن تنزل إن نزل قدامك آخر؟ هنا يظهر لنا أنه واحد فقط يُشفى عند تحرك الماء. من ينزل أولًا هو وحده يُشفى. ++ القديس أغسطينوس

"قال له يسوع:
قم إحمل سريرك وامشِ".

قدم له السيد الشفاء بطريقة لم تخطر على فكره، وهي ليس بإلقائه في البركة متى تحرك الماء، وإنما بكلمة تصدر من فمه الإلهي. أمر بسلطان فشُفي المريض.

اعتاد السيد أن يترك علامات بعد المعجزة لكي يتذكر شعبه أعمال محبته، فعندما أشبع الجموع أمر بجمع الكسر. وعندما حوَّل الماء خمرًا طلب من الخدام أن يقدموا للمتكئين. وعندما شفى البرص أمرهم أن يذهبوا إلى الكهنة ليشهدوا بشفائهم. هنا يطلب من المريض أن يحمل السرير الذي حمله أثناء مرضه.

طلب منه حمل السرير ليطمئن أن شفاؤه كامل، وأنه لم ينل القوة الجسدية تدريجيًا بل بكلمة الله وأمره فورًا.إنها صرخة المخلص علي الصليب وهو يتطلع إلي الكنيسة كلها عبر الأجيال منذ آدم إلي آخر، لكي تقوم وتتحرك وتدخل إلي حضن الآب، بيتها السماوي. يطالبها بحمل سريرها الذي هو شركة الصلب معه، لا كثقل علي ظهرها، بل كعرشٍ يحملها، ومجدٍ ينسكب عليها. رأي إشعياء النبي هذا المنظر المبدع بكونه قصة الفداء المفرحة فترنم قائلا: "قومي استنيري، لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك" (إش 60: 1) لم تعد البشرية المؤمنة مطروحة الجسد تحت سطوة الخطية المحطم، بل تمتعت بقوة الروح لتحمل مع عريسها المصلوب صليبه سرّ قوة للخلاص، وتمتع ببهاء المخلص عليها.

ارتبطت قصة شفاء هذا المفلوج بالمعمودية في ذهن الكنيسة الأولي، فوردت في بعض ليتورجيات المعمودية القديمة، كما صورت في بعض سراديب روما للكشف عن إمكانية المعمودية. تصور الرجل المفلوج العاجز عن السير، وقد قام حاملًا سريره علي ظهره في حركة مملوءة حيوية ونشاطًا. صورة رائعة عن عمل المعمودية التي تقيم المؤمن من مرضه المستعصي ليشهد للحياة الجديدة التي صارت له في المسيح يسوع القائم من الأموات!

"يسوع" تعني"مخلص"، أما في اليونانية فتعني"الشافي"، إذ هو طبيب الأنفس والأجساد، شافي الأرواح، فتح عيني المولود أعمى، وقاد الأذهان إلى النور. يشفي العرج المنظورين، ويقود الخطاة في طريق التوبة، يقول للمفلوج:"لا تخطئ"، وأيضًا:"احمل سريرك وامشِ"، لأن الجسد كان مفلوجًا بسبب خطية النفس. خدم النفس أولًا حتى يمتد بالشفاء إلى الجسد.

لذلكإن كان أحدكم متألم في نفسه من خطاياه، فإنك تجده طبيبًا لك. وإن كان أحدكم قليل الإيمان فليقل له: "أعن عدم إيماني" (مر 24:9).

وإن أصاب أحدكم آلامًا جسدية، فلا يكن غير مؤمنٍ، بل يقترب فإن يسوع يعالج مثل هذه الأمراض، وليعلم أن يسوع هو المسيح. ++ القديس كيرلس الأورشليمي

"احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح" (غلا 6: 2). الآن ناموس المسيح هو المحبة، والمحبة لن تتحقق ما لم نحمل أثقال الغير. يقول: "وبطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أف 4: 2).

حين كنت ضعيفًا حملك قريبك، الآن أنت صحيح، احتمل أنت قريبك. هكذا تملأ يا إنسان ما كان ناقصًا بالنسبة لك. "إذن احمل سريرك". وحين تحمله لا تقف في الوضع بل "امشِ". بحبك لقريبك، وبحملك قريبك، تتمم مشيك. إلى أين تسير في طريقك إلى الرب الإله، الذي يلزمنا أن نحبه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر. لتحمله، عندئذ إذ تسير تذهب إلى ذاك الذي ترغب أن تمكث معه. لذلك "احمل سريرك وأمشِ" ++ القديس اغسطينوس

"فحالاً برئ الإنسان، وحمل سريره ومشى، وكان في ذلك اليوم سبت".

لماذا أمر السيد هذا الشخص أن يحمل سريره في يوم السبت وقد منع الناموس هذه الأعمال، خاصة حمل الأمور الثقيلة (خر ٢٠: ٨؛ إر ١٧: ٢١؛ نح ١٣: ١٥)؟

1. ربما كان هذا الشخص فقيرًا، لو ترك سريره يفقده، ولم يكن ممكنًا أن يبقى حتى الصباح حارسًا للسرير.

2. أظهر السيد أن اليهود قد أساءوا فهم السبت، فمارسوه بطريقة حرفية بلا فهم روحي سليم، خاصة لمجد الله ونفع الإنسان.

3. ليؤكد للحاضرين أنه رب السبت (مت ١٢: ٨)، كل الأيام هي له دون تمييز بين سبت وغير سبت، فيها يعمل عمل الآب بلا انقطاع.

4. بحمله السرير في وسط العاصمة الدينية ووسط الجمهور القادم للعيد يشد أنظار الشعب لبحث الأمر، والتعرف على محبة المسيح لشعبه، واهتمامه بسلامتهم الروحية والجسدية أكثر من التنفيذ الحرفي للناموس.

5. في هذا الأمر اختبار لمدى طاعة المريض لذاك الذي يشفيه، وإيمانه به.

6. لكي يحمل صورة عملية حيَّة عن الكنيسة في العصر المسيحاني. فقد تطلع الأنبياء إلي الكنيسة في العهد الجديد وترنموا قائلين: "الرب يقوم المنحنين" (مز 146: 8)، "خلص يا رب شعبك... بينهم الأعمى والأعرج" (إر 31: 7). صارت كل أيامها سبت (راحة) لا ينقطع، وعيد مفرح مستمر.

انظر إلى إيمان هذا المخلع أنه لما سمع من المسيح "قم إحمل سريرك وامشِ"لم يضحك، لكنه نهض وصار معافى، ولم يخالف ما أشار به عليه، وحمل سريره ومشى.++ القديس يوحنا الذهبي الفم

امثال سليمان +++ اصحاح 28 : ايه 1





امثال سليمان +++ اصحاح 28 : ايه 1

"الشرير يهرب ولا طارد أما الصديقون فكشبل ثبيت."

الخطية تجعل الخاطئ في رعب دائم وجبن (قايين كمثال). فمن جعل الله عدوه يتصور أن الخليقة كلها في حرب معه (تث25:28 + لا36:26). والعكس فأولاد الله لا يخافون إذ هم واثقين في حماية الله (الشهداء لم يخافوا حتى الموت) "إن قام عليَّ جيش ففي هذا أنا أطمئن". الشبل = الشبل يلقى كل همه على أبوه الأسد الذي يعوله ويحميه، وهكذا أولاد الله يعتمدون على أبيهم السماوي فلا يخافون بل هم في ثبات مطمئنين وفى شجاعة = ثبيت. +++ القس انطونيوس فكري

اسد زائر امثال سليمان +++ اصحاح 28 : الآيات (15، 16)



امثال سليمان +++ اصحاح 28 : الآيات (15، 16)

"أسد زائر ودب ثائر المتسلط الشرير على شعب فقير. رئيس ناقص الفهم وكثير المظالم مبغض الرشوة تطول أيامه."

مثال لهذا أخاب مع نابوت، فالحاكم الشرير يظلم ويرتشي ويعوج القضاء ويغتصب الأبرياء، وهذه مواصفات إبليس تمامًا.

وهو يفعل هذا فيمن يملكه على نفسه فهو قتال للناس منذ البدء.ومثل هذا يشعر شعبه بأن مدة تسلطه طويلة جدا ++ القس انطونيوس فكري

مضيت وحدي بالطريق




مضيت وحدي في الطريق ابحث ليل نهار عن صديق بل كنت مع كل صباح اراقب من يمنح الحب الحقيق .... قد وجدته .. قد وجدته ... قد وجدت ذاك الرفيق فصرخت اليه يا سيدي قال لي بصوت رقيق ...اقبل الي اسرع الي امكث معي تحي في سلام الى مدى الا
يام

مذكرات في تاريخ الكنيسة المسيحية +++ القمص ميخائيل جريس ميخائيل



مذكرات في تاريخ الكنيسة المسيحية +++ القمص ميخائيل جريس ميخائيل

القرن الأول ... العصر الذي ولد فيه السيد المسيح

الحكام: 1- أغسطس قيصر

Augusts Caesar هو أول من انشأ النظام الإمبراطوري في روما، وكان أول إمبراطور للدولة الرومانية، وقد اشتهر بعد ذلك باسم اغسطس، ثم اصبح اسمه أغسطس قيصر. وكان أغسطس في الثامنة عشرة من عمره حين ورث سلطان قيصر، وكان نحيف الجسم، سقيم البنية، غير منسق التقاطيع، يشكو من أمراض عديدة، ويتعثر في مشيته بسبب داء في ساقيه. ومع ذلك كان يطلق العنان لشهواته، غائصًا في التهتك والمجون، ويرتكب أبشع الأعمال وأفظع الجرائم في فظاظة بشعة وغلظة لا رحمة فيها ولا وخز ضمير، فكان مثالًا صادقًا وصارخًا للحاكم الروماني، وقد اتصف بكل ما اشتهر به الطغاة الجبابرة في كل عصور التاريخ، فأمكنه بذلك أن يقبض على زمام إمبراطوريته المترامية الأطراف بيد من حديد، وظل زهاء نصف قرن من الزمان هو الحاكم بأمره في العالم كله وقد عاد أغسطس إلى روما عقب انتصاره على انطونيوس في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، واستيلائه على مصر، فاستقبله الرومان استقبالا منقطع النظر، وقد بهرهم بانتصاريه العظيمة وغنائمه الضخمة التي جاء بها من مصر، وأغدقها على العامة والجنود فلم يسع مجلس الشيوخ إلا الرضوخ له والتخلى عن كل سلطاته إليه، فأصبحت في يديه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية مجتمعة.

وفي عام 27ق. م. أسبغ عليه مجلس الشيوخ لقبا كان قاصرا من قبل على الآلهة، وهو لقب " أغسطس " وإذ كان اسم قيصر قد أصبح لقبا للأباطرة، أضيف إلى لقبه الأول فأصبح يسمي (أغسطس قيصر). وبالرغم من أنه كان يسمي نفسه (زعيمًا) فحسب، فقد أصبح ملكًا بالفعل وإن لم يسبغ على نفسه هذه الصفة، بل أصبح ملك الملوك، بوصفه إمبراطور الدولة الرومانية. ثم لم يلبث مجلس الشيوخ أن أعتبره إلهًا وأضاف اسمه إلى أسماء الآلهة الرسميين لروما، وأصبح يوم ميلاده يومًا مقدسًا تقام فيه الطقوس لعبادته والتوجه إليه بالصلوات والترانيم. وقد بلغ من إيمان بعض الرومان به أنهم وهبوا حياتهم له فقطعوا على أنفسهم عهدًا بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. ويقول سونونوس "إن الناس جميعًا على اختلاف طوائفهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا والقرابين في عيد رأس السنة".

ثم سرعان ما امتدت عبادة أغسطس من روما إلى غيرها من الولايات الرومانية وقد اتخذت بعض ولايات آسيا عبادته ديانة رسمية لها وعينت لخدمة مذبحة طائفة جديدة من الكهنة اسمهم الأغسطيون. بل لقد زعم البعض أنه هو المسيح ابن الله المُنتظر. وهكذا أصبح ذلك الفاسق الزاني، والآثم الظالم، عند الرومان وأتباع الرومان، إلهًا ابن إله، وأصبح في زعمهم هو الذي ينتظره العالم كي يخلص البشر.

وقد ظلت الدولة الرومانية في عهد أغسطس دولة رأسمالية يسيطر عليها كبار الأغنياء من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان وكان الإمبراطور هو الرأسمالي الأول في الدولة فكان أغنى أغنيائها وقد أعتبر أموال الدولة كلها أمواله، فاختلطت خزانة الدولة بخزانته الخاصة، واصبح يتصرف في موارد الدولة بنفس الطريقة التي يتصرف بها في موارده الشخصية، وقد ترك هذه وتلك في أيدي عبيده الخصوصيين بغير حسيب ورقيب، ومن ثم سيطر عبيده على كل شئون الدولة، وأصبح بأيديهم الأمر والنهي في طول البلاد وعرضها. وكان أغنى الناس في روما بعد الإمبراطور هم أقاربه، وأصدقائه الذين تربطه بهم أوثق الصلات، إذ كان الإمبراطور هو الوسيلة السحرية إلى الثروة التي لا حدود لها. أما سخطه فكان وسيلة الخراب والهلاك.

وقد تزايد الأثرياء في روما في عهد اغسطس فتزايد الفساد وأشتد انحطاط أخلاق الرجال وانحلال النساء، واضمحلال الروابط بين الزوج وزوجته والوالد وولده، فأنطلق كل منهم في سبيل، واطلق كل منهم العنان لشهواته لا يردعه رادع ولا يدفعه دافع من عقل ومن ضمير. وقد زهد أغلب الرجال والنساء على السواء في رباط الزوجية فأصبحت العلاقات غير الشرعية هي السائدة، واصبح الزنا هو القاعدة، كما زهد الجميع في إنجاب الأبناء، فأصبحوا يمنعون الحمل ويجهضون الحوامل ويقتلون الأطفال بعد ولادتهم.

وقد تفاقم هذا كله حتى أصبح يهدد الرومان بالاندثار وأصبح يهدد الدولة الرومانية بالانهيار، ومن ثم سارع أغسطس قيصر إلى إصدار سلسة من التشريعات محاولًا أن يوقف هذا الطوفان قبل فوات الأوان، فمنع الزنى بقانون، وأعطى الحق للأب في أن يقتل أبنته الزانية مع شريكها، كما اعطي الحق للزوج في أن يقتل زوجته الزانية مع شريكها كذلك، وأوجب على زوج الزانية أن يبلغ عنها وإلا تعرض للعقاب.

أما زوجة الزاني فلا يحق لها أن تبلغ عنه لأن القانون يبيح له الاتصال بالعاهرات. وقد أصبح الزواج مفروضًا بحكم القانون على كل الصالحين له من الرجال والنساء، وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة، منها الحرمان من الميراث، والحرمان من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة، بيد أن هذه القوانين قد أغضبت الرومان جميعًا بغير استثناء، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن الذي أقترحها هو (مانساس) الذي كان مضرب الأمثال في الفجور والفحشاء، وكانت زوجته عشيقة أغسطس نفسه من أكثر الرومان عهرًا وعارًا، وكانت الفضائح التي تحدث في بيته تزكم أنوف القريبين والبعيدين في كل أنحاء الإمبراطورية، وكانت له أبنه وحيده تدعى جوليا ملأت روما بأخبار زناها وخيانتها لأزواجها المتعاقبين وانتقالها من عشيق لعشيق وعربدتها التى كانت تملأ السوق العامة صخبًا وضجيجًا طول الليل. ولذلك سخر الرومان من أغسطس قائلين: كيف يريد بقوانينه أن يصلح أخلاق الدولة كلها، بينما هو عاجز عن إصلاح الأخلاق في بيته.

ومن ثم أضطر أغسطس أن يبعد أبنته جوليا عن روما. ولكن جوليا كان لها ابنه لم تلبث أن بدأت تسلك مسلك أمها وتثير الفضائح كذلك فأضطر كذلك أغسطس أن يبعدها عن روما هي الأخرى. وهكذا فشلت قوانين أغسطس وقد فشل في إصلاح أخلاق بيته وأخلاق دولته، لأنه هو نفسه – ككل الرومان – كان فاسد الأخلاق، وكانت الفضيلة والرذيلة عنده سواء.

وحين انتصر اغسطس على انطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد ، أصبح الطريق مفتوحًا أمامه للاستيلاء على مصر والقضاء على البطالمة، الذين كان قد زعزع كيانهم وضعضع قوتهم تطاحنهم فيما بينهم وثورة الشعب المصري عليهم، فضلًا عن انحرافهم وانصرافهم إلى حياة التهتك والخلاعة والمجون، ولا سيما كيلوباترا التي جعلت عرشها عش غرام لها، وجعلت من انوثتها وسيلة لتحقيق مطامعها، فسقطت في هوة عارها، وسقطت مصر معها بين براثن الرومان، فأستولي أغسطس عليها دون مقاومة في أول أغسطس عام 30 قبل الميلاد، وأصبحت ولاية رومانية منذ ذلك التاريخ، ولكنها ولاية ذات مركز خاص نظرًا لأهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية، وموقعها الممتاز وصلابة اهلها الذين لم يستسلموا أبدأ للغاصبين ويستكينوا للغزاة وأنما كانوا على الدوام – رغم وداعتهم – حربًا على الغاصبين وكانت بلادهم مقبرة للغزاة. ولذلك جعلها أغسطس تحت إشرافه المباشر، بل أعتبرها ملكًا خاصًا له، فأبعد عنها كل نفوذ مجلس الشيوخ، بل لقد منع أعضاء ذلك المجلس من زيارتها إلا بعد استئذانه.

وقد ظل المبدأ مراعيًا حتى بعد موت أغسطس، فقد حدث أن أرسل الإمبراطور طيباريوس ولي عهده جرمانيكوس إلى الشرق لتنظيم بعض ولاياته فلما سمع أنه أنتهز الفرصة وزار مصر عنفه تعنيفًا شديدًا لأنه فعل ذلك دون استئذانه. وبذلك ضمن الإمبراطور سيطرته الكاملة على مصر، وحال دون تطلع أي حاكم روماني إلى الاستقلال بحكمها كما سبق أن أستقل بطليموس بحكمها عن عرش مقدونيا. وقد عين أغسطس نائبًا عنه في مصر من مصر ووارث عرش الفراعنة. وقد امر برسم صورته على الآثار مقرونة بالألقاب الإلهية التي كانت مألوفة في الولايات الرومانية كلها، وعقد لواء قيادتها لحاكم مصر الذي كان مسئولًا أمامه عن كل الشئون العسكرية والإدارية والمالية والقضائية في البلاد، وكان أول حاكم عينه أغسطس لمصر هو كورنيليوس جاللوس.

ولم يكتف أغسطس بالقوة وحدها للسيطرة على سكان مصر، وإنما لجأ كذلك إلى السياسة والدهاء، فطبق المبدأ الخبيث الذي طالما طبقة الغزاة والمستعمرون في كل العصور، وهو مبدأ (فرق تسد) وإذ كان سكان مصر يتألفون من المصريين ومن عدد كبير من اليونان واليهود. ولما كان أغسطس قد أصبح معدودًا ضمن الآلهة في روما وأصبح يتعين على الرومان وسكان الولايات عبادته مع آلهتهم فقد أقام تماثيله في مصر ليعبدها المصريون.

وهكذا ظل أولئك البائسون عبيدًا لكل حاكم يحكمهم وعابدين لكل زاعم أنه إله. وفي عهد أغسطس ولد يسوع المسيح في بيت لحم، وهي إحدى مدن اليهودية بفلسطين، وإذ كانت أمه مريم العذراء من مدينة الناصرة إحدى مدن الجليل، وقد ذهبت مع خطيبها يوسف للاكتتاب فجاءها المخاض وولدت أبنها هناك.

وقد جاء في الكتاب المقدس أنه (في تلك الأيام صدر امر أغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جري إذ كان كيرينيوس والي سورية، فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد في مدينته، فصعد يوسف أيضًا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعي بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت أبنها البكر) " لوقا 2: 1 – 7 ". وحين علم هيرودس ملك اليهودية بميلاد يسوع من بعض المجوس الذين قالوا له إن هذا الطفل سيكون ملكًا لليهود، تملكه الذعر، وأمر بقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من سنتين فما دون عسى أن يقتل يسوع من بينهم. وحينئذ أخذ يوسف الطفل وأمه وهرب إلي مصر عن طريق صحراء سيناء.

حدود أرض الميعاد ++ القمص تادرس يعقوب



تامل من سفر العدد 34 ++ القمص تادرس يعقوب

حدود أرض الميعاد

1. حدود أرض الموعد:

أ. لم يترك الشعب يحدد كيفما شاء بل حدد تخومها من كل الاتجاهات، فهي في نظر الله لها أهميتها الكبرى إذ تمثل "ظلّ الخيرات السماويّة"، ورمز أورشليم العُليا. هذه الأرض متسعة جدًا لم يملكها الشعب إلاَّ في عهدي داود النبي وسليمان الحكيم (2 أي 9: 26).

ب. إن سرّ عظمة الأرض لا في اتساع حدودها ولا في سلطان ملوكها لكن في كونها مركز العبادة الإلهيّة زمانًا حتى يخرج القضيب الذي من أصل يسَّى ويملك على قلوب البشريّة. يقول المرتل "الله معروف في يهوذا، اسمه عظيم في إسرائيل، كانت في ساليم مظلته، ومسكنه في صهيون" (مز 76: 1).

ج. وجود حدود للأرض إنما يشير إلى وضع شروط معينة للداخلين إلى أورشليم العُليا، فهي وإن كانت متسعة يمكن أن تضم كل البشريّة لكنه لا يدخل فيها شيء دنس أو نجس (رؤ 21: 27). إنها كنيسة مجيدة لا دنس فيها (أف 25: 7). لهذا كانت الوصيّة مشددة للغاية "لا تدنسوا الأرض التي أنتم فيها... ولا تنجسوا الأرض التي أنتم مقيمون فيها التي أنا ساكن في وسطها. إني أنا الرب ساكن في وسط بني إسرائيل" (عد 35: 33-34). وفي سفر إرميا يوبخهم الرب قائلًا: "لأنهم دنسوا أرضي" (16: 18). هذه هي الحدود، إنها أرضه ومسكنه، من يدخل بدنس إليها يقتحم مملكة الله وأرضه!

د. وضع لهم حدودًا وتحصينات طبيعيّة، البحر الكبير (الأبيض المتوسط) في الغرب، وبحر الملح أي البحر الميت من نحو الشرق... الخ، وبريّة صين من الجنوب... الخ.

2. الوارثون لها:

لقد حدّد الوارثين لها وهم التسعة أسباط والنصف الآخر لسبط مَنَسَّى، أما سبط رأوبين وجاد ونصف سبط مَنَسَّى فلا يرثون فيها شيئًا، إذ يقول عنهم: "لأنه قد أخذ... قد أخذوا نصيبهم... قد أخذوا نصيبهم في عبر الأردن شرقًا". إنه يكرر اختيارهم الأرض التي يريدونها بأنفسهم ثلاث مرات، اختاروا لأنفسهم فلا يتمتعون بما اختاره الرب لشعبه. حين يعيّن لنفسه بإرادته الذاتيّة يُحرم من بركات العطايا الإلهيّة.

3. هيئة التقسيم:

حدَّد الرب هيئة التقسيم بالأسماء: رئيس الكهنة ألِعازار، يشوع بن نون القائد الأعظم، ورئيس عن كل سبط من الأسباط الوارثة للأرض حدَّدهم بأسمائهم. وكان لابد أن يكون في مقدمتهم كالب بن يفنة الذي جاء مع يشوع حاملًا عنقود العنب إلى الجيل السابق منذ سنوات طويلة! الأرض ليست غريبة عنه فقد دخلها قبلًا وذاق ثمرها وشهد لها مقدمًا عربونًا لثمارها.

هذا هو عمل الإنسان المسيحي أن يدخل الملكوت ويعيشه ويتمتع بثمره مقدمًا عربونًا لإخوته... حتى متى جاء يوم الرب العظيم يتلألأ اسمه ككوكب منير، ويدخل حضن الله بدالة لأنه متمتع به قبلًا، وليس بغريب عنه.

قلنا أن يشوع رمز ليسوع المسيح القائد الأعظم لدخول الملكوت الأبدي، وألِعازار تعني "الله أعان" أعاننا بابنه الوحيد الذي نزل إلينا وحملنا فيه لننعم بملكوته. أما كالب فمشتقة من "قلب" وتشير إلى إخلاص القلب وغيرته في التمتع بالميراث الأبدي. وهكذا بقية أسماء الرؤساء تحمل معنى وتكشف عن سمات الذين ينعمون بالميراث ويسندون إخوتهم في التمتع به:

"شَموئيل" يعني "الله قد سمع"،

"ألْداد" يعني "من يحبه إلهي"،

"بُقِّي" يعني "من يختبره الرب"،

"حَنّيئيل" يعني "الله حنان"،

"قَموئيل" يعني "مجمع الله"،

"أليصافان" يعني "إلهي أخفى"،

"فَلطيئيل" يعني "الله قد نجى"،

"أخيهود" يعني "أخي عظيم"،

"فَدَهئيل" يعني "الله افتدى"،

في اختصار هذه الأسماء تكشف عن سمات الملكوت الأبدي بكونه هو عمل الله الفادي، وثمرة استماع الله لنا في ابنه، وسرّ محبته لنا فيه، وحنانه علينا، الذي ينجينا. إنه يعطى لمجمع القدِّيسين في الله، المجمع الخفي فيه، فيه يرى كل منا أخاه عظيمًا فيفرح ويُسَرّ بأمجاد