تفسير سفر طوبيا 1 ++ الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
سفر طوبيا هو سفر كل أسرة تعيش حسب وصايا الله، وإرادته، ولكنها تجد نفسها أمام تجارب عنيفة، وطاحنة. ولا تعرف لها أي سبب. ومع ذلك لا تفقد ثقتها بالله الحنان، ولذلك تصرخ إليه وتضع كل حياتها في يدى الله لكي يخلصها من هذه المحنة والتجربة التي لحقت بها متى شاء، ويحول هذه التجارب إلى إكليل فخر ومجد على هامتها.
حياة طوبيا قبل السبي:
فأسرة طوبيا التي كانت تسكن بالجليل ضمن حدود سبط نفتالي قد سببت على يد شلمناصر الخامس ملك أشور.
ويستعيد طوبيا أيام صباه عندما كان يسكن في منطقة الجليل حيث تقع مدينتهم، فيتذكر أنه يجار الأحداث في أفعالهم ولكنه كان يتقى الله، وعندما كان الشبان يذهبون ليعبدوا عجلىّ الذهب اللذين نصبهما يربعام بن ناباط (1). كان طوبيا يذهب إلى أورشليم ويسجد للرب في هيكله، ويوفى كل ما تطالب به الشريعة من عشور وبكور. وكيف كان يعطى كل ثلاث سنوات عشوره وبكوره للغرباء، وبقى على هذا الحال حتى السبي. ويتذكر أيضًا أيام زواجه بحنة امرأته والتي كانت من سبطه، والتي انجب منها ابنه الوحيد والمحبوب إليهما والذى أسماه طوبيا.
طوبيا في السبي:
لقد سار طوبيا حسب تقواه في أرض سبيه، فكان لا يأكل من أطعمة الأمم، ولم يتنجس بمأكولاتهم أو معبوداتهم. فأعطاه الله نعمة أمام الملك شلمناصر فأعطاه تصريحًا أن يذهب حيثما شاء، وأن يفعل ما يشاء. فأخذها فرصة وابتدأ يطوف على المسبيين، ويعلمهم، ويرشدهم إلى خلاص نفوسهم. في ذلك الوقت رأى غابليوس أحد أقاربه في فاقة فأعطاه عشرة قناطير من الفضة إعارة بصك على أساس أن يرده إليه متى تحسنت أحواله، وكان طوبيا يطعم الجياع ويكسو العراه ويدفن الموتى الذين لا يهتم بهم أحد أو من في فاقة، ويواسى كل أحد.
ونلاحظ هنا أن تقوى طوبيا لا تقوم على التأمل الباطنى في الشريعة فقط، بل تمتد إلى ممارسة الأعمال الصالحة، وهذا يذكرنا بقول مار يعقوب الرسول: "لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لى أعمال. أرنى إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني (يع 2: 18)".
وهذا ما يؤكده القديس بولس الرسول حيث يطالبنا بأن نسلك في خطوات إيمان أبينا إبراهيم (روميه 12:4)، بحيث أن نظهر إيماننا بالمسيح من خلال أعمالنا فيكون إيماننا عمليًا وليس نظريًا.
طوبيا وسنحاريب:
وفى هذه الفترة مات الملك شلمناسر الخامس وتولى سنحاريب الملك عوضًا عنه، وحاول أن يغزو مملكة يهوذا لكنه فشل بسبب تجديفه على الله، فضرب ملاك الرب مائة وخمسًا وثمانين ألفًا من جنوده، فرجع حانقًا على شعب إسرائيل الذين في مملكته. فكان يقتل منهم عددًا غفيرًا. أما طوبيا فكان يدفنهم فنما إليه خبره، فأمر بقتله ومصادرة جميع ممتلكاته. فهرب طوبيا من أمام وجهه هو وامرأته وابنه واختبأوا لأن كثيرين كانوا يحبونه. وبعد خمسة وأربعين يومًا من عودة سنحاريب من غزوته على اليهودية، قاد ابناه محاولة انقلاب فاشله ولكنهما قتلاه فيها وهربا إلى أرارط، فرجع طوبيا إلى منزله ورّد إليه كل ماله.