شفاء مريض بيت حسدا ++ القمص تادرس يعقوب



من تاملات انجيل يوحنا اصحاح 5 ++ القمص تادرس يعقوب
شفاء مريض بيت حسدا ...الطبيب الإلهي

"وبعد هذا كان عيد لليهود، فصعد يسوع إلى أورشليم".

يرى كثير من آباء الكنيسة والدارسين المعاصرين أن الظروف الواردة في هذا الأصحاح تكشف أنه كان عيد الفصح. هذا وقد جاء اهتمام الإنجيليون الثلاثة الآخرون بخدمة السيد المسيح في اليهودية مقتضبًا جدًا ولم يشيروا إلى أعياد الفصح التي حلت منذ عماد السيد إلى صلبه، بينما أشار القديس يوحنا إلى جميع هذه الأعياد: الأول في ٢: ١٣، والثاني هنا ٢: ١، والثالث ٦: ٤، والرابع ١٣: ١. وإن كان لم يذكر صراحة هنا أنه عيد الفصح بل "عيد لليهود".

إذ حلَّ العيد، فمع إقامة السيد المسيح في الجليل إلاَّ أنه صعد إلى أورشليم. لقد أوصى في الناموس بصعود الرجال إلى أورشليم في العيد، فلم يرد أن يستثني نفسه مادام قد قبل أن يصير ابن الإنسان الخاضع للناموس. وهو في هذا يقدم لنا نفسه مثالًا للاهتمام بالعبادة الجماعية، حتى وإن مارسها الكثيرون في شكلية بلا روح.

إن كانت الحكمة تنادي في الأماكن العامة (أم ١: ٢١) فقد صعد الحكمة إلى أورشليم حيث جاء كثير من اليهود من كل بقاع العالم وأيضا من الدخلاء، فيعلن لهم عن الحق، خاصة وأنهم جاءوا للعبادة، وقد تهيأت نفوسهم لقبول الحق والتعرف عليه.

إذ وردت كلمة "عيد" هنا بدون أداة التعريف لهذا رأى بعض الدارسين أنه لم يكن عيد الفصح بل عيد الخمسين، حيث تذكار استلام الناموس ويعتقد كل من القديسين كيرلس الكبير ويوحنا الذهبي الفم بذلك. ويعلل البعض أنه عيد الخمسين أن السيد المسيح قدم حديثه عن مفهوم السبت واتهمهم بأنهم لا يصدقون موسى وإلا كانوا قد صدقوه، لأن الناموس يشهد له.

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم علي صعود السيد المسيح إلي أورشليم قائلًا
غالبا ما كان يذهب إلى المدينة، فمن جانب لكي يظهر معهم في العيد، من جانب آخر لكي يجتذب الجمهور الذين هم بلا خبث، ففي مثل هذه الأيام يجتمع البسطاء معًا أكثر من الأوقات الأخرى.

يبدو أن السيد المسيح صعد إلى أورشليم وحده، ولم يكن معه التلاميذ، حتى يدخل كمن هو متخفي. هذا واضح من عدم معرفة المفلوج لشخصه، لأنه ما أن شفاه حتى اعتزل عن الجمع.

"وفي أورشليم عند باب الضان بركة، يُقال لها بالعبرانية بيت حسدا، لها خمسةأروقة".

يتحدث عن البركة والخمسة أروقة بكونها كانت قائمة في أثناء كتابة السفر. ويرى البعض أن البركة وأروقتها لم تُدمر بتدمير الهيكل في أورشليم والخراب الذي حلَّ بأورشليم. ويرى البعض أنه في نسخ كثيرة يُستشف من الحديث أنها لم تكن قائمة.اُكتشفتالبركة حديثًا، وهي بجوار كنيسة القديسة حنة. أظهرت الحفريات أن البركة مطوّقة بمستطيل به أربعة أروقة مع مجرى خامس عبر البركة يقسمها إلى قسمين.

"بيت حسدا" Bethesda وليست بيت صيدا Bethsaida كما جاءت في بعض النسخ. الكلمة العبرية Bethchasdah وتعني "بيت الرحمة". ربما أخذت اسمها من مراحم الله التي ظهرت بشفاء الذين ينزلون فيها.

"باب الضأن": الأرجح أن هذا الباب سُمى كذلك، لأن الكهنة كانوا يغسلون غنم الذبائح ويأتون بها إلى الهيكل.

تشير البركة إلى المعمودية حيث يتمتع المؤمنون بالولادة الجديدة والشفاء من الخطية.

تشير الأروقة الخمسة إلى الناموس الذي سُجل خلال أسفار موسى الخمسة؛ يدخل منها المرضى إلي البركة، ليدرك الداخلون أنهم مرضي وفي حاجة إلى الطبيب السماوي.

الملاك النازل من السماء يشير إلى كلمة الله المتجسد، الطبيب السماوي.

شفاء شخص واحد يشير إلى الكنيسة الواحدة التي تتمتع بالشفاء من الخطية.

تحريك الماء يشير آلام المسيح حيث ثارت الجموع عليه. كما يحمل تحريك الماء معنى أن مياه البركة تصير أشبه بمياه جارية حية، كمياه المعمودية التي يعمل الروح فيها فيولد الإنسان ميلادًا روحيًا كما أعلن السيد المسيح لنيقوديموس (يو 3). وتشير إلى عطية السيد المسيح كقول السيد للسامرية، أن من يشرب من هذا الماء لا يعطش.

كان هذا الماء هو الشعب اليهودي، والخمسة أروقة هي الناموس، لأن موسى كتب خمسة كتب. لذلك كان الماء مطوقًا بخمسة أروقة كما كان هذا الشعب مُحكمًا بالناموس. اضطراب الماء هو آلام الرب الذي حلَّ بين الشعب. الشخص الذي كان ينزل ويُشفى وهو شخص واحد، لأن هذه هي الوحدة.

الذين يرفضون آلام المسيح هم متكبرون. إنهم لا ينزلون، فلا يُشفون. إنهم يقولون: "هل أؤمن بأن الله تجسد، أن الله ولد من امرأة، وأن الله صُلب وجُلد ومات وجُرح ودُفن؟ حاشا لي أن أؤمن بأن هذه من الله، إنها لا تليق بالله. دعْ القلب يتكلم لا الرقبة. فإنه بالنسبة للمتكبرين يبدو لهم تواضع الرب إنه غير لائق به. لهذا فالتمتع بالصحة أمر بعيد عنهم. لا تتكبر، إن أردت أن تُشفى فلتنزل.

انتبهوا أيها الأحباء، فإن الناموس قد أُعطي لهذه الغاية، أن يكشف عن الأمراض لا أن ينزعها. هكذا فإن هذا القطيع المريض الذي كان يمكن أن يكون مرضى في بيوتهم في سرية عظيمة لو لم توجد هذه الأروقة الخمسة. بدخولهم الأروقة الخمسة صاروا معروفين في أعين كل البشر لكن هذه الأروقة لا تشفيهم.

إذن فالناموس نافع في كشف الخطايا، لأن ذلك الإنسان يصير بالأكثر مذنبًا جدًا بتعديه للناموس، فيمكن أن يلجم كبرياءه، ويتلمس معونة ذاك الذي يتحنن. أنصت إلى الرسول: "دخل الناموس لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية تزداد النعمة جدًا" (رو ٥: ٢٠)... وفي موضع آخر: "حيث لا ناموس ليس هناك تعدِ" (رو ٤: ١٥). يمكن أن يُدعى الإنسان خاطئًا قبل الناموس، لكن لا يمكن أن يدعى متعديًا. ولكنه إذ أخطأ تسلم بعد ذلك الناموس، فوُجد ليس فقد خاطئًا بل ومتعديًا. فإذ أضيف التعدي على الخطية لذلك "كثرت الخطية". وعندما كثرت الخطية تعلم الكبرياء البشري في النهاية أن يخضع وأن يعترف لله ويقول: "أنا ضعيف"++ القديس اغسطينوس

كان قد اقترب وقت تسليم المعمودية، وهي تحمل قوة كثيرة، وأعظم البركات. تظهر كما في صورة بواسطة البركة والظروف الأخرى الملازمة...إذ يرغب الله أن يقترب بنا إلي الإيمان بالمعمودية، فإنها ليس فقط تشفى الرجاسات بل والأمراض أيضًا ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"في هذه كان مضطجعًا جمهور كثير، من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقعون تحريك الماء".

ذكر من بين المرضى فقط ثلاث فئات، وهي العمي والعرج العسم، وهي الفئات العاجزة عن النزول إلى الماء، لذلك تجمع منهم عدد كبير حول البركة في الأروقة الخمسة.

"لأن ملاكًا كان ينزلأحيانًا في البركة، ويحرك الماء، فمن نزلأولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ منأي مرض اعتراه".

يرى البعض أن هذا الملاك لم يكن ينزل في البركة يوميًا، وإنما في مواسمٍ معينة، خاصة في الأعياد الثلاثة الكبرى. وأن هذا العمل من قبل الله ليؤكد للشعب أنهم وإن كانوا قد حُرموا من الأنبياء وعمل المعجزات فإن الله لن ينساهم، وهو مهتم بهم.

يرى البعض أن هذا الأمر بدأ بعد أن بنى رئيس الكهنة اليشاب Eliashib حائطًا نحو أورشليم وقدسه بالصلاة، فشهد الله بقبوله ذلك خلال هذا العمل المعجزي للبركة. وآخرون يرون أن ذلك بدأ بميلاد السيد المسيح، وآخرون بعماده. ويرى د. لايتفوت Dr. Lightfoot أنه جاء في يوسيفوس المؤرخ أنه في السنة السابعة من هيرودس، أي الثلاثين قبل السيد المسيح حدث زلزال عظيم. وحيث أن نزول الملائكة تصحبه أحيانًا زلازل، فربما كانت هذه هي السنة الأولى لبداية نزول ملاك على البركة. ويرى البعض أن هذا الأمر توقف بموت السيد المسيح.

بقوله "كان ينزل" Katebainen في الماضي يوضح أن هذا الأمر كان قد توقف عند كتابة السفر، بينما يتحدث عن البركة إنها كانت قائمة في أيامه.

عدم الإشارة الصريحة إليها في كتابات يوسيفوس وفيلون وغيرهما من الكتاب اليهود يشير إلى أن هذا العمل لم يبقَ إلى زمنٍ طويلٍ، أو لم يكن قائمًا أثناء كتابتهم.

الاستحمام، خاصة في مكان عام بإلقاء الشخص بسرعة في الماء غالبًا ما قد يصيبه ضررًا، لكن هنا كان المريض، أيًا كان مرضه، يبرأ إن نزل أولًا إلى الماء.

"لأن ملاكا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء"، ويهب معه قوة شفاء، حتى يتعلم اليهود أن رب الملائكة يقدر بالأكثر أن يشفي أمراض النفس.

وكما أن طبيعة المياه لم تكن تشفي هنا على بسيط ذات الشفاء، لأنها لو كانت هي الشافية لكان هذا الشفاء يحدث كل حين، لكنها كانت تشفي بفعل الملاك، هكذا الحال في تطهيرنا، ليس بفعل الماء على بسيط فعله، لكنه يقوم بتطهيرنا إذا قبل نعمة الروح، حينئذ يحل خطايانا كله ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

كان واحد فقط يُشفى إشارة إلى الوحدة، من يأتي بعد ذلك لم يكن يُشفى، لأنه لا يُشفى أحد خارج الوحدة ++ القديس اغسطينوس

"وكان هناكإنسان به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة".

قضى المريض أكثر من نصف عمره عند البركة يعاني من الفالج، ولا يقدر أن يمارس حياته اليومية. الصحة وزنة يلزمنا أن نستخدمها مادامت فيأيدينا، ونقدم ذبيحة شكر لله عليها.

ربما يتساءل البعض: لماذا لم يُشفِ كل المرضى الذين في بيت حسدا بكلمة من فمه؟ هو طبيب النفوس والأجساد، لكن ما يشغله بالأكثر الشفاء الأبدي، حيث تتمجد النفوس ومعها الأجساد. فشفاء هذا المريض، وغالبًا ما كان أكثرهم عند البركة، وقد عرفه كل الحاضرين من المرضى وأقربائهم وأصدقائهم، وربما المدينة كلها. لهذا إذ يشفيه يفتح عيون الكل لينظروا شخص المسيا، ويتمتع الكل بالإيمان لكي يتمجدوا أبديًا. شفاء هذا المريض كان ولا يزال وراء شفاء نفوس كثيرة محطمة ويائسة. فلو أن السيد شفى الجميع بكلمة لبدا في ذلك استعراضًا لعملٍ إلهيٍ معجزي، لكن ما يشغل قلب السيد المسيح هو إيمان الكل، وتمتعهم بالشفاء الروحي أولًا.

دخل موضعًا حيث يضطجع عدد ضخم من القطيع المريض من عمي وعرج وعسم، وبكونه طبيب النفوس والأجساد وقد جاء ليشفي نفوس كل الذين يؤمنون اختار من بين هذا القطيع واحدًا ليشفيه لكي يعني الوحدة... مع أنه كان قادرًا بكلمة أن يقيم الكل.

هذه البركة وتلك المياه تبدو لي أنها تشير إلى الشعب اليهودي (رؤ 17: 15)... تلك المياه، أعني الشعب، قد أُغلق عليه في أسفار موسى الخمسة، أي الخمسة أروقة. لكن هذه الأسفار تحضر المرضى ولا تشفيهم. لأن الناموس يدين الخطاة ولا يبرئهم. لذلك فإن الحرف بدون النعمة يجعل الناس مذنبين، هؤلاء الذين إذ يعترفون يخلصون.

هذا ما يقوله الرسول: "لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس" (غلا 3: 21). ويكمل قائلًا: "لكن الكتاب اغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون" (غلا 3: 22). أي شهادة أكثر من هذه؟ أليست هذه الكلمات قد شرحت الخمسة أروقة وجمهور قطيع المرضى؟

في رقم ٤٠ إشارة إلى إتمام البرّ، حيث نعيش هنا في جهاد وتعب وضبط للنفس وأصوام وضيقات. هذا هو ممارسة البرّ، وهو أن تحتمل وأن تصوم عن هذا العالم لا عن طعام الجسم، الأمر الذي نفعله لكن نادرًا، أما الصوم عن محبة العالم فيلزم أن نمارسه دومًا. إذن ينفذ الناموس من يمتنع عن هذا العالم. إذ لا يستطيع أن يحب ما هو أبدي ما لم يكف عن محبة ما هو زمني.. لتهتم بمحبة الإنسان ولتحسبها كما لو كانت يد النفس. متى أمسكت بشيء لا تقدر أن تمسك بشيء آخر. ولكي ما تقدر أن تمسك بما يُعطى لها يلزمها أن تترك ما تمسك به فعلًا.

كمال البرّ (حسب الناموس) يظهر بالعدد ٤٠. ما هو الذي يكمل الرقم ٤٠؟ أن يضبط الإنسان نفسه عن محبة هذا العالم. يضبطها عن الأمور الزمنية حتى لا تحب لأجل تدميرنا... لهذا السبب فإن الرب صام أربعين يومًا وموسى وإيليا. الذي أعطى خادميه السلطان أن يصوما ٤٠ يومًا ألم يكن قادرًا أن يصوم ٨٠ يومًا أو مائة يوم؟ إذن لماذا لم يرد أن يصوم أكثر مما أعطى خادميه أن يفعلا إلاَّ لأنه في هذا العدد ٤٠ سرّ الصوم والزهد في العالم...؟ ماذا يقول الرسول: "قد صُلب العالم، وأنا للعالم" (غلا ٦: ١٤). لقد أكمل إذن رقم ٤٠.

لماذا في رقم ٤٠ كمال البرّ؟

قيل في المزامير: "يا الله أرنم لك ترنيمة جديدة على قيثارة ذات عشر أوتار أرنم لك" (مز ١٤٤: ٩)، والتي تشير إلى الوصايا العشرة التي للناموس، التي جاء الرب لا لينقضها بل ليكملها. والناموس نفسه خلال العالم كله واضح أن له أربع جهات شرق وغرب وجنوب وشمال، كما يقول الكتاب... لذلك فرقم ٤٠ هو الزهد عن العالم، هو تنفيذ الناموس. الآن فإن المحبة هي تكميل الناموس (رو ١٣: ١٠؛ غلا ٥: ١٤). لكن وصية المحبة مزدوجة: "حب الرب إلهك من كل قلبك... والأخرى مثلها حب قريبك كنفسك" فمن لديه تقصير في الاثنين يكون له عجز الرقم ٣٨.

رقم 40 يجذب انتباهنا كرقمٍ مقدس بنوع من الكمال. ما افترضه هو معروف لكم تمامًا أيها الأحباء. فكثيرًا ما يشهد الكتاب المقدس لهذه الحقيقة. يتكرس الصوم بهذا الرقم كما تعرفون حسنًا. موسى صام أربعين يومًا، وإيليا وكثيرون، وربنا ومخلصنا يسوع المسيح نفسه تمم هذا الرقم في الصوم .
موسى يعني الناموس، وإيليا الأنبياء، والرب الإنجيل. ولهذا السبب ظهر الثلاثة على ذلك الجبل حيث أظهر (الرب) ذاته لتلاميذه في بهاء ملامحه وثيابه، فقد ظهر في الوسط بين موسى وإيليا، إذ شهد الناموس والأنبياء للإنجيل.

صبر هذا المخلع مذهل، لأنه ظل ثمان وثلاثين سنة منتظرًا كل سنة أن يتخلص من مرضه، فثبت وما برح عن ذلك الموضع. انظر هذا الرجل الذي ظل مخلعًا منذ ثمان وثلاثين سنة وهو يبصر في كل سنة أناسًا آخرين معافين من مرضهم ويرى ذاته مربوطًا بمرضه ولم ييأس. ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

ماذا يعلن الملاك في هذا الرمز إلا نزول الروح القدس الذي يجتاز في أيامنا ويقدس المياه عندما يُستدعى بصلوات الكاهن؟ هذا الملاك كان سفير الروح القدس، حيث أنه بنعمة الروح يعمل الدواء في ضعفات النفس والعقل. هكذا للروح أيضًا ذات الخدام كما للَّه الآب والمسيح. إنه يملأ الكل، كل الأشياء، يعمل الكل في الكل بنفس الطريقة مثل اللَّه الآب والابن العاملين ++ القديس أمبروسيوس

يرىBede أن رقم 38 هو محصلة رقم 40 ناقص 2. فإن كان رقم 40 يشير إلى كمال الفضائل وهي محصلة ضرب 10× 4 أي تكميل الناموس (10) والأناجيل الأربعة (4)، فإن غياب الرقمين الخاصين بوصيتي الحب لله والقريب يظهر الإنسان في حقيقة كشخصٍ مريض طال زمان مرضه. إنهم يقدرون أن يقَّوموا من رذائلهم خلال عطية الروح القدس عندما يهز بلادتهم، ليسرعوا فيحملوا حمل الحب الأخوي لكي يروا خالقهم.

"هذا رآه يسوع مضطجعًا، وعلم أن له زمانًا كثيرًا، فقال له:أتريد أن تبرا؟"

إذ جاء السيد المسيح إلى أورشليم لم يزر قصور الأغنياء بل المستشفيات، ليقدم حبًا وحنوًا نحو المرضى. فقد جاء إلى العالم من أجل المحتاجين والمرضي. ولعل السيد ركز عينيه على ذلك المريض، لأنه كان أقدمهم، عانى أكثر من غيره من المرض والحرمان، إذ يجد السيد مسرته في العمل لحساب الذين بلا رجاء ولا معين.

"أتريد أن تبرا؟"بهذا السؤال أراد أن يثير فيه الإيمان والرجاء والرغبة الشديدة نحو الشفاء. يوجه السيد المسيح هذا السؤال نحو كل نفسٍ لعلها تشتاق إلى شفائها خلال طبيب النفوس السماوي.

لم يسأل المسيح للمخلع أتريد أن أشفيك؟ لأنه لم يكن بعد قد تصور في المسيح تصورًا عظيمًا، لكنه قال له: "أتريد أن تبرأ؟"

سأله لا لكي يعرف (أنه يريد الشفاء) فإنه لم يكن السيد محتاجًا إلى ذلك، وإنما أراد إبراز مثابرة الرجل، وأنه بسبب هذا ترك الآخرين وجاء إليه.

مثابرة المفلوج مذهلة، له ثمانية وثلاثين عامًا وهو يرجو في كل عام أن يشفي من مرضه. لقد استمر راقدًا ولم ينسحب من البركة...

لنخجل أيها الأحباء، لنخجل ونتنهد على شدة تراخينا.

ثمانية وثلاثون عامًا وهو ينتظر دون أن ينال ما يترجاه ومع هذا لم ينسحب. لم يفشل بسبب إهمال من جانبه، وإنما خلال ضغط الآخرين وعنفهم ومتاعبهم. هذا كله لم يجعله متبلدًا. بينما نحن إن ثابرنا في الصلاة لمدة عشرة أيام من أجل أمر ما ولم ننله تهبط غيرتنا ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"أجابه المريض:
يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ، ينزل قدام يآخر".

في حديثه عن المفلوجين (مت 9: 2) اللذين شفاهما السيد المسيح يبرز القديس يوحنا الذهبي الفم وداعة هذا المفلوج، فإنه إذ يلقي إنسان علي فراشه كل هذه السنوات غالبًا ما يكون ثائرا، يعاني من متاعب نفسية وعصبية. ومع هذا فإنه سمع سؤال السيد المسيح لم يثر قائلا: "ألا تراني هنا أترقب نزول الملاك ليحرك الماء، فكيف تسألني إن كنت أريد أن أبرأ؟ " لكن في وداعة عجيبة أجاب السيد المسيح.

اشتكى المريض من عدم وجود أصدقاء يساعدونه، فإنه حتى الذين نالوا الشفاء اعتادوا بشفائهم ولقائهم مع أقربائهم وأصدقائهم، ولم يوجد واحد من بينهم يهتم بهذا المسكين. كما اشتكى من عجزه في منافسة الآخرين لكي يلقي بنفسه أولًا في البركة إذ كانوا كثيرون يسبقونه.

قديمًا إذ تحولت الأنظار إلي البشر عوض النظر إلي المسيا كطبيب ودواء للشفاء قيل: "أليس بلسان في جلعاد؟ أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟" (إر 8: 22). هذه هي شكوى المفلوج إذ لم يجد من يشفيه ولا من يهبه الدواء. الآن هوذا البلسان نفسه، والطبيب بعينه واقف أمامه يهبه ذاته سرّ شفاء.

كان المفلوج يبحث عن إنسانٍ يلقيه في البركة عند نزول الملاك، فينال الشفاء. وها هو الآب نفسه يطلب إنسانًا ينزل إلي العالم يقدر أن يعمل بالعدل وطلب الحق ليغفر للعالم خطاياه فلم يوجد سوى كلمته المتجسد. يقول الرب: "طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب بالحق فأصفح عنها" (إر 5: 1). كما قال: "فرأى أنه ليس إنسان، وتحير من أنه ليس شفيع" (إش 59: 16).

اسمع كلام هذا المخلع واعرف جسامة حزنه، فمن يكون أحق بالرثاء من الناطق بهذه الأقوال؟ أرأيت قلبًا مطحونًا بسبب مرض طويل؟ أعرفت كيف يلهبه منقبضًا؟ لأنه لم ينطق بتجديف نظير ما يقوله أكثر الناس في مصائبهم، ولا لعن يومه ولا استصعب السؤال، ولا قال للمسيح إنك جئت بي مستهزأ إذ تسألني أتريد أن تبرأ؟ لكنه قال بوداعة كثيرة: "يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة" على الرغم من أنه لم يعرف من هو سائله ولا شعر أنه اعتزم أن يشفيه، لكنه وصف أحواله كلها بدعةٍ وما طلب شيئًا أكثر، فكان حاله حال من يخاطب طبيبه مريدًا أن يصف له مرضه فقط.

الآن ليس ملاك يحرك الماء، بل رب الملائكة يعمل كل شيء. لا يقدر المريض أن يقول:"ليس لي إنسان"، لا يستطيع القول: "بينما أنا آت ينزل قدامي آخر"، فمع أنه يلزم أن يأتي إلى العالم كله، غير أن النعمة لا تستهلك، والقوى لا تبطل، بل تبقي عظيمة كما كانت. وكما أن أشعة الشمس تعطي ضوء كل يوم مع هذا لا تُستنزف، ولا يقل الضوء بما يقدمه من فيض، هكذا بالأكثر قوة الروح لن تقل بأية طريقة خلال تمتع الكثيرين بها ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

لكن من الذي يشفي المرضى؟ ذاك الذي ينزل في البركة. ومتى ينزل المريض في البركة؟ عندما يعطي الملاك العلامة بتحريك الماء. فإنه هكذا كانت تلك البركة تتقدس، حيث ينزل الملاك ويحرك الماء. كان الناس يرون الماء يتحرك، ومن حركة المياه المضطربة يدركون حضور الملاك. فإذا ما نزل أحد عندئذ يُشفى. لماذا إذن لم يُشف هذا المريض؟ لنعطي اعتبارًا لكلماته نفسها، يقول: "ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أناآتٍ ينزل قدامي آخر".
ألم تستطع بعد ذلك أن تنزل إن نزل قدامك آخر؟ هنا يظهر لنا أنه واحد فقط يُشفى عند تحرك الماء. من ينزل أولًا هو وحده يُشفى. ++ القديس أغسطينوس

"قال له يسوع:
قم إحمل سريرك وامشِ".

قدم له السيد الشفاء بطريقة لم تخطر على فكره، وهي ليس بإلقائه في البركة متى تحرك الماء، وإنما بكلمة تصدر من فمه الإلهي. أمر بسلطان فشُفي المريض.

اعتاد السيد أن يترك علامات بعد المعجزة لكي يتذكر شعبه أعمال محبته، فعندما أشبع الجموع أمر بجمع الكسر. وعندما حوَّل الماء خمرًا طلب من الخدام أن يقدموا للمتكئين. وعندما شفى البرص أمرهم أن يذهبوا إلى الكهنة ليشهدوا بشفائهم. هنا يطلب من المريض أن يحمل السرير الذي حمله أثناء مرضه.

طلب منه حمل السرير ليطمئن أن شفاؤه كامل، وأنه لم ينل القوة الجسدية تدريجيًا بل بكلمة الله وأمره فورًا.إنها صرخة المخلص علي الصليب وهو يتطلع إلي الكنيسة كلها عبر الأجيال منذ آدم إلي آخر، لكي تقوم وتتحرك وتدخل إلي حضن الآب، بيتها السماوي. يطالبها بحمل سريرها الذي هو شركة الصلب معه، لا كثقل علي ظهرها، بل كعرشٍ يحملها، ومجدٍ ينسكب عليها. رأي إشعياء النبي هذا المنظر المبدع بكونه قصة الفداء المفرحة فترنم قائلا: "قومي استنيري، لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك" (إش 60: 1) لم تعد البشرية المؤمنة مطروحة الجسد تحت سطوة الخطية المحطم، بل تمتعت بقوة الروح لتحمل مع عريسها المصلوب صليبه سرّ قوة للخلاص، وتمتع ببهاء المخلص عليها.

ارتبطت قصة شفاء هذا المفلوج بالمعمودية في ذهن الكنيسة الأولي، فوردت في بعض ليتورجيات المعمودية القديمة، كما صورت في بعض سراديب روما للكشف عن إمكانية المعمودية. تصور الرجل المفلوج العاجز عن السير، وقد قام حاملًا سريره علي ظهره في حركة مملوءة حيوية ونشاطًا. صورة رائعة عن عمل المعمودية التي تقيم المؤمن من مرضه المستعصي ليشهد للحياة الجديدة التي صارت له في المسيح يسوع القائم من الأموات!

"يسوع" تعني"مخلص"، أما في اليونانية فتعني"الشافي"، إذ هو طبيب الأنفس والأجساد، شافي الأرواح، فتح عيني المولود أعمى، وقاد الأذهان إلى النور. يشفي العرج المنظورين، ويقود الخطاة في طريق التوبة، يقول للمفلوج:"لا تخطئ"، وأيضًا:"احمل سريرك وامشِ"، لأن الجسد كان مفلوجًا بسبب خطية النفس. خدم النفس أولًا حتى يمتد بالشفاء إلى الجسد.

لذلكإن كان أحدكم متألم في نفسه من خطاياه، فإنك تجده طبيبًا لك. وإن كان أحدكم قليل الإيمان فليقل له: "أعن عدم إيماني" (مر 24:9).

وإن أصاب أحدكم آلامًا جسدية، فلا يكن غير مؤمنٍ، بل يقترب فإن يسوع يعالج مثل هذه الأمراض، وليعلم أن يسوع هو المسيح. ++ القديس كيرلس الأورشليمي

"احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح" (غلا 6: 2). الآن ناموس المسيح هو المحبة، والمحبة لن تتحقق ما لم نحمل أثقال الغير. يقول: "وبطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أف 4: 2).

حين كنت ضعيفًا حملك قريبك، الآن أنت صحيح، احتمل أنت قريبك. هكذا تملأ يا إنسان ما كان ناقصًا بالنسبة لك. "إذن احمل سريرك". وحين تحمله لا تقف في الوضع بل "امشِ". بحبك لقريبك، وبحملك قريبك، تتمم مشيك. إلى أين تسير في طريقك إلى الرب الإله، الذي يلزمنا أن نحبه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر. لتحمله، عندئذ إذ تسير تذهب إلى ذاك الذي ترغب أن تمكث معه. لذلك "احمل سريرك وأمشِ" ++ القديس اغسطينوس

"فحالاً برئ الإنسان، وحمل سريره ومشى، وكان في ذلك اليوم سبت".

لماذا أمر السيد هذا الشخص أن يحمل سريره في يوم السبت وقد منع الناموس هذه الأعمال، خاصة حمل الأمور الثقيلة (خر ٢٠: ٨؛ إر ١٧: ٢١؛ نح ١٣: ١٥)؟

1. ربما كان هذا الشخص فقيرًا، لو ترك سريره يفقده، ولم يكن ممكنًا أن يبقى حتى الصباح حارسًا للسرير.

2. أظهر السيد أن اليهود قد أساءوا فهم السبت، فمارسوه بطريقة حرفية بلا فهم روحي سليم، خاصة لمجد الله ونفع الإنسان.

3. ليؤكد للحاضرين أنه رب السبت (مت ١٢: ٨)، كل الأيام هي له دون تمييز بين سبت وغير سبت، فيها يعمل عمل الآب بلا انقطاع.

4. بحمله السرير في وسط العاصمة الدينية ووسط الجمهور القادم للعيد يشد أنظار الشعب لبحث الأمر، والتعرف على محبة المسيح لشعبه، واهتمامه بسلامتهم الروحية والجسدية أكثر من التنفيذ الحرفي للناموس.

5. في هذا الأمر اختبار لمدى طاعة المريض لذاك الذي يشفيه، وإيمانه به.

6. لكي يحمل صورة عملية حيَّة عن الكنيسة في العصر المسيحاني. فقد تطلع الأنبياء إلي الكنيسة في العهد الجديد وترنموا قائلين: "الرب يقوم المنحنين" (مز 146: 8)، "خلص يا رب شعبك... بينهم الأعمى والأعرج" (إر 31: 7). صارت كل أيامها سبت (راحة) لا ينقطع، وعيد مفرح مستمر.

انظر إلى إيمان هذا المخلع أنه لما سمع من المسيح "قم إحمل سريرك وامشِ"لم يضحك، لكنه نهض وصار معافى، ولم يخالف ما أشار به عليه، وحمل سريره ومشى.++ القديس يوحنا الذهبي الفم