تامل من مزمور 119 .. صرخات قلبية ++ القمص تادرس يعقوب



تامل من مزمور 119 ++ القمص تادرس يعقوب
قريب أنت يا رب ...
1 - صرخات قلبية

يؤمن المرتل بعدالة الله ويثق في أحكامه مهما كانت الظروف المحيطة به، بهذا تخرج صلاة القلب لتستقر في قلب الله، وتجد هناك تجاوبًا معها. يصرخ بقلبه إلى الله العادل والقريب إليه جدًا، ليسمعه ذاك الحالّ في قلبه.

"صرخت من كل قلبي،فاستجب لي يا رب؛أطلب حقوقك"

بينما كان موسى النبي صامتًا بفمه قال الرب: "مالك تصرخ إليّ؟!" خر15:14. هكذا إذ كان قلب موسى النبي مقدسًا سمع الله صرخاته الخفية واستجاب لها قبل أن يعبِّر عنها بشفتيه. على العكس قد يصرخ إنسان لله لساعات طويلة فيسمع القول: "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات".

لكي يسمع الله صرخاتنا يلزمنا أن نقدمها من كل القلب، فلا يكون القلب مشغولًا بآخر غير إلهه، وأن يكون القلب مقدسًا متجاوبًا مع الله القدوس، وأن تكون الصرخة متفقة مع فكر الله وإرادته.

لقد كان داود رجل صلاة بحق يعرف كيف يقدم صلواته فتستجيب له السماء:

كان يقدمها من كل قلبه. هذا هو جوهر الصلاة، حيث تتكرس النفس بكل طاقاتها ومشاعرها لحساب الله.

كان يطلب حقوق الله، أي صلاة حسب إرادته الإلهية.
يطلب لنفسه الخلاص لا الأمور الزمنية.
يطلب عونًا ليحفظ وصاياه، أيضًا ينفذها ويثابر عليها.
يطلب استجابة الصلاة من الله وحده، إذ لا رجاء له في ذراع بشري. لقد أدرك أن الحاجة إلى واحدٍ (لو 42:10).

الصرخة ليست إلا صوتًا قويًا يدل على أهمية ما ينقله إلى الله. في الحقيقة، يصرخ الصديق إلى الله عندما يطلب أمورًا عظيمة وسماوية. هكذا قيل عن هابيل الصديق عند موته: "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض" تك10:4. قيل هكذا لتوضيح أن الصديق يصرخ إلى الرب مصدرًا صوتًا قويًا.

يقول الرب لموسى النبي المُطارد من المصريين: "مالك تصرخ إليّ؟" خر15:14. أما نحن، فعندما نصير قديسين، تكون في داخلنا هذه الصرخة، لأن الروح الساكن فينا يصرخ، قائلًا: "يا أبَّا الآب" رو15:8؛ غل6:4...

أيضًا اسمع القول: "وقف يسوع وصرخ قائلًا: "إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب" يو35:7. إذن، من هو هذا الذي يصرخ إلى الله؟ ذاك الذي يتضرع من أجل أمورٍ عظيمةٍ، ولا يطلب أمورًا تافهة.

كيف صرخت؟ "من كل قلبي، فاستجب لي"... يقول المرتل: إنني لا أنطق بفتور، ليس بشفتي ولا بالفم فقط، وإنما انطق بقلبي... أوجه إليك صلاتي طالبًا منك أن تستجب لي يا رب، إذ أنا أطلب حقوقك، كي أنال فهمًا دقيقًا وأصير بها حكيمًا. +++ العلامة أوريجينوس

إلى أي مدى تنفع صرخته، يجيب: "إني أبحث عن البرّ. لهذا الهدف يدعو الله من كل قلبه". لقد اشتهي أن ينال هذا من قِبل الرب الذي ينصت إليه طالبًا برَّه.++ القديس اغسطينوس

"صرخت إليك فخلصني،لأحفظ شهاداتك"

كانت صلاته قصيرة جدًا: "خلصني"، لكنها تحمل معانٍ كثيرة، منها:
خلاص من مؤامرات الأعداء.
خلاص من التجارب القاسية.
خلاص من الخطايا والإغراءات.
خلاص للنفس بتجديدها المستمر.
خلاص من العار وللتمتع بالمجد الفردوسي المفقود.
أما غاية هذه الصلاة أو غاية خلاصه فهو: "لأحفظ شهاداتك"، أيضًا يبقى شاهدًا أمينًا لله مخلصه بحياته الملتهبة حبًا لله والناس.

يقول القديس أغسطينوس أنه في بعض النسخ اليونانية واللاتينية جاءت "دعوتك" بدلًا من "صرخت إليك". ماذا تعني "دعوتك" إلا أنه بدعوتي إليك أبتهل إليك.

عندما قال: "خلصني"، ماذا أضاف؟ "لأحفظ شهاداتك". فإنه متى كانت النفس سليمة (غير مريضة، أي متمتعة بالخلاص) فإنها تتمم ما يلزم أن تعمله. فتجاهد حتى إلى موت الجسد، وذلك عندما تمتد التجربة إلى هذه الدرجة من أجل الدفاع عن الحق الخاص بالشهادات الإلهية. أما إذا كانت النفس عليلة فيغلب عليها الضعف ويصير الحق مُستهانًا به. ++ القديس اغسطينوس

طلبتك بصوتٍ عالٍ لذلك "خلصني"، وأنا أتعهد أنني إذ أخلص أحفظ الأوامر التي سلمتني إياها أمام الشهود من أجل خلاصنا. ++ العلامة أوريجينوس