تامل من كتاب الانسان الروحي ++ مشكلة نجاح الأشرار

تامل من كتاب الانسان الروحي +++ البابا شنودة الثالث

مشكلة نجاح الأشرار

لعل البعض تتعبه هذه المشكلة التي أزعجت إرميا النبى في وقت ما، فعاتب الله قائلا "أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. ولكنى أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار. اطمأن
كل الغادرين غدرًا" (أر 12: 1).
نجاح الأشرار هو نجاح زائف، مؤقت، وبطرق شريرة.


هيرودس الملك ظن أنه نجح لما قتل كل أطفال بيت لحم. ولكنه كان نجاحًا زائفًا. فالشخص الوحيد الذي اراد قتله، كان حيا لا يموت. كما أن وسيلة هيرودس كانت خاطئة.

هيرودس الذي أتى بعده، قتل يوحنا المعمدان. فهل نجحت هيروديا وسالومى وهيرودس بقتل يوحنا، أم كان نجاحًا زائفًا، ظل بعده هيرودس منزعجًا من يوحنا حتى بعد قتله (مت 14: 1، 2)

آخاب استطاع أن يقضى على نابوت اليزرعيلى ويدبر له مؤامرة ويقتله ويستولى على حقله (1مل 21). وكان نجاحًا مؤقتًا ورائفًا وأثيما. وبعده أتى غضب الله على آخاب وكان كلام الرب: "فى المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلى، تلحس دمك" (1مل 21: 19).

اليهود ظنوا أنهم تخلصوا من المسيح بصلبه، ونجحت مؤامراتهم وأتت بنتيجتها وصلبوا المسيح. وكان نجاحًا زائفًا ومؤقتًا، انتهى بمجد القيامة.

هامان ظن أنه قد قضى على مردخاي، ودبر له المؤامرة، وأعد له صليبًا. وكاد أن يقضى لا على مردخاي وحده، إنما على الشعب كله. وتدخل الله أخيرًا بعد الصوم الذي أمرت به أستير الملكة. وتحول الموقف إلى العكس تمامًا. وصلب هامان على النفس الصليب الذي أعده لمردخاى (إس 7: 10).

القديس أوغسطينوس قال إن الأشرار كالدخان الذي يرتفع وتتسع رقعته، وفي كل ذلك يتبدد.

أما النار فتبقى تحت، لا تعلو مثل الدخان. ولكنها تظل في قوتها وحرارتها وفاعليتها، لا تتبدد مثله في ارتفاعه.

كذلك فإن نجاحهم في أمور مادية عالمية، ليس نجاحًا بالحقيقة. قارن في ذلك مع قصة الغنى ولعازر (لو 16). ومع قصة الغنى الذي اتسعت كورته، فقال "أهدم مخازني وأبنى أعظم منها.. وأقول لنفسي استريحي وكلى وأشربي.." (لو 12: 16-20).

إن النجاح الحقيقي هو النجاح الروحي. إن كان الماديات، يكون بأسلوب روحي.

لذلك لا تغر من الأشرار إذا نجحوا. وبخاصة إلى كانت وسائل نجاحهم بعيدة عن الله. كمن يلجأ إلى الكذب والمكر والحيلة.. أو إلى الغش.. أو إلى الرشوة.. أو إلى التملق والنفاق والرياء والمحسوبية.. أو التاجر الذي يحتكر الأسواق. ويبالغ في الأرباح. وينجح ماليًا، ويفشل روحيًا. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرسول:

"مَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 3: 19).

وقال عنهم أيضًا نهايتهم الهلاك:

ومن أكبر الأمثلة على النجاح الزائف: الشيطان وجنوده.

الشيطان حينما يحل من سجنه، سيخرج "ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (رؤ20: 7). ويحاول أن يضل لو أمكن المختارين أيضًا" (مت 24: 24). فهل نجح الشيطان؟!

وقيل عن الوحش أنه "أعطى أن حربًا مع القديسين، ويغلبهم" (رؤ 13: 7). فهل نجح الوحش بعد هذه الغلبة المؤقتة.

لقد حسم الكتاب هذا الأمر فقال "وإبليس الذي كان يضلهم، طرح في بحيرة النار، حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين" (رؤ 10: 20).

 كذلك ضد المسيح "المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا"، "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين "الذي سيتسبب في ارتداد الكثيرين (2تس 3-10). ونجاحه أيضًا مؤقت وزائف شرير. وسوف يبيده الرب بنفخه فمه (2تس 2:8).