مذكرات في تاريخ الكنيسة المسيحية +++ القمص ميخائيل جريس ميخائيل
القرن الأول ... العصر الذي ولد فيه السيد المسيح
الحكام: 1- أغسطس قيصر
Augusts Caesar هو أول من انشأ النظام الإمبراطوري في روما، وكان أول إمبراطور للدولة الرومانية، وقد اشتهر بعد ذلك باسم اغسطس، ثم اصبح اسمه أغسطس قيصر. وكان أغسطس في الثامنة عشرة من عمره حين ورث سلطان قيصر، وكان نحيف الجسم، سقيم البنية، غير منسق التقاطيع، يشكو من أمراض عديدة، ويتعثر في مشيته بسبب داء في ساقيه. ومع ذلك كان يطلق العنان لشهواته، غائصًا في التهتك والمجون، ويرتكب أبشع الأعمال وأفظع الجرائم في فظاظة بشعة وغلظة لا رحمة فيها ولا وخز ضمير، فكان مثالًا صادقًا وصارخًا للحاكم الروماني، وقد اتصف بكل ما اشتهر به الطغاة الجبابرة في كل عصور التاريخ، فأمكنه بذلك أن يقبض على زمام إمبراطوريته المترامية الأطراف بيد من حديد، وظل زهاء نصف قرن من الزمان هو الحاكم بأمره في العالم كله وقد عاد أغسطس إلى روما عقب انتصاره على انطونيوس في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، واستيلائه على مصر، فاستقبله الرومان استقبالا منقطع النظر، وقد بهرهم بانتصاريه العظيمة وغنائمه الضخمة التي جاء بها من مصر، وأغدقها على العامة والجنود فلم يسع مجلس الشيوخ إلا الرضوخ له والتخلى عن كل سلطاته إليه، فأصبحت في يديه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية مجتمعة.
وفي عام 27ق. م. أسبغ عليه مجلس الشيوخ لقبا كان قاصرا من قبل على الآلهة، وهو لقب " أغسطس " وإذ كان اسم قيصر قد أصبح لقبا للأباطرة، أضيف إلى لقبه الأول فأصبح يسمي (أغسطس قيصر). وبالرغم من أنه كان يسمي نفسه (زعيمًا) فحسب، فقد أصبح ملكًا بالفعل وإن لم يسبغ على نفسه هذه الصفة، بل أصبح ملك الملوك، بوصفه إمبراطور الدولة الرومانية. ثم لم يلبث مجلس الشيوخ أن أعتبره إلهًا وأضاف اسمه إلى أسماء الآلهة الرسميين لروما، وأصبح يوم ميلاده يومًا مقدسًا تقام فيه الطقوس لعبادته والتوجه إليه بالصلوات والترانيم. وقد بلغ من إيمان بعض الرومان به أنهم وهبوا حياتهم له فقطعوا على أنفسهم عهدًا بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. ويقول سونونوس "إن الناس جميعًا على اختلاف طوائفهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا والقرابين في عيد رأس السنة".
ثم سرعان ما امتدت عبادة أغسطس من روما إلى غيرها من الولايات الرومانية وقد اتخذت بعض ولايات آسيا عبادته ديانة رسمية لها وعينت لخدمة مذبحة طائفة جديدة من الكهنة اسمهم الأغسطيون. بل لقد زعم البعض أنه هو المسيح ابن الله المُنتظر. وهكذا أصبح ذلك الفاسق الزاني، والآثم الظالم، عند الرومان وأتباع الرومان، إلهًا ابن إله، وأصبح في زعمهم هو الذي ينتظره العالم كي يخلص البشر.
وقد ظلت الدولة الرومانية في عهد أغسطس دولة رأسمالية يسيطر عليها كبار الأغنياء من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان وكان الإمبراطور هو الرأسمالي الأول في الدولة فكان أغنى أغنيائها وقد أعتبر أموال الدولة كلها أمواله، فاختلطت خزانة الدولة بخزانته الخاصة، واصبح يتصرف في موارد الدولة بنفس الطريقة التي يتصرف بها في موارده الشخصية، وقد ترك هذه وتلك في أيدي عبيده الخصوصيين بغير حسيب ورقيب، ومن ثم سيطر عبيده على كل شئون الدولة، وأصبح بأيديهم الأمر والنهي في طول البلاد وعرضها. وكان أغنى الناس في روما بعد الإمبراطور هم أقاربه، وأصدقائه الذين تربطه بهم أوثق الصلات، إذ كان الإمبراطور هو الوسيلة السحرية إلى الثروة التي لا حدود لها. أما سخطه فكان وسيلة الخراب والهلاك.
وقد تزايد الأثرياء في روما في عهد اغسطس فتزايد الفساد وأشتد انحطاط أخلاق الرجال وانحلال النساء، واضمحلال الروابط بين الزوج وزوجته والوالد وولده، فأنطلق كل منهم في سبيل، واطلق كل منهم العنان لشهواته لا يردعه رادع ولا يدفعه دافع من عقل ومن ضمير. وقد زهد أغلب الرجال والنساء على السواء في رباط الزوجية فأصبحت العلاقات غير الشرعية هي السائدة، واصبح الزنا هو القاعدة، كما زهد الجميع في إنجاب الأبناء، فأصبحوا يمنعون الحمل ويجهضون الحوامل ويقتلون الأطفال بعد ولادتهم.
وقد تفاقم هذا كله حتى أصبح يهدد الرومان بالاندثار وأصبح يهدد الدولة الرومانية بالانهيار، ومن ثم سارع أغسطس قيصر إلى إصدار سلسة من التشريعات محاولًا أن يوقف هذا الطوفان قبل فوات الأوان، فمنع الزنى بقانون، وأعطى الحق للأب في أن يقتل أبنته الزانية مع شريكها، كما اعطي الحق للزوج في أن يقتل زوجته الزانية مع شريكها كذلك، وأوجب على زوج الزانية أن يبلغ عنها وإلا تعرض للعقاب.
أما زوجة الزاني فلا يحق لها أن تبلغ عنه لأن القانون يبيح له الاتصال بالعاهرات. وقد أصبح الزواج مفروضًا بحكم القانون على كل الصالحين له من الرجال والنساء، وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة، منها الحرمان من الميراث، والحرمان من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة، بيد أن هذه القوانين قد أغضبت الرومان جميعًا بغير استثناء، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن الذي أقترحها هو (مانساس) الذي كان مضرب الأمثال في الفجور والفحشاء، وكانت زوجته عشيقة أغسطس نفسه من أكثر الرومان عهرًا وعارًا، وكانت الفضائح التي تحدث في بيته تزكم أنوف القريبين والبعيدين في كل أنحاء الإمبراطورية، وكانت له أبنه وحيده تدعى جوليا ملأت روما بأخبار زناها وخيانتها لأزواجها المتعاقبين وانتقالها من عشيق لعشيق وعربدتها التى كانت تملأ السوق العامة صخبًا وضجيجًا طول الليل. ولذلك سخر الرومان من أغسطس قائلين: كيف يريد بقوانينه أن يصلح أخلاق الدولة كلها، بينما هو عاجز عن إصلاح الأخلاق في بيته.
ومن ثم أضطر أغسطس أن يبعد أبنته جوليا عن روما. ولكن جوليا كان لها ابنه لم تلبث أن بدأت تسلك مسلك أمها وتثير الفضائح كذلك فأضطر كذلك أغسطس أن يبعدها عن روما هي الأخرى. وهكذا فشلت قوانين أغسطس وقد فشل في إصلاح أخلاق بيته وأخلاق دولته، لأنه هو نفسه – ككل الرومان – كان فاسد الأخلاق، وكانت الفضيلة والرذيلة عنده سواء.
وحين انتصر اغسطس على انطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد ، أصبح الطريق مفتوحًا أمامه للاستيلاء على مصر والقضاء على البطالمة، الذين كان قد زعزع كيانهم وضعضع قوتهم تطاحنهم فيما بينهم وثورة الشعب المصري عليهم، فضلًا عن انحرافهم وانصرافهم إلى حياة التهتك والخلاعة والمجون، ولا سيما كيلوباترا التي جعلت عرشها عش غرام لها، وجعلت من انوثتها وسيلة لتحقيق مطامعها، فسقطت في هوة عارها، وسقطت مصر معها بين براثن الرومان، فأستولي أغسطس عليها دون مقاومة في أول أغسطس عام 30 قبل الميلاد، وأصبحت ولاية رومانية منذ ذلك التاريخ، ولكنها ولاية ذات مركز خاص نظرًا لأهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية، وموقعها الممتاز وصلابة اهلها الذين لم يستسلموا أبدأ للغاصبين ويستكينوا للغزاة وأنما كانوا على الدوام – رغم وداعتهم – حربًا على الغاصبين وكانت بلادهم مقبرة للغزاة. ولذلك جعلها أغسطس تحت إشرافه المباشر، بل أعتبرها ملكًا خاصًا له، فأبعد عنها كل نفوذ مجلس الشيوخ، بل لقد منع أعضاء ذلك المجلس من زيارتها إلا بعد استئذانه.
وقد ظل المبدأ مراعيًا حتى بعد موت أغسطس، فقد حدث أن أرسل الإمبراطور طيباريوس ولي عهده جرمانيكوس إلى الشرق لتنظيم بعض ولاياته فلما سمع أنه أنتهز الفرصة وزار مصر عنفه تعنيفًا شديدًا لأنه فعل ذلك دون استئذانه. وبذلك ضمن الإمبراطور سيطرته الكاملة على مصر، وحال دون تطلع أي حاكم روماني إلى الاستقلال بحكمها كما سبق أن أستقل بطليموس بحكمها عن عرش مقدونيا. وقد عين أغسطس نائبًا عنه في مصر من مصر ووارث عرش الفراعنة. وقد امر برسم صورته على الآثار مقرونة بالألقاب الإلهية التي كانت مألوفة في الولايات الرومانية كلها، وعقد لواء قيادتها لحاكم مصر الذي كان مسئولًا أمامه عن كل الشئون العسكرية والإدارية والمالية والقضائية في البلاد، وكان أول حاكم عينه أغسطس لمصر هو كورنيليوس جاللوس.
ولم يكتف أغسطس بالقوة وحدها للسيطرة على سكان مصر، وإنما لجأ كذلك إلى السياسة والدهاء، فطبق المبدأ الخبيث الذي طالما طبقة الغزاة والمستعمرون في كل العصور، وهو مبدأ (فرق تسد) وإذ كان سكان مصر يتألفون من المصريين ومن عدد كبير من اليونان واليهود. ولما كان أغسطس قد أصبح معدودًا ضمن الآلهة في روما وأصبح يتعين على الرومان وسكان الولايات عبادته مع آلهتهم فقد أقام تماثيله في مصر ليعبدها المصريون.
وهكذا ظل أولئك البائسون عبيدًا لكل حاكم يحكمهم وعابدين لكل زاعم أنه إله. وفي عهد أغسطس ولد يسوع المسيح في بيت لحم، وهي إحدى مدن اليهودية بفلسطين، وإذ كانت أمه مريم العذراء من مدينة الناصرة إحدى مدن الجليل، وقد ذهبت مع خطيبها يوسف للاكتتاب فجاءها المخاض وولدت أبنها هناك.
وقد جاء في الكتاب المقدس أنه (في تلك الأيام صدر امر أغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جري إذ كان كيرينيوس والي سورية، فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد في مدينته، فصعد يوسف أيضًا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعي بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت أبنها البكر) " لوقا 2: 1 – 7 ". وحين علم هيرودس ملك اليهودية بميلاد يسوع من بعض المجوس الذين قالوا له إن هذا الطفل سيكون ملكًا لليهود، تملكه الذعر، وأمر بقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من سنتين فما دون عسى أن يقتل يسوع من بينهم. وحينئذ أخذ يوسف الطفل وأمه وهرب إلي مصر عن طريق صحراء سيناء.
القرن الأول ... العصر الذي ولد فيه السيد المسيح
الحكام: 1- أغسطس قيصر
Augusts Caesar هو أول من انشأ النظام الإمبراطوري في روما، وكان أول إمبراطور للدولة الرومانية، وقد اشتهر بعد ذلك باسم اغسطس، ثم اصبح اسمه أغسطس قيصر. وكان أغسطس في الثامنة عشرة من عمره حين ورث سلطان قيصر، وكان نحيف الجسم، سقيم البنية، غير منسق التقاطيع، يشكو من أمراض عديدة، ويتعثر في مشيته بسبب داء في ساقيه. ومع ذلك كان يطلق العنان لشهواته، غائصًا في التهتك والمجون، ويرتكب أبشع الأعمال وأفظع الجرائم في فظاظة بشعة وغلظة لا رحمة فيها ولا وخز ضمير، فكان مثالًا صادقًا وصارخًا للحاكم الروماني، وقد اتصف بكل ما اشتهر به الطغاة الجبابرة في كل عصور التاريخ، فأمكنه بذلك أن يقبض على زمام إمبراطوريته المترامية الأطراف بيد من حديد، وظل زهاء نصف قرن من الزمان هو الحاكم بأمره في العالم كله وقد عاد أغسطس إلى روما عقب انتصاره على انطونيوس في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، واستيلائه على مصر، فاستقبله الرومان استقبالا منقطع النظر، وقد بهرهم بانتصاريه العظيمة وغنائمه الضخمة التي جاء بها من مصر، وأغدقها على العامة والجنود فلم يسع مجلس الشيوخ إلا الرضوخ له والتخلى عن كل سلطاته إليه، فأصبحت في يديه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية مجتمعة.
وفي عام 27ق. م. أسبغ عليه مجلس الشيوخ لقبا كان قاصرا من قبل على الآلهة، وهو لقب " أغسطس " وإذ كان اسم قيصر قد أصبح لقبا للأباطرة، أضيف إلى لقبه الأول فأصبح يسمي (أغسطس قيصر). وبالرغم من أنه كان يسمي نفسه (زعيمًا) فحسب، فقد أصبح ملكًا بالفعل وإن لم يسبغ على نفسه هذه الصفة، بل أصبح ملك الملوك، بوصفه إمبراطور الدولة الرومانية. ثم لم يلبث مجلس الشيوخ أن أعتبره إلهًا وأضاف اسمه إلى أسماء الآلهة الرسميين لروما، وأصبح يوم ميلاده يومًا مقدسًا تقام فيه الطقوس لعبادته والتوجه إليه بالصلوات والترانيم. وقد بلغ من إيمان بعض الرومان به أنهم وهبوا حياتهم له فقطعوا على أنفسهم عهدًا بأن يقتلوا أنفسهم حين يموت. ويقول سونونوس "إن الناس جميعًا على اختلاف طوائفهم وطبقاتهم كانوا يقدمون له الهدايا والقرابين في عيد رأس السنة".
ثم سرعان ما امتدت عبادة أغسطس من روما إلى غيرها من الولايات الرومانية وقد اتخذت بعض ولايات آسيا عبادته ديانة رسمية لها وعينت لخدمة مذبحة طائفة جديدة من الكهنة اسمهم الأغسطيون. بل لقد زعم البعض أنه هو المسيح ابن الله المُنتظر. وهكذا أصبح ذلك الفاسق الزاني، والآثم الظالم، عند الرومان وأتباع الرومان، إلهًا ابن إله، وأصبح في زعمهم هو الذي ينتظره العالم كي يخلص البشر.
وقد ظلت الدولة الرومانية في عهد أغسطس دولة رأسمالية يسيطر عليها كبار الأغنياء من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان وكان الإمبراطور هو الرأسمالي الأول في الدولة فكان أغنى أغنيائها وقد أعتبر أموال الدولة كلها أمواله، فاختلطت خزانة الدولة بخزانته الخاصة، واصبح يتصرف في موارد الدولة بنفس الطريقة التي يتصرف بها في موارده الشخصية، وقد ترك هذه وتلك في أيدي عبيده الخصوصيين بغير حسيب ورقيب، ومن ثم سيطر عبيده على كل شئون الدولة، وأصبح بأيديهم الأمر والنهي في طول البلاد وعرضها. وكان أغنى الناس في روما بعد الإمبراطور هم أقاربه، وأصدقائه الذين تربطه بهم أوثق الصلات، إذ كان الإمبراطور هو الوسيلة السحرية إلى الثروة التي لا حدود لها. أما سخطه فكان وسيلة الخراب والهلاك.
وقد تزايد الأثرياء في روما في عهد اغسطس فتزايد الفساد وأشتد انحطاط أخلاق الرجال وانحلال النساء، واضمحلال الروابط بين الزوج وزوجته والوالد وولده، فأنطلق كل منهم في سبيل، واطلق كل منهم العنان لشهواته لا يردعه رادع ولا يدفعه دافع من عقل ومن ضمير. وقد زهد أغلب الرجال والنساء على السواء في رباط الزوجية فأصبحت العلاقات غير الشرعية هي السائدة، واصبح الزنا هو القاعدة، كما زهد الجميع في إنجاب الأبناء، فأصبحوا يمنعون الحمل ويجهضون الحوامل ويقتلون الأطفال بعد ولادتهم.
وقد تفاقم هذا كله حتى أصبح يهدد الرومان بالاندثار وأصبح يهدد الدولة الرومانية بالانهيار، ومن ثم سارع أغسطس قيصر إلى إصدار سلسة من التشريعات محاولًا أن يوقف هذا الطوفان قبل فوات الأوان، فمنع الزنى بقانون، وأعطى الحق للأب في أن يقتل أبنته الزانية مع شريكها، كما اعطي الحق للزوج في أن يقتل زوجته الزانية مع شريكها كذلك، وأوجب على زوج الزانية أن يبلغ عنها وإلا تعرض للعقاب.
أما زوجة الزاني فلا يحق لها أن تبلغ عنه لأن القانون يبيح له الاتصال بالعاهرات. وقد أصبح الزواج مفروضًا بحكم القانون على كل الصالحين له من الرجال والنساء، وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة، منها الحرمان من الميراث، والحرمان من مشاهدة الحفلات والأعياد العامة، بيد أن هذه القوانين قد أغضبت الرومان جميعًا بغير استثناء، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن الذي أقترحها هو (مانساس) الذي كان مضرب الأمثال في الفجور والفحشاء، وكانت زوجته عشيقة أغسطس نفسه من أكثر الرومان عهرًا وعارًا، وكانت الفضائح التي تحدث في بيته تزكم أنوف القريبين والبعيدين في كل أنحاء الإمبراطورية، وكانت له أبنه وحيده تدعى جوليا ملأت روما بأخبار زناها وخيانتها لأزواجها المتعاقبين وانتقالها من عشيق لعشيق وعربدتها التى كانت تملأ السوق العامة صخبًا وضجيجًا طول الليل. ولذلك سخر الرومان من أغسطس قائلين: كيف يريد بقوانينه أن يصلح أخلاق الدولة كلها، بينما هو عاجز عن إصلاح الأخلاق في بيته.
ومن ثم أضطر أغسطس أن يبعد أبنته جوليا عن روما. ولكن جوليا كان لها ابنه لم تلبث أن بدأت تسلك مسلك أمها وتثير الفضائح كذلك فأضطر كذلك أغسطس أن يبعدها عن روما هي الأخرى. وهكذا فشلت قوانين أغسطس وقد فشل في إصلاح أخلاق بيته وأخلاق دولته، لأنه هو نفسه – ككل الرومان – كان فاسد الأخلاق، وكانت الفضيلة والرذيلة عنده سواء.
وحين انتصر اغسطس على انطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد ، أصبح الطريق مفتوحًا أمامه للاستيلاء على مصر والقضاء على البطالمة، الذين كان قد زعزع كيانهم وضعضع قوتهم تطاحنهم فيما بينهم وثورة الشعب المصري عليهم، فضلًا عن انحرافهم وانصرافهم إلى حياة التهتك والخلاعة والمجون، ولا سيما كيلوباترا التي جعلت عرشها عش غرام لها، وجعلت من انوثتها وسيلة لتحقيق مطامعها، فسقطت في هوة عارها، وسقطت مصر معها بين براثن الرومان، فأستولي أغسطس عليها دون مقاومة في أول أغسطس عام 30 قبل الميلاد، وأصبحت ولاية رومانية منذ ذلك التاريخ، ولكنها ولاية ذات مركز خاص نظرًا لأهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية، وموقعها الممتاز وصلابة اهلها الذين لم يستسلموا أبدأ للغاصبين ويستكينوا للغزاة وأنما كانوا على الدوام – رغم وداعتهم – حربًا على الغاصبين وكانت بلادهم مقبرة للغزاة. ولذلك جعلها أغسطس تحت إشرافه المباشر، بل أعتبرها ملكًا خاصًا له، فأبعد عنها كل نفوذ مجلس الشيوخ، بل لقد منع أعضاء ذلك المجلس من زيارتها إلا بعد استئذانه.
وقد ظل المبدأ مراعيًا حتى بعد موت أغسطس، فقد حدث أن أرسل الإمبراطور طيباريوس ولي عهده جرمانيكوس إلى الشرق لتنظيم بعض ولاياته فلما سمع أنه أنتهز الفرصة وزار مصر عنفه تعنيفًا شديدًا لأنه فعل ذلك دون استئذانه. وبذلك ضمن الإمبراطور سيطرته الكاملة على مصر، وحال دون تطلع أي حاكم روماني إلى الاستقلال بحكمها كما سبق أن أستقل بطليموس بحكمها عن عرش مقدونيا. وقد عين أغسطس نائبًا عنه في مصر من مصر ووارث عرش الفراعنة. وقد امر برسم صورته على الآثار مقرونة بالألقاب الإلهية التي كانت مألوفة في الولايات الرومانية كلها، وعقد لواء قيادتها لحاكم مصر الذي كان مسئولًا أمامه عن كل الشئون العسكرية والإدارية والمالية والقضائية في البلاد، وكان أول حاكم عينه أغسطس لمصر هو كورنيليوس جاللوس.
ولم يكتف أغسطس بالقوة وحدها للسيطرة على سكان مصر، وإنما لجأ كذلك إلى السياسة والدهاء، فطبق المبدأ الخبيث الذي طالما طبقة الغزاة والمستعمرون في كل العصور، وهو مبدأ (فرق تسد) وإذ كان سكان مصر يتألفون من المصريين ومن عدد كبير من اليونان واليهود. ولما كان أغسطس قد أصبح معدودًا ضمن الآلهة في روما وأصبح يتعين على الرومان وسكان الولايات عبادته مع آلهتهم فقد أقام تماثيله في مصر ليعبدها المصريون.
وهكذا ظل أولئك البائسون عبيدًا لكل حاكم يحكمهم وعابدين لكل زاعم أنه إله. وفي عهد أغسطس ولد يسوع المسيح في بيت لحم، وهي إحدى مدن اليهودية بفلسطين، وإذ كانت أمه مريم العذراء من مدينة الناصرة إحدى مدن الجليل، وقد ذهبت مع خطيبها يوسف للاكتتاب فجاءها المخاض وولدت أبنها هناك.
وقد جاء في الكتاب المقدس أنه (في تلك الأيام صدر امر أغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جري إذ كان كيرينيوس والي سورية، فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد في مدينته، فصعد يوسف أيضًا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعي بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت أبنها البكر) " لوقا 2: 1 – 7 ". وحين علم هيرودس ملك اليهودية بميلاد يسوع من بعض المجوس الذين قالوا له إن هذا الطفل سيكون ملكًا لليهود، تملكه الذعر، وأمر بقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من سنتين فما دون عسى أن يقتل يسوع من بينهم. وحينئذ أخذ يوسف الطفل وأمه وهرب إلي مصر عن طريق صحراء سيناء.