تامل من كتاب انطلاق الروح .. اتركيني الآن ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب انطلاق الروح ++ البابا شنودة الثالث
اتركيني الآن

هوذا أنا هكذا يا رب أتدخل باستمرار فيها لا يعنيني. لست أقصد التدخل في شئون غيري من الناس، كيف يتصرف، وكيف تتصرف أنت معه – ولو أنني أقع كثيرا في هذا الخطأ – وإنما أقصد تدخلي في شئون نفسي. بينما هي أمور لا تعنيني أنا بقدر ما تعنيك أنت..

نفسي ليست ملكي، وإنما هي ملكك، اشترها بدمك الكريم فأصبحت لك. وليس لي بعد أن أتدخل في شئونها، لأنك أنت تدبرها حسب مشيئتك الصالحة الطوباوية.

علي إذن أن أنظر وأمجدك.

متى يأتي الوقت الذي لا أتدخل فيه في شئون نفسي، وإنما أتركها لك: حيثما تسيرِّني أسير، وكيفما تصيرني أصير؟ متي أرض بحالتي التي ارتضيتها أنت لي، فلا ألِح عليك في تغييرها كأنك غافل عن صالحي؟

متى تتحول صلاتي من طلب إلي شكر؟ أو متى ابحث عن شيء أطلبه فلا أجد لأني لست أجد خيرا لي الآن مما أنا فيه؟..

متى يأتي الوقت الذي يصبح فيه عملي الوحيد هو ألا أعمل شيئًا، وإنما اترك نفسي في يديك وأنساها هناك، ولا أذكر إلا هاتين اليدين اللتين جبلتاني وصنعتاني واللتين كنت تضعهما علي كل واحد فتشفيه.

متى أؤمن بك الإيمان كله. فاستأمنك علي حياتي تدبرها كيف تشاء، أنت يا صانع الخيرات، دون أن أقحم نفسي في عملك هذا وأتلصص متجسسا عليك لأري ماذا تعمل بي!! وكيف تعمل.. وهل عملك مقبول أم لا!

وهل يستدعي الأمر تدخلا مني أم لا يستدعي؟

آه يا رب كم أنا وقح في تصرفي معك! جاهل أنا وأتدخل في أعمال حكمتك محاولا أن أوقفها لأنفذ مشورتي الغبية!! كم يكون أحكمني لو أنني سكت وأخذت منك موقف المتفرج لا موقف الشريك. إذن لكنت أري عجائب من حكمتك.

أنني يا رب أفكر كثيرا في ذاتي، ولا أفكر ولو قليلا فيك أنني أثق كثيرا بذاتي، ولا أثق ول قليلا بك. ذاتي هي صنمي متي يتحطم لكي أعبدك العبادة الحقة؟ أن كنت لا أحطم بنفسي هذا الصنم لكونه جميلا في عيني، أو لكونه متى لدي جدا، فتول أنت يا رب تحطيمه، وعند ذلك لا يبقي لك منافس في قلبي فأحبك، ولا يبقي لك منافس في إيماني لأعبدك. 

 لو كنت يا رب أفكر فيك بقدر ما أفكر في ذاتي، ولو كنت اعتمد عليك بقدر ما أعتمد علي مقدرتي الخاصة، ولو كنت أحبك بقدر ما أحب نفسي، إذا لأصبحت مثل أولئك القديسين الذين أنكروا أنفسهم ليعرفوك.

متى تعتقني يا رب من ذاتي؟ متى؟ لا لكي أصير قديسًا، وإنما لكي أجدك.

متى تخرج من الحبس نفسي، وأطلق عبدك بسلام؟ متى أضيع ذاتي من أجلك لكي أجدك؟ وحينئذ أجدها فيك. متى أهلك ذاتي من أجلك؟ أذن لكانت تحيا بك. متى انظر إلي ذاتي فلا أجدها، وإنما أجدك أنت، متى أنظر إليها فأراك؟ متى أنظر إلي العالم فأراك؟ وإلي الناس فأراك؟ وتصبح لي الكل في الكل وليس سواك.

هي تبيد وأنت تبقي، وكلها كثوب تبلي، وكرداء تطويها فتتغير. ولكن أنت أنت وسنوك لا تفني.

قالوا لي: (أعرف نفسك). وقالوا لي:(أدخل إلي ذاتك). آه يا رب هي ذاتي هذه سبب متاعبي كلها..

متى أدخل إليها فلا أجدها؟!...

كم مرة نظرت إلي ذاتي فوجدتها معلقة علي الصليب بلا حراك. فلما أمعنت النظر إليها، أبصرتك أنت، ففرحت. لم افرح بذاتي لأنها ورثت الملكوت وإنما فرحت بك لأني وجدتك.

ويخيل إلي أنني سوف لا أجدك في كل مرة إلا هناك في وادي ظل الموت، لأنني أن سرت في وادي ظل الموت فأنت معي. لقد خلقتنا للحياة، ولكننا بخطيتنا اخترنا لنا الموت، فإذا بك أنت البسيط الذي كل شي طاهر قدامك، تقدس الموت وتجعله لنا بابا للحياة!! بل هو الباب الوحيد للحياة. (من وجد نفسه يضيعها، ومن أضاع نفسه من اجلي يجدها) (أنكر ذاتك واحمل صليبك وأتبعني).

الارتباط بك. لأنني لم ادخل إلي الوحدة من أجلك، وإنما من اجل نفسي. أما لترضي هي عن ذاتها، أو ليرضي الناس عنها.

لكنني في السنة الثانية عرفت معني الانحلال من الكل بتفسير آخر، وهو الانحلال من نفسي، لأنني أجعلها بالنسبة إلي الكل في الكل.

وفي السنة الثالثة أي معني سأعرفه لهذه العبارة؟ لست ادري. ليتني أكون قد نسيتها، ونسيت التفكير في معناها، من فرط الانشغال بك.

كنت أقول عن اجتماعي بالأخوة، أننا باجتماعنا معا علي الأرض هنا نعطل أنفسنا عن الانشغال بالله، وربما نتسبب بذلك في عدم اجتماعنا كلنا هناك معه في الأبدية. وأريد الآن أن أقول أن اجتماعي بنفسي هو الذي يعطلني بالأكثر.

أنني اشعر أنني محتاج، بين الحين والحين، كلما أخلو إلي نفسي، أن أقول لها: (اتركيني الآن، فهذا خير لنا) اتركيني لكي أخلو بالله، وبهذا أستطيع أن أتمتع بوعده من أن تثبتي فيه. فأجلس – لا مع ذاتي وإنما مع الله الحال في ذاتي.