تامل صوت حبيبي (نش 2: 8) ++ البابا شنودة الثالث



من كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد +++ البابا شنودة الثالث

صوت حبيبي (نش 2: 8)

تقول العذراء في سفر النشيد "صوت حبيبي. هوذا آتٍ طافرًا علي الجبال، قافزًا علي التلال" (نش2: 8).
تمييز صوت الرب:
أول ما تطلبه من النفس الروحية أن تميز صوت حبيبها.

تعرفه من بين كل الأصوات كلها. وكما قال الرب عن الراعي الصالح "الخراف تتبعه، لأنها تعرف صوته. وأما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء" (يو10: 4، 5).
إن النفوس المشتاقة إلي الرب، تعرف صوت حبيبها. ومجرد سماعه يشعلها بالحب.. إذا كان صوت مريم العذراء لما طرق أذني أليصابات، امتلأت أليصابات من الروح القدس، وارتكض الجنين بابتهاج في بطنها (لو1: 41). فكيف بالحري صوت الرب في آذان قديسيه..

كثيرون سمعوا صوت الرب، ولكنهم لم يميزوا..
صموئيل الطفل، سمع صوت الرب مرتين، وهو يظنه صوت عالي الكاهن. ولكنه ميزه أخيرًا، فقال "تكلم يا رب فإن عبدك سامع" (1صم3: 9، 10).. ومريم المجدلية وهي مضطربة لم تستطع أن تميز صوت الرب، وظنته صوت البستاني، ولكنه أعلن لها صوته، فصرخت في حب "ربوني" الذي تفسيره "يا معلم" (يو20: 15، 16).
إن صوت الرب مميز من الكل، معلم بين ربوة..
صوته في حبه. وعاطفته، وعمقه، وتأثيره "لأن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات" (نش5: 16).

كان صوت الرب يتميز بجاذبية خاصة..
تصوروا متي العشار، وقد سمعه مرة يقول له "اتبعني"، فترك مكان الجباية، والمال، والمسئوليات، فتبعه (مت9: 9) وهو لا يدري إلي أين يذهب، كما فعل أبونا إبراهيم لما سمع صوت الرب (عب11: 8).
وسمعان واندراوس، لما سمعا صوته يقول لهما "هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس، تركا الشباك والسفينة للوقت، ولم يستطيعا أن يقاوما جاذبية ذلك الصوت.. (مت4: 18-20).
وهكذا كلمة واحدة قالها لزكا رئيس العشارين، جعلته يقول "هوذا نصف أموالي أعطيه للفقراء. وإن كنت قد ظلمت أحدًا في شيء أرده خمسة أضعاف" (لو19: 8).

أحد الذين وصفوا المسيح في فترة تجسده، قال:
كان نظره قويًا، لا يستطيع أحد أن يطيل النظر إلي عينيه بل يخفض بصره. وكان صوته عميقًا ومؤثرًا وحلوًا..

إنه "صوت حبيبي" للأسف الشديد لم تكن هناك أجهزة تسجيل للصوت Recorders في أيام المسيح بالجسد حتى تحتفظ لنا بهذا الصوت، مدي الأجيال، تتذوقه الآذان.
في الواقع ليس كل إنسان مستحقًا لسماع ذلك الصوت.
إن الذين كانوا مع شاول الطرسوسي في طريق دمشق، حينما ظهر له السيد المسيح قال عنهم بولس الرسول إنهم رأوا النور ولكنهم لم يسمعوا الصوت الذي كلمني" (أع22: 9). إنهم لم يكونوا مستحقين: لذلك نقول في أوشية الإنجيل، ونحن نستعد لسماع كلمات الرب "اجعنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة" فنطلب أن نستحق..

"صوت حبيبي"، كلم الآباء منذ البدء، بأنواع وطرق شتي. أول صوت سمعناه خالقًا، قال الرب: ليكن. فكان.. ثم سمعنا صوته معلمًا يقول لأبوينا الأولين ماذا ينبغي لهما أن يفعلا، ويقدم لهما الوصية، ثم سمعنا صوت الله مباركًا، أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض"..
وظل صوت الله يتابع الإنسان في أغراض شتي..

المهم أن نميز صوت الرب أيًا كان مصدره.
القديس الأنبا أنطونيوس سمع آية من قراءات الكنيسة، سمعها كل الشعب معه، ولكنه أدرك أنها صوت الله إليه هو بالذات فذهب ونفذها وباع كل ماله وأعطاه للفقراء..

وسمع صوت امرأة تقول له "إن كنت راهبًا، فاذهب إلي البرية الجوانية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكني الرهبان". فأدرك أن هذا صوت الله إليه علي لسان المرأة، ونفذه..

متي؟ وكيف؟
هل تسمع أنت صوت الله وتميزه؟ سواء سمعته في الكنيسة، وفي الشارع، ومن فم صديق وزميل، ومن فم من يوبخك، ومن أي مصدر كان.. ؟

ربما مرض يصيبك، ويصيب أحد أحبائك، يكون هو صوت الله إليك، أن تتوب وأن تستعد..

ربما ضيقة من الضيقات، تجربة، مشكلة، تسمع فيها صوت الله إليك، كما حدث لأخوة يوسف، لما وقعوا في يد حاكم مصر، ذكرهم صوت الله بأخيهم الذي استرحمهم فلم يرحموه (تك42: 21)..

إنه صوت الله، قد يتكلم في أذنيك وأعماق قلبك:
تسمعه في داخلك يقول لك: لا تفعل هذا الأمر. حذار من هذا الطريق.. كفاكم قعودًا بهذا الجبل فتميزه وتقول: هذا صوت حبيبي، يرشدني إلي طريقه..

كل إنسان في الدنيا وصله صوت الله، حتى الخطاة..
قايين أول قاتل، جاءه صوت الله "أين هابيل أخوك"؟. (تك4: 9).

ويهوذا الخائن جاءه صوت الرب أيضًا موبخًا. "أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!" (لو22: 48) وظل صوت الرب يرن في أذنه، حتى أرجع المال وقال "أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا" (مت27: 4).

أحيانًا، يأتي صوت الرب في حب وفي رفق ورسالة عزاء:
مثلما قال ليشوع "كما كنت مع موسى عبدك، أكون معك. لا أهملك ولا أتركك" (يش1: 5). وكما جاء هذا الصوت لأبينا يعقوب وهو هارب من عيسو "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك28: 15).

صوت حبيبي جاء إلي التلاميذ والسفينة مضطربة، ليقول لهم "أنا هو، لا تخافوا". وهو يأتي في المزمور لكل نفس ليقول "الرب يحفظك، الرب يظلل علي يدك اليمني، فلا تضربك الشمس بالنهار ولا القمر بالليل. الرب يحفظ دخولك وخروجك" (مز121).


لاحظوا أن العروس سمعت صوت حبيبها آتيا من بعيد:
لم يكن أمامها يكلمها، وإنما كان لازال يبدو بعيدًا .
قافزًا علي الجبال، طافرًا علي التلال".. ولكنها أحست به من بعيد، فقالت "صوت حبيبي. هوذا آت.. "

بالإيمان، تسمع صوت الرب، ولو من بعيد، لابد سيأتي.
سيأتي سريعًا، قافزًا علي الجبال، ولو في الهزيع الأخير من الليل. يأتي ليمسح كل دمعة من عيونكم.. بالإيمان تري ما لا يري، وتوقن بالأمور غير الموجودة كأنها موجودة، وتسمع صوت الرب ولو كان بعيدًا..

لماذا صوت الرب؟
صوت الرب يأتي للمعونة، وللتعزية، وللبركة، وللمكافأة..


وقد يأتي أحيانًا للعقوبة "مخيف هو الوقوع بين يدي الرب" (عب10: 31)..

جميل أن تسمع صوت الرب وهو يقول "نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل، فسأقيمك علي الكثير. أدخل إلي فرح سيدك" (مت25: 21، 23). ولكن صوت الرب قال للغني الغبي "في هذه الليلة تؤخذ روحك منك. فهذا الذي أعددته لمن يكون؟ (لو13: 20). وكان صوتًا مخيفًا..
إن كنت تحب الرب، حينئذ ستفرح بسماع صوته.
عذراء النشيد فرحت بصوت الرب، لأنها كانت تحبه. وآدم قبل الخطية كان يفرح بالرب وصوته. ولكنه لما أخطأ وسمع صوت الرب، خاف واختبأ وراء الأشجار. ولما كلمه الرب أجاب "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فأختبأت" (تك3: 10).

فهل إذا جاءك صوت الرب يجدك عريانًا؟! وخائفًا!
ما أصعب قول الرب لآخاب علي لسان إيليا النبي "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلي، تلحس دمك أيضًا" (1مل21: 19).. بل ما أصعب صوت الرب في اليوم الأخير حينما يعلن حكمه علي بعض الخطاة فيقول "الحق أقول لكم أني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت7: 23)..

علي أن صوت الرب قد يأتيك معاتبًا، لتغير طريقك:
كما قال لشاول الطرسوسي، شاول شاول، لماذا تضطهدني؟" (أع9: 4)..

أو كما قال لإيليا "مالك ههنا يا إيليا؟" (1مل19: 9)..

أو كما قال ليونان "هل أغتظت بالصواب؟" (يون4: 4)..

إن حبيبك يعاتبك أحيانًا، لكي ترجع إليه "هلم نتحاجج يقول الرب" (أش1: 18). إن عاتبك فلا تقس قلبك..

قد يكلمك الله "بصوت منخفض خفيف". وقد يأتيك صوت الرب، والرب ممسك بسوط.. لأجل منفعتك.

والأبرار يفرحون بصوت الرب علي الدوام، ويجدون متعة في سماع كلامه، ويقولون مع المرتل "فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة. وجدت كلامك كالشهد فأكلته"..

وإن كنت تخشي صوت الرب إليك، فتب، لأنك بالتوبة، سيتحول حزنك إلي فرح بالرب..
سيأتي لك صوت الرب، في وقت قد لا تتوقعه..
ذلك لأن ملكوت الله لا ياتي بمراقبة. موسى النبي أتاه صوت الله وهو سائر في البرية، فكلمه من العليقة دون أن يتوقع (خر3). وهكذا جاء صوت الرب لصموئيل الطفل، ولإرمياء الصبي، دون أن يتوقعاه (1صم3)..

إجعل إذنيك مفتوحتين لسماع صوت الرب، وافرح بصوته الحلو، ونفذ كلامه، واعتبره حبيبًا لك. وكلما سمعت صوته قل له مع عذراء النشيد "صوت حبيبي"..