من عظة في عيد الغطاس ++ القمص أثناسيوس فهمي جورج


من كتاب القديس إغريغوريوس صانع العجائب، أسقف قيصرية الجديدة
من عظة في عيد الغطاس ++ القمص أثناسيوس فهمي جورج

انصتوا يا أحبائ المسيح لحديثى هذا عن معمودية المسيح في الأردن، لعله يثير اشتياقكم إلى الرب الذي فعل الكثير لاجلنا بتنازله إلى مستوانا...لانه جيد هو التعطش في أمور خلاصنا! لنأت إذن كلنا من الجليل إلى اليهودية، ولنخرج مع المسيح لأنه طوبى للذين يشتركون في السفر في طريق الحياة!

تعالوا بخطوات حكيمة إلى الإردن لنرى يوحنا المعمدان وهو يعمد ذاك الذي لا يحتاج إلى معمودية ومع ذلك يخضع نفسه لطقسها، وذلك حتى يهبنا نعمة المعمودية مجاناً، تعالوا لنعاين صورة تجديد خلقتنا في مياه هذا النهر.

"حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه" (مت 3: 13).

يا لعظم اتضاع الرب! يا لغنى تنازله! ملك السموات يسرع إلى يوحنا سابقه، دون أن يأمر ربوات الملائكة بأن تحوطه أو أن تواكبه الجيوش وتبشر بقدومه! بل ها هو يقدم نفسه ببساطة شديدة في هيئة جندى إلى تابعه، ثم اقترب إليه كواحد من الجمهور، وتواضع جاعلاً نفسه بين الأسرى في حين انه هو محررهم!!! وساوى نفسه مع الذين هم تحت الدينونة في حين انه هو الديان! وانضم إلى الخراف الضالة في حين انه هو الراعى الصالح الذي من أجل الخراف الشاردة نزل من السماء!

ولما رأه وتعرف على ذاك الذي سبق أن تعرف عليه وارتكض وهو في بطن أمه وسجد له، احنى رأسه مثل عبد مملوء حباً لسيده قائلاً: "أنا محتاج أن اعتمد منك وأنت تاتى إلى" (مت 3: 14).
ما هذا الذي تفعله يا سيدي؟ أنا المحتاج أن اعتمد منك، لماذا ترغب أن تأخذ ما لا تحتاجه؟ لماذا تثقل على أنا خادمك، بتنازلك السامي إلى؟ فالأقل هو الذي يتبارك من الأعظم، والأعظم لا يتبارك ولا يتقدس من الأصغر.

إنى أعرفك يا سيدي، وخبرتك جيداً، لأنه لا يمكن لأحد أن يتعرف عليك إن لم يتمتع باستنارة منك، اعرفك يا رب لاننى رأيتك بالروح قبل أن أعاين هذا النور، إنك عندما كنت بكل ملئك في حضن أبيك السماوي غير الجسداني، كنت أيضاً بملئك في بطن أمتك وأمك، وأنا رغم اننى حسبت في بطن أليصابات بالطبيعة كما في سجن،وثبت واحتفلت بميلادك بتهليل مسبق! فهل أنا الذي أعلنت حلولك على الأرض قبل ميلادك اخفق في إدراك مجيئك بعد ميلادك؟ لا يمكنني أن أصمت وأنت موجود لأننى "صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب" (مت 3:3).

إنني عندما ولدت أزلت عقم أمي، وبينما كنت طفلاً صار اسمي شافياً لخرس أبى، إذ قد أخذت منك منذ طفولتي موهبة صنع المعجزات، أما أنت فإذ ولدت من العذراء مريم -حسب مشيئتك- فلم يلغ ميلادك بتوليتها ولكنك حفظتها، كما أن البتولية لم تحل دون ميلادك، ولكن هذين الأمرين -أي الولادة والبتولية- رغم أنهما متضادان تماماً، فقد صارا متجانسين ومتحدين لأجل هدف واحد، لأن هذا يظل ممكناً بك يا مبدع الطبيعة.

إننى مجرد إنسان، أما أنت فإله مع أنك صرت إنساناً، لأنك بطبيعتك محب البشر، إن أنت هو بهاء مجد الآب (عب 1: 3) والصورة الكاملة للاب الكامل، أنت هو النور الحقيقى الذي يضل كل انسان أت إلى العالم (يو 1: 9) أنت الذي سكنت بيتنا واظهرت ذاتك لعبيدك في هيئة عبد، أتأتى أنت إلى؟ أيأتى الملك إلى سابقه وممهد الطريق له؟ السيد إلى العبد؟

ورغم أنك لم تخجل من أن تولد في أحقر الأوَاع حسب المقاييس البشرية، إلا أننى لا املك القدرة على تعدى المقاييس الطبيعية، إننى اعرف الفارق الكبير بين التراب والخالق، وبين الطين والخزاف، إننى اعرف مقدار علوك يا شمس البر، عنى أنا الذي هو مجرد المصباح الذي يكشف الطريق إلى نعمتك.

" لست أهلاً أن أحل سيور حذائك" (لو 3: 16) فكيف أجروء على لمس رأسك التي بلا عيب؟ كيف يمكننى أن أمد يدى اليمنى عليك ايها "الباسط السموات كشقة" (مز 104:2) و" الباسط الأرض على المياه" (مز 136: 6)؟ كيف أمد هاتين اليدين البشريتين الوضيعتين على رأسك؟ كيف أغسلك يامن هو بلا دنس ولا خطية؟ كيف أنير النور؟ واى نوع من الصلاة أرفعها عنك يا من تقبل الصلاة حتى من الذين يجهلونك؟

" هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1: 29) فيا نهر الأردن رافقنى مع خورس ممتع، واقفز معى، وحرك مياهك بطريقة إيقاعية كما في حركات العازفين لأن خالقك يقف بجانبك في الجسد! اليوم تتدفق المياه بسهولة وتحتضن الأعضاء غير الدنسة التي لذاك الذي يقدس الكل!! أيتها الخليقة كلها باركى الرب الذي جاء عبر نهر الأردن، لأنه من خلال جداول هذا النهر سيصل التبرير والتقديس إلى كل الأنهار!!

فأجابه الرب يسوع قائلاً "اسمع الآن لأنه هكذا يليق أن نكمل كل بر" (مت 3:15)

فلما سمع المعمدان هذا الكلام وجه قلبه نحو واضع الخلاص الرب يسوع، وادرك السر الذي أخذه ونفذ الأمر الإلهى. لأنه كان يتقواه مستعداً للطاعة، وعمد الرب.

"هذا هو ابنى الحبيب الذي به سرت "بتلك الكلمات التي نطقها الاب من السماء بما يشبه الرعد استنار جنس البشر وادركوا الفرق بين الخالق والمخلوق، بين الملك وأحد جنوده، وإذ تقووا بالإيمان اقتربوا من خلال معمودية يوحنا إلى المسيح إلهنا الحقيقى الذي ها هو يتمم وعده ويعمدنا "بالروح القدس ونار" له المجد مع أبيه الصالح والروح القدس المحيى، الثالوث القدوس الآن وإلى دهر الدهور آمين.