من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد ++++البابا شنودة الثالث
أين ترعى؟ أين تربض وقت الظهيرة؟ (نش 1: 7)
أين ترعى؟
أين ترعى؟ أين تربض وقت الظهيرة؟ (نش 1: 7)
أين ترعى؟
أما هذه النفس ففى بعدها تبحث عن الرب: أين يرعى؟
نسمع إجابة عن هذا السؤال في آيات كثيرة من سفر النشيد تقول "الراعى بين السوسن" (نش 2: 16)، " حبيبى نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب، ليرعى في الجنات ويجمع السوسن" (نش 6: 2).
أنا عارف يا رب أنك نزلت إلى خمائل الطيب، وسط قديسيك.
هؤلاء الذين لحياتهم رائحة ذكية، نشتم منهم رائحة المسيح. خميلة منهم اسمها " خميلة التأمل والعبادة " نزلت إليها. وأخرى اسمها " خميلة التعب والجهاد " نزلت إليها. وثالثة إسمها " خميلة الخدمة والسعى وراء النفوس الضائعة". وخمائل أخرى خاصة بالفضائل الجميلة.
أنت يا رب وسط قديسيك، في خمائل الطيب ، ترعى في الجنات. كل قديس منهم عبارة عن شجرة موثقة ثمرا، تطرح ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 23).
ولكن ماذا عن شخص مثلى، يعيش في الأشواك؟ هل تنزل إلى أشواكه يا رب كما نزلت إلى الجنات وخمائل الطيب؟
أم هذا الإنسان لا نصيب له عندك، إذ ليس في حياته شيء من السوسن؟
أنا أومن يا رب أنك في بحثك عن الخروف الضال مشيت على الجبال والتلال والأشواك .
أنا لست في مستوى الجنات وخمائل الطيب. ربما اصل إليها عندما أصطلح معك، وأتحول إلى خميلة طيب، وإلى غصن في شجرة مثمرة في جناتك. اما الآن، فكيف الطريق إليك! أين ترعى؟
يجيب الرب في محبته: أننى ارعى في كل مكان..
كنت في أتون النار، أرعى الثلاثة فتية، في أرض بابل.
اهتممت بهم، فلم تحترق شعرة من رؤوسهم، ولم تدخل رائحة النار في ثيابهم، ولم ينزعجوا. ام ير الناس مع الثلاثة فتية شخصا رابعا شبيهاَ بأبن الآلهة؟! (دا 3: 25).
لا تخف إذن يا حبيبى إن كنت في أتون النار، كم بالأولى إن كانت مجرد ضربة شمس وقت الظهيرة.. !
إننى أرعاك وسط النار. ولست أرعى فقط وسط السوسن.
قيل عن يهوشع في سفر زكريا إنه " شعلة منتشلة من النار" (زك 3: 2). كاد يحترق وسط النار، ولكن يد الله الذي يرعى وسط النار انتشلته..
مبارك أنت يا رب، حتى الذين يقعون في النار ويشتعلون، لا تتركهم، بل ترعاهم هناك وسط النار، وتنتشلهم.. !
وليس وسط النار فقط، بل أيضا وسط الوحوش..
قال بولس الرسول " حاربت وحوشا في افسس". ووسط الوحوش قال له الرب " لا تخف. لا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).
إن الله يقوم بعمله الرعوى في جب الأسود أيضا، كما قام به في أتون النار، كما كان يرعى يونان النبى حتى وهو في بطن الحوت (يون 2)!! أتسأل أين ترعى؟
إننى أرعى حيثما توجد أنت. حيث الرعية هناك الراعى.
كنت في أتون النار، في جب الأسود، في جوف الحوت، أنا معك، أرعاك، " لا أهملك ولا أتركك".
" ها أنا معكم كل الأيام، وإلى إنقضاء الدهر".
في وسط البحر الهايج، السفينة تلاطمه الأمواج، وتكاد تغرق. ولكن الرب أيضا يرعى وسط الأمواج، ينتهرها، وينتهر البحر والرياح، وينقذ التلاميذ (مت 14: 24 33)..
الله كان يرعى في وسط البحر الأحمر، وفي البرية، وفي أرض السبى. أتسأل أين يرعى؟ هناك في قلبك..
إنه يبحث عنك، أكثر مما تبحث عنه. وفيما ترفع صوتك، هو يستجيب ومهما كنت مغتربا، هو يرعاك في أرض غربتك، كما رعى يوسف في أرض مصر، ودانيال وحزقيال في أرض السبى. كل الأرض هى له..
أين ترعى؟ سؤال تسأله نفس تريد الوصول إلى الله. هل أصل إليك بالمعرفة، بالقراءة، بالصلاة، بالطقس، بالألحان، بالأجتماعات؟..
أين ترعى؟ أين تربض وقتق الظهيرة؟ لقد جربت كل هذه الوسائل ولم أصل إليك! فما السبب؟
غالبا تكون قد طلبت الطريق، ولم تطلب الله الذي يوصل إليه هذا الطريق ّ طلبت العبادة والمعرفة ولم تطلب الله!
كثير من الناس ينشغلون بالوسيلة عن الهدف! يصلون ويصومون ويرنمون ويقرأون، ولكن الله ليس في قلوبهم، وليس في أهدافهم. فاطلب الله وحده، حينئذ تجده..
يقول الرب للنفس التي تبحث عنه " إن لم تعرفى أيتها الجميلة بين النساء فأخرجى على أثار الغنم" (نش 1: 8).
تتبعى آثار الغنم التي مشت قبلك في الطريق نحوى.
القديس موسى الأسود، كان واحدًا من الغنم التي تاهت، ثم عرفت الطريق فتتبعى آثاره. كذلك أوغسطينوس وبلاجيوس، ومريم القبطية.
هناك غنيمات سارت في طريق التأمل ووصلت، وأخرى في طريق الخدمة ووصلت.. كل طريق روحى تحبينه ستجدين آثار الغنم فيه، فتتبعيها. وسير القديسين لا تنتهى..
كما سلك هؤلاء، فلنسلك نحن أيضًا..
" إخرجى على آثار الغنم، ارعى جداءك عند مساكن الرعاة".