تفسير سفر يهوديت 3 ++ خضوع سوريا لنبوخذنصر ++ القمص تادرس يعقوب
خضع جميع ملوك الأرض ورؤساء الأقاليم والمدن في منطقة ما بين النهرين وفينيقية وسوريا وغيرها كعبيد للملك. واستقبلوا أليفانا (هولوفيرنيس) بالأكاليل والمصابيح والرقص بالطبول والمغنيات حتى لا يدمر مدنهم، لكن لم يلن قلبه. فقد صدرت إليه الأوامر بالتدمير الشامل وإبادة آلهة الأرض ليكون نبوخذنصر وحده إلهًا لكل هذه الأمم.
1. سوريا تستسلم أمام أليفانا وأَرسَلوا إِلَيه رُسُلًا يَسأِلونهَ السَلام[1].
أمام هذه الفتوحات التي يصحبها دمار وخراب وسلب مع قتل أرسلت إليه بعض البلاد رسلًا تطلب السلام، مستسلمين تمامًا في يدي القائد أليفانا والملك الآشوري نبوخذنصر (أسرحدون أو ابنه)، وهذا أمر كان متوقعًا.
قول Charles Ball إن حضور قادة ورؤساء من الأدوميين (7: والموآبيين (5: 2، 7: والعمونيين (5: 2) يؤكد دخول هذه الأمم في معاهدات مع هولوفرنيس، واشتراكهم معه في جيشه قبل تحركه للدخول في معركة مع بيت فلوي.
يرىCarey Moore أن هولوفرنيس نزل إلى الساحل ثم اتجه إلى الشرق حتى بلغ بيت شأن Seythopholis (3: 10) عن طريق أدوم وموآب وعمون.
وَيقولون: "ها إِنَّنا عَبيدُ نَبوخَذنَصَّر المَلِكً العَظيمِ بَينَ يَدَيكَ،فأعمَلْ بِنا كَما يَحسُنُ في عينيك[2].
في استسلام حاولت الأمم الوثنية استرضاء وجه الملك ليعيشوا له عبيدًا ويقيم نفسه إلهًا عليهم، يفعل بهم كيفما شاء. أما أولاد الله فلا يخضعون لقوى الشر في العالم وسلطانهم، بل يثقون في الله مخلص العالم.
لقد خضع الأشرار في مذلةٍ، ووضعوا أولادهم وممتلكاتهم تحت تصرفه.
وها إِنَّ حَظائِرَنا وكُلَّ أَرضِنا وجَميعَ حُقولِ قَمحِنا،وقُطْعانَ خِرافِنا وبَقَرِنا ومَرابِضَ مُخَيَّماتِنا أمامكَ،فأعمَلْ بِها كَما يَطيبُ لَكَ[3].
استخدمت هذه الأمم تعبيرات مختلفة لها ذات المعنى: "اعمل بنا كما يحسن في عينيك" ، "اعمل بها كما يطيب لك" ، "تعال وأدخلها كما يروق في عينيك" .
وقد جاءت كلها تشبع مشاعر هولوفرنيس الظاهرة وما يختفي في لاشعوره، يستسلمون ليشبعوا طموحه، وفي نفس الوقت يستعطفونه، فيحسبونه إنسانًا عاقلًا حكيمًا وعادلًا بجانب جبروته وقدراته.
وها إِنَّ مُدُنَنا أَيضًا والسَّاكِنينَ فيها عَبيدٌ لَكَ،فتَعالَ، وادخُلْها كَما يَروقُ في عَينَيك" [4].ووَصَلَ الرِّجالُ إلى أَليفانا،وبَلَّغوهُ بِحَسَبِ هذا الكَلام [5].ثُمَّ نَزَلَ هو وجَيشُه إلى الشَّاطِئ،وأَقامَ حَرَسًا في المُدُنِ المُحَصَّنة،وجَنَّدَ نُخبَةً مِنَ الرِّجالِ يساعِدونَه [6].فاستَقبَلَه هؤُلاءِ وكُلُّ النَّاحِيَةِ المُجاوِرَة لَهُمبِالأَكَاليلِ وأَجْواقِ الرَّقْصِ والدُّفوف[7].
بلا شك امتلأ قلب أليفانا بالسعادة مع الكبرياء والتشامخ، فها هو يحقق آمال سيده دون أية تكلفة، ليس من قتيلٍ ولا جريحٍ، بل صارت خيرات البلاد بين يديه، ينهبها بلا ضمير، ويستغل القوى البشرية لخدمته وخدمة جيشه.
فدَمَّرَ جَميعَ مَعابِدِهم، وقَطَّعَ غاباتِهِمِ المُقَدَّسة،فقَد عُهِدَ إلَيهِ بأَن يُبيدَ جَميعَ آِلهَةِ الأَرض،لِكَي تَعبُدَ الأُمَمُ جَميعًا نَبوخَذنَصَّر وَحدَه،وتَدعُوَه إِلهًا جَميعُ أَلسِنَتِهم وأَجْناسِهِم [8].
حقق رغبة سيده أن يقيم من نفسه إلهًا، فدمَر المعابد والغابات المقدسة، أي الأشجار التي كان الوثنيون يقيمون أصنامهم أحيانًا تحتها.
يترجم البعض "غابتهم المقدسة" "سواريهم المقدسة" sacred poles (قص 6: 25).
هذا ما فعله اليهود عند دخولهم كنعان، فقد كان ما يشغلهم هو تحطيم كل ما يخص العبادة الوثنية، لكي تبقى عبادة الله الحقيقي وحدها قائمة في كنعان. الآن يمارس هولوفرنيس نفس الأمر ليعلن للكل، خاصة اليهود، أن حربه دينية، غايتها إبادة كل عبادة لتبقى عبادة نبوخذنصر إله كل الأرض!
2. وصول أليفانا أَمامَ يِزْرَعيل
ووَصَلَ أَمامَ يِزْرَعيل Esdraelon بِالقُرْبِ مِن دُوتائينَ Dothaim
الَّتي قَبلَ سِلسِلَةِ جِبالِ اليَهودِيَّةِ الكَبيرة [9].
اقترب أليفانا بسهولة وسرعة إلى قرب سهل يزرعيل، حيث دخل كثير من البلاد بلا مقاومة، بل بالترحيب والتهليل.
يزرعيلEsdraelon (Jezreel) كلمة عبرية معناها "الله يزرع". وقد وُجد أكثر من موضع يحمل ذات الاسم. المقصود هنا هو سهل كبير على شكل مثلث يقع بين البحر المتوسط والأردن، من الكرمل وجبال السامرة إلى جبال الجليل، أو من حيفا الحالية إلى بيت شأن (بيعان). دعاه المؤرخ يوسيفوس السهل الكبير، كما دُعي أيضًا سهل مجدو، وهو سهل به أودية كثيرة. كما أن أغلب الطرق الهامة متصلة به، لاسيما الطرق الرئيسية بين فينيقية ومصر، حيث كان الغزاة يتسللون عبره إلى أورشليم ومصر جنوبًا. ويعتبر وادي يزرعيل مفتاح أورشليم ومدخلها، حيث يشمل الآتي:
أ. الوادي الواقع بين سهل شارون وجبل الكرمل من الجنوب الشرقي.
ب. طريق السامرة المار بمجدو.
ج. سهل دوثان العريض، ومعناه "آبار"، ويُسمى هنا دوثائين، وهي قرية تقع بالقرب من السامرة، وشكيم بجوار البئر الذي وهبه يعقوب ليوسف.
وعَسكَروا ما بَينَ جَبْعَ Geba وبَيتَ شأن Scythopolis،
وأَقامَ هُناكَ طَوالَ شَهر لِيَجمَعَ أَمتِعةَ جَيشِه كُلِّها [10].
د. جبع Geba: يرى يوحانان أهاروني Yahanan Aharouni ومايكل أفي- يونا Michael Avi-Yonah أنه وُجد في إسرائيل ثلاث مدن تحمل هذا الاسم. إحدى هذه المدن بالقرب من جبل الكرمل، وربما هي الهريتية El-Harithiyeh، وغالبًا ما تكون هي المقصودة في سفر يهوديت. ويرى بعض الدارسين أنه يقصد بجبع جبل جلبوعا Gilboa، وآخرون أنها جيبا Jeba، مدينة تبعد حوالي ستة أميال جنوب دوثان، بين السامرة والمدينة المعاصرة جنين Jenin.
ه. بيت شأن Scythopolis وتعني باليونانية مدينة السكيثيين، وهي المدينة الوحيدة التي وردت في سفر يهوديت باسمها اليوناني.
أخذت اسمها هذا، إذ استقرت جالية السكيثيين فيها. عُرفت أيضًا بيت شأن (تل الحسن Tell-el-Husan)، تُدعى حاليًا بيسان Beisan.
يرى دميان ماكي أنه يحتمل أن يكون هذا بداية تحقيق نبوة إشعياء قبل حدوث هذه الكارثة: "الملك ببهائه تنظر عيناك، تريان أرضًا بعيدة" (إش 33: 17).
كما يقول إنه بالرغم من عدم وجود معلومات أن ترتان Tartan الذي لسنحاريب أو سنحاريب نفسه قد حارب في معركته الثالثة المنطقة الشمالية وأسرها، لكن بالتأكيد حدث هذا، فإنه كان لزامًا على Wehrmacht الآشوري أن يأمن مرتفعات السامرة قبل هجومه على أورشليم.
يروي لنا G. Smith كيف كان يمكن للمهاجمين على أورشليم أن يحققوا هدفهم بالاستيلاء على المناطق المحيطة بها أولًا حتى يستطيعوا العبور إليها، قائلًا:
كانت حدود اليهودية حصينة... لكنها مع هذا الامتياز من المناعة فهي مفتوحة في نقاطٍ كثيرةٍ، فالأرض لا توحي للمهاجمين بالنصرة، وتجعل الغرباء يبتعدون عنها... يجدون صعوبة في احتلالها. مع هذا توجد ثغرات على حدودها... فالذي يغزوها يلزم أن يأتي عند حدودها ويحتل موقعًا ما أولًا...
كان على فسبسيان Vespasian أن يجتاح الجليل والسامرة، بل وقضى سنة أخرى لكي يحتل يمنة Jamnia وأشدود وHadid في الغرب وبيت إيل وGophana، وأريحا في الشرق وحبون مع قلعة الأدوميين Jdumaean في الجنوب، قبل أن تتسلل فرقه التي نفذ صبرها إلى أورشليم.
حدث نفس الأمر بالنسبة للخليفة صلاح الدين، فإنه حتى بعد نصرته على Hattin لم يجسر أن يهاجم أورشليم إلا بعد أن سقط في يديه وادي الأردن وأغلب السهل Maritine Plain وأشقلون حتى بيت جيرين Beit-Jibrin..
كان يليق بأليفانا بذكائه ومهارته أن يعسكر بجيشه الضخم في منطقة دوثان، في أقصى الشمال ليتهيأ للبدء في الهجوم على أورشليم.
في الأصحاح التالي نرى كيف توقع اليهود أن يقوم أليفانا بالهجوم عليهم من جهة السامرة