الحاجة الي الله ++++ القمص تادرس يعقوب



من تاملات ملاخي 1 +++ القمص تادرس يعقوب

الحاجة الي الله
وَحْيُ كَلِمَةِ الرَّبِّ لإِسْرَائِيلَ عَنْ يَدِ مَلاَخِي

يترجم البعض كلمة "وحي" هنا أنها "ثقل"، فقد كانت كلمة الرب بالنسبة لإسرائيل في شره لا تمثل بهجة وفرحًا وعذوبة، لأنها تكشف عن جراحاتهم بغير مداهنة. لذلك حسبوها ثقلًا عليهم، تحزنهم حتى كانوا غير قادرين على سماعها. إنها عبء بالنسبة لمن لا يطلب خلاص نفسه، أما الجادون في خلاص أنفسهم فيجدونها نيرًا هينًا وحلوًا (مت 11: 30).

أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَا أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوب،َ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ .

إذ يكشف هذا السفر عن دعوة كل الأمم والشعوب بقبول الإيمان، يبدأ بتأكيد حب الله لشعبه مجانًا وبدون استحقاق من جانبهم. لكنهم استخفوا بمحبته، واحتقروا اسمه ونجسوا التقدمات والذبائح. لهذا لم يعد يُسر الله بهم ماداموا يسلكون هكذا، ويفتح الباب لكل الأمم من مشرق الشمس إلى مغربها ليتمجد اسمه في كل الأرض.

بدأ يفتح جراحات شعبه لتنظيفها ومعالجتها، مؤكدًا لهم أنه يفعل هذا لا عن كراهية أو بغضة، بل عن حبٍ وحنوٍ، لهذا تبدأ رسالة الله لهم بالقول: "أحببتكم". هذا ما أكده الله على الدوام عن لسان أنبيائه: "محبة أبدية أحببتك، ومن أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (إر 31: 3). "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته" (هو 11: 1)، "لأن الرب يُسٌر بكِ" (إش 4: 62).

هكذا يبدأ حديثه بإعلان حبه، ليؤكد أنه وإن وبخ إنما لأنه أب: "إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه" (رؤ 3: 19)، كما يوبخهم، لأنهم لم يردوا له الحب بالحب.

يحتاج الإنسان إلى من يحبه ومن يتقبل حبه، لهذا كثيرًا ما يؤكد الله لأولاده: "أحببتكم". لكن إذ تمُر بالإنسان ظروف تبدو في عينيه قاسية ومُرة، يتساءل في داخله: "أين هي محبة الله لي؟"

لقد تشككوا في محبته لهم، واستهانوا بها، "وقلتم: بِمَ أحببتنا؟" بقولهم هذا يستخفون بحب الله وعنايته بهم.

"أليس عيسو أخًا ليعقوب، يقول الرب، وأحببت يعقوب". كثيرًا ما يظن اليهود أن الله ملتزم بالحب نحوهم بكونهم أبناء إبراهيم، وأنه يرد لهم الحب كمن هو مدين لأبيهم. لهذا يقول لهم: لو أنني أحبكم ردًا لحب إبراهيم ليّ لكان الأولى أن يتمتع عيسو بحبي أكثر من يعقوب، لأنه البكر، ومع هذا فإن يعقوب اغتصب بالإيمان العملي حب الله، بينما سقط عيسو بقسوة قلبه تحت الغضب. لا تقوم محبة الله على المحاباة، ولا على القرابات الجسدية المجردة، فقد كان عيسو ويعقوب أخوين توأمين في رحمٍ واحدٍ، فتمتع يعقوب بالدخول في عهد مع الله، وحُرم عيسو نفسه من العطية.

هذه العطية التي نالها يعقوب مجانية، ليس له فضل فيها، إنما هي حسب مسرة الله، ولكن ليست إلزامًا أو قهرًا، إنما خلال تجاوب الإنسان مع النعمة الإلهية المجانية.

يسبق الله فيعرف الناس الخطاة وهم في رحم أمهاتهم (تك 25: 23).

+ "زاغ الأشرار من الرحم، ضلوا من البطن، متكلمين كذبًا" (مز 58: 3). ما هذا؟ لنبحث في أكثر اهتمام، فإنه ربما يقول هذا لأن الله سبق فعرف البشر الذين هم خطاة وهم في رحم أمهاتهم. لذلك عندما كانت رفقة لا تزال حاملًا، وقد حملت توأمين، قيل: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (مل 1: 2، رو 9: 13). فقد قيل: "الأكبر يخدم الأصغر". كان حكم الله مخفيًا في ذلك الوقت، ولكن من الرحم، من الأصل ذاته يزوغ الخطاة. من أين يزوغون؟ من الحق. من أين يزوغون؟ من المدينة الطوباوية، من الحياة المطٌوبة .++ القديس اغسطينوس

+ احتقر قايين أخاه، كما احتقر الله. كيف احتقره؟ بإجابته الوقحة على الله: "أحارس أنا لأخي؟" (تك 4: 9). احتقر عيسو أخاه، وهو أيضًا احتقر الله. لذلك قال الله: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (رو 9: 13، مل 1: 2-3). ++ القديس يوحنا ذهبي الفم

+ إننا نفكر بالصواب بقولنا إن "الله يُحب العدل، ويبغض الاختلاس بالظلم". وهذا لا يعني بأن له ميل تجاه الواحد أو تجاه الآخر، ويقبل ما هو مضاد، لدرجة أنه يفضل هذا ولا يفضل ذاك. فهذه هي سمة المخلوقات، بل يعني أنه كقاضٍ يحب الأبرار ويعينهم، ويعزف عن الأشرار . ++ القديس أثناسيوس الرسولي

أعلن الله حبه لإسرائيل قائلًا: "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هو 11: 1)، فقد دعاه غلامًا وابنه. في غير محاباة، إذ أصر شعب إسرائيل على شرورهم يدعوهم نبيه القديس يوحنا المعمدان: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟!" (مت 3: 7). هكذا ليس لدى الله محاباة!

+ إنها ثمرة غباوتهم وتفكيرهم الطفولي أن يعانوا من هذه العقوبة. لقد دعوتهم من مصر، وحررتهم من العبودية القاسية، لكنهم أظهروا جحودًا ليّ، واختاروا عبادة الأوثان. أنا الذي علَّمتهم المشي، وشفيتهم من سلوكهم البشع، وأظهرت لهم حنوًا أبويًا، واستخدمت معهم كل أنواع العلاج، رفضوا أن يعرفوني، مع أنني حفظتهم من دمارٍ مضاعفٍ بيد الغازين. أنهم كمن نشبوا بأظافرهم فيّ، وأنا أحبهم كما لو كان ذلك قيدًا . ++ ثيؤدورت أسقف قورش 

+ دُعي إسرائيل رمزيًا ابنًا منذ كان في مصر (مت 2: 15)، لكنه فقد بنوته بتعبده للبعل وتقديم بخور للأوثان، فأعطاهم يوحنا اسمًا لائقًا بهم "أولاد الأفاعي" (مت 3: 7). إذ فقدوا لقب البنوة الذي انسكب عليهم خلال النعمة في أيام موسى، نالوا من يوحنا اسمًا متطابقًا مع أفعالهم . ++ القديس مار أفرام السرياني

وَأَبْغَضْتُ عِيسُو،َ وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا، وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الْبَرِّيَّةِ؟

تحدى أدوم (عيسو) إله إسرائيل ولم يبالِ بإرادته الإلهية، فسقط في خرابٍ أبديٍ في الوقت المناسب. بينما نال إسرائيل الذي كان تحت التأديب بركة إعلان مجد الله في تخومه. هذا العمل قائم على الدوام روحيًا، فإن تحدى اليهودي أو الأممي إله القوات يصير كأنه أدوم الروحي، ويطيل الله عليه أناته، وإذ يمتلئ كأسه بالشر يسقط في الهلاك الأبدي. بينما كثير من الأمم الذين كانوا أدوم الروحي المعاند، إذ يرجعون إلى الرب يصيرون إسرائيل الجديد الممتلئ بأمجاد إلهيةٍ.

كان عيسو عنيفًا مع أخيه ووالده ووالدته، فتزوج من بنات حثِ زوجتين، "فكانتا مرارة نفس لإسحق ورفقة" (تك 26: 35). شرب من الكأس الذي ملأه لوالديه وأخيه، فحلٌ الخراب بقلبه، وارتد هذا الخراب حتى على جبال سعير التي كانت "ميراثه". إذ قام جيش الكلدانيين بتخريبها، حتى أصبحت مسكنًا لذئاب البرية، إذ صارت مقفرة جدًا.

شرب بنو عيسو أو بنو أدوم الشامتون في خراب أورشليم (مز 137: 7) من ذات كأس الترنح الذي ملأوه لغيرهم.

لقد كان الله طويل الأناة جدًا على أدوم، فتركها جيلًا بعد جيل، حتى ظن البعض كأن تهديدات الله لهم لم تكن إلاَّ كلامًا بلا فعلٍ، وأخيرًا سقطت في خرابٍ دائمٍ، فلم تقم بعد مملكة لأدوم.

حملت رفقة الاثنين، يعقوب وعيسو. الزرع واحد، لكن اللذين حُمل بهما مختلفان. الرحم واحد، واللذان حملت بهما مختلفان. أليست المرأة الحرة حملت عيسو؟ لقد تصارعا في رحم والدتهما، هناك تشاجرا، وقيل لرفقة: "في رحمك شعبان" رجلان، شعبان، لكنهما تصارعا في الرحم. كم من أشرار يوجدون في الكنيسة! رحم واحد يُحبل بهم حتى ينفصلوا في النهاية، والأشرار يصرخون ضد الصالحين وكلاهما يصارعان في أحشاء أمهما الواحدة .

+ من هو غبي شرير فيقول إن الله غير قادر على تغيير الإرادة الشريرة للناس، كيفما يشاء، وحينما يشاء، وأينما يشاء، فيجعلها صالحة؟ لكنه إذ يعمل، إنما يعمل خلال الرحمة؛ وعندما لا يعمل إنما خلال العدل. إذ "هو يرحم من يشاء، ويقسي من يشاء" (رو 9: 18). الآن عندما قال الرسول هذا، يمتدح النعمة، هذه التي تحدث عنها عندما ربطها بتوأمي رحم رفقة. "لأنه وهما لم يُولدا بعد، ولا فعلا خيرًا أو شرًا، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها أن الكبير يُستعبد للصغير" (رو 9: 11-12). بالتبعية يُشير إلى شهادة نبوية أخري، حيث كتب: "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (مل 1: 2-3). وإذ تحقق كيف أن ما قاله قد يُسبب اضطرابًا لأولئك الذين لم يستطع فهمهم أن يدخلوا إلى هذا العمق للنعمة، أضاف: "فماذا نقول: ألعل عند الله ظلمًا؟ حاشا!" (رو 9: 14). ومع هذا يبدو أنه في ظلم، دون أي استحقاق عن أعمالٍ صالحةٍ أو شريرة، يحب الله أحدًا ويبغض الآخر. الآن لو كان الرسول أراد منا أن نفهم وجود أعمال صالحة مستقبله للآخر- هذه التي حتمًا قد سبق فعرفها الله - لما قال: "ليس من الأعمال" (رو 9: 11) بل قال: "عن أعمال في المستقبل". هكذا أراد أن يحل المعضلة؛ أو بالحري أراد ألاَّ يترك معضلة لكي تحل. إذ أضاف للحال: "حاشا!" (ليظهر أنه لا يوجد ظلم في الله). "لأنه يقول لموسى: إني أرحم من أرحم، وأتراءف على من أتراءف" (رو 9: 15). الآن من هو سوى الغبي ذاك الذي يظن في الله ظلمًا سواء عندما يوقع جزاء على من يستحق، أو يظهر رحمة على غير المستحق؟ أخيرًا يختم الرسول بالقول: "فإذًا ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل لله الذي يرحم" (رو 9: 16) . ++ القديس اغسطينوس

+ منذ بداية العالم، من بين الابنين اللذين ولدا لآدم، هابيل الأصغر مختار، بينما قايين الأكبر - بكونه رمزًا لليهود غير المؤمنين - قد دُين. بعد ذلك في وقت إبراهيم، تحقق ذات الرمز في سارة وهاجر. كانت سارة عاقرًا إلى وقت طويل كرمز للكنيسة، بينما هاجر كرمزٍ للمجمع اليهودي حملت ابنًا للحال. هنا الابن الأصغر - اسحق - قبل في الميراث، وأما إسماعيل الأكبر فحُرم منه. تبدو هذه الحقيقة إنها تحققت في الاثنين: يعقوب الأصغر أحبه الله، بينما عيسو رُفض كما هو مكتوب: "أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (مل 1: 2-3). هذا الرمز أيضًا معروف أنه يتحقق في أختين اتخذهما يعقوب زوجتين: راحيل الصغرى، أحبها يعقوب أكثر من ليئة، الكبرى. في الواقع من الأولى ولد يوسف الذي بيع في مصر كرمزٍ لربنا ومخلصنا. هكذا كانت ليئة ضعيفة البصر، بينما كانت راحيل جميلة الملامح، هذا أيضًا له معنى: تُفهم ليئة بكونها مجمع اليهود، وراحيل تُشير إلى الكنيسة. الإنسان الذي تُصاب عيناه الجسديتان بالتهاب لا يقدر أن يتطلع إلى بهاء الشمس. هكذا كان المجمع، الذي كان له عيون قلبه مملوءة حسدًا وحقدًا ضد ربنا ومخلصنا كما بفيضانٍ مملوء سمًا، لا تقدر أن تتطلع إلى سمو المسيح، الذي هو شمس العدل (مل 4: 2) . ++ الأب قيصريوس أسقف أرل

لأَنَّ أدوم قَالَ: قَدْ هُدِمْنَا فَنَعُودُ وَنَبْنِي الْخِرَبَ. هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ. وَيَدْعُونَهُمْ تُخُومَ الشَّرِّ، وَالشَّعْبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ الرَّبُّ إِلَى الأَبَدِ.

ظن أدوم أنه قادر بذاته أن يقوم من هذا الخراب الذي حٌل به دون إصلاح القلب وطرد الذئاب الداخلية. لقد سقط أدوم في آمالٍ باطلةٍ، فظنوا أنهم يستطيعون القيام ببناء الخرب، كما حدث مع أورشليم .

بقولهم: "نعود فنبني الخرب" يرون أن الأمر في أيديهم ويعتمد على إمكانياتهم العسكرية وتخطيطهم، سواء أراد الله ذلك أو لم يرد. لذلك "هكذا قال رب الجنود: هم يبنون، وأنا أهدم". إذ لا يستطيعون الوقوف في تحدٍ أمام الله.

بتحديهم يصيرون مثلًا وعبرة للنفوس المتشامخة على الله. "ويدعونهم تخوم الشر، والشعب الذي غضب عليه الرب إلى الأبد" . يدرك الكل كلمات أيوب: "من تصلب عليه فَسلِمَ" (أي 9: 4).

إذ رفض اليهود السيد المسيح، وقاوموا إنجيله وكنيسته صاروا أدوميين، وتمت فيهم هذه العبارة، لأنهم لما حاولوا إعادة بناء الهيكل في أورشليم أيام الإمبراطور أدريان هدم الله ما بنوه، بحدوث زلزلة وخروج ألسنة نارية، فاضطروا إلى التوقف عن البناء .

+ إن نطق الله ألف كلمة متهمًا إيانا، لن نستطيع أن نقاوم كلمةً واحدةً. ماذا يقول النبي: "لن يتبرر في عينيك إنسان" (مز 143: 2) . ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

+  "أعترف لك بخطيتي يا إلهي، وأنت رفعت إثم قلبي" (راجع مز 32: 5) لست أُجادل معك في الحكم، يا أيها الحق، فإني لا أُريد أن أخدع نفسي، لئلا يقف إثمي ضدي . القديس اغسطينوس

فَتَرَى أَعْيُنُكُمْ وَتَقُولُونَ: لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ مِنْ عَُِنْدِ تُخُمِ إِسْرَائِيلَ.

إذ صار قلب أدوم قفرًا، ليس فيه أثر للحب، بل حمل خبث الذئاب، تحولت جباله إلى خرابٍ، وصار ميراثه ملكًا لذئاب البرية. الآن إذ يطلب إسرائيل وهو تحت التأديب التدخل الإلهي، يتمجد الله في تخومه كما يتمجد في أعماقه الداخلية. هذه هي مسرة الله أن يصير العالم كله إسرائيل الجديد الروحي الحامل لمجد الله في الداخل والخارج.

جاء كلمة الله لكي ينقلنا خلال المعمودية من البنوة لعدو الخير إلى البنوة لله، ويحولنا من أدوم الحاملة للقلب الذئبي القفر إلى إسرائيل الجديد الحامل للمجد الإلهي.