يعقوب يبارك أفرايم ومنسي ++ القمص تادرس يعقوب



تامل من سفر التكوين 48 ++ القمص تادرس يعقوب

يعقوب يبارك أفرايم ومنسي

إن كان يعقوب يعترف ببركات الله عليه حينما يتقدم ليبارك بنيه وأحفاده، فإن يوسف ابنه كأبيه يعترف أن أبنيه هما عطية الله له.

طلب يعقوب من يوسف أن يقدم له أبنيه، وإذ قربهما إليه قبّلهما واحتضنهما أما هما فسجدا مع أبيهما يوسف أمام يعقوب. مدّ يعقوب يده اليمنى على أفرايم الأصغر الذي أوقفه يوسف عن يسار يعقوب، ومدّ يساره ليضعها على رأس الأكبر منسي الواقف عن يمينه، وصار يباركهما ببركة الله إله أبويه إبراهيم وإسحق، وقد طلب في البركة الآتي:

أولًا: أن تحل بركة الله على يوسف خلال أبنيه (الغلامين)، فحُسبت البركة ليوسف مع أن يديه ممتدتين على أفرايم ومنسي. وكأن كل بركة إلهية تمتد في حياة أفرايم (الثمر المتكاثر) ومنسي (نسيان العالم). تظهر بركة الله في حياة النمو المستمر والثمر المتزايد كما تظهر في نسياننا لمحبة العالم، أي تتجلى في الجانب الإيجابي كما السلبي.

ثانيًا: أن تحل عليهما بركة الملاك الذي خلصه من الشر وقت الضيقة... فإن الله يعلن بالأكثر رعايته وسط الآلام. لا ينزع الضيقات من أولاده إنما يسندهم وينجيهم.

ثالثًا: أن يُدعى عليهما اسم يعقوب واسما إبراهيم وإسحق، وقد تحقق ذلك إذ صار كل منهما سبطًا منسوبًا ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم.

رابعًا: طلب لهما أن يكثرا كثيرًا في الأرض .

إن كان يوسف قد تهلل جدًا بالبركة التي تقبلها من أبيه في شخص ابنيه لكن الأمر ساء في عينيه، وقد أمسك بيدي أبيه ليحول يمينه إلى منسي الأكبر ويساره إلى أفرايم وكان يظن أنه يصحح وضعًا لا يفطن له أبوه، أما الأخير فأبى أن يغير مؤكدًا لابنه أن الله كشف له عن سر عظمة الأصغر بقوله: "علمت يا ابني علمت. هو أيضًا يكون شعبًا، وهو أيضًا يصير كبيرًا ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه ونسله يكون جمهورًا عظيمًا". ماذا يعني يعقوب بهذا؟

أ. لقد علم يعقوب أن أفرايم الصغير يكون أعظم من منسي، إذ يكون نسله جمهورًا عظيمًا، وقد تحقق هذا في أول إحصاء عُمِلَ في أيام موسى حيث كان عدد المجندين من أفرايم ٤٠٥٠٠ نسمة بينما من منسي ٢٢٢٠٠ نسمة (عد ١: ٣٢، ٣٥). هذا وقد عاش منسي منقسمًا نصفه شرقي الأردن والآخر غربه وكان ذلك علة تفككه وضعفه، كما أن اختلاط الجزء الساكن في شرقي الأردن بالشعوب الوثنية عرضة لعبادة الأوثان أكثر من غيره (٢ أي ١٥: ٩؛ ٣٠: ١). أما أفرايم فكان قويًا حتى أنه كثيرًا ما دعيت المملكة الشمالية (إسرائيل) باسم "أفرايم". من هذا السبط خرج يشوع بن نون (عد ١٣: ٨)، وكان لهم نشاط ملحوظ في عصر القضاة في أيام دبورة النبيه وجدعون ويفتاح، وجاء صموئيل النبي منهم (قض ٥، ٨، ١٢؛ 1 صم ١)...

وكانت شيلوه من مدنهم موضعًا مقدسًا لخيمة الاجتماع لفترة طويلة من الزمن الخ...

ب. في وضع يعقوب يديه كان يضع صليبًا على رأسيهما، وكأن سرّ البركة الحقيقية هو "ذبيحة الصليب".

ج. تفضيل الأصغر عن الأكبر كما رأينا في كثير من المواقف إنما كان يشير إلى مجيء آدم الثاني الذي يحتل البكورية بينما يفقد آدم الأول بكوريته، فالله لا يهمه بكورة الجسد إنما يطلب عمل الروح... هكذا قبل الله ذبيحة هابيل الابن الأصغر ورفض تقدمة الابن الأكبر قايين (تك ٤)، وتمتع يعقوب نفسه بالبكورية وبركة أبيه إسحق في الرب وحرم منها أخوه البكر عيسو، وبنفس الفكر تمتع أبوه إسحق بالبركة أما إسماعيل الأكبر جسديًا فلم يرث معه... وفي دراستنا لإنجيل متى البشير رأينا السيد المسيح يأتي من نسل أغلبهم لا يحملون بكورية جسدية.

يقول القديس أغسطينوس: بأن يعقوب صنع هذا مقدمًا بركة خفية للأصغر، بها صار الأول أخيرًا والأخير أولًا نبوة عما حدث عند مجيء السيد المسيح. لقد فُضل هابيل عن أخيه الأكبر قايين، وإسحق عن إسماعيل، ويعقوب عن عيسو، وداود عن إخوته الأكبر منه، والمسيحيون عن اليهود السابقين لهم .

كما يقول أيضًا: كما استخدم أبنا إسحق أي عيسو ويعقوب كرمزين لشعبي اليهود والمسيحيين... هكذا حدث ذات الأمر بالنسبة لابني يوسف. فكان الأكبر رمزًا لليهود والأصغر للمسيحيين.

لقد تبارك منسي بكونه يمثل كنيسة العهد القديم وقد صار كبيرًا في عيني الله إذ عاش بالإيمان يتقبل الناموس والنبوات والمواعيد الإلهية في وقت كان العالم ملقى في أحضان الوثنية ورجاساتها. لكن جاء أفرايم الحقيقي أي الكنيسة العهد الجديد التي صارت أكبر وتضم جمهورًا من الأمم والشعوب.

ختم يعقوب بركته لهما بقوله: "بك يبارك إسرائيل قائلًا: يجعلك الله كأفرايم وكمنسي" .. وكأن الله يبارك البشرية خلال كنيستي العهد الجديد والقديم، اللتين هما في الحقيقة كنيسة واحدة مجتمعة معًا في المسيح يسوع المصلوب تحت ذراعي يعقوب (على شكل صليب).