مريح التعابى والثقيلي الأحمال +++ البابا شنودة الثالث



تامل من كتاب حياة الرجاء +++ البابا شنوده الثالث
مريح التعابى والثقيلي الأحمال

كل إنسان في الدنيا له متاعبه الخاصة، سواء كانت متاعب ظاهرة للآخرين، أو مكتومة في القلب، سواء كانت متاعب روحية، أو متاعب نفسية، أو متاعب جسدية، أو متاعب عائلية اجتماعية.

والسيد المسيح قد جاء من أجلي التعابى.

جاء "يطلب ويخلص ما قد هلك" (متي 18: 11). جاء ليخلص العالم من خطيئته كما قال إشعياء النبي "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (اش 53: 6) وأيضًا جاء المسيح ليخلص العالم من آلامه ومتاعبه، ولذا قال نفس النبي "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها (اش 53: 4). وهو أيضًا قال "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متي 11: 28).

لماذا قال "يا ثقيلي الأحمال؟" ربما لأن الذي حمله خفيف يحتمل ويسكت. أما الذي حمله ثقيل، فليس أمامه إلا أن يقول: يا رب..

المفروض أن نلجأ إلي الرب، سواء كان الحمل ثقيلًا أو خفيفًا. ولكن علي الأقل إذا كان الإنسان مضغوطًا جدًا من ثقل أحماله، فلن يجد أمامه سوي وعد الرب بأن يريحه.

تعالوا.. وأنا أريحكم. إنها دعوة ووعد.

دعوة من الله، ووعد إلي عالم تعبان، مثقل بمشاكل من كل نوع: مشاكل الانشقاقات والحروب، ومشاكل الإسكان والتموين، ومشاكل الزواج والطلاق، ومشاكل التطرف والإرهاب، ومشاكل الفساد والإدمان. وفي كل هذه المشاكل، يقول الرب تعالوا إلي يا جميع المتعبين.. وأنا أريحكم.

وهنا نجد صفة جميلة من صفات الرب، وهو أنه مريح.

مريح التعابى والثقيلي الأحمال، كثيرون في متاعبهم يجلسون مع آخرين فيزيدونهم تعبًا علي تعبهم. وقد يلجأون إلي البعض، فلا يجدون منهم سوي الإهمال واللامبالاة. لكن المسيح المريح، كل من يلجأ إليه تستريح. إنه دائمًا يعطي. يعطي الناس راحة وهدوًا وعزاءًا، وسلامًا وطمأنينة في الداخل. ويرفع عن الناس أثقالهم، ويحملها بدلًا عنهم ويريحهم. وهكذا يفعل من لهم صورة الله..

قال الرب: أدعني في يوم الضيق، أنقذك فتمجدني (مز 50: 15).

البعض إذا أصابته ضيقة، يظل يغلي بالألم والحزن داخل نفسه. أفكاره تتعبه، ونفسيته تتعبه، وربما اليأس يتعبه. وربما لا يجد أمامه سوي الشكوى أو التذمر أو البكاء. وفي كل ذلك لا يفكر أن يلجأ إلي الله، ولا أن يضع أمامه قول المزمور:

"القي علي الرب همك. وهو يعولك" (مز 55: 252).

تعال إذن وكلم الرب عن متاعبك بكل صراحة، سواء كانت تتعبك معاملة الآخرين أو ضغوطهم. أو ظلمهم أو قسوتهم.. أو كانت تتعبك شكوك أو أفكار، أو خطايا، أو عادات مسيطرة عليك، وتأكد أن الرب يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها أنت ويريد أن يخلصك منها جميعًا. فاطلبه في رجاء وثقة، واضعًا أمامك قول المزمور:

"يستجيب لك الرب في يوم شدتك. ينصرك اسم إله يعقوب" (مز 20: 1)

وثق أن الكنيسة أيضًا تصلي من أجلك، حينما تقول في آخر صلاة الشكر "كل حسد وكل تجربة، وكل فعل الشيطان، ومؤامرة الناس الأشرار، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين انزعها عنا وعن سائر شعبك".. كذلك تذكر كل متاعبك في صلوات القداس الإلهي.

تأكد أيضا أن الضيقات ليست لونًا من التخلي.

فالله سمح أن رسله وقديسيه تصيبهم الشدائد، ولكنه كان واقفًا إلي جوارهم يريحهم.. وهكذا قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة "مكتئبين في كل شي، لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين.." (2 كو 8، 9).

نعم، ما أكثر متاعب الناس.. والمسيح مستعد أن يريحهم جميعًا.

هناك شخص يتعبه الآخرون. وهناك من تتعبه نفسه. كإنسان مغلوب من شهواته، أو مغلوب من طباعه، أو من عاداته. أو تعبان من أفكاره وضغطها عليه ويريد أن ينتصر علي نفسه ولا تستطيع.. هذا يستند علي قول الرب "تعالوا إلي يا جميع المتعبين.. وأنا أريحكم".

وهناك إنسان تتعبه الخطية ولا يستطيع فكاكًا منها..

كلما يتوب، يرجع فيخطئ مرة أخري. ومهما اعترف بخطية، يعود إليها ويكرر اعترافاته. يضع لنفسه تداريب روحية، ولكنه لا يثبت فيها. يحاول أن يغصب نفسه علي حياة البر، ومع ذلك فلا يزال يحيا في الخطية. خطيته هي هي منذ سنوات، وطبعه الرديء هو هو، ولا تحسن! إنه مغلوب وساقط. تكاد الخطية أن تصبح طبيعة له. وقد لجأ إلي الآباء والمرشدين الروحيين، وإلي القراءات وأقوال الآباء القديسين وسيرهم، ولا فائدة. هذا الإنسان ليس أمامه سوي قول الرب: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم".