من كتاب الموعظه علي الجبل للقديس اغسطينوس 3


من كتاب الموعظه علي الجبل للقديس اغسطينوس ++ ابونا القمص تاردس يعقوب
3- أغسطينوس في روما


في عام 382 م. أوعز أصدقاؤه إليه بالسفر إلى روما لينال مجدًا وغنى أعظم، فلما شعرت والدته بهذا حاولت أن تصده عن ذلك فلم يرتد عن قصده، فعزمت على السفر مع...
ه، إذ كان زوجها قد توفي عام 371 م. أما هو فقد احتال عليها بقوله لها إنه ذاهب لتوديع صديق له على السفينة، وأنه لا يمكن مفارقته حتى تبحر السفينة.


وبالجهد رضيت أن يبقيًا معًا تلك الليلة في مكان قريب من السفينة بالقرب من كنيسة القديس كبريانوس. وفي الليل ذهبت للصلاة من أجله في الكنيسة ففر مسرعًا إلى السفينة وسافر تاركًا إياها تبكي من أجله.

وفي روما مرض مرضًا خطيرًا أوشك فيه على الموت لولا عناية الله وصلوات أمه لأجله، فشفي من مرضه دون أن تشفي روحه.

قيل عنه إنه نزل في روما ضيفًا عند أحد المانويين المعتقدين بجبرية الخطية وعدم التوبة عنها مما جعله يحتقر المانوية ويزدري بها.

4- أغسطينوس في ميلان

أرسل حاكم ميلان يطلب من حاكم مدينة روما أستاذًا للبيان فأرسل له أغسطينوس. وهناك دبرت له العناية الإلهية الالتقاء بأسقف المدينة القديس أمبروسيوس (أمبروزو)، الذي شمله بعطفه وحنانه حتى أحبه أغسطينوس، كما أعجب بعظاته. فكان مداومًا على سماعها لما فيها من قوة البيان، دون أن يهتم بما احتوته من معانِ جليلة وغذاء دسم للروح. لكن سرعان ما بدأ النور ينبعث وتتجلى المعاني أمامه، إذ أعجب أغسطينوس من تفسير الأسقف للعهد القديم، الذي يحتقره المانويين، بطريقة روحية رائعة. كما كان يسمع ردوده على أتباع ماني وغيرهم من المبتدعين. فانكشفت أضاليل المانوية أمام أغسطينوس ووضح خداعها له فقطعها بعد أن قضى تسعة أعوام سماعًا فيها (السماعون في المانوية هم معتنقو المذهب غير العاملين به، أما الصديقون أو المختارون فهم أتباعه الأوفياء علمًا وعملًا).

نعود إلى مونيكا التي سمعت بسفره إلى ميلان، فقامت تخوض البحار وتجوب القفار مسرعة إلى ميلان، لتحيا مع ابنها لعلها تستطيع بنعمة الله أن تهديه إلى الحياة. ويذكر أغسطينوس عنها أنه بينما كانت آتية إليه هبت عاصفة شديدة في البحر فلم تضطرب، مع أنه لم يسبق لها أن ركبت سفينة، بل كانت تشجع ربان السفينة والبحارة.

قابلها أغسطينوس بذلك الخبر السار ألا وهو تركه المانوية تمامًا غير أنه لم يؤمن بعد بالإيمان المسيحي المستقيم. فالتفتت إليه بهدوء، وقالت: "إن لي رجاء بالمسيح بأن قبل مفارقتي هذه الأرض أراك مؤمنًا"، وأخذت تحثه على معاشرة الأسقف واستماع عظاته ونصائحه. كل هذا ودموعها لم تنضب بعد لأجل توبته ورجوعه، لأنه إلى ذلك الحين لم يكن مؤمنًا بالمبادئ المستقيمة بل كان منجذبًا بالشهوات حتى كان يقول إن حفظ العفة يعتبر أمرًا مستحيلًا.

بدأ أغسطينوس يقرأ بعض كتب الأفلاطونيين المنقولة من اليونانية بواسطة فيكتريانوس، التي استفاد منها الكثير، على أنها لم تقُده إلى المسيحية، بل كان قد آمن بالمسيحية (عقليًا) وقد أفادته هذه الكتابات في حل مشكلات عقلية، كانت تحول بينه وبين فهم المسيحية.

عاد أغسطينوس إلى الكتاب المقدس مرة أخرى وبخاصة رسائل بولس الرسول التي أعجب بها كل العجب، كما أعجب بتوفيقها بين العهد القديم والجديد. قرأ الكتاب المقدس في هذه المرة فرأى ما لم يره قبلًا عند قراءته الأولى، ولا في كتب الفلاسفة، رأى مخلصًا جاء ليمحو كل آثامنا ورأى النعمة الإلهية تعيننا على فعل الخير والانتصار على الشر.

دبرت العناية الإلهية أن يزوره سمبليانس حيث بدأ يخبره عن قراءته في كتب الفلسفة الأفلاطونية التي عنى بنشرها فيكتريانوس (فيكتوريانوس هو معلم البيان في روما، ذاعت شهرته حتى نصب له تمثالًا في روما. وقد ترجم بعض كتابات أرسطو وبعض رسائل أفلاطين كما ترجم بعض كتابات الأفلاطونيين الجدد. وقد اعتنق المسيحية، وألف كتب لاهوتية عديدة)، فأظهر له سمبليانس سروره من مطالعته لهذه الكتب. ثم أخبره عن اعتناق فيكتريانوس للمسيحية وسلوكه في حياة الفضيلة. فلما سمع ذلك شبت فيه نيران الغيرة راغبًا في الإقتداء به، غير أنه كان لا زال أسيرًا للعادات الشريرة المرة.