من تاملات نشيد الانشاد ++ البابا شنودة الثالث ++ شبَّهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون، مرهبة كجيش بألوية (نش 6: 10؛ 1: 9)



من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنودة الثالث
شبَّهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون، مرهبة كجيش بألوية
(نش 6: 10؛ 1: 9)

شبهتك يا حبيبتى بفرس في مركبات فرعون مرهبة كجيش بألوية (نش6: 10) (نش1: 9)

يشرح سفر النشيد قوة الكنيسة وقوة النفس المؤمنة، في عديد من الآيات، منها الجبابرة الذين حول تخت سليمان (3: 8). وفي تشبيهها بفرس في مركبات فرعون (1: 9) وفي قوله عنها إنها مرهبة كجيش بألوية" (6: 10).

وكل هذه العبارات لا تدل أن الكلام موجه من شاب إلى عروسه! فمن من العرائس تقبل وتوصف بهذه الأوصاف وما يشابهها؟! إنما هى موجهة من الرب إلى كنيسته، وإلى النفس البشرية التي يريدها أن تكون دائمًا قوية في إرادتها.

فعبارة "جيش بألوية"، تعنى جيشًا مكونًا من عدة لواءات. وكل لواء يشمل جملة من آلايات. وكل آلاى يتكون من عدة كتائب. وكل كتيبة تشمل اكثر من سرية، والسرية، أكثر من فضيلة.. وهكذا يكون الجيش بألويته جيشًا منظمًا مرهبًا قويًا. وبخاصة لو كان جبابرة متعلمين الحرب. كل رجل سيفه علي فخده من هول الليل (نش3: 8).

وهكذا تكون الكنيسة والنفس في قوتها ومحاربتها لعدو الخير.

قد يفهم البعض الوداعة والاتضاع فهمًا خاطئًا يقود إلى الضعف! أما المؤمن الحقيقي فهو إنسان قوى، يحارب ضد الخطية وينتصر.

إن المؤمنين يكونون جيش الله الذي يقف ضد مملكة الشيطان وكل جنوده. لذلك فعندما أمر الرب بإحصاء الشعب في سفر العدد، طلب منهم ان يحصروا "كل ذكر ابن عشرين سنة فصاعدًا، كل خارج للحرب" (عد1: 2، 3). وتكرر هذا الوصف بالنسبة الى المنتخبين من كل سبط. وهكذا كان المختارون المعدودون هم فقط جماعة الاقوياء القادرين على القتال، من كل خارج للحرب (عد1).

لذلك لم يسمح السيد المسيح لتلاميذه أن يبدأوا عملهم الكرازى، إلا بعد أن يلبسوا قوة من الأعالى (لو24: 49). وبعد ذلك يخدمون.

وهكذا قال لهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا.. " (أع1: 8). وبهذه القوة التي أخذوها من الروح القدس، رأينا سفر أعمال الرسل سفرًا للقوة، يشرح كيف أن ملكوت الله كان قد أتى بقوة (مر9: 1). "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع4: 33). "وكانت كلمة الرب تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم.." (أع6: 7).

ونسمع أن ثلاثة مجامع تحاورت مع أسطفانوس الشماس "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 10).

إنها صورة للكنيسة المرهبة كجيش بألوية.

صورة اولاد الله الغالبين المنتصرين، أو علي الأقل المقاتلين.

أو علي أقل الأقل: هم المستعدون للحرب الروحية. هم الجبابرة الخارجون للحرب، الذين لا يخافون إبليس ولا جنوده، بل أن كل واحد منهم سيفه علي فخذه، من هول الليل (نش3: 8). هؤلاء الذين يقودهم الرب في موكب نصرته (2كو2: 14).. هؤلاء هم الساهرون المستعدون: أحقاؤهم ممنطقة، ومصابيحهم موقدة وينتظرون الرب (لو12: 35).

كل أسلحتهم روحية (أف6: 11). والله هو الذي يعلمهم القتال.

وفي ذلك يقول داود النبي "مبارك الرب.. الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب" (مز144: 1). وهكذا لا تكون أسلحته بشرية، بل إلهية. هؤلاء هم القديسون الغالبون بأستمرار، الذين ينشد لهم الرب أغنيته المحبوبة" من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة (رؤ2: 7) "من يغلب، فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا، وان أمحو اسمه من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ3: 5) "من يغلب، فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ3: 21)

فترة وجودنا في العالم هي فترة حرب وجهاد. كل من يغلب، سينال المواعيد. والذين غلبوا نسميهم الكنيسة المنتصرة.

نحن نحارب. وعدونا المقاتل لنا – أي إبليس – مثل أسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8). لذلك يشجعنا القديس بطرس الرسول قائلًا " فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 9). كما يقول القديس يعقوب الرسول أيضًا " قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7) . لاشك أنه يهرب بسبب القوة التي أخذناها من الله، والتي نستطيع بها أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو10: 19).

حقًا إن الحرب للرب (1صم17: 47). والرب يحارب معنا وبنا.

والفرس - مثل السيف – قوة تستخدم في الحرب.

وقد قال سليمان الملك في أمثاله "الفرس معد ليوم الحرب. أما النصرة فمن الرب" (أم21: 31). وليس كل فرس، بل الفرس المدرب المعد ليوم الحرب. وكانت لسليمان "مدن للفرسان" (1مل9: 19). ولعل أقوي الأفراس كانت تلك التي أهداها له فرعون حينما تزوج ابنته، تلك التي كانت تقود مركبات فرعون.

كل فرس منها كان قويًا، ومدربًا علي القتال، وطيعًا في يد الفارس، ويخوض والحرب لا خوف وسط سيوف العدو، وينتصر..

وهكذا تشبهت الكنيسة في سفر النشيد بفرس في مركبات فرعون.. ليس فرسًا عاديًا، بل الفرس المحارب المعد ليوم الحرب، الذي يقوده الرب في يوم نصرته. إنه لا يتحرك في ساحة الحرب من ذاته، بل الله الذي يوجهه، ويكون الفرس مطواعًا في يديه.


إن الكنيسة تشبه الفرس، وأعنتها في يد الله.

والمؤمن يحارب حروب الرب، والله هو الذي يقوده.

إنه لا يحارب وحده، بل الله يحارب به، ويمنحه القوة.

وهكذا قال الرب لأرميا النبي "هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس علي كل الأرض.. فيحاربونك، ولا يقدرون عليك. لأني انا معك – يقول الرب لأنقذك" (أر 1: 18).

إن المؤمنين أشخاص مسلحون بسلاح الله الكامل. لهم قوة من الله ونصرة "أخضع كل شيء تحت أقدامهم" (مز8). منذ أن خلق الله الإنسان، منحه سلطانًا. نجد هذه القوة في أنشودة داود الحلوة:

"إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي"

" وإن قام عليا قتال، ففي هذا أنا مطمئن" (مز27: 3)

أنا مطمئن: الحصاة والمقلاع في يدي، وجليات تحت قدمي" الله أعطاني سلطان عليه.. "هؤلاء بمركبات، وهؤلاء بخيل، ونحن بإسم الرب ننمو. هم عثروا وسقطوا، ونحن قمنا واستقمنا" (مز20: 7، 8).


نحن مثل "جيش ألوية". كل فرد منا كأنه "فرس في مركبات فرعون"

إن النفس القوية، المرهبة كجيش بألوية، يفتخر بها الرب. وهكذا قال الرب للشيطان "هل جعلت قلبك علي عبدك أيوب؟ فإنه ليس مثله: رجل كامل ومستقيم" (أع1: 8) أتستطيع أن تقوي عليه؟!.. فحاربه الشيطان بأنواع حروب عنيفة جدًا. ولكنه وجده طاهرًا كالشمس، مرهبًا كجيش بألوية، قويًا كفرس في مركبات فرعون.

أين هذا من النفوس الضعيفة، التي تقول يئست تعبت تعقدت!!

تلك النفوس التي لأتفه الأسباب ترتبك وتضطرب وتحتار.. ! ليست هذه صفات الجبابرة المتعلمين الحرب، ولا هذا كلام الأقوياء الذين يلبسون سلاح الله الكامل ويصارعون أجناد الشر الروحية (أف6).


إن القديسين كانت تخافهم الشياطين، وترتعب أمامهم وتصرخ!

نذكر أنه عندما ذهب القديس آبا مقار الكبير إلى جزيرة فيلا، أن الشياطين فزعت منه وصرخت قائلة "ويلاه منك يا مقاره، أما يكفيك أننا تركنا لك البرية، حتى جئت إلى هنا لتزعجنا؟!

نذكر أيضًا قصة ذلك القديس الذي جاءت الشياطين لتحاربه، فربطهم خارج القلاية، فظلوا يصرخون: لا يستطيعون دخول قلايته، ولا أن يتحركوا من مواضعهم. فقال لهم أمضوا واخزوا، وصرفهم.

إن الله ينظر إلى هذه النفس التي ربطت الشياطين ثم صرفتهم، ويقول لها " شبهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون"..


أيضًا النفس القوية تكون قوية في كل شيء..

ليست في حياتها الروحية فقط، بل في خدمتها أيضًا:

كل كلمة تخرج من الفم، تكون قوية وفعالة (عب4: 12)، فيها قوة الروح" لا ترجع فارغة، بل تعمل ما يسر الرب به" (أش55: 11). وهكذا يتشبه المتكلم بالسيد المسيح، الذي كان يتكلم كمن له سلطان (مت7: 29).

القديس بولس الرسول كان أسيرًا. وكان يتحدث عن الإيمان بالمسيح. أمام فيلكس الوالي. "وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25).

هنا أمير يرتعب أمام أسيره، بسبب قوة هذا الأسير وتأثيره.

ومن الناحية الاخري، هناك إنسان تشعر أنه قوي، يقدر أن يحملك ويحمل متاعبك وضعفاتك ومشاكلك. وإنسان آخر تجده يتعثر في الطريق، ويحتاج أن تحمله طول الطريق علي كتفيك.


خذوا قوة من الروح القدس، قوة في الصلاة، قوة في الخدمة قوة في السلوك. قوة في التواضع الذي يغلب الشياطين، وتصبح به النفس مرهبة كجيش بألوية.

ليست القوة قوة عالمية كما في جليات، قوة سلاح وجسم. إنما هي قوة في الروح. هي قوة الله العاملة في الإنسان، كما تغني بها داود النبي فقال: "أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد، والتهبوا كنارٍ في شوك، وبأسم الرب انتقمت منهم.. يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني. فلن أموت بعد بل أحيا" (مز118). هذه أغنية فرس في مركبات فرعون. تغني داود أيضًا فقال "قوتي هي الرب".



إن كانت قوتك هي الرب، فحلول روحك فيه يعني حلول القوة.

كان الشهداء يقدمون لألوان من التعذيب، ويتعرضون للتهديد وللإغراء، ولم يفقدوا قوتهم قط. بل كانوا أقوياء في تحملهم.

فأطلب من الرب قوة: القوة التي تقيم المسكين من التراب، والبائس من المزبلة ليجلس مع رؤساء شعبه (مز113: 7، 8).. قل له ارفعني من التراب، والبسني سلاحك الكامل، واعطني قوة..

أنا لا شيء قدامك. ولكنني بك استطيع كل شيء (في4: 13)


إن اولاد الله لهم قوة، حتى في علاقتهم مع الله نفسه:

إنها قوة الدالة. الدالة التي بها يعقوب أبو الآباء جاهد مع الله وغلب. وجرؤ أن يقول لله "لا أتركك".. "لا أتركك حتى تباركني".. وفعلًا أخذ البركة، اخذ إسمًا جديدًا (تك32: 24 – 28)

نفس الصراع والدالة كانا بين موسى النبي ورب المجد نفسه بعد أن عبد الشعب العجل الذهب وقال الرب لموسى "أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبًا عظيمًا" وبعد حوار بينهما قال موسى للرب " والآن إن غفرت (لهذا الشعب) خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 1، 32).

وكما تشفع موسى في الشعب، تشفع أبونا إبراهيم في أهل سادوم، وعاتب الرب في قوة قائلا "أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم" (تك18: 25)

هذه أمثلة من أشخاص كانت لهم قوة في الحوار مع الله. يدخلون في محاجة مع الله، ويجادلونه في دالة.. ويكون الله فرحًا بذلك، لأنه يجد راحته فيهم.


إن المؤمنين يصيرون جيشًا بألوية، حينما يتحولون إلى صورة الله ويكونون ابناء حقيقين له. فكل ابن حقيقي لله له قوته.

عيشوا إذن في حياة النصرة الروحية. ولا يكن لكم روح الفشل ولا روح الخوف واليأس.. إنك تخاف حقًا، إذا ما ارتفع قلبك، وظننت أنك قوي بذاتك..!! حينئذ تخاف..

قل: أنا أضعف الناس.. لكن الله سيعطيني قوته.

وحينما يعطيني قوته، أصير فرسًا في مركبات فرعون.

أنا لا أملك سلاحًا. ولكنني بسلاح الله الكامل سوف أنتصر.


إن الذين عاشوا مع الرب، تركوا قوتهم، وأخذوا من قوته.

مثل موسى الذي ترك قوته كأمير، ورفض أن يدعي ابن ابنة فرعون.. (عب11: 24)

وقال "أنا لست صاحب كلام منذ أمس، ولا أول من أمس.. أنا ثقيل الفم واللسان" (خر4: 10). "وأغلف الشفتين" (خر6: 3). حينئذ أخذ قوة من الرب. وصار كليم الله. وأعطاه الرب فمًا وحكمة (لو21: 15).


كن قويًا إذن: بالمعني السليم، وليس بالمعني العلماني.

لأن هناك من يظن أنه قوي بالذكاء والحيلة والسياسة والعمل البشري. ولكن هذه ليست قوة حقيقية. إنها عملة زائفة.. ! لا تستطيع بها أن تشتري ذهبًا مُصفَّى بالنار (رؤ3: 18).

فلتكن لك قوة الإنسحاق أمام الله، وقوة الجهاد ضد الشياطين..

ليست القوة أن تبرر ذاتك، وإنما القوة في اعترافك بخطئك.

ليس القوي من يهزم عدوه. إنما القوي من يحول العدو إلى صديق.

ليست القوة أن ترد الكلمة بكلمتين، إنما القوة هي أن تحول الخد الآخر، وأن تمشي الميل الثاني (مت5: 39، 41)، وأن تحتمل كل شيء (1كو13: 7) وأن تغفر الإساءة وأن تنسي. وكما قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء، ولا نرضي أنفسنا" (رو15: 1)

بهذا تصير كفرس في مركبات فرعون، يصل في قوة إلي هدفه، دون أن يتعثر في الطريق.