نبوات العهد القديم عن الميلاد


من كتاب حتمية التجسد الإلهي 
 كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس 
 سيدي بشر - الإسكندرية

نبوات العهد القديم عن الميلاد

حدَّدت النبؤات النسب الجسدي للإله المتأنس الذي به تتبارك كل الأمم، فصرَّحت بأنه من نسل إبراهيم " فيتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18) وانه من نسل إسحق وليس اسماعيل "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 26: 4) وانه من نسل يعقوب وليس عيسو " ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 28: 14) وانه من سبط يهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنه ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه" (تك 49: 10، 11) وفعلًا وُلِد السيد المسيح عندما زال سلطان الحكم من يهوذا وصارت اليهودية كلها تحت الحكم الروماني الذي جرَّدهم من كل سلطان بينما الاحتلال البابلي والفارسي كان يقيم منهم واليا يحكمهم ويُصّرف أمورهم. أما عندما تولى هيرودوس الأدومي الرئاسة فقد صار الحكم لقيصر روما، وزال الحكم عن يهوذا، وفقد مجمع السنهدريم سلطته في الحكم على أحد بالموت، ولذلك سلَّم يسوع إلى بيلاطس الحاكم الروماني ليحكم عليه بالموت صلبًا، ومعنى " شيلون " الذي له السلام ، ودعاه أشعياء " رئيس السلام" (اش 9: 6).

وحدَّد أرميا انه يأتي من نسل داود "ها أيام تأتي يقول الرب واقيم لداود غصن بر‍ّ فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض. وفي أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا وهذا هو إسمه الذي يدعونه به الرب برُّنا" ( ار 23: 5، 6).

وبكَّت القديس أثناسيوس اليهود الذين لم يؤمنوا بهذه النبوات الصريحة قائلًا "فلو كان لليهود الآن ملك أو رؤيا لجاز لهم أن ينكروا المسيح الذي أتى، أما أن لم يوجد ملك ولا رؤيا بل من ذلك الوقت إلى الآن ختمت كل نبؤة، وأُخذت المدينة والهيكل، فلماذا يجحدون ويتمردون لهذا الحد، إذ وهم ينظرون ما حصل ينكرون المسيح الذي تمم كل شئ؟.. لو كانت الأمم تعبد إلهًا آخر، ولا تعترف بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، لجاز لهم مرة أخرى أن يدَّعوا بأن الله لم يأتِ.. لماذا يتجاهلون أن الرب الذي تنبأت عنه الكتب قد أشرق على العالم، وظهر له متجسدًا.. لم يبق بعد ذلك ولا نبي ولا أورشليم ولا ذبيحة ولا رؤيا بينهم، بل امتلأت الأرض كلها من معرفة الله.. فيجب أن يكون واضحًا حينئذ حتى لأشد الناس عنادًا أن المسيح قد أتى .. هكذا يستطيع المرء أن يُوبخ اليهود بحق بهذه الحجج وغيرها من الكتب الإلهية" (تجسد الكلمة 40: 4-8).

نبؤة بلعام " أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغا" (عد 24: 17) وهذه النبوة هي التي حركت المجوس من أرض المشرق عندما رأوا نجمه.

التمس المرنم وجه الله قائلًا "يا رب طأطئ سمواتك وانزل والمس" (مز 144: 5).. " يا جالسًا على الكروبيم اشرق. قدام افرايم وبنيامين ومنسى ايقظ جبروتك وهلمَّ لخلاصنا" (مز 80: 1، 2) بل أن المرنم رأى بعين النبؤة تنازل الرب وتجسده فصرخ قائلًا: " طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه" (مز 18: 9).

" ينزل مثل الطل على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6) والجزاز هو صوف الخراف ، وهو يرمز للأمة اليهودية التي ارتبطت بالذبائح، والأرض إشارة للأمم، فبعد أن كان الطل أي نعمة الله قاصرة على الأمة اليهودية، فقد امتدت بالتجسد إلى جميع الشعوب والألسنة والأمم، وأيضًا أن كانت جرّة الصوف تشير للناسوت فان المطر يشير للاهوت.

"أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم" (مز 107: 20) والمقصود بالكلمة هنا أقنوم الكلمة.

"ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلِد فيها وهو العليُّ يثبتها. الرب يُعَد في كتاب الشعوب أن هذا وُلِد هناك" (مز 87: 5، 6) وهي نبؤة واضحة وصريحة عن التجسد، فالمولود هو الله العلي، وأيضًا تشير النبؤة للاكتتاب، فيقول القديس غريغوريوس " لماذا اكتتبت كل المسكونة في نفس الوقت الذي وُلِد فيه مخلصنا؟ كان ينبغي أن يُكتَب إسمه مع أسماء البشر ليكون اكتتابه معنا إعلانًا صريحًا عن ظهوره في الجسد وهو الذي يكتب أسماء مختاريه في الأبدية، وضد ذلك يتكلم النبي عن الأشرار قائلًا {ليُمحَوا من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا} (مر 69: 28).

"ترنمي وافرحي يا بنت صهيوت لأني هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم ويكونون لي شعبًا. فاسكن في وسطكِ فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليكِ" (زك 2: 10، 11).

ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "فسمع الرب لتنهدات الأنبياء ولم يتوان عن أمر خلاص البشر من الهلاك، وأرسل إبنه، الرب من السماء ليخلص.. وها هو أحد الأنبياء يقول " يأتي بغتة.. السيد الذي تطلبونه" (ملا 3:1) إلى أين؟ سوف يأتي الرب إلى هيكله، وإذ يسمع نبي آخر هذا الكلام فيجيبه ويقول: هل تتكلم بصوت خفيض عندما تتحدث عن خلاص الله، وهل تتحدث في الخفاء عندما تكرز مبشرًا بمجيئ الله للخلاص؟ كلا. بل " على جبلٍ عالٍ اصعدي يا مبشرة صهيون.. قولي لمدن يهوذا " وماذا أقول؟ "هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي" (اش 40: 9، 10) ثم يقول الرب نفسه " هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب" (زك 2: 10، 11)" (مقالة 12 للموعوظين).

وتنبأ عن تنازله وتجسده ميخا النبي قائلًا " اسمعوا أيها الشعوب جميعكم اصغي أيتها الأرض وملأُها وليكن السيد الرب الشاهد عليكم السيد من هيكل قدسه. فإنه هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض" (مي 1: 2، 3).

 " ولكم أيها المتَّقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2) وشمس البر إشارة للسيد المسيح الذي أشرق بأرضنا فحمل الشفاء لطبيعتنا الفاسدة.

وحدَّد دانيال الزمن الذي يتجسد فيه الله قدوس القدوسين، وربط هذا الزمن بإصدار الأمر الملكي لتجديد أورشليم فقال " سبعون اسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الأثم وليُؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا ولمسح قدوس القدوسين فأعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون اسبوعًا" (دا 9: 24، 25).

وقال المؤرخ يوسيفوس " إن دانيال أحد الأنبياء العظماء لم يتنبأ قط عن الحوادث المستقبلية كما تنبأ غيره من الأنبياء بل أيضًا عن وقت تمامها" (1) وقال القديس كيرلس الأورشليمي " وإذ نبحث بأكثر تدقيق عن شهادة خاصة بزمان مجيئه، إذ يصعب إقناع الشخص مالم يقدم له حساب دقيق للزمان بالنبؤات. فما هو وقت وحال وزمان مجيئه؟ انه في زمان إنحلال ملوك يهوذا وسقوطهم. حيث بلغ هيرودوس الأجنبي المُلك. لهذا قال الملاك الذي خاطب دانيال.. {فاعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون اسبوعًا} (دا 9: 25) والتسعة وستون اسبوعًا يحملون 483 سنة (69 × 7) فكأنه يقول انه بعد بناء أورشليم بـ 483 سنة حيث يسقط الحكام ويأتي عوضًا عنهم ملك من جنس آخر في زمانه يولد المسيح"

وقال القديس أثناسيوس " وفي هذه الناحية بنوع خاص، يحق توبيخهم توبيخًا أشد لا بواسطتنا، بل من قِبل دانيال المتزايد في الحكمة الذي حدَّد كلا من التاريخ الفعلي لمجئ المخلص، وحلوله الإلهي بيننا، إذ قال {سبعون اسبوعًا قضيت على شعبك} (دا 9: 24، 25) لعلهم ( اليهود) في النبؤات الأخرى يستطيعون أن يتلمسوا المعاذير لأنفسهم، أو يحيلوا المكتوب إلى المستقبل ولكن ما عساهم يقولون عن هذه النبؤة، أو هل يستطيعون مواجهتها بأي حال من الأحوال؟ ففيها لا نجد إشارة إلى المسيح فحسب، ولكنها تعلن صراحة أن الذي سيُسمح ليس مجرد إنسان بل " قدوس القدوسين " وان الرؤيا والنبؤة تبقى قائمة في أورشليم إلى مجيئه، ومن ثم تبطل النبؤة والرؤيا من إسرائيل" (تجسد الكلمة 39: 2، 3).

حدَّد ميخا النبي مكان الميلاد " أما أنت يا بيت لحم افراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم. منذ أيام الأزل" (مي 5: 2 ) وكانت بيت لحم قرية صغيرة لا يميزها شيء غير قبر راحيل، وكانت تدعى افراته، وتميزت بالأشجار الكثيفة " هوذا قد سمعنا في افراته. ووجدناه في حقول الوعر" (مز 132: 6) وقال حبقوق " الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3) وتيمان بمعنى الجنوب، وبيت لحم تقع جنوبي أورشليم، ويقول البابا كيرلس الكبير " عندما عرف (داود) بالروح مكان ميلاد الابن الوحيد بالجسد أبْشَر به وقال " ها قد وجدناه في افراته" (مز 132: 6) أي في بيت لحم.. وفي موضع آخر يسميه داود " إله إبراهيم" عندما يقول " رؤساء الشعوب اجتمعوا مع إله ابراهيم" (مز 47: 9).. "رؤساء الشعوب " أي الرسل والقديسين.. وهكذا دُعى إله إبراهيم وإله يعقوب ذاك الذي وُلِد من إمرأة. فلماذا لا تدعى العذراء والدة الإله؟