تاملات سفر اشعياء 7 ++ القمص تادرس يعقوب


من تاملات سفر اشعياء 7 ++ القمص تادرس يعقوب
الآية الإلهية: عمانوئيل

رفض آحاز أن يطلب من الله آية ليطمئن أنه سيخلصه من أرام وإسرائيل، وها هو الرب يقدم نفسه آية لا لآحاز وإنما لكل البشرية لنطمئن أنه يخلصها لا من الأذرع البشرية وإنما من كل ق...وات الظلمة الشريرة، يرفعها فوق الأحداث الزمنية ويحملها معه إلى الأحضان الأبوية. وفي نفس الوقت يطمئن آحاز أن بيت داود لن يسقط تمامًا، إنما يأتي ابن داود "الآية العجيبة" القادر أن يُقيم خيمة داود الساقطة.

الآية التي يُريد الرب أن يهبها لكل مؤمن هي أنه يعطي ذاته "عمانوئيل". نحن لا نعمِّق الطلبة ولا نرفعها إلى فوق إنما كآحاز نخشى أن نطلب مع أنه ينتظر أن يهبنا ذاته؛ ينزل إلينا ليرفعنا إليه، فيكون هو نصيبنا الصالح الذي لن ينزع عنا.

لهذا يقول القديس إيريناؤس: ما قاله إشعياء: "رفّع إلى فوق وعمق إلى أسفل" يعني الإشارة إلى ذاك الذي نزل وصعد (اف 4: 10). لنطلب هذه الآية العجيبة عمانوئيل النازل إلينا ليصعدنا إلى سمواته.

حقًا إنها آية فريدة، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: لما كان ما هو مزمع أن يحدث أمرًا غريبًا لا يمكن لكثير من أن يصدقوه حتى عندما يتحقق لهذا أرسل أولًا وقبل كل شيء أنبياء يعلنون عن هذه الحقيقة.

وبذات المعنى يقول الشهيد يوستين: الأمور التي كانت تبدو غير معقولة بل ومستحيلة بالنسبة للبشر أعلن الله عنها بروح النبوة.

أ. "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل". وكما يقول الشهيد يوستين في حواره مع تريفو : من الواضح للجميع أنه لم يولد أحد في جنس إبراهيم من عذراء أو قيل عنه ذلك إلاَّ مسيحنا.

بتولية القديسة مريم حقيقة إنجيلية تخفي إيماننا في المسيح يسوع ابنها. فإن كلمة الله عند تجسده لم يبال بنوع الموضع الذي يضطجع فيه، أو الملابس التي يتقمط بها، أو الطعام الذي يقتات به، لكنه حدد بدقة "العذراء" التي تصير له أمًا.

الكلمة العبرية المستخدمة لعذراء هي "آلما Alma" وليس بتولية "ولا "ايسا"، فإن كلما "آلما" تعني عذراء صغيرة يمكن أن تكون مخطوبة، أما "بتولية" فتعني عذراء غير مخطوبة بينما إيسا تعني سيدة متزوجة. وكأن كلمة "آلما" تُطابق حالة القديسة مريم تمامًا بكونها عذراء وفي نفس الوقت مخطوبة للقديس يوسف الذي كان بالنسبة لها مُدافعًا وشاهدًا أمينا على عفتها، بوجوده ينتزع كل ريب أو ظن حولها.

تحدث حزقيال النبي (44: 1-2) عن بتولية القديسة مريم:

حزقيال شهد وأظهر لنا هذا، قائلًا:

إنيّ رأيت بابًا ناحية المشارق، الرب المخلص دخل إليه، وبقى مغلقًا جيدًا بحاله.

بتولية القديسة مريم هي برهان على إيماننا بالسيد المسيح أنه ليس من زرع بشر، أنه ليس من هذا العالم، بل هو ابن الله المتجسد، جاء إلينا من الأعالي. لقد حملت "عمانوئيل" الذي يعني "الله معنا"؛ نزل إلينا متجسدًا في الأحشاء البتولية لتحمل طبيعتنا ويصير واحدًا معنا، يحل في وسطنا، مقدسًا كل ما لنا.

الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (إش 7: 14) أعلنوا أيضًا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه.

إذ صار الكلمة جسدًا، وابن الله ابنا للإنسان، وافتتح الطاهر بنقاوة والأحشاء النقية معطيًا للبشرية تجديدًا في الله. ++القديس ايريناؤس

فتح السيد المسيح مستودع الكنيسة المقدسة، ذلك المستودع الصامت، الذي بلا عيب، المملوء ثمرًا، حيث يولد شعب الله.++القديس أمبروسيوس

ميلادك الإلهي يا رب قد وهب البشرية كلها ميلادًا... ولدتك البشرية حسب الجسد، وأنت ولدتها حسب الروح... المجد لك يا من صرت طفلًا لكي تجعل الكل جديدًا. ++القديس مار أفرام السرياني

إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانًا... حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد يعيد الجنس البشري فيه من جديد ++القديس كيرلس الكبير

ب. "زبدًا وعسلًا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير"

هنا يؤكد النبي ناسوت السيد المسيح، فمع كونه ليس من زرع بشر لكنه صار بحق ابن الإنسان، يُشاركنا أكلنا وتصرفاتنا ويشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها (عب 2: 7).

الزبد والعسل هما طعام الصبية الصغار، فانه لن يبلغ الرجولة دفعة واحدة، إنما يجتاز مرحلة الصبوة، خلالها يعرف أن يرفض الشر ويختار الخير علامة نضوج نفسه وفكره. نراه في الثانية عشرة من عمره يجلس وسط المعلمين يسمعهم ويحاورهم حتى بهتوا من تعليمه (لو 2: 46-47).

هذا تحقق بالنسبة لربنا يسوع المسيح المولود وحده من العذراء؛ أما بالنسبة لما تم في أيام آحاز فقد أعلن الله عن ميلاد ابن لإشعياء، قيل عنه: "لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تْخلى الأرض التي أنت خاشِ من ملكيها" . تحقق ذلك بكل دقة إذ هاجم ملك أشور دمشق بعد إعلان هذه النبوة بفترة قصيرة وقُتل رَصِين (2 مل 16: 9) كما قَتَل هوشع بن إيلة فَقْح بن رمليا وملك عوضًا عنه (2 مل 15: 30)، وأُعيد 200.000 أسيرًا بسرعة (شآرياشوب = البقية سترجع) وذلك لا بالقوة ولا بالقدرة بل بروح الرب (2 مل 28: 8-15).