مَنْ يصبر إلى المُنتهى ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب بدعة الخلاص في لحظة ++ البابا شنودة الثالث

مَنْ يصبر إلى المُنتهى

مادام موضوع الخلاص هو قصة العمر كله، إذن علينا أن نجاهد باستمرار، ونصبر على حروب العدو وهجماته.. وما هي حدود هذا الصبر؟ يقول السيد الرب:

(من يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص) (مت 10: 22)

وعبارة الصبر إلى المنتهى لكي يخلص الإنسان، تعنى أن الخلاص لا يتم في لحظة. وتعنى أن الصبر ليس له مدى محدود، وإنما إلى المنتهى، أي إلى (نهاية سيرتهم) لأنه يحدث أحيانا أن تبرد محبة الكثيرين (مت 24: 12) ولا نستطيع أن نحصى عدد الذين يتركون محبتهم الأولى (رؤ 2: 4)، ويحتاجون إلى توبة.

إن الإكليل لم يأت موعده بعد، ففترة اختبارنا لا تزال قائمة وسنظل في هذا الاختبار مدى الحياة. وقد قال الرب: (كن أمينًا إلى الموت، فسأعطيك (إكليل الحياة) (رؤ 2: 10) وعبارة (إلى الموت) لا تنطبق عليها كلمة لحظة. وهذه الأمانة (إلى الموت) شرط لنوال إكليل الحياة.

وقد وعد بمنح الأكاليل لمن يغلب. والغلبة لا تحدد الآن. فطالما نحن في حرب، لا تستطيع أن تقول إنك خلصت. وإنما (لما تنتهي الحرب نكلل)، كما يقال في الترتيلة. ومتى تنتهي الحرب؟ بانتهاء الحياة على الأرض.

لا تحكم قبل الوقت. ولا تحكم باللحظات، فاللحظات تتغير.

ربما ما تناله في لحظة، تفقده في لحظة أخرى! وما أخطر التغير الذي شرحه الوحي الإلهي بقوله: (مدة كل أيام الأرض.. برد وحر، صيف وشتاء، نهار وليل، لا تزال) (تك 8: 22) ليتك إذن تصلى لكي لا يكون هربك في شتاء (مت 24: 20)

لا تقل إذن: "إني خلصت في اليوم الفلاني"، مُحَدِدًا الساعة والدقيقة! بل الأفضل أن تصلي، لكي يديم الله عليك خلاصه حتى المنتهى، إلى نهاية سيرتك.

لا يكفى أن تبدأ، إنما يجب أن تثبت وتستمر:

فالرسول يقول: (وأما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف، وإلا فأنت أيضًا ستقطع) (رو 11: 22) وهذا الثبات الذي يطلبه الرسول، لا تحكم عليه لحظة، إنما هو قصة الحياة كلها.

أنت تبت في لحظة (فرضًا)؟! هذا حسن جدًا. ولكنك لن تخلص، إلا إذا ثبت في التوبة. والزمن يحكم على هذا الثبات..

حياتك تغيرت في لحظة؟! حسن جدًا، ولكنك لن تخلص إلا إذا احتفظت بهذا التغير إلى أفضل، حتى المنتهى.

مرت عليك لحظات مصيرية، عرفت فيها الله، أدركت فيها فناء العالم هذا حسن ورائع، وإنما المهم أن تثبت. واللحظات لا يمكن أن تحكم على ثباتك..!

أتراك تحولت من خاطئ إلى قديس؟! حسن جدًا.. ولكن الخلاص هو أن تثبت في هذه القداسة طول حياتك.

وتسلك كما يليق بالدعوة التي دعيت إليها، حسبما نصح الرسول قديسي أفسس (أف 4: 1 3) وحتى إن كنت قد نلت خلاصًا بعمل الرب معك، وبجهاد طويل وليس في لحظة، وبممارسة أسرار الكنيسة وكل وسائط النعمة.. أنصت إلى قول الرسول: (تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12).

إن هذا الخلاص هو قصة العمر كله.