احترس من ثياب الحملان +++ البابا شنودة الثالث




تامل من كتاب حياة التوبة والنقاوة +++ البابا شنودة الثالث
احترس من ثياب الحملان

الخطية لا تحب أن تكشف ذاتها، إنما أحيانا تتنكر.

هي لا تكشف ذاتها إلا للمستهترين الذين يحبونها. أما بالنسبة إلى أولاده الله، فإنها دائما تتنكر، حتى لا يتنبهوا لها ويبعدوا عنها. ولا مانع مطلقا من أن تتنكر في زى فضيلة، أو وراء أي اسم لطيف غير مكشوف. ويمكن أن ينطبق على أمثال هذه الخطايا قول الرب:

يأتونكم بثياب الحملان. ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة (مت 7: 15).

المضللون من المعلمين الكذبة يفعلون هكذا. والخطايا التي تضلل الإنسان وتستغل بساطته تفعل هكذا أيضًا. والشيطان نفسه يأتي بثياب الحملان. وكما يقول الرسول:

الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور.

وخدامه أيضًا يغيرون شكلهم إلى شبه خدام للبر (2كو 10: 14، 15). بحدث هذا لكي تتم الخديعة، فتتم السقطة. ولهذا يحتاج أولاد الله دائما إلى حكمة وإفراز، لكي يميزوا بين طريق الرب وطريق الشيطان، ويميزوا إرادة الله من الإرادات الخاطئة.

فكثيرا ما يسلك البعض في طريق خاطئ نتيجة للجهل وعدم المعرفة، ونتيجة لخديعة الشياطين لهم. لذلك فالأب الكاهن في القداس الإلهي يطلب من الله المغفرة والصفح قائلا "عن خطاياي وجهالات شعبك".

ولماذا نسميها جهالات؟ لأن الكتاب يقول:

توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت.

ذكرت هذه الآية في سفر الأمثال (أم 14: 12). وتكررت لأهميتها مرة أخرى في نفس السفر بنفس النص (أم 16 : 25).. مادام هكذا، ويمكن للإنسان أن يخدع، وكما قال الرب "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو 4: 6).

على فهمك لا تعتمد (أم 3: 5).

وهكذا نرد داود النبي يصرخ كثيرا في مزاميره ويقول "علمني يا رب طرقك فهمني سبلك" (مز 119). فإن كان النبي العظيم -الذي حل عليه روح الرب- يقول هكذا، فماذا نقول نحن؟

ليس جميع الناس حكماء، وليس الحكماء حكماء في كل شيء "الحكيم عيناه في رأسه، أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا 2: 14). ونحن لا ندعى الحكمة. فماذا نفعل إذن؟

علينا بالمشورة، حتى لا تخدعنا ثياب الحملان.

والكتاب يقول في ذلك "طريق الجاهل مستقيم في عينيه. أما سامع المشورة فهو حكيم" (أم 12: 15). وليس كل شخص نسمع منه المشورة. فقد كانت مشورة بلعام ضلالة (يه 11). وكانت مشورة أخيتوفل ليست حسب مشيئة الله. لذلك نستطيع أن نقول إنه ليست كل مشورة هي من الله، فقد قال الوحي الإلهي: "يا شعبي، مرشدوك مضلون" (أش 3: 12).

فما أكثر الذين هلكوا نتيجة الإرشاد الخاطئ. ولبس هذا الإرشاد المضلل ثياب الحملان، وهلك به أصحابه، كما يقول الكتاب "أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة" (متى 15: 14). وقد رأينا كيف ضاع رحبعام نتيجة سماعه للمشورة الخاطئة (1مل 12: 10). وقد وبخ الرب الكتبة والفريسيين على إرشادهم الخاطئ، وقال إنهم "قادة عميان" (متى 23: 16، 13).

هؤلاء طبعا غير المرشدين القديسين (عب 13).

الذين يقول عنهم الكتاب "أذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا بإيمانهم" (عب 13: 17). لذلك نحتاج لإفراز شديد لنميز بين الإرشاد السليم والإرشاد الخاطئ، بين روح الحكمة وروح الضلال. كما قال الرسول "امتحنوا الأرواح هل هي من الله" (1يو 4: 1).

و الذي يتمسك بروح الله فيه، سيرشده الروح. فأشعياء النبي يقول عن روح الرب إنه "روح الحكمة والفهم، روح المشورة" (أش 11: 2). فلنصل إذن أن ينقذنا الرب من كل خداع الشياطين، ومن الخطايا التي تتنكر في زى فضائل لتضلنا.

على أنه إن سقط أحد في خداع الشياطين هذا، فإن الاتضاع يرفعه من سقطته. لأنه حالما ينكشف له الأمر، أو ينهيه صديق مخلص أو مرشد حكيم، يعترف حينئذ بخطئه، ولا يعود إلى ذلك الخطأ مرة أخرى. ويكتسب بذلك معرفة وتوبة. أما المتعجرف بمعرفته أو بسلوكه، فإن توبته صعبة..

وذلك لأن الإنسان البار في عيني نفسه، يدافع عن خطيئته، ويسميها بغير اسمها حتى لا يخجل!

لأنه إن اعترف بأن هذه خطية، يعترف بالتالي انه مذنب. وكبرياؤه تمنع هذا! إذن لا مانع من أن يلبسها ثياب الحملان، ويسميها باسم آخر مقبول، غير محرج له، حتى لا ينكشف أمام الناس، وحتى يخدع نفسه فلا ينكشف أيضًا أمام نفسه، إن أمكن..

و الذين يغطون خطاياهم بثياب الحملان، لا يتوبون.

إذ كيف يتوبون عنها ويتركونها، وهم لا يحسبونها خطية، ولا يعترفون أنها خطية؟! بل قد يسمونها باسم فضيلة! وبهذه التسمية يدافعون عن سلوكهم، وبالتالي يستمرون فيه.
وقد يصبح عادة لهم أو طبعا لهم أو منهجا ثابتا في حياتهم لا يغيرونه، لأنهم يسمون الخطية بغير اسمها الحقيقي، ويغطون عليها فلا تظهر!

وبهذه التسمية وهذه التغطية، تهتز المبادئ والقيم عندهم.