تامل من عاموس 4 ++ ابونا تادرس يعقوب
بقرات باشان الظالمة
"اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة، الظالمة المساكين، الساحقة البائسين، القائلة لسادتها: هات لنشرب"
"باشان" اسم عبري يعني "أرض مستوية أو ممهَّدة"، كان يشير إلى نصف سبط منسَّى (تث 3: 13)، تقع في أرض كنعان شرقي الأردن بين جبل حرمود وجلعاد (عد 21: 33)، تربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. ذُكرت في الكتاب المقدَّس حوالي 60 مرَّة. عُرفت بقطيعها (مز 22: 12، حز 39: 18)، الذي اتَّسم بالشحم الكثير (تث 32: 14)، واشتهرت بغابات البلُّوط الدائمة الخُضرة (إش 2: 13، حز 27: 6، زك 11: 2) حتى يومنا هذا.
هنا يشبِّه الرب شعب بني إسرائيل ببقرات باشان السمينة والقويَّة، التي ترعى في مراع دسمة، وقد اتَّسمت بظلمها للمساكين وسحْقها للبائسين. لقد رعى أغنياء الشعب وأشرافه وسط غنى فاحش، مغتصبين كل شيء لحسابهم. وعِوض أن يغيثوا البائسين والمظلومين يستغلُّون فقرهم وبؤسهم وعجزهم ليسحقوهم بالأكثر بالظلم والاستبداد، فيزداد الغني في غناه، والفقير في فقره وبؤسه.
هؤلاء الأغنياء يذهبون إلى السادة الظالمين مثلهم ويقولون: "هات لنشرب"، أي لنسكر معكم في ولائكم وننعم بالملذَّات والشهوات وسط سحق البائسين ودموع المظلومين، وكأنهم لا يجدون لذَّة في السكر إلاَّ بمزجها بالدموع وخلطها بالظلم. وكما يقول الحكيم: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس، فهوذا دموع المظلومين ولا مُعزّ لهم، ومن يد ظالميهم قهر" (جا 1: 4).
ويرى البعض أن بقرات باشان هنا ليست إلاَّ النساء الإسرائيليَّات اللواتي صِرن سمينات من كثرة الولائم، وحياة الترف الزائد وعنيفات، هؤلاء اللواتي يسكُنَّ في السامرة يطلبن من رجالهن، أي من سادتهن أو "بعولهن" أن يحقَّقوا لهُنَّ ما يطلبه البعل الأعظم. فإن كانت عبادة البعل تقوم أساسًا على السكر بصورة صارخة، لهذا فهؤلاء "البعول" يقدِّمن الشرب لنسائهن. وكأن بقرات باشان هن مسئولات بصورة رئيسيَّة عن الظلم الذي يقع على الفقراء والبائسين بسبب تحريضهن بعولهن على ذلك لتحقيق ملذَّاتهن الزائلة، خاصة السكر الدائم بغير انقطاع!
ماذا يفعل الله بهؤلاء البقرات الظالمات؟
قد أقسم السيِّد الرب بقدسه: "هوذا أيام تأتي عليكن يأخذونكن بخزائم (صنَّارة أو كلاّب) وذُرِّيتكن بشصوص السمك، ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن (القصر، هرمون) يقول الرب"
أولًا: يقسم الرب بقدسه أنه يتدَّخل من أجل ما فعلته بقرات باشان بأولاده البائسين المحتاجين، لتحقيق شربهن وملذَّاتهن، فإنه يأخذهن بخزائم، وكما يقول الرب لسنحاريب ملك أشور على لسان إشعياء: "لأن هيجانك عليّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذنيّ، أضع خزامتي في أنفك وشكيمتي في شفتيك وأرُدَّك في الطريق الذي جئت فيه" (إش 37: 29، 2 مل 19: 28).
يبدو أن الخُزامة كانت توضع في أنف الحيوان العنيف لسحبه في مذلَّة، وخاصة الحيوانات المفترسة كالأسود، لذلك استخدمت في سحب المسبيِّين خاصة الملوك لإذلالهم، كما فعل ملك أشور بمنسى (2 أي 33: 11).
فإن كانت بقرات باشان قد هاجت على المساكين لأجل ملذَّاتهن، فإن الله يسحبهن كأسيرات، يمسك بهن ويضع خزائم في أنوفهن ليصرن مسبيَّات بلا كرامة ولا سلطان أو قوَّة.!
العالم في ملذَّاته يلهو بالإنسان فيجعله كحيوان مفترس، ظانًا أنه ليس من يهرب من بين يديه وأنيابه، لكنه سرعان ما يجد نفسه مقتادًا في مذلَّة إلى حيث يذوق ثمرة ظلمه.
ثانيًا: لا يقف التأديب عند البقرات، وإنما يصطاد أولادهن كالسمك بالصنَّارة! فالإنسان في لهوه يهيِّئ الخسارة بل والهلاك حتى لأولاده.
إن كان بنو إسرائيل يمثِّلون النفس البشريَّة، فإن نساءهم أي بقرات باشان يُشرن إلى الجسد الذي يسقط في مذلَّة مع النفس ويتحطَّم، أمَّا الأولاد فيُشيرون إلى مواهب الإنسان التي تهوى مع الخطيَّة ليفقد الإنسان روحه وجسده وكل مواهبه وطاقاته بسبب الخطيَّة. على العكس فإن الصدِّيق تفرح نفسه ويتقدَّس جسده وتنمو مواهبه، وكما يقول المرتِّل: "اِمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك، هكذا يبارَك الرجل المتَّقي الرب" (مز 128: 3-4)، يتبارك هو وامرأته وأولاده، أي نفسه وجسده وكل مواهبه!
ثالثًا: تخرج كل بقرة من الشقوق على وجهها لتندفع إلى الحصن، أو إلى القصر أو إلى هرمون (حسب النص اليوناني). لعلَّ الشقوق قد حدثت في الأسوار، إذ رفضت بقرات باشان بظلمها ونجاساتها أن تبقى داخل أسوار الوصيَّة الإلهيَّة، فهربت من الشقوق لكي لا تلتقي بالوصيَّة، وانطلقت إلى القصر الذي صنعته لنفسها أو الحصن الذي هو من عمل يديها، لعلَّه يقدر أن يحميها، كما فعل الإنسان قديمًا حين حاول بناء برج بابل ليختفي فيه من وجه الله عند الطوفان!
إن كان النص اليُّوناني ذكر "حرمون" عِوض الحصن، فلعلَّ الشقوق هنا تعني أن بقرات باشان اللواتي صنعن ظلمًا ضد البائسين تسقطن تحت السبي عندما تتشقَّق أسوار السامرة وتنهدم، فلا تجدن مهربًا بل يؤخذن للسبي كما للذبح، وينطلق بهن العدوّ إلى هرمون حيث السبي، أو إلى القصر أو الحصن ليبقين هناك مسبيَّات ذليلات.
بقرات باشان الظالمة
"اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة، الظالمة المساكين، الساحقة البائسين، القائلة لسادتها: هات لنشرب"
"باشان" اسم عبري يعني "أرض مستوية أو ممهَّدة"، كان يشير إلى نصف سبط منسَّى (تث 3: 13)، تقع في أرض كنعان شرقي الأردن بين جبل حرمود وجلعاد (عد 21: 33)، تربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. ذُكرت في الكتاب المقدَّس حوالي 60 مرَّة. عُرفت بقطيعها (مز 22: 12، حز 39: 18)، الذي اتَّسم بالشحم الكثير (تث 32: 14)، واشتهرت بغابات البلُّوط الدائمة الخُضرة (إش 2: 13، حز 27: 6، زك 11: 2) حتى يومنا هذا.
هنا يشبِّه الرب شعب بني إسرائيل ببقرات باشان السمينة والقويَّة، التي ترعى في مراع دسمة، وقد اتَّسمت بظلمها للمساكين وسحْقها للبائسين. لقد رعى أغنياء الشعب وأشرافه وسط غنى فاحش، مغتصبين كل شيء لحسابهم. وعِوض أن يغيثوا البائسين والمظلومين يستغلُّون فقرهم وبؤسهم وعجزهم ليسحقوهم بالأكثر بالظلم والاستبداد، فيزداد الغني في غناه، والفقير في فقره وبؤسه.
هؤلاء الأغنياء يذهبون إلى السادة الظالمين مثلهم ويقولون: "هات لنشرب"، أي لنسكر معكم في ولائكم وننعم بالملذَّات والشهوات وسط سحق البائسين ودموع المظلومين، وكأنهم لا يجدون لذَّة في السكر إلاَّ بمزجها بالدموع وخلطها بالظلم. وكما يقول الحكيم: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس، فهوذا دموع المظلومين ولا مُعزّ لهم، ومن يد ظالميهم قهر" (جا 1: 4).
ويرى البعض أن بقرات باشان هنا ليست إلاَّ النساء الإسرائيليَّات اللواتي صِرن سمينات من كثرة الولائم، وحياة الترف الزائد وعنيفات، هؤلاء اللواتي يسكُنَّ في السامرة يطلبن من رجالهن، أي من سادتهن أو "بعولهن" أن يحقَّقوا لهُنَّ ما يطلبه البعل الأعظم. فإن كانت عبادة البعل تقوم أساسًا على السكر بصورة صارخة، لهذا فهؤلاء "البعول" يقدِّمن الشرب لنسائهن. وكأن بقرات باشان هن مسئولات بصورة رئيسيَّة عن الظلم الذي يقع على الفقراء والبائسين بسبب تحريضهن بعولهن على ذلك لتحقيق ملذَّاتهن الزائلة، خاصة السكر الدائم بغير انقطاع!
ماذا يفعل الله بهؤلاء البقرات الظالمات؟
قد أقسم السيِّد الرب بقدسه: "هوذا أيام تأتي عليكن يأخذونكن بخزائم (صنَّارة أو كلاّب) وذُرِّيتكن بشصوص السمك، ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن (القصر، هرمون) يقول الرب"
أولًا: يقسم الرب بقدسه أنه يتدَّخل من أجل ما فعلته بقرات باشان بأولاده البائسين المحتاجين، لتحقيق شربهن وملذَّاتهن، فإنه يأخذهن بخزائم، وكما يقول الرب لسنحاريب ملك أشور على لسان إشعياء: "لأن هيجانك عليّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذنيّ، أضع خزامتي في أنفك وشكيمتي في شفتيك وأرُدَّك في الطريق الذي جئت فيه" (إش 37: 29، 2 مل 19: 28).
يبدو أن الخُزامة كانت توضع في أنف الحيوان العنيف لسحبه في مذلَّة، وخاصة الحيوانات المفترسة كالأسود، لذلك استخدمت في سحب المسبيِّين خاصة الملوك لإذلالهم، كما فعل ملك أشور بمنسى (2 أي 33: 11).
فإن كانت بقرات باشان قد هاجت على المساكين لأجل ملذَّاتهن، فإن الله يسحبهن كأسيرات، يمسك بهن ويضع خزائم في أنوفهن ليصرن مسبيَّات بلا كرامة ولا سلطان أو قوَّة.!
العالم في ملذَّاته يلهو بالإنسان فيجعله كحيوان مفترس، ظانًا أنه ليس من يهرب من بين يديه وأنيابه، لكنه سرعان ما يجد نفسه مقتادًا في مذلَّة إلى حيث يذوق ثمرة ظلمه.
ثانيًا: لا يقف التأديب عند البقرات، وإنما يصطاد أولادهن كالسمك بالصنَّارة! فالإنسان في لهوه يهيِّئ الخسارة بل والهلاك حتى لأولاده.
إن كان بنو إسرائيل يمثِّلون النفس البشريَّة، فإن نساءهم أي بقرات باشان يُشرن إلى الجسد الذي يسقط في مذلَّة مع النفس ويتحطَّم، أمَّا الأولاد فيُشيرون إلى مواهب الإنسان التي تهوى مع الخطيَّة ليفقد الإنسان روحه وجسده وكل مواهبه وطاقاته بسبب الخطيَّة. على العكس فإن الصدِّيق تفرح نفسه ويتقدَّس جسده وتنمو مواهبه، وكما يقول المرتِّل: "اِمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك، هكذا يبارَك الرجل المتَّقي الرب" (مز 128: 3-4)، يتبارك هو وامرأته وأولاده، أي نفسه وجسده وكل مواهبه!
ثالثًا: تخرج كل بقرة من الشقوق على وجهها لتندفع إلى الحصن، أو إلى القصر أو إلى هرمون (حسب النص اليوناني). لعلَّ الشقوق قد حدثت في الأسوار، إذ رفضت بقرات باشان بظلمها ونجاساتها أن تبقى داخل أسوار الوصيَّة الإلهيَّة، فهربت من الشقوق لكي لا تلتقي بالوصيَّة، وانطلقت إلى القصر الذي صنعته لنفسها أو الحصن الذي هو من عمل يديها، لعلَّه يقدر أن يحميها، كما فعل الإنسان قديمًا حين حاول بناء برج بابل ليختفي فيه من وجه الله عند الطوفان!
إن كان النص اليُّوناني ذكر "حرمون" عِوض الحصن، فلعلَّ الشقوق هنا تعني أن بقرات باشان اللواتي صنعن ظلمًا ضد البائسين تسقطن تحت السبي عندما تتشقَّق أسوار السامرة وتنهدم، فلا تجدن مهربًا بل يؤخذن للسبي كما للذبح، وينطلق بهن العدوّ إلى هرمون حيث السبي، أو إلى القصر أو الحصن ليبقين هناك مسبيَّات ذليلات.