تامل من رسالة أفسس 5 ... العبادة والسلوك ++ القمص تادرس يعقوب


 تامل من رسالة أفسس 5 ... العبادة والسلوك ++  القمص تادرس يعقوب

العلاقات الزوجية وسرّ المسيح

لقد تحدث الرسول بولس عن الكنيسة من الجانب العملي، خلال سلوك المؤمن اليومي، بنزع أعمال الإنسان القديم وممارسته أعمال الإنسان الجديد، رافضًا أعمال الظلمة كابن للنور، ممتلئ بعمل الروح القدس. هذا السلوك يرتبط بعبادته أيضًا فتتحول إلى تسبيح حقيقي داخلي وتشكرات لا تنقطع تنبع لا عن الفم واللسان فحسب وإنما خلال القلب والفكر، وكل الأحاسيس الداخلية كما خلال العمل.

الآن يقدم لنا الرسول انعكاسات هذه المفاهيم على حياتنا الأسرية، التي لا تنفصل عن جهادنا الروحي ولا عن حياتنا الكنسية.

إن كانت الكنيسة الجامعة -كما أعلنها الرسول بولس في هذه الرسالة- هي كشف عن سرّ المسيح، أي سرّ حب الله الفائق للبشرية خلال ذبيحة المسيح يسوع ربنا، فإن هذا السرّ الإلهي يقدم لنا مفاهيم عميقة وجديدة للعلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية. ففي الحياة الزوجية نحمل صورة لعلاقتنا مع الآب في المسيح يسوع ربنا، علاقة الحب والوحدة، كما نرى في العرس الأرضي أيقونة للعرس السماوي، والبيت المسيحي ظلًا لبيت الله الأبدي.
من هنا فالشريعة الخاصة بالزواج والناموس الخاص بالبيت المسيحي إنما يُستمدان من عمل السيد المسيح الخلاصي.

"أَيُّهَا النِّسَاءُ (الزوجات) اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ..." (22)

ويلاحظ على النص الرسولي الذي بين أيدينا الآتي:

 أولًا: الكشف عن الوحدة الزوجية بين الرجل والمرأة

الكشف عن الوحدة الزوجية بين الرجل والمرأة بكونها أيقونة للوحدة مع السيد المسيح وعروسه الكنيسة، الأولى تستمد كيانها من الثانية، لذا وجب أن يتم العرس في ظل الصليب، خلال وحدة الإيمان بالسيد المسيح المصلوب، والارتباط بكنيسته.

 كيف يمكننا أن نعبر عن السعادة الزوجية التي تعقدها الكنيسة، ويثبتها القربان، وتختمها البركة؟! ++ العلامة ترتليان

 يجب على المتزوجين والمتزوجات أن يجروا إتحادهم برأي الأسقف، لكي يكون الزواج مطابقًا لإرادة الله لا بحسب الشهوة ++  القديس أغناطيوس النوراني

إذا كان لابد أن يعقد الزواج بحلة كهنوتية وبركة، فكيف يمكن أن يكون زواج حيث الإيمان مختلف؟! ++ القديس أمبروسيوس

 ثانيًا: مفهوم الخضوع

كثيرون يسيئون فهم العبارة الرسولية: "أَيُّهَا النِّسَاءُ (الزوجات) اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ" (22)، فيحسبونها دعوة لخنوع المرأة واستسلامها، ولبث روح السلطة للرجل.

"الخضوع" في المسيحية ليس خنوعًا ولا ضعفًا، ولا نقصًا في الكرامة، هذا ما أعلنه كلمة الله المتجسد حين أعلن طاعته للآب وخضوعه له مع أنه واحد في الجوهر، رافعًا من فضيلة "الخضوع" ليجعلها موضع سباق لعلنا نبلغ سمة المسيح الخاضع والمطيع. والعجيب أن الإنجيلي لوقا يقول بأن "يسوع" كان خاضعًا للقديسة مريم والقديس يوسف النجار (لو ٣: ٥١)، مع كونه خالقهما ومخلصهما، وخضوعه لم يعيقه عن تحقيق رسالته التي غالبًا لم يدركاها في كمال أعماقها، إذ قال بتواضع وصراحة: "لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي" (لو ٣: ٤٩). فالخضوع ليس استسلاما على حساب رسالة الشخص، ولا طاعة عمياء دون تفكير، وإنما اتساع قلب وقبول لإرادة الغير بفكر ناضج متزن.

قدم لنا القديس هيبوليتس الروماني فهمًا لخضوع الابن للآب، ليس علامة عن انتقاص لأقنومه وإنما على تناغمه واتفاقه ووحدته مع الآب، إذ يقول: يرتد تدبير الاتفاق إلى الله الواحد. فإن الله واحد: الآب يوصي والابن يطيع والروح يهب فهمًا... الآب أراد والابن فعل والروح أعلن، هذا ما يوضحه الكتاب المقدس كله.

إذن فخضوع الزوجة لرجلها هو مشاركة السيد المسيح طاعته وخضوعه للآب كعلامة الحب والوحدة، وليس إهدارًا للكرامة أو كإنقاصٍ من شأنها.

والقديس يوحنا الذهبي الفم يرى أن المرأة وهي موضع حب رجلها الشديد يلزمها ألاَّ تقابل هذا الحب بكبرياء بل بخضوع كرد فعل لمحبته، إذ يقول: المحبة من اختصاص الرجال، أما الخضوع فمن اختصاص النساء، فإن قدم كل إنسان ما يلتزم به تثبت الأمور، فالرجل بحبه للمرأة تصيره هي محبة له، والمرأة بطاعتها للرجل يصير وديعًا معها. لا تنتفخي لأن الرجل يحبك، فقد جعله الله يحبك لتطيعيه في خضوع بسهولة. لا تخافي من خضوعك له، لأن الخضوع للمحب ليس فيه صعوبة.

 والقديس أغسطينوس يطالب الزوجات أن يقتدين بالقديسة مريم التي اتسمت بالتواضع المقدس، فقدمت يوسف رجلها عنها (لو ٢: ٤٨) مع أنها نالت شرف ولادتها للسيد المسيح.

بهذا فهم الآباء خضوع الزوجة بمنظار روحي خلال الصليب، لا يفقدها مساواتها له ولا مشاركته التدبير وتحمل المسئولية إنما يزينها بالفضيلة ويمجدها لتكسب أيضًا محبته.

يقول القديس أمبروسيوس:ليت الرجل يقود زوجته كربانٍ، يكرمها كشريكة معه في الحياة، يشاركها كوارثه معه في النعمة.

ثالثًا: رئاسة الرجل وحبه

كثيرًا ما يتمسك الرجل بالرئاسة بكونها "سلطة" ودكتاتورية، لذا ربط الرسول بولس الرئاسة بالحب الباذل، إذ يقول: "لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ" (23).

فرئاسة السيد المسيح لكنيسته أعلنت خلال محبته الباذلة على الصليب لخلاصها، وهكذا إذ يريد الرجل أن يكون رأسًا فليقدم حبًا باذلًا عمليًا! وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: اهتم بها بنفس العناية التي تعهد بها المسيح الكنيسة. نعم، حتى وإن احتاجت أن تقدم حياتك! نعم، وإن احتاجت أن تتقطع أجزاء ربوات المرات! نعم، لتحتمل أي ألم مهما كان ولا تمتنع.

إن كان الرجل هو الرأس فلا مكان للرأس بدون الجسد، ولا حياة للرأس بدون الجسد. يقول القديس أمبروسيوس: [الرجل بدون زوجته يحسب كمن هو بلا بيت.

رابعًا: الشركة في الصليب

حينما تمارس الزوجة خضوعها لرجلها في الرب، ويمارس الرجل حبه لعروسه من أجل الرب، إنما يشترك الاثنان معًا بصورة أو بأخرى في عمل السيد المسيح الذبيحي بالبذل الحقيقي، فتصير حياتهما الزوجية علامة منظورة عن شركتهما في عمل السيد المسيح المبذول الخفي. بمعنى آخر يرى الزوجان في ذبيحة المسيح، ذبيحة الحب عن الآخرين، نموذجًا حيًا ورصيدًا لحياتهما الأسرية. هذا ما نلمسه في حديث الرسول بولس: "وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (٢٤-٢٥).

تحت ظل الصليب تقدم الزوجة خضوعها بفرح من أجل الرب، ويعلن الزوج حبه لزوجته مهما كان تصرفها. ممتثلًا بالسيد المسيح الذي قدم حياته لتقديس المؤمنين.

من كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم للزوج: إن رأيتها تزدري بك وتأنف منك وتحتقرك، فتفكيرك العظيم تجاهها ومودتك ولطفك تقدر أن تخضعها لك، فإنه ليس شيء أعظم قوة في الاستمالة أكثر من هذه الرباطات، خاصة من الزوج والزوجة...! نعم فإنه بالرغم مما تعانيه من بعض الأمور من ناحيتها فلا تعنفها، لأن المسيح لم يفعل ذلك.

في قوة ووضوح تحدث الرسول بولس عن حب المسيح لكنيسته كمصدر حيّ لحب الرجل لزوجته، قائلًا:

"وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (25:27).

ويلاحظ في محبة السيد المسيح لكنيسته الآتي:

أ. أنه أسلم نفسه لأجلها، لأن المحبة "لا تطلب ما لنفسها" (١ كو ١٣: ٥). المسيح في علاقته بنا يطلب خلاصنا، لننعم بشركة الميراث معه؛ هو لا يحتاج إلينا لكنه بالحب يبذل عنا. هكذا ليت الرجل في علاقته بزوجته يحبها لأجل شخصها كمحبوبة لديه، لا لأجل إشباع مطالب معينة بالنسبة له، أيًا كان نوعها!

ب. غاية السيد المسيح من عروسه أن يقدسها ويطهرها بمياه المعمودية وذلك بالكلمة، إذ تتقدس المياه خلال السيد المسيح الكلمة، مقدمًا صليبه ثمنًا لتقديسنا.

كانت -كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم- مملوءة عيبًا وبشعة وملومة، فلم يشمئز منها ولا مقتها، إنما أسلم نفسه من أجلها، كقول الرسول: "وإذ كنا خطاة مات المسيح عنا" (رو ٥: ٥). وبالرغم من كونها هكذا أخذها وكساها بالجمال، وغسلها، ولم يرفض أن يسلم نفسه من أجلها.

في قوة تحدث الرب على لسان حزقيال عن هذا الحب الباذل، قائلًا:

"هكذا قال السيد الرب لأورشليم، مخرجك ومولدك من أرض كنعان، أبوك أموري وأمك حثية. أما ميلادك يوم وُلدت فلم تُقطع سرتك، ولم تُغسلي بالماء للتنظف، ولم تملحي تمليحًا، ولم تقمطي تمقيطًا.

لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه، لترق لك، بل طُرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم وُلدت.

فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك، فقلت لك: بدمك عيشي...

جعلتك ربوة كنبات الحقل، فربوت وكبرت وبلغت زينة الأزيان.
نهد ثدياكِ، ونبت شعرك، وقد كنت عريانة وعارية.
فمررت بك ورأيتك، وإذا زمنك زمن الحب.
فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك، وحلفت لك، ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب، فصرت لي.

فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك ومسحتك بالزيت، وألبستك مطرزة، ونعلتك بالتخس، وآزرتك بالكتان، وكسوتك بزًا، وحليتك بالحلي، فوضعت أسورة في يديك، وطوقًا في عنقك، ووضعت خزامة في أنفك، وأقراطًا في أذنيك، وتاج جمال على رأسك...

وأكلت السميذ والعسل والزيت، وجملت جدًا جدًا، فصلحتِ لمملكة.

وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب" (حز ١٦: ٢ - ١٤).

إنها صورة رائعة لعمل الله الفائق خلال محبته الباذلة بالصليب!

ج. يقول: "يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ"، ففي طقس الزواج اليهودي كانت هناك فترة بين عقد الزواج واستلام العروس؛ هكذا وقع السيد عقد الزوجية بدمه الطاهر على الصليب، اشترانا وقبلنا عروسًا له، وفي مجيئه الأخير يستلم العروس حيث يجتمع كل المختارين معه على السحاب، وكأنه يُحضر عروسه لنفسه. لقد أحبها بلا مقابل، لكنه ينتظرها عروسًا له تجاوبه الحب بالحب، وتشاركه المجد الأبدي!

هنا يلزمنا أن نقف قليلًا، فإن كان السيد المسيح في محبته بذل حياته عن عروسه، فهو يطلب تقديسها، فلا ينعم بالعرس إلاَّ المقدسون فيه. وكما يقول القديس أغسطينوس إن بعض السمك الرديء يدخل شبكة المسيح في الكنيسة، لكنه لابد أن يفرز فلا يكون له نصيب مع السمك الجيد .

يقول الأب دوروثيؤس من غزة: تجسد الرب يسوع المسيح ليعيد الإنسان إلى صورته الأولى. ولكن كيف نرجع إلى تلك الصورة الأولى؟ حين نتعلم من الرسول القائل: "لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح" (٢ كو ٧: ١). لنتطهر فيظهر الشبه (بالله) الذي نلناه. لنعزل عنه دنس الخطية فيظهر بكل جماله خلال الفضيلة. يقول داود في صلاته من أجل هذا الجمال: "أعطيت جمالي قوة" (مز ٢٩: ٨). إذن فلنطهر أنفسنا لنعود إلى التشبه بالله، الأمر الذي أقامه فينا.

د. إذ تحدث عن تقديس الكنيسة خلال محبة المسيح الباذلة، أشار إلى المعمودية، قائلًا: "بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ"(26).

 يعلن الرسول الطوباوي ويؤكد أن المعمودية هي التي فيها يموت الإنسان القديم ويولد الإنسان الجديد، قائلًا: "خلصنا بغسل الميلاد الثاني" (تي ٣: ٥). فإن كان الميلاد الثاني (التجديد) يتم في الجرن أي في المعمودية، فكيف يمكن لهرطقة - وهي ليست عروس المسيح - أن تلد بنينًا لله خلال المسيح؟

إنها الكنيسة وحدها التي التصقت واتحدت بالمسيح تلد روحيًا أبناءً، كقول الرسول: "أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدّسها، مطهرًا إياها بغسل الماء" (أف ٥: ٢٥، ٢٦). إن كانت هي المحبوبة والعروس، وحدها تتقدس بالمسيح، ووحدها تتطهر بجرنه، فمن الواضح أن الهرطقة - التي ليست عروس المسيح - لا يمكن أن تتطهر ولا أن تتقدس بجرنه ولا أن تلد أبناءً لله++ الشهيد كبريانوس

ه. إذ أقام السيد المسيح كنيسته جسدًا مقدسًا له، بكونه رأسها، هكذا يرى الزوج في زوجته جسده، فيحبها ويهتم بها، إذ يقول الرسول:

"كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (٢٨-٣٠).

هنا يقدم الرسول ثلاث مقارنات: المسيح والكنيسة، الرجل وزوجته، الرأس والجسد.

في الوقت الذي في أبرز مدى إتحاد الزوج بزوجته بكونها جسده، حتى قال القديس يوحنا الذهبي الفم: ليس هنا شيء يلحم حياتنا مع بعضنا البعض هكذا مثل حب الرجل وزوجته.
فقد أعلن الرسول أمرين: الأول مدى إتحادنا بالسيد المسيح "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" والثاني نظرتنا القدسية لجسد: "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ".

فمن جهة إتحادنا بالسيد المسيح بكوننا أعضاء جسمه، فهو الغاية الأولى والرئيسية في عمل الله الخلاصي وتمتعنا بإنجيله. إذ يريدنا واحدًا معه، ننعم بالشركة معه أبديًا كأبناء روحيين وورثة. هذا الخط واضح جدًا في كل رسائل بولس الرسول، خاصة هذه الرسالة مادام يتحدث عن الكنيسة جسد المسيح.

أما من جهة قدسيتنا للجسد، فقد أوضح أننا لا نبغض الجسد بكونه خليقة الله المقدسة، إنما نبغض شهواته الدخيلة. الجسد لا يمثل عائقًا نود الخلاص منه خلال معادتنا له، بل هو عطية إلهية تبقى مقدسة مادمنا نسلك بالروح. وقد ركز الآباء على هذا الاتجاه الإنجيلي حتى لا ننحرف إلى الأفكار الغنوسية المعادية للجسد بكونه -في نظرهم- عنصر ظلمة يجب إهلاكه.

يقول القديس أغسطينوس ++ لنهتم بالجسد، وإنما فقط في حدود الصحة .

و. إذ يتحدث الرسول عن الوحدة القائمة بين الزوجين يقدم لنا مفهومًا لهذه الوحدة منذ بدء الحياة الإنسانية، يتحقق خلال عمل المسيح، إذ يقول: "مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (٣١). وقد اقتبس الرسول ذلك عن سفر التكوين (٢: ٢٤).

هذه الوحدة تظهر بصورة فريدة بين السيد المسيح وكنيسته، حيث دعاها الرسول "سرًّا"، إذ يقول: "هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ (تحترم) رَجُلَهَا" (٣٢-٣٣).

لقد قدم السيد المسيح نفسه مثلًا ففي إتحاده بالكنيسة العروس، كما يقول القديس أغسطينوس قام بترك الآب إذ أخلى ذاته عن الأمجاد وأخذ شكل العبد (في ٢: ٧)، وإن كان يبقى واحدًا معه في الجوهر بلا انفصال، كما ترك أمه أي الشعب اليهودي الذي أخذ عنه الجسد خلال القديسة مريم اليهودية الجنس، ليصير هو مع عروسه جسدًا واحدًا .