تفسير سفر طوبيا 3 ... صلاة طوبيا ++ الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا



تفسير سفر طوبيا 3 ++ الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا

 صلاة طوبيا

ما أجمل الصلوات التي تخرج في وقت الشدة والضيق. حيث تنبع من أعماق قلوبنا. وتكون بغير تشتت أو طياشة. وإلهنا يناشدنا أن نلتجئ إليه في هذه الأوقات حيث يقول "أدعني في وقت الضيق أنقذك فتمجدني (مز 15:5)"

نلاحظ ان طوبيا بدأ صلاته بتمجيد عدل الله وإظهار أن طرقه كلها رحمة وحق، حتى وإن كانت في ظاهرها قاسية. فيطلب طوبيا من الله أن يفتقده بخلاصه ولا ينتقم منه بسبب خطايا آبائه، ويعترف أن كل ما أصابه، وأصاب إسرائيل، هو بسبب خطاياه خاصة، وخطايا آبائه، فنلاحظه يأتي بالملامة على نفسه أولًا، معلِّلًا ذلك بأنه لم يطع وصايا الله كما يجب. مع أننا نلاحظ أنه حسب الناموس بلا لوم (طو 2: 13-14).

 فهل يا ترى عندما نقف أمام الله نعلن أمامه أننا سبب كل ما يحدث من حولنا؟ ونتحمل مسئوليتها، ونتائجها أمامه، ونلقي تضرعاتنا أمامه بأكثر لجاجة طالبين رحمته وغفرانه؟ أم نلقي اللوم على الآخرين ونكتفي بذلك؟!

نعم يا رب، أنك أقمت حراسًا على أسوار أورشليم، لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام للصلاة عنا. وها أنت تناجي ذاكريك أن لا يسكتوا ولا يدعونك تسكت حتى تتمم إرادتك (اش 26: 6-7) فهل نكتفي بذلك؟! كلا.

بل أرجوك يا أن تعطي كل واحد منا، أن يشعر باحتياج الآخرين، لكي كل واحد فينا يذكر أخاه أمامك ملقيًا ضعفات أخيه كأنها ضعفاته الخاصة، كي ما تعطينا روح التوبة والحب الباذل إلى النفس الأخير.

"والآن يا رب بحسب مشيئتك أصنع بي ومر أن تقبض روحي بسلام لأن الموت خير لي من الحياة (طو 6:3)". يا للعجب من هذا الرجل البار والقديس طوبيا، مع أن نفسه مُرَّةٌ للغاية، ومجروحة، لا يحاول أن يحل مشكلته بنفسه، فهو لا يطلب الانفصال عن زوجته حنة، في وقت كان يسمح فيه بالطلاق. وبالرغم من احتياجه في هذا الوقت العصيب لمن يسنده معنويًا، واجتماعيًا، ويشعره أنه ما زال محبوبًا، ومرغوبًا فيه بالرغم من عمى عينيه ولا يعيره.

 ولهذا نجد دائمًا إن المرضى بأمراض مزمنة -وخاصة المؤدية للموت- في أشد الاحتياج إلى من يقف بجانبهم، ويخفف من آلامهم، لأنهم يشعرون بشدة الألم وخاصة ليلًا. فهل تعلم السبب؟ السبب هو غياب هذا التعضيد المعنوي، وهذا هو ما عبَّر عنه أيوب البار قائلًا: "هكذا تعين لي أشهر سوء وليالي شقاء قسمت لي. إذا اضطجعت أقول متى أقوم، الليل يطول وأشبع قلقًا حتى الصبح (أي 7: 3-4)، وأيضًا "الليل ينخر عظامي فيًّ ويقض الألم مضجعي (أي 17:30)"

 ولكننا نجد أن طوبيا يضع إرادة الله فوق إرادته. ومشيئته فوق مشيئته الخاصة. فهل نحن نعلن أمام إلهنا أن يتمم إرادته ومشيئته في حياتنا؟ أم نتشبث بإرادتنا ونحاول أن نحققها بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة؟!

فها هو طوبيا متمسك بكماله (طو 2: 14،13) إلى آخر لحظة مع كل الضغوط المحيطة به، ولكنه يطلب أمرًا يبدو غريبًا، فهو يطلب من الله أن ينهي حياته وزمن غربته على الأرض.

نعم يطلب من الله، لأن الله هو الوحيد الذي له الحق في ذلك، فهو يسمح بوجودنا في الوقت الذي يحدده، ويسمح براحتنا في الوقت الذي يحدده أيضًا. ولذلك نجد رجال الله لا ينهون حياتهم بأنفسهم عندما تضغط عليهم ظروف الخدمة، أو الحياة، لكننا نجدهم يلجئون إلى الله نفسه، لينهي تجربتهم على الأرض بالطريقة التي تروق له. فعلى سبيل المثال:

موسى النبي نجده يطلب نفس الطلب من الله تحت ثقل الخدمة قائلًا: "فإن كنت تفعل بي هكذا -أي يحمل وحده اثقال الشعب- فاقتلني قتلًا إن وجدت نعمة في عينيك فلا أرى بليتي (عد 15:11)".
ونجد إيليا النبي يطلب أيضًا نفس الطلب. ولكن تحت شعوره بالظلم والخوف من إيزابل أن تقتله، كما قتلت أنبياء الرب من قبل فهرب وسار في البرية مسيرة يوم حتى أتى وجلس تحت رَتَمةٍ وطلب الموت لنفسه وقال: "قد كفى الآن يا رب خذ نفسي لأنني لست خيرًا من آبائي (1 مل 4:19)".
ونجد يونان النبي أيضًا يطلب الموت لنفسه تحت احساسه بأن كلمته سقطت ولم تهلك المدينة. وإن كان البعض يفسر طلبه بموته ناتج عن شعوره بهلاك شعبه المعلن من خلال خلاص الامم. فقال: "فالآن يا رب خذ نفسي مني لأن موتي خير من حياتي (يون 3:4)".
ونجده يكرر نفس الطلب مرة أخرى حين ضربته الشمس وماتت اليقطينة (يون 8:4). ونجد سمعان الشيخ يطلب الموت لنفسه لكن في موقف يختلف تمامًا عن كل ما سبق، حيث يطلبه وهو في فرحه بالخلاص فقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك (لو 2: 29، 30)".
وليس هؤلاء فقط فبولس الرسول يطلب نفس الطلب ولكنه في مجد الخدمة حيث يصرح ويقول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم (فل 1: 23)".
وساره بنت راعوئيل تطلب الموت لنفسها من شدة التجربة الحالَّة بها فتقول: "أتوسل اليك يا رب أن تحلني من وثاق هذا العار أو تأخذني عن الأرض (طو 15:3)".
ويعقوب أب الآباء بعدما رأى ابنه يوسف أي بعدما انتهت تجربته فيقول: "أموت الآن بعدما رأيت وجهك - أي يوسف - أنت حيٌ بعد (تك 30:46)" أي لا يخشى الموت بعد فرحه برؤية ابنه.

 ونلاحظ أن الله لم يستجب لأحد من كل هؤلاء في هذه الطلبة، باستثناء سمعان الشيخ، الذي كان قد أخذ وعدًا من قبل بأن لا يرى الموت قبل أن يعاين المسيح الرب (لو 29:2)، فكانت طلبته قائمة على معرفة تامة لإرادة الله. أما الباقين فكانت استجابة الله لهم تختلف بحسب ضيقة كل منهم، وفي حينها أيضًا. فنجد الله مثلًا، يسمح لموسى أن يقيم سبعين شيخًا ليساعدوه في شئون بني إسرائيل (عدد 11: 17، 25)، ولكن الله أخذ من روحه القدوس الذي سكبه على موسى وأعطاهم. ونراه بسبب ضعف إيمان إيليا النبي أمره الله بإقامة أليشع النبي عوضًا عنه. ويمسح ياهو بن نمشى ملكًا على إسرائيل، وحزائيل على آرام، لكي يقوما بتأديب بيت أخآب (1 مل 19: 15-18). واعلن له أنه قادر على حمايته وحفظ حياته كما حفظ سبعة آلاف إنسان لم يجثوا للبعل ولا قبلوا فمه.

فإن كان لك مشكلة تؤرق حياتك، وتجعلها جحيمًا، فبدلًا من أن تجعلها تحاصرك لتقذف بك في هاوية اليأس ضعها بين يدي الله، وهو القادر على حلَّها، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمنًا (مر 11: 24،23).

 تجربة سارة (طو 3: 7-10):

عادة نجد ان كل "روح الإنسان تحتمل مرضه، أما الروح المكسورة فمن يحملها (أم 14:18)". فإن كانت تجربة طوبيا هي في الجسد، فإننا نجد تجربة سارة هي تجربة نفسية - وسارة هي ابنة راعوئيل الذي سكن في راجيس إحدى مدن الماديين وهو قريب لطوبيا - فنجدها وقد عقد لها على سبعة رجال، واحدًا تلو الآخر، ولكنهم جميعًا يموتون في ليلة زفافهم. فكانت نفسها مُرة للغاية، وخاصة بعدما عيرتها إحدى جواري أبيها قائلة لها: "لا رأينا لك ابنًا ولا ابنة يا قاتلة أزواجها أتريدين أن تقتليني كما قتلت سبعة رجال (طو 2: 9،10)". فالتجارب التي تكون في الجسد، الكل يراها، وأحيانًا يشفق على صاحبها ويعمل على راحته. أما التجارب النفسية لا تكون ظاهرة للكل. واحيانًا كثيرة لا تكون سبب شفقة ولكن تعييرًا لاذعًا، وتهكمًا عنيفًا، ومادة للتسلية والضحك وخاصة في مجتمعنا الشرقي -للأسف الشديد- مما يسبب زيادة آلام ومعاناة صاحبها، ولذلك يتساءل الحكيم "أما الروح المكسورة فمن يحملها"؟!

ولعل البعض كان يُصَوٍّر سارة وكأنها معشوقة لإبليس. الذي يطلق عليه أزموداوس والذي يعني المهلك. ولذلك يقتل أي إنسان يريد الزواج منها قبل أن يعرفها. وكمْ كانت هذه الكلمة تؤذيها فهي كابنة لله تعرف بأنه لا خلطة بينها وبين الشيطان (2 كو 14:6).

ثانيًا: الشيطان روح وليس له جسد فكيف يعاشر من له جسد؟!

ثالثًا: الشياطين ليس بينهم ذكور وإناث.

رابعًا: الزواج لا يتم إلا بين كائنات لها نفس الجسد الواحد.

فبقدر ما كانت هذه الكلمة -معشوقة أزموداوس- تؤلمها، بقدر ما تتعجب كيف طمست عيونهم عن معرفة هذه الحقائق.

ونلاحظ أن السفر لا يصور إبليس كعاشق لها، وإنما كمجرب يجرب الإنسان بنوع من التجارب التي يتعرض لها في مدة غربته على الأرض بسماح من الله. ولكن هذا هو تفسير الإنسان عادة للأمور المخفاة عنه، والتي لا يعرف لها سببًا. ونرى في تجربة كل من سارة وطوبيا أنه لم يقف أحد بجانبهما معطيًا لهما يد العون. فلا تحزن يا صديقي المجرَّب إن لم تجد يد المعونة البشرية ممتدة نحوك.

نعم لا تحزن، فكل من أختبر التجربة خرج بهذه النتيجة "الجميع تركوني. لا يحسب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقواني (2 تي 4: 16-17)". ولذلك نجد المرتل يقول عنهم: "أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيدًا (مز 11:38)". وهو نفس المنظر الذي تكرر عند صليب المسيح حيث "كان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك (لو 49:23)"، وحتى عندما تجرأ يوحنا الحبيب وتقدم بالقرب من الصليب هو، وبعض النسوة لم يقدم شيئًا للمسيح بل أخذ منه أعظم هدية. وهي أمومة السيدة العذراء له (يو 27:19). ولذلك قال السيد المسيح على لسان إشعيا النبي: "قد دست المعصرة وحدى ومن الشعوب لم يكن معي أحد (أش 13-3)". وعندما يأتي أحد للتعزية لا يكون في الغالب سبب تعزية، وإنما لتجديد الجراح التي بدأت أن تلتئم، أو وصف أدوية لا تؤدي إلى الشفاء، وإنما تزيد المتاعب. والوقوع في بعض الاخطاء. ولذلك وصفهم أيوب قائلًا مُعَزون متعبون كلكم (أي 2:16).

 لكن نرى الله دائمًا، يُرسل معزيًا حقيقيًا، وفي الوقت المناسب، مثل إرسال أنسيفورس إلى بولس الرسول الذي قال عنه: "إنه مرارًا كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي (2 تي 16:1)". وكما أرسل شوبي بن ناحاش وماكير بن عمائيل وبرزلاي الجلعادي لداود عند هروبه من إبشالوم ابنه الذي تمرد عليه، وقاد محاولة إنقلاب فاشلة في المملكة (2 صم 17: 27- 29)، وكما أرسل عبد الملك الكوشى لإرميا النبي عندما طرحه بعض القادة السياسيين في جب موحل لكي يموت به (أر 38: 6- 13).

فأرجوك يا صديقي لا تنتظر المعونة البشرية ولا تتكل عليها لأنه مكتوب "ملعون كل من يتكل على ذراع بشر (أر 5:17)"، بل انتظر المعونة النازلة من فوق من عند أبي الأنوار (يع 17:1).

وكما انتصر طوبيا في تجاربه. هكذا نجد سارة أيضًا تنتصر في تجربتها من خلال تمسكها بالفضيلة (طو 3: 17-18)، وعدم جريها وراء أي دواء زائف يقدم لها من أي شخص. مثل الجري وراء العرافين والسحرة وغيرهم، ولكنها طلبت دوائها من طبيب أرواحنا، ونفوسنا، وأجسادنا والذي قال عن نفسه "أنا هو الرب شافيك (خر 26:15)".

وفي طوبيا (3: 10) نجد سارة قد قرنت الصلاة بالصوم متممة قول يوئيل النبي: "قدسوا صومًا نادوا باعتكاف (يؤ 13:1)".

 صلاة سارة:

وفي طوبيا (3: 13- 23) يوضح لنا كيف ختمت صومها، وصلاتها بجزء عميق جدًا. فهو يشرح لنا كيف كانت سارة تفكر تجاه تجربتها، وكم كان رجاؤها بالله قويًا فهي تبتدئ بمباركة الله، وتختتمها أيضًا بمباركته (طو 3: 13-23)، ومن خلال صلاتها توضح خطة الله في تأديب أولاده" حيث تعلن أنه بعد غضبه يصنع الرحمة وفي زمان البؤس يغفر الخطايا للذين يدعونه". وهذا هو ما طلبه حبقوق النبي أيضًا حيث يناجي الله قائلًا "في الغضب أذكر الرحمة (حب 2:3)". وبقولها هذا تذكرنا بمعاملات الله نحو البشرية، حيث وهو في غضبه يهتم بها. من خلال اهتمامه بنوح وأسرته أثناء الطوفان. وكيف أشفق على لوط وأسرته عندما أحرق سدوم وعمورة بنار وكبريت متذكرًا إبراهيم أب الآباء وكيف وقف أمامه (خر 19: 29،16 و18: 23-33). وأشعياء النبي يؤكد هذا الكلام أيضًا فيقول: "طيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل أن اثمها قد عُفِيَ عنه أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها (إش 2:40)". ويكرر نفس الفكرة في موضوع آخر قائلًا: "لُحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة، وبإحسان ابدي ارحمك قال وليك الرب (إش 45: 7، 8).

ونجد في الأعداد (طو 3: 16-22) أن سارة بعدما حاسبت نفسها بطريقة جادة أمام فاحص القلوب والكلى (رؤ 23:2)، والذي الكل مكشوف وعريان امامه (عب 13:4)، تفترض أن تجربتها كانت بسبب عدم استحقاقها لأحد هؤلاء، أو لم يكن أحدًا منهم مُستحقًا لها، وبذلك يكون الله قد حفظها لرجل أخر خلاف كل هؤلاء.

 ما أجملك أيتها الإنسانة البارة، نعم ما أجملك، وأنت تعي كلمات الله جيدًا وتستعملينها في حديثك معه، كحجة دامغة تعولين عليها عندما اشتدت عليك التجربة، ولم تقو بعد على احتمالها. فها أنت تعلمين جيدًا "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا، أو من سبق فأعطاه فيكافأ (رو 11: 33-35)"، وتُعلنين بعض الحقائق واحدة تلو الأخرى لكي ما تعزي نفسك في هذه التجربة، وتعزي كل نفس تقرأ صلاتك عندما تكون في تجربة.

الحقيقة الأولى هي: "أن من يعبد الله يوقن أن حياته إن انقضت بالمحن فستفوز بإكليلها". هذا الإكليل الذي قال عنه بولس الرسول: "أخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا (2 تي 8:4)". ويصفه في موضع آخر بأنه إكليل لا يفنى (1 كو 25:9)، ويصفه القديس بطرس الرسول بأنه إكليل المجد (بط 4:5). أما القديسان يعقوب ويوحنا يصفانه بأنه إكليل الحياة (يع 12:1، رؤ 10:2).

الحقيقة الثانية هي: "إن من حلت به الشدة فسينقذ" ما أكثر الأمثلة التي نعرفها من خلال الكتاب المقدس. أو من خبرة الحياة في كل العصور بأن من يعبد الله وحلت به التجارب فدائمًا ينقذه الله مثل: يوسف الصديق وأيوب البار ودانيال النبي...الخ، لأن ابواب الجحيم لا تقوى على كل نفس متحدة بالله (مت 18:16).

الحقيقة الثالثة: التي تطالب بها سارة الله بالأكثر في صلاتها الآن هي "أن مَنْ عرض على التأديب فله أن يرجع إلى رحمتك "لأنك ترحم - أي الله - عند غضبك". ما أكثر المواقف التي تشرح لنا هذا المقطع من صلاتها، ولكن أكثرها إيضاحًا هو ما جاء على لسان الله ذاته حينما خاطب داود من جهة ابنه سليمان قائلًا: "أن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك (2 صمو 7: 15،14)".
وها هو داود الملك عندما أخطأ وعدّ الشعب لكي يفتخر بعددهم، ولم يأخذ الفدية المفروضة عند تعداد الشعب لتقدم لخدمة خيمة الاجتماع (خر 30: 11-16)، يصرح ويقول لجاد النبي "فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان (2 صم 14:24)". ولذلك نجد ميخا النبي يناجي الله قائلًا: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الابد غضبه فإنه يُسَر بالرأفة يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم تصنع الأمانة ليعقوب والرأفة لإبراهيم اللتين حلفت لآبائنا منذ أيام القدم (7: 18-20)".

 الحقيقة الرابعة: هي "أنك لا تُسَر بهلاكنا" فإنه لو أظهر الله بعض القسوة من نحونا فذلك لمنفعتنا الخاصة. ولكنه لا يسلمنا أبدًا للهلاك، لأن كل من يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. فإن كنا نحتمل التأديب يعاملنا الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه ابوه. ولقد كان لنا أباء حسب الجسد مؤدبين إيانا وكنا نهابهم أفلا نخضع بالأولى لأبي الأرواح فنحيا لأن أولئك أدَّبونا ايامًا قليلة حسب استحسانهم وأما الله فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته (عب 12: 6-10). فالأم مثلًا تقسو على رضيعها لكي تفطمه فهي لا تريد هلاكه من خلال فطامه عن ثديها، لكنها تعطيه طعامًا لكي يَشُبَّ هذا الطفل ويكون إنسانًا طبيعيًا مع إن الطفل لا يدرك كل ذلك.

فإلهنا الذي لا يسر بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز 18: 23-32) فيقبل الجميع إلى التوبة (2 بط 9:3) فيخلصون. ولمعرفة الحق يقبلون (1 تي 4:2). يضطر إلى تعرضنا لبعض التجارب لنستفيق من غفلتنا. ونتوب عن خطايانا. ولذلك نجد الله لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين لكي لا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم (مز 3:125).

الحقيقة الخامسة: هي "أن الله يلقي السكينة بعد العاصفة وبعد البكاء والنحيب يفيض بالتهليل" نعم أنك يا رب تفيض دائمًا بالتهليل على أولادك، منها على سبيل المثال: ها هو يوسف الصديق الذي بيع كعبد، وسجن ظلمًا ما يزيد عن ثلاث سنوات، سُرعان ما انقشعت تجربته وصار الرجل الثاني لمصر -وهو الذي لم يكن يتوقع مركزًا مثل هذا عندما كان حرًا في بيت أبيه- ومن باعوه كعبد أتوا وسجدوا له تحت قدميه. والسيد المسيح يصف إبراهيم أب الآباء عندما جُرب قائلًا: "أبوكم إبراهيم أشتهى أن يرى يومي -أي يوم الخلاص- فرأى وفرح (يو 56:8)". فمتى حدث هذا؟! ذلك حدث عندما تقدم لذبح ابنه إسحق، ليقدمه محرقة للرب - ففرح جدًا، عندما انتهت تجربته وعاد بابنه حيًا، حتى انه أطلق على الجبل الذي كان سيذبح أسحق عليه "يهوه يراه" وهكذا دُعىّ اسم هذا الجبل إلى يوم كتابة سفر التكوين جبل الرب يرى (تك 14:22).

وبعدما اتت التجربة بالغرض الذي من أجله سمح الله بها، كانت استجابته لهما سريعة جدًا. فأرسل ملاكه روفائيل لهما لكي يخلصهما. كما أرسل الملاك جبرائيل إلى دانيال ليعلن له استجابة صلاته، وكما أرسله إلى زكريا الكاهن لكي يعلن له أن صلاته قبلت وقد حان الوقت لكي ينجب ابنًا ويدعو اسمه يوحنا (لو 1: 11-19).