تامل العصافير



"أليست خمسة عصافير تباع بفلسين،

وواحد منها ليس منسيًا أمام الله؟

بل شعور رؤوسكم أيضًا جميعها محصاه،

فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة"

تأمَّل عظم رعايته بالذين يحبُّونه. فإن كان حافظ المسكونة يهتم هكذا حتى بالأمور التي بلا قيمة ويتنازل ليتحدَّث عن طيور صغيرة (لو 12: 6-7)، فكيف يمكنه أن ينسى الذين يحبُّونه والذين يتأهَّلون لافتقاده لهم، إذ يعرف كل دقائق حياتهم حتى عدد شعور رؤوسهم؟...

ليتنا لا نشك أن يده الغنيَّة تهب نعمته للذين يحبُّونه. فإما أنه لا يسمح لنا أن نسقط في تجربة، أو إن كان بحكمته يسمح لنا أن نسقط في الفخ إنما ليتمجَّد خلال الآلام، واهبًا إيَّانا بكل تأكيد قوَّة الاحتمال. الطوباوي بولس هو شاهدنا في ذلك إذ يقول: "الله أمين (قوي)، الذي لا يدعكم تجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1 كو 10: 13) +++ القدِّيس كيرلس الكبير

إن كان الله لا ينسى العصافير، فكيف ينسى الإنسان؟ وإن كانت عظيمة هكذا وأبديَّة حتى أن العصفور وعدد شعور رؤوسنا ليس مخفيًا أمام علمه فكم يُحسب بالأكثر جاهلًا من يظن أن الرب يجهل القلوب الأمينة أو يتجاهلها؟...

العصافير الخمسة على ما يبدو لي هي حواس الجسد الخمس: اللمس والشم والتذوق والنظر والسمع. العصافير كالجسدانيين تنقر قذارة الأرض لتطلب غذائها في الأراضي البور ذات الرائحة النتنة، وتخطىء فتسقط في الشباك فلا تقدر على الارتفاع نحو الثمار العالية والوليمة الروحيَّة. فإغراءات الشباك تسبي في ثناياها تحركات أرواحنا. والتهاب طبيعتنا ونشاطنا وطهارتنا هذه كلها تتبدد خلال الاهتمام بالأرضيات والماديات واقتنائنا ترف هذا العالم. والآن بعد سبينا صار أمامنا نوعان من الملذّات، إما العبوديَّة للخطيَّة أو التحرَّر منها، فالمسيح يحرَّرنا والعدو يبيعنا. يعرضنا للبيع ليميتنا بينما يفدينا المسيح ليخلصنا. وقد ذكر متى عصفورين (مت 10: 29) إشارة إلى الجسد والروح