تامل من انجيل يوحنا 10 ++ القمص تادرس يعقوب




تامل من انجيل يوحنا 10 ++ القمص تادرس يعقوب
الراعي الصالح جزء 2

"أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف".

تطلع أنبياء العهد القديم إلى ربنا يسوع بكونه الراعي (إش ٤٠: ١١؛ حز ٣٤: ٢٣؛ ٣٧: ٢٤؛ زك ١٣: ٧)، واختبره الرسل كأسقف لنفوسنا (١ بط ٢:٢٥)؛ ورئيس الرعاة (١ بط ٥: ٤)؛ والراعي العظيم (عب ١٣: ٢٠).

لهذا اللقب "الراعي الصالح" جاذبيته الخاصة لدى المسيحيين عبر الأجيال حتى الذين لم يشاهدوا رعاة غنم في حياتهم، فإنهم يشعرون فيه بنوعٍ من دفء الرعاية. كما أن قطيع الغنم لا يقدر أن يواجه الحياة بدون راعيه، هكذا يشعر المسيحيون في مواجهة الشر والعالم الشرير إلى الراعي الإلهي الذي يحفظهم من الشر ويشبع كل احتياجاتهم، ويقودهم إلى المراعي الفردوسية.

بقوله "أنا هو" يستخدم السيد المسيح لغة اللاهوت "أنا يهوه"، فهو الراعي الوحيد الإلهي الفريد.

الكلمة اليونانية المترجمة هنا "صالح" هي kalas، وهي تختلف عن غيرها من الكلمات اليونانية التي تُترجم أيضًا "صالح"، مثل: agathos إذ تشير إلى السلم الداخلي، وdikaios التي تشير إلى الشخص الذي يبلغ مستوى عالٍ من الاستقامة. أما kalas فجاء في Abbot Smith’s lexiconٍ أنها تشير إلى الصلاح معلنًا شكل معين، بمعنى آخر تشير إلى الصلاح مع الجمال. وقد قام E. V. Rieu بترجمة العبارة: "أنا هو الراعي"، الراعي الجميل". على أي الأحوال فإن تعبير الراعي الصالح تعبير محبب للنفس، يحمل فيه الصلاح الجذاب للرعية. فمع صلاح رعايته تتمتع الرعية بجاذبية شخصه، أو انجذابهم إليه.

رعاية "الراعي الصالح" فريدة من نوعها، ليست فقط رعاية صالحة، حيث ينشغل الراعي بالقطيع، كمن ليس ما يشغله في السماء وعلى الأرض غيره، ولا من حيث اهتمامه بالنفس الواحدة، خاصة الخروف الضال، وإنما ما هو أعظم أنه "يبذل نفسه عن الخراف".

في منطقة فلسطين كان الرعاة يتعرضون لمخاطر اللصوص كما لمخاطر الحيوانات المفترسة. فداود النبي واجه أسدًا ودبًا وهو شاب في رعاية غنمه (١ صم ١٧: ٣٤-٣٦). ويحدثنا عاموس النبي عن الراعي الذي يخلص من فم الأسد قدمي حمل أو قطعة أذن له (عا ٣: ١٢). وفي عصر الآباء نسمع يعقوب يقول لخاله: "فريسة لم أحضر إليك. أنا كنت أخسرها. من يدي كنت تطلبها، مسروقة النهار أو مسروقة الليل" (تك ٣١: ٣٩). هكذا لعمل الرعاية مخاطر، لكننا لا نسمع قط عن راعٍ يلقي بنفسه في الموت بإرادته من أجل قطيعه. حقًا قد يتعرض الراعي للموت، لكنه ليس لأجل مصلحة قطيعه، إنما من أجل مصلحته الشخصية كمالكٍ للقطيع. أما الراعي الصالح فبإرادته وحسب مسرته واجه الموت ليفدي كل حملٍ من قطيعه.

بذل الراعي الصالح ذاته ليقدم لنا دمه الثمين، تغتسل به نفوسنا، فنطهر من الخطايا، ونشربه سرّ حياة أبدية. والعجيب فيه أنه يهب خدامه الأمناء أن يجدوا مسرتهم في البذل فينفقون ويُنفقون (2 كو 12: 15) لحساب الشعب كما فعل الرسول بولس.

بين السيد المسيح والراعي

اختيار السيد المسيح للراعي لتشبيه له لم يأت جزافًا، إنما يحمل معانٍ هامة:

أولًا: الراعي، وإن كان صاحب القطيع مهما بلغت أعداده يرتدي ثيابًا رخيصة أثناء رعايته للغنم، إذ كثيرًا ما يجلس على الأرض وحوله غنمه، ويحمل على منكبيه الغنمات المجروحة أو المتعثرة، وقد تكون متسخة بالوحل. هكذا لبس الكلمة الإلهي جسدًا لكي يشاركنا أرضنا، ويحملنا على منكبيه، بل ويحتل مركزنا يحمل آثامنا للتكفير عنها.

ثانيًا: في الرعاية يتحرك الراعي أمام الخراف لكي تتبعه، وهكذا فتح لنا مسيحنا طريق السماء بعبوره خلال الصليب، كي نشاركه آلامه فننعم بشركة أمجاده.

ثالثًا: كثيرًا ما يمسك الراعي بعصا الرعاية، مقدمتها على شكل حرف U، لكي ما إذا سقط خروف في حفرة يرفعه بها. هكذا يمسك مسيحنا بصليبه الذي يحمل كل نوع من الحنو الإلهي البناء مع الحزم والتأديب بما فيه تقدمنا المستمر.

رابعًا: كثيرًا ما يجلس الراعي يستظل في الظهيرة ويضرب بمزماره وحوله الخراف فإن سمة الراعي هو الفرح وسط المتاعب وحرّ التجارب. هكذا نجد في راعينا مصدر الفرح الحقيقي.

خامسًا: يهتم الراعي بالخروف الضال أكثر من التسعة والتسعين الباقين، ولا يستريح حتى يرده إلى القطيع (مت ١٨: ١٢-١٤؛ لو ١٥: ٣-٧).
"أنا هو الراعي الصالح". يتحدث هنا عن الآلام، مظهرًا أنها هي خلاص العالم، فإنه لم يأتِ إليها قسرًا. عندئذ يتحدث عن نموذج الراعي مرة أخرى وعن الأجير ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

لقد قال أنه هو "الراعي"، كما قال أنه هو "الباب". تجد الاثنين في نفس الموضع، كلًا من "أنا هو الباب" و "أنا هو الراعي" . في الرأس هو الباب، وفي الجسد هو الراعي... الذي يدخل من الباب هو الراعي، أما الذي يطلع من موضعٍ آخرٍ فذاك سارق ولص، يبدد ويشتت ويهلك. من هو الذي يدخل من الباب؟ ذاك الذي يدخل بالمسيح. من هو؟ ذاك الذي يتمثل بالآم المسيح..

هل كان (الرسل) رعاة؟ بالتأكيد كانوا هكذا. فكيف يوجد راعي واحد؟ كما سبق فقلت أنهم كانوا رعاة لأنهم أعضاء في الراعي. لقد فرحوا في هذا الرأس، وتحت رئاسة هذا الرأس كانوا في انسجام معًا، عاشوا بروحٍ واحدٍ في رباط جسدٍ واحدٍ. لذلك فجميعهم ينتمون للراعي الواحد.

ماذا تعني إذن إنك تقدم للرعاة الصالحين الراعي الصالح وحده إلاَّ أنك تعلم الوحدة في الراعي الصالح؟ وقد أوضح الرب نفسه ذلك بأكثر وضوح في خدمتي، إذ أذكركم أيها الأحباء بهذا الإنجيل القائل: "اسمعوا ماذا وضعت أمامكم، لقد قلت أنا هو الراعي الصالح، لأن كل البقية، الرعاة الصالحين، هم أعضائي" .
رأس واحد، جسم واحد، مسيح واحد. هكذا كل من راعي الرعاة ورعاة الراعي والقطيع برعاته الذين تحت الراعي.

ما هذا كله إلاَّ ما يقوله الرسول: "كما أن الجسم واحد، له أعضاء كثيرون، وكل أعضاء الجسم بكونهم كثيرون جسم واحد، هكذا المسيح" (١ كو ١٢: ١٢). لذلك إن كان المسيح هو هكذا، فبسبب صالح يحوي المسيح في ذاته كل الرعاة الصالحين، يقيمون الواحد القائل: "أنا هو الراعي الصالح". أنا وحدي وكل البقية معي واحد في وحدة.

من يرعي بدوني يرعى ضدي. "من لا يجمع فهو يفرق" (مت ١٢: ٣٠). لتسمعوا هذه الوحدة قد وضعت أكثر قوة، إذ يقول: "ولي قطيع آخر ليس من هذا القطيع" .

أسألكم، أتوسل إليكم بحق قدسية مثل هذا الزواج أن تحبوا الكنيسة، حبوا الراعي الصالح، فالعروس جميلة للغاية، هذه التي لا تخدع أحدًا، ولا تطلب هلاك أحد. صلوا أيضًا من أجل القطيع المبعثر، لكي يأتوا، ويتعرفوا عليه، ويحبوه، ويصيروا رعية واحدة وراعٍ واحدٍ.++ القديس اغسطينوس

كيف لا أحبك يا من أحببتني بشدة؟ رغم أني سوداء، فقد وضعت حياتك من أجل خرافك (يو 13:15)، أنت راعيهم.

ليس لأحدٍ حب أعظم من هذا، لأنك بذلت حياتك لتمنحني الخلاص.

قل لي إذًا أين ترعى؟

عندما أجد مرعى خلاصك، حينئذ اشبع بالطعام السماوي؛ الذي بدونه لا يدخل أحد إلى الحياة الأبدية. وحين أجري إليك أيها الينبوع سوف أشرب من الينبوع الإلهي الذي جعلته يتدفق ليروى كل من يعطش إليك.

إذ ضُرِب جنبك بالحربة للوقت خرج دم وماء (يو 34:19). ومن يشرب منه يصبح ينبوع ماء حيّ للحياة الأبدية (يوحنا 14:4).

إذا رعيتني ستجعلني أستريح بسلام خلال منتصف النهار في الضوء الخالي من الظلال. لأنه لا توجد ظلال في منتصف النهار، عندما ترسل الشمس أشعتها عمودية فوق الرأس. وستجعل ضوء منتصف النهار يُريح كل من أطعمته، وتأخذ أطفالك معك في فراشك (لو 7:11).

لا يستحق أحد أن يأخذ راحة منتصف النهار إلا ابن النور والنهار (1 تس 5:5). الشخص الذي فصل نفسه من ظلمة الليل إلى الفجر، سوف يستريح في منتصف النهار مع شمس البرّ (ملا 2:4) + القديس غريغوريوس النيسي

"وأما الذي هوأجير وليس راعيًا،الذي ليست الخراف له،فيرى الذئب مقبلًا،ويترك الخراف ويهرب،فيخطف الذئب الخراف ويبددها".

يتعرض هذا القطيع لذئابٍ خاطفة تخدع وتفترس وتحطم (أع ٢٠: ٢٩)، كما يتعرض للصوص يخطفون القطيع لتقديمه ذبائح لعدو الخير، أو يسرقون طعامه. غالبًا ما تأتي الذئاب في ثياب حملان (مت ٧: ١٥).

في العبارتين ١٢ و١٣ يحدثنا السيد المسيح عن الرعاة المهملين، فيدعوهم أجراء، إذ يخدمون من أجل الأجرة أو المكافأة، وليس عن حبٍ صادقٍ لشعب الله. محبتهم للمال أو لبطونهم هي التي تحملهم إلى الرعاية. حقًا من يخدم المذبح من المذبح يأكل، ومن يكرز بالإنجيل فمن الإنجيل يعيش، لكن قلوبهم مرتبطة بخلاص النفوس، لا بما يقتنوه من وراء الخدمة.

يعلن عن نفسه أنه السيد مثله مثل الآب، فإنه هو كذلك، فهو الراعي والخراف له ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

الأجير الذي يرى ذئبًا فيهرب تاركًا القطيع للافتراس يخطئ. وقد جاء في المشناه Mishnah أنه يلتزم أن يحمي القطيع إن واجه ذئبًا واحدًا لكن يعطي عذرًا له لو هاجم القطيع ذئبان أو أكثر لأنه لا يقدر على هذه المواجهة. كأجير غير ملتزم بحماية القطيع أن تعرض لذئبين معًا، لأن حياته تكون في خطرٍ.

يعمل الأجير مادام لا يرى الذئب قادمًا، مادام لا يرى اللص أو السارق، ولكن إذ يراهم يهرب...

يصعد الأجراء بطريق آخر... لأنهم متكبرون يصعدون...

الذين ليسوا في وحدة (الكنيسة) لهم طريق آخر، أي متعجرفون ويريدون أن يفسدوا القطيع.

الآن لاحظوا كيف يصعدون. إنهم يقولون: إننا نحن الذين نقدس ونبرر ونقيم أبرارًا...

الذئب هو الشيطان الذي يرقد منتظرًا أن يخدع، وأيضًا الذين يتبعونه يخدعون، فقد قيل بالحق يرتدون جلود القطيع، ولكن في الداخل ذئاب خاطفة (مت ٧: ١٥).

إن لاحظ الأجير شخصًا منشغلًا بحديثٍ شريرٍ، أو أحاسيس قاتلة لنفسه أو يمارس رجاسة ودنسًا، وعلى الرغم من أنه يبدو كمن يحمل شخصية لها أهميتها في الكنيسة (التي منها يترجى أن ينال نفعًا إذ هو أجير)، ولا يقول شيئًا له: "أنت تخطئ"، ولا يؤنبه حتى لا يفقد ما لنفعه. أقول هذا هو معنى "عندما يرى الذئب يهرب". إنه لا يقول له: "أنت تعمل بالشر". هذا ليس هروبًا بالجسد بل بالنفس. الذي تراه لا يزال واقفًا بالجسد يهرب بالقلب. عندما يرى خاطئًا لا يقول له: "أنت تخطئ" نعم لكي يكون فياتفاق معه.

لا يحملن الأجير هنا شخصية صالحة، ولكن من نواحٍ أخرى فهو نافع، وإلا ما كان يُدعى أجيرًا، وما كان ينال أجرة ممن وظَّفه. فمن هو هذا الأجير الذي يُلام ونافع أيضًا؟ يوجد بعض يعملون في الكنيسة يقول عنهم الرسول بولس: "يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح" (في ٢: ٢١). ماذا يعني "يطلبون ما لأنفسهم"؟ الذين لا يحبون المسيح مجانًا، بل يسعون نحو المنافع الزمنية، يطلبون الربح، ويطمعون في الكرامات من الناس.

يوجد أجراء أيضًا في وسطنا، لكن الرب وحده يميزهم، ذاك الذي يفحص القلوب يميزهم.

لنلتفت باهتمامٍ إلى الحقيقة أنه حتى الأجراء نافعون. فإنه بالحقيقة يوجد كثيرون في الكنيسة يسعون وراء النفع الأرضي، ومع هذا فهم يكرزون بالمسيح، ومن خلالهم يُسمع صوت المسيح، وتتبع الخراف لا الأجراء، بل صوت المسيح المتكلم خلالهم. أشار الرب نفسه إلى الاستماع إلى الأجراء، إذ قال: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا" (مت ٢٣: ٢-٣). ماذا قال سوى أصغوا إلى صوت الراعي خلال الأجراء؟

اسمع الرسول يتنهد من أجل مثل هذه الأمور. إنه قيل أن البعض يكرزون بالإنجيل خلال المحبة، وآخرون "لعلة"، فيقول عنهم أنهم لا يكرزون بالإنجيل بحق (في ١: ١٦-١٨). ما يكرزون به هو حق، أما الذين يكرزون فهم أنفسهم ليسوا مستقيمين.

لماذا من يكرز هكذا ليس مستقيمًا؟ لأنه يطلب شيئًا آخر في الكنيسة، لا يطلب الله.

إن طلب الله يكون عفيفًا، إذ يكون الله هو الزوج الشرعي للنفس.

أما من يطلب من الله ما هو بجانب الله، فإنه لا يطلب الله بعفة.

لاحظوا يا إخوة، إن كانت زوجة تحب زوجها لأنه غني، فإنها ليست عفيفة. لأنها لا تحب زوجها بل ذهب زوجها. لو أنها تحب زوجها، فإنها تحبه في عريه وفقره. لأنها إن كانت تحبه لأنه غني، ماذا إذا صار محتاجًا فجأة؟ ربما ترفضه، لأنها لم تحب رجلها بل ممتلكاته. لكنها إن كانت تحب زوجها بالحق، فإنها تحبه بالأكثر عندما يفتقر، إذ تحبه مترفقة به أيضًا.

يلزمنا لا أن نحب الغنى، بل الله الذي خلق الغني، لأنه لا يعدكم بشيء بل بنفسه. لتجد شيئًا أثمن منه وهو يهبه لك. جميلة هي الأرض والسماء والملائكة، لكن خالقهم أكثرهم جمالًا.

إذن من يكرزون بالله بكونه الله المحب، من يكرزون بالله لأجل نفسه، يرعون القطيع وليسوا أجراء.

يطلب ربنا يسوع المسيح من النفس هذه العفة، إذ قال لبطرس: "يا بطرس أتحبني" (يو ٢١: ١٦)؟ ماذا تعني "أتحبني"؟ هل أنت عفيف؟ هل قلبك غير زانٍ؟ هل لا تطلب الأمور الخاصة بك في الكنيسة، بل تطلبني أنا؟ إن كنت هكذا وتحبني "ارع غنمي". فإنك لا تكون أجيرًا بل راعيًا.

يكرز الراعي بالمسيح بالحق، ويكرز الأجير بالمسيح بعلة (في ١: ١٨)، يطلب شيئًا آخر. وإن كان هذا وذاك يكرزان بالمسيح... بولس نفسه الراعي يُسر أن يكون لديه أجراء. فإنهم يعملون حين يكونوا قادرين، إنهم نافعون ماداموا قادرين على الكرازة... نادرًا ما يجد (الرسول) راعيًا بين إجراء كثيرين، لأن الرعاة قليلون، أما الأجراء فكثيرون. لكن ماذا قيل عن الأجراء؟ "الحق أقول لكم أنهم قد أخذوا أجرتهم" (مت ٦: ٢). أما عن الراعي فماذا يقول الرسول؟ "لكن من يطهر نفسه من مثل هذه يصير آنية للكرامة مقدسة ونافعة للرب، معدة لكل عملٍ صالحٍ" (٢تي ٢: ٢١)، ليست معدة لأمور معينة بل "معدة لكل عمل صالح"++ القديس اغسطينوس

"والأجير يهرب،لأنه أجير ولا يبالي بالخراف".

يشبه القديس أغسطينوس الأجراء الذين يعملون في الخدمة لحساب أنفسهم لا لحساب المسيح بالأسوار المملوءة شوكًا وقد استندت عليها الكرمة الحاملة العنب. فيليق بنا أن نتمتع بعنب الكرمة المحمول على الأشواك. العنب الذي لم يصدر عن الشوك بل عن الكرمة.

يقدم لنا الرسول مثلًا لهذه الأشواك الحاملة للكرمة: "وأما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح، وأما قوم فعن مسرة. فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح، لا عن إخلاص... غير أنه على كل وجه سواء كان بعلةٍ أم بحقٍ يُنادى بالمسيح، وبهذا أنا أفرح، بل سأفرح أيضًا" (في ١: ١٥ ١٨).

في هذا يختلف الراعي عن الأجير، واحد يطلب دومًا ما هو لسلامه غير مبالٍ بالخراف، والآخر يطلب ما هو للخراف غير مبالٍ بما هو لنفسه...

قديمًا انتهر حزقيال (الأجراء) وقال: "ويل لكم يا رعاة إسرائيل. هل يرعى الرعاة أنفسهم؟ ألا يرعون الخراف؟" (خر ٣٤: ٢LXX). لكنهم فعلوا ما هو على خلاف ذلك، الذي هو أشر أنواع الشر، وعلة كل بقية الشرور. فقد قيل: "لم يستردوا المطرود، والضال لم يطلبوه، والمكسور لم يجبروه، والمريض لم يشفوه، لأنهم رعوا أنفسهم لا الغنم" (راجع حز ٣٤: ٤).

وكما أعلن بولس أيضًا في موضع آخر: "إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح" (في ٢: ٢١). وأيضًا: "لا يطلب أحد ما هو لنفسه بل كل واحدٍ ما هو للآخر" (١ كو ١٠: ٢٤) ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

يكون الشخص أجيرًا إن احتل موضع الراعي لكنه لا يطلب نفع النفوس. إنه يتوق إلى المنافع الأرضية، ويفرح بكرامة المراكز السامية، وينقاد إلى الربح المؤقت، وينعم بالكرامة المقدمة له. هذه هي مكافآته... مثل هذا لا يقدر أن يقف عندما يكون القطيع في خطر.

الآن إذ يجد الكرامة ويتمتع بالمنافع المؤقتة يخشى مقاومة الخطر لئلا يفقد ما يحبه... عندما يقتحم شخص شرير المؤمنين المتواضعين، يكون هذا ذئبًا يهجم على القطيع، يمزق أذهانهم بالتجارب. لا يتحمل الأجير مسئولية حماية القطيع.

تهلك النفوس بينما يتمتع هو بالمنافع الأرضية. ليس من غيرة تلتهب في الأجير ضد هذه التجارب، ليس من حب يثيره، كل ما يطلبه هو المنافع الخارجية، وبإهمال يسمح للأضرار الداخلية أن تحل بقطيعه ++ البابا غريغوريوس (الكبير)

"أما أنا فإني الراعي الصالح،وأعرف خاصتي،وخاصتي تعرفني".

تلامس المرتل مع الرب الراعي الصالح في مزمور الراعي (مز ٢٣)، حيث يكشف عن مدى اهتمام الرب الفائق برعيته.

تكشف الرعاية الصالحة عن الحب المشترك والمعرفة المتبادلة بين الراعي ورعيته. فالراعي يعرف رعيته، لا معرفة مدرسية تعتمد على التنظيمات المجردة، بل معرفة الالتصاق بهم، والانتساب إليهم وانتسابهم له، فيصيروا خاصته التي تتأهل لمعرفته.

لقد عرف الله إبراهيم وإسحق ويعقوب، فدعا نفسه "إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب". وعرف بولس راعيه الأعظم فيحسبه ربه وإلهه هو! هكذا خلال هذه الرعاية الحقيقية يسمع كل حمل من بين القطيع صوت راعيه يؤكد له: "وأكون له إلهًا، وهو يكون لي ابنًا" (رؤ ٢١: ٧).

إنه يعرف خاصته، إذ يتطلع إليهم بعيني الحب والاهتمام الرعوي، يعرفهم فيبذل ذاته بكل سرور من أجلهم. وكما يقول القديس يوحنا: "هو أحبنا أولًا" (١ يو ٤: ١٩). وكما يقول الرسول بولس: "وأما الآن إذ عرفتم الله، بل بالأحرى عُرفتم من الله" (غلا ٤: ٩).

نظرات حب الراعي تسحب نظرات الرعية إليه، وكما يعرف الراعي خاصته بالحب العملي والاتحاد معهم يعرفونه هم ويجدون لذتهم في الاتحاد معه. هذا هو العهد الجديد، عهد النعمة القائم على الحب بين الله وخاصته. فتدرك الخاصة كلمات راعيهم: "أنا أعلم الذين اخترتهم" (يو ١٣: ١٨)، وفي يقين الإيمان بالراعي يرددون مع الرسول: "لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (٢ تي ١: ٢١).

المسيح إذن هو الراعي الصالح. ماذا كان بطرس؟ ألم يكن راعيًا صالحًا؟ ألم يبذل حياته عن القطيع؟ ماذا كان بولس؟ ماذا كان بقية الرسل؟ ماذا عن الأساقفة الطوباويين والشهداء...؟ ماذا عن كبريانوسنا القديس؟ ألم يكن هؤلاء جميعًا رعاةً صالحين...؟ هؤلاء جميعًا كانوا رعاةً صالحين، ليس لمجرد سفك دمائهم، إنما سفكوه من أجل القطيع، ليس في كبرياء، بل سفكوه في محبة.

ماذا تقول يا رب، أيها الراعي الصالح؟ فإنك أنت هو الراعي الصالح، أنت هو الحمل الصالح. في نفس الوقت أنت الراعي والمرعى، الحمل والأسد في نفس الوقت. ماذا تقول؟ هب لنا أذنًا وأعنا لكي نفهم. إنه يقول: "أنا هو الراعي الصالح". وماذا عن بطرس؟ هل هو ليس براعٍ أو هل هو شرير...؟ إنه راع وراع صالح، لكنه كلا شيء بالحق بالنسبة لقوة راعي الرعاة وصلاحه، ومع هذا فإنه راعٍ وصالح، وكل الآخرين الذين مثله هم رعاة صالحون.

المسيح هو بابي إليكم، بالمسيح أجد مدخلًا، لا إلى بيوتكم بل إلى قلوبكم. بالمسيح أدخل، إنه المسيح الذي فيّ، هو الذي تريدون أن تسمعوا له. ولماذا تريدون أن تسمعوا المسيح فيّ؟ لأنكم قطيع المسيح، أُشتريتم بدم المسيح. إنكم تعرفون ثمنكم، الذي لا يُدفع بواسطتي، وإنما يكرز به بواسطتي. إنه هو، وهو وحده المشتري، الذي سفك دمه الثمين - الدم الثمين لذاك الذي بلا خطية. ++ القديس اغسطينوس

"كما أن الآب يعرفني، وأنا أعرف الآب،وأناأضع نفسي عن الخراف".

ليس فقط اشتهى البذل حتى الموت من أجل قطيعه بل كراعٍ صالح يؤكد: "وأنا أضع نفسي عن الخراف". لقد حقق خطة البذل فعلًا. قدم حياته المبذولة مهرًا ليقتني الخراف. اشتراها لا لكي يذبحها، وإنما يُذبح هو لكي يحبها. لا يُقدم القطيع ذبيحة عن صاحبها كما في العهد القديم، بل يقدم الراعي نفسه ذبيحة عن قطيعه.

"خاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني، وأنا أعرف الآب"، بمعنى سأكون منتميًا لقطيعي وهم يرتبطون بي، بدأت الكيفية التي بها يعرف الرب الآب ابنه الحقيقي الوحيد الجنس، ثمرة جوهره، ويعرف الابن الآب، بكونه الله الحقيقي، ويلد كيانه من هو منه، هكذا نحن إذ تعبنا لنكون له يُقال أننا من عائلته، ونُحسب أبناءه. نحن بالحقيقة أقرباؤه (أع 17: 29)، ونحمل اسم الابن، وبسبب ذاك الذي من الآب، فإنه وهو المولود من الله، إله حق، قد صار إنسانًا، وأخذ طبيعتنا، ماعدا الخطية++ القديس كيرلس الكبير

إنه(الآب) يعرف أنه قد ولده، كما يعرف هو أيضًا أنه مولود منه. وباختصار أذكر ما جاء في الإنجيل: "أنه لا يعرف أحد الابن إلا الآب، ولا الآب إلا الابن" (مت 27:11،يو 15:10؛ 25:17) ++ القديس كيرلس الأورشليمي

نه يعرف الآب بنفسه، ونحن نعرفه به... إذ يقول: "الله لم يره أحد قط، الابن الذي في حضن الآب هو يخبر" (يو ١: ١٨). هكذا به ننال هذه المعرفة التي يعلنها لنا .

تذكروا كيف أن الرب يسوع المسيح هو الباب والراعي، الباب بتقديم نفسه لكي يُعلن، والراعي الذي يدخل بنا بواسطته. بالحقيقة يا اخوة، لأنه هو الراعي يعطي لأعضائه أن يصيروا مثله. فإن كلا من بطرس وبولس وغيرهما من الرسل وكل الأساقفة الصالحين كانوا رعاة. لكن لا يدعو أحد منا نفسه أنه الباب. فقد ترك هذا بالتمام لنفسه. في اختصار مارس بولس عمل الراعي الصالح عندما كرز بالمسيح، إذ دخل من الباب. لكن حينما بدأ القطيع غير المهذب يسبب انشقاقات، وأن يقيموا أبوابًا أخرى أمامهم... قال بولس أنا لست الباب؛ "هل صُلب بولس من أجلكم، أو هل اعتمدتم باسم بولس؟!" (١ كو ١: ١٢-١٣).++ القديس اغسطينوس

"ولي خراف أخري ليست من هذه الحظيرة،ينبغي أنآتي بتلك أيضًا،فتسمع صوتي،وتكون رعيةً واحدةً، وراعٍ واحدٍ".

يقدم لنا الراعي الصالح في هذا السفر تأكيده عن المعرفة الفريدة المتبادلة بين الآب والابن، علامة وحدة الفكر والإرادة ووحدة العمل معًا (مع وحدة الجوهر الإلهي)، كمثال للمعرفة بينه وبيننا كخاصته المحبوبة لديه التي تجد أبديتها في قبول مشيئته وقوته والعمل به ومعه! يتحدث بعد ذلك عن الخراف الآخر التي من الأمم، بكونها خرافه التي يأتي بها إليه لتكون مع خراف بيت إسرائيل رعية واحدة لراعٍ واحد.

بقوله: ينبغي أن "آتِ بتلك" يؤكد السيد المسيح دوره الإيجابي في اقتناء الأمم شعبًا له، فهو الذي يقدم دمه ثمنًا لخلاصهم، وهو الذي يعمل بروحه فيهم ليجتذبهم، لكن ليس بغير إرادتهم. إنه يفتح قلوب مؤمنيه لمحبة كل البشرية المدعوة للتمتع برعاية السيد المسيح مخلص العالم. وفي نفس الوقت يحطم تشامخ اليهود الذين ظنوا أن المسيا قادم إليهم وحدهم، وإنهم قطيع الله الفريد، متطلعين إلى الأمم ككلابٍ بين القطيع.

بقوله "ينبغي" يؤكد السيد التزام الحب؛ حبه الإلهي يلزمه بتقديم ذاته ذبيحة لفداء قطيعه بسرورٍ.

إنه يأتي بالكل من جميع الأمم ليردهم إلى المرعى الحقيقي، الكنيسة المقدسة؛ يفتح لهم أبوابها السماوية ليدخلوا بعد تيه في البرية لزمانٍ هذا مقداره. إنه ينسبهم له، فهم قطيعه الذي خلقه ويهتم بخلاصه، ويقدم دمه الثمين ثمنا لخلاصهم، يردهم في كرامةٍ ومجدٍ.

هذا القطيع أيًا كان مصدره، إذ هو قادم من أمم كثيرة، يسمع صوت الراعي الواحد فيؤمن به، إذ الإيمان بالاستماع، فينجذبون إليه ويتحدون معه كأعضاءٍ لجسدٍ واحدٍ لرأس واحد. وكما يقول الرسول: "جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد، رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم" (أف ٤: ٤-٦).هكذا ترتبط وحدة القطيع أو الوحدة الكنسية بوحدة الراعي.

كأنه يقول: ما بالكم تتعجبون إن كان هؤلاء القوم سيتبعونني، وإن كان غنمي يسمع صوتي، لأنكم إذا رأيتم أغنام أخرى تتبعني وتسمع صوتي فستذهلون حينئذ ذهولًا عظيمًا.

"ينبغي أن آتي بتلك"،كلمة "ينبغي" هنا لا تعني "ضرورة"، بل هي إعلان عما سيحدث حقًاكأنه يقول: لماذا تتعجبون إن كان هؤلاء يتبعونني وإن كانت خرافي تسمع صوتي؟ فإنكم سترون آخرين أيضًا سيتبعونني ويسمعون صوتي، فتكون "دهشتهم أعظم". لا ترتبكون عندما تسمعونه يقول: "ليست من هذه الحظيرة"، فإن الاختلاف يخص الناموس وحد، كما يقول بولس: "لا الختان ينفع شيئًا، ولا الغرلة" (غلا ٥: ٦).

"ينبغي أن آت بتلك أيضًا". لقد أظهر أن هؤلاء وأولِئك قد تشتتوا وامتزجوا، وكانوا بلا رعاة، لأنه لم يكن بعد قد جاء الراعي الصالح. عندئذ أعلن عن وحدتهم المقبلة إذ يصيروا رعية واحدة. وهو نفس الأمر الذي أعلنه بولس بقوله: "لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا" (أف ٢: ١٥) ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى؟ أين تربض عند الظهيرة؟ لماذا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك" (نش 7:1).

"أين ترعى أيها الراعي الصالح، يا من تحمل القطيع كله على كتفيك؟ لأنك إنما حملت خروفًا واحدًا على كتفيك ألا وهو طبيعتنا البشرية.

أرني المراعي الخضراء.
عرفني مياه الراحة (مز 2:22).
قدني إلى العشب المشبع.
ادعني باسمي (يو 16:10) حتى اسمع صوتك، أنا خروفك، أعطني حياة أبدية ++القديس غريغوريوس النيسي

ضرب الفريسيين المعاندين بطرق متنوعة. هنا سمح لهم أن يلاحظوا أنهم على وشك نزعهم عن رعاية شعبه، الذي يدبر أمورهم بنفسه الآن. إنه يعني إن الخلط بين قطعان الأمم مع أولئك الذين لهم إرادة صالحة من شعب إسرائيل، فلا يعود يحكم اليهود وحدهم، بل ينتشر مجد نوره على الأرض كلها. إنه يرغب ألا يُعرف في إسرائيل وحدها منذ البداية، بل يقدم لكل الذين تحت السماء معرفة الله الحقيقي ++ القديس كيرلس السكندري

توجد سفينتان (لو ٥: ٢) منهما دعا تلاميذه. إنهما تشيران إلى هذين الشعبين (من اليهود ومن الأمم)، عندما ألقوا شباكهم وأخرجوا صيدًا عظيمًا وعددًا كبيرًا من السمك، حتى كادت شباكهم تتخرق. قيل "امتلأت السفينتان" تشير السفينتان إلى الكنيسة ولكنها تتكون من شعبين، ارتبطا معًا في المسيح، وإن كانا قد جاءا من أماكن متباينة.

عن هذه أيضًا الزوجتان اللتان لهما زوج واحد يعقوب، وهما ليئة وراحيل، كانتا رمزًا (تك ٢٩: ٢٣، ٢٨). وعن هذين الشعبين كان الأعميان رمزًا، جلسا على الطريق ووهبهما الرب النظر (مت ٢٠: ٣٠). وإن دققت في الكتاب المقدس تجد الكنيستين اللتين هما كنيسة واحدة وليس اثنتين قد رمز لهما في مواضع كثيرة ++ القديس اغسطينوس

أخيرًا، الذبائح نفسها التي للرب تعلن أن الاجتماع المسيحي يرتبط بذاته بحب ثابت لا ينفصل. لأن الرب عندما دعا الخبز الذي يتكون من وحدة حبوب كثيرة جسده، يشير إلى شعبنا الذي يحمل اتحادًا. وعندما يدعو الخمر المعصور من عناقيد العنب والحبوب الصغيرة جدًا التي تجتمع معًا في دمه الواحد، هكذا أيضًا يعني قطيعنا الممتزج معًا بجماهير متحدة ++ الشهيد كبريانوس

"لهذا يحبني الآب،لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا".

يخطئ البعض حين يظنون في الآب العدالة الإلهية والابن الرحمة الإلهية. هؤلاء يتصورون أن الابن مملوء حبًا نحو البشر، وقد قدم ذاته ذبيحة حب ليرفع غضب الآب. وقد اعتقد بعض الغنوسيين في القرن الثاني أن إله العهد الجديد (الابن) جاء يخلص العالم من إله العهد القديم لأنه غضوب! هنا يؤكد القديس يوحنا أن ذبيحة المسيح هي موضوع حب الآب لنا، وأنها ثمرة الحب المتبادل بين الآب والابن. فالحب الإلهي هو سمة الثالوث القدوس وليس خاصًا باقنوم دون آخر.

الابن الوحيد الجنس موضع حب الآب أزليًا، أما وقد تجسد وصار بالحقيقة إنسانًا، فإنه يتمتع بحب الآب كابن البشر حيث يقدم حياته مبذولة عن البشرية. لقد صار بإرادته خادمًا باذلًا من أجل العالم ليقتنيه لحساب الله أبيه. وقد جاء في أناشيد العبد الأمين المتألم: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرت به نفسي، وضعت روحي عليه، فيُخرج الحق للأمم" (إش ٤٢: ١).

بهذا التدبير الإلهي قدم نفسه لنا "الطريق"، فإننا إذ ندخل فيه نشاركه سمة الحب الباذل العملي والأمانة، فنشتهي أن نشاركه صلبه وموته لنصير فيه موضع سرور أبيه. ببذله فدى البشرية وقدمها لأبيه، وباتحادنا به ننعم بمجد البذل والصلب معه.

يتحدث السيد عن موته "أضع نفسي" وعن قيامته "آخذها". إنه صاحب سلطان ما كان يمكن لكل قوات الظلمة أن تتصرف هكذا بدون إذنه؛ في سلطانه أن يضع نفسه ويأخذها. هكذا يقدم الموت والقيامة بأسلوب بسيط، بلا انزعاج أمام الموت، ولا دهشة أمام قيامته.