مسئولية الإنسان عن عواطفه +++ ابونا القمص الراهب كاراس المحرقي
كثيرون ينسبون أفعالهم الخبيثة وشرورهم القبيحة.. لوجود الشر في العالم، في حين أنَّ سر السقوط لا ينحصر في الشر وحده أو الناس أو الإغراءات.. بل في إرادة الإنسان التي ترغب الخطية، فما هو الشر الذي كثيراً ما نسئ فهمه؟ أليس انحراف الإرادة عن فعل الخير!
فليس للشر كيان حقيقي، بل هو غياب الخير، كالظلمة التي هي غياب النور! كما أنّه لا يوجد ميكروب معين يفرز الشر في الكون، وعبثاً نحاول أن نقبض علي الشر متلبساً، لنُحاكمه ونودعه السجن على الفساد الذي تسبب فيه! إذن فالشر كامن في نياتنا أو في الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء!
هناك حقيقة أساسية يجب علينا أن ندونها ونحن بصدد الحديث عن العاطفة ألا وهى: إننا مسئولين مسئولية كاملة عن أنفسنا، فإن أردت أن تُقيّم سلوكك، يجب أن تضع نفسك أمام خيارين:
إمَّا أن تتحمّل مسئولية سلوكك العاطفيّ، أو تلقى باللائمة على شخص آخر، ولكل من الخيارين نتائجه! فإن حاولت أن أُبرر سلوكي العاطفيّ مُلقياً باللائمة على الآخرين أو الظروف.. فلن أتمكّن من الدخول إلى عمق ذاتي، ولن أعرف حقيقتي، وسوف يكون لذلك أثر سلبيّ على نموي الروحيّ والنفسيّ، ولهذا يجب عليك أن تتذكّر دائماً، أنَّ تقدّمك يبدأ من حيث توقفك عن ملامة الآخرين، وتحميلهم مسئولية سلوكك الشخصي.
إنَّ كل ما تستطيع أن تفعله، هو أن إثارة عواطف كامنة لدىّ، وهى تنتظر من يحركها، ولو أنني ألقيت باللائمة عليك في كل أفعالي، لأصبحت أنت المشكلة! ولكن لو اقتنعت بأنَّ الآخرين لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً أكثر من تحريك عواطفي، يمكنني أن أتعلّم من كل تجربة أمر بها أو موقف يصادفني، وذلك عن طريق محاسبتي لذاتي، أليس من الأفضل أن أسال نفسي: لماذا غضبت؟ لماذا شعرت بالخوف؟ بدلاً من أن ألوم غيري!
يقول القديس يوحنا كاسيان
" ما من أحد ينساق إلى الخطية بخطأ شخص آخر، ما لم يكن وقود الشر مختزناً في قلبه، وينبغي ألاَّ نتوهّم أنَّ رجلا يتم غوايته فجأة، حين يتطلع إلى امرأة في هوة الشهوة، إذ الواقع أنَّ فرصة رؤيته لها جذبت إلي السطح أعراض المرض المختبئة في أعماقه ".
والحق إننا منقادون في العادة إلى البحث عن أسباب خارجية نبرر بها أفعالنا ولهذا كثيراً ما نتحدث عن الغواية والمرأة والشيطان، وإلقاء اللوم على الجيرة أو الصحبة السيئة أو وسائل الأعلام، كما لو كنَّا في كمال مُطلق من الداخل، في حين أنَّ الخطية ليست فيروساً ينتقل إلينا بالعدوى أو الملازمة، إنَّما الخطية تنبع من أعماقنا، من رغبتنا في تذوق طعم الثمرة المُحرَّمة!
ألم تأتِِ الخطية إلى يوسف الصديق متوسلة إليه لكي يسقط!
وأنبا صموئيل المعترف، ألم يربطوا إحدى قدميه في رجل جارية لكي تنجب منه أولاداً!
ومار جرجس، ألم يدفعوا إليه بزانية لكي تغريه وتثنيه عن إيمانه!
فلماذا لم يسقط هؤلاء وكثيرون غيرهم؟ لأنَّ إرادتهم قوية وإيمانهم بالله كان أقوى، ولم تكن لهم أدنى رغبة في السقوط، لأنَّ من أحبّوا الله وتمتَّعوا بحُبّه، لن يجدوا لذة في شيء آخر غيره.
إنَّ الخطية تقف عاجزة إذا لم تجد لها ميلاً في الإنسان، فالرغبة إذاً تحتاج لمن يغذيها، فكل إنسان يستطيع أن يُقمع رغباته، ولهذا يقول أنبا انطونيوس: " إن أردت تستطيع أن تكون عبداً للشهوات، وإن أردت تقدر أن تتحرر منها ولا تخضع لنيرها، لأنَّ الله خلقك وأعطاك هذا السلطان ".
إذن ليس البشر مجرد ضحايا شقية، لمجموعة من الظروف القاسية، التي فرضتها عليهم الحياة، بل هم في الحقيقة كائنات واعية، تملك من الإرادة ما تستطيع بها أن تُغيّر ظروفها، فالإنسان كائن عاقل حر، ينساق باختياره وراء الأشياء، سواء كانت هدّامة أم بنّاءه! ولو أنَّه أراد لاستطاع أن يُزيل ولو بعض الآثار السيئة من حياته!
سئل شخص أحد الآباء قائلاً: " لماذا يُخطيء إلىّ إنسان فأسامحه، بينما قد يُخطيء إلىّ آخر ولكنى لا أُسامحه " ؟ أجاب الأب بحكمة قائلاً: إنَّ من لم تُسامحه، إمَّا أنَّك لا تُحِبّه، أو كنت في حالة روحية سيئة عندما أخطأ إليك "، ومن هذا نتعلم أنَّ ردة أفعالنا تجاه الآخرين تتوقف على شعورنا نحوهم، أو بمعنى آخر على نوع العاطفة التي تربط بيننا وبينهم!
حقاً إنَّ العديد من عواطفي صحيّ وبنّاء، ولكن إذا ما كان نهج سلوكيّ العاطفيّ هدّاماً أو غير مقبولاً، أصبح من الضروري أن أسأل نفسي عن نظرتي للواقع؟ وعن مواقفي التي توجه خطاي في الحياة؟ إنَّ هذا بلا شك قسم من تحمّل مسئوليتي كاملة تجاه أعمالي، فالإنسان لا ينجح في التعامل مع عواطفه وأيضاً مع الآخرين، إلاَّ بعد أن يقبل مسئوليته الكاملة عن كل تصرفاته، فهذه نقطة الانطلاق التي يبدأ منها نمو الإنسان، لأنَّه بهذا يكون قد اقترب أكثر فأكثر من ذاته!
إننا نُخطيء كثيراً عندما نُهاجم الآخرين في كل شيء، ونُخطئ أيضاً عندما نرفض الاتّهام أو النقد المُوجّه إلينا، كما لو كنّا ملائكة معصومين من الزلات أو السقطات! ولو بحثنا عن السبب لوجدنا أننا لا نريد أن نعرف أنفسنا على حقيقتها، نريد أن نحيا وعلى وجوهنا أقنعة مزيفة لا تُظهر حقيقتنا!
فإن أردت أن تعدل أسلوب حياتك، وتتخلص من عاداتك السيئة، تستطيع بشرط أن يكون لديك رغبة أن تدخل إلى عمق ذاتك وتعترف بمسئوليتك الكاملة تجاه أعمالك.
ونحن نرفض اليأس الذي هو في العادة حليف الضعف والقصور، إذن فالانتصار على معوقات ومشاكل الحياة ليس بالأمر المستحيل، بشرط أن يكون هناك بدء ليكون هناك إنجاز.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ مُمارسة شئ لمدة (39) يوماً يُولد عادة، وقد ثبت صحة هذه الاستنتاجات لعادات كثيرة مثل: السير ببطيء، النوم والاستيقاظ في مواعيد ثابتة، شرب القهوة أو الشاي.. إلاَّ أنَّ كثيرين يتشككون في صحة هذه الاستنتاجات بالنسبة للأمور العاطفية، فقد يمر عليك (39) يوماً دون أن ترى من أقلقك، ومع هذا يظل اضطرابك العاطفيّ كما هو..
ولكن هذا الاستنتاج يمكن أن يُلقى ضوءاً ساطعاً على حقيقة هامة ألا وهى: إنَّ العادة يمكن أن تتبدل بعاده أُخرى، وكما يقول مار إسحق السريانيّ:
عادة بعادة تبطل وشهوة بشهوة تبطل.